رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لفائف البحر الميت للدكتور يوسف نصحى عطية لفائف البحر الميت – مخطوطات وادي قمران مقدمة "الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس" (مت 5: 18) " يبس العشب ، ذبل الزهر وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد " (إش 40: 8) " وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً أن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم .. لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسين مسوقين من الروح القدس" (2 بط 1: 19 ، 21) " قريب أنت يا رب وكل وصاياك حق منذ زمان عرفت من شهاداتك أنك إلى الدهر أسستها" (مز 119: 151، 152) صادق هو الكتاب المقدس، وصادقة هي كلماته، فالله هو كاتبه وحافظه إلى أبد الدهور، وأبداً لا يترك نفسه بلا شاهد. وقد يكون هذا الشاهد إنسان أو نبات أو ظاهرة طبيعية وربما مخلوقاً غير ناطقاً ، وإن سكت الجميع تكلما الحجارة معلنة مجد الله ، ومشيرة إلى قوته. وكلما ازداد هذا العالم علماً ، وكلما ازدادت طرق الدراسة الحديثة وانتشرت كلما تعجب أكثر من قوة الله ، وتأكد من صدق كلمته. ولعل الحديث لفائف البحر الميت بوادي قمران خير شاهد على عظمة الكتاب المقدس الذي لم يصبه أي تغير عبر القرون ، فرسالة الكتاب المقدس هي هي رغم طول الزمان وعوامل الفناء التي أثرت على معظم الكتابات الأخرى فلم تعد لها بقية أو أثر يذكر. وعلى الرغم من كثرة المخطوطات التي تم اكتشافها للكتب المقدسة العبرية ، لأسفار العهد القديم ، إلا أنه لم يمكن العثور على المخطوطات التي تحمل نص الأسفار مدونة بيد كتابها ، وريما يكون هذا الإخفاء لحكمة سماوية تعود إلى معرفة الله بطبائع البشر، فريما قدسوا هذا المخطوط الأول فقط دون غيره، واهتموا به وتركوا الرسالة السماوية نفسها، وربما تم إخفاء هذه المخطوطات في أماكن لم تكتشف بعد للمحافظة عليها من عوامل الزمن والفناء، ولابد أن نشير أيضاً أن هذه المخطوطات قد كتبت في فترة قديمة جداً. ونظراً لعدم وجود هذه المخطوطات فإن الاعتماد أصبح أكثر على المخطوطات القديمة المنقولة عنها ومقارنتها بعضها البعض، وكلما كانت المخطوطات أقدم تاريخياً كان الاعتماد عليها أكثر نفعاً. ولكن حتى ربيع سنة 1947م كانت أقدم مخطوطات عبرية معروفة للعهد القديم تعود إلى القرن التاسع الميلادي ، أي حوالي ألف وثلاثمائة عام من تاريخ الكتابة الأول وتسمى هذه النسخة بالنسخة الماسورية Masoretic Text والتي انتشرت بصورة ثابتة ابتداء من سنة خمسمائة ميلادية. وقد كان هذا الأمر مثير للمشككين الذين أدعوا أننا لا نستطيع الاعتماد على هذه النسخة ، وكيف نستطيع أن نتأكد من مطابقتها للنص الأول؟ والإجابة على هذا السؤال ظهرت بكل وضوح في اكتشافات ربيع سنة 1947م اكتشافات ربيع سنة 1947م ولكن في ربيع سنة 1947م أمكن الإجابة على السؤال السابق حيث ثم اكتشاف مخطوطات وادي قمران، والتي عادت بنا إلى القرن الأول قيل الميلاد أي حوالي ألف عام من النسخة الماسورية، وتوضح هذه المخطوطات مدي صدق كل من النسخة الماسورية والترجمة السبعينية Septuagint ، والتي ظل الاعتماد عليها فترة طويلة من الزمن كما توضح أيضاً مدى الدقة والعناية في نسخ هذه المخطوطات .. ولكن ما هي قصة هذا الاكتشاف؟ قصة الاكتشاف: + بدأت هذه القصة في ربيع سنة 1947م عندما قام اثنان من رعاة الغنم البدو بالبحث عن خروف ضائع في المنطقة الشمالية الغربية المطلة على البحر الميت في خربة قمران على بعد سبعة أو ثمانية أميال جنوب مدينة أريحا حيث تنشر الكهوف والتلال الصخرية. + وأراد محمد الديب أحد الراعين أن يبحث عن خروفه الضائع داخل أحد الكهوف ، وذلك بأن ألقى بعض الأحجار بداخله على أمل أن يكون خروفه الضائع بداخله، ولكن بدلاً من خروج الخروف الضائع سمع الراعي الصغير صوت تحطيم أواني فخارية ، فانصرف وعاد بعد ذلك مع أصدقاءه حيث دخلوا الكهف فوجدوا جراراً طينية كبيرة، وبالنظر داخلها وجدوا سبعة لفائف (أدراج) قديمة جداً ، وقد كانت هذه بداية أعظم اكتشاف لمخطوطات العهد القديم. + بعد ذلك أخذ الراعي الصغير هذه اللفائف إلى صاحب متجر بمدينة بيت لحم يدعى كاندو الذي قام بتقسيمها إلى قسمين: الأول ويشمل ثلاثة لفائف وصلت إلى دارس يهودي في الجامعية العبرية بأورشليم ويدعى سوكنك ، أما الأربعة لفائف الأخرى فوصلت إلى الأب أثناسيوس صموئيل رئيس أساقفة كنيسة السريان الأرثوذكسية، الذي أخذ هذه الأدراج إلى المدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية بعد حوالي عام من الاكتشافات حيث أدرك باحث شاب يدعى جون تريفر. إن إحدى هذه الأدراج مخطوط من العهد القديم لسفر إشعياء. + وعندئذ أخذ جون تريفر بعض الصور الفوتوغرافية إلى أحد علماء الحفريات المشهورين ويدعى وليم أولبريت في جامعة جونز هوبكنز بأمريكا، الذي أعلن أن هذا المخطوط لسفر إشعياء، وأقدم حوالي الف عام عن أي مخطوط آخر متاح لهذا السفر، وأن هذا الاكتشاف يعتبر أعظم اكتشاف حفري حتى الآن. + وفي 11 إبريل سنة 1948 م تم عرض هذا الاكتشاف المذهل الذي تناقلته جميع الدوائر المهتمة في العالم. محتويات الكهف الأول أما عن محتويات الكهف الأول فكانت مخطوطات سبعة هامة جداً وهي: 1- مخطوط كامل لسفر إشعياء يصل طوله حوالي 24 قدم ويرجع تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد وبمطابقته مع نسخ سفر إشعياء العبرية المنتشرة وجد أنها مطابقة إلى حد كبير. 2- مخطوط آخر لسفر إشعياء ولكنه غير مكتمل. 3- مخطوط يحوي تفسير قديم لسفر حبقوق الإصحاحان الأول والثاني 4- مخطوط (قوانين الجماعة) ويحوي القواعد التي تسير عليها الجماعة الدينية التي تسكن المكان. 5- مخطوط يحوي المعركة النهائية الكبرى بين الخير والشر في اليوم الأخير والتي تسمى حرب أبناء النور مع أبناء الظلمة. 6- مخطوط يحوي مزامير الشكر التي استخدمت في صلوات الجماعة. 7- مخطوط يحوي قصص الآباء البطاركة كما وردت في سفر التكوين. وتوالت الاكتشافات: وبعد اكتشاف الكهف الأول ، قام علماء الحفريات والبدو بالبحث في مئات الكهوف الأخرى بالمنطقة حيث وجدوا لفائف أو أجزاء منها في عشرة كهوف أخرى . وبينما نرى أن الكهف الأول والحادي عشر وحدهما اللذان يحتويان على مخطوطات كاملة إلا أن الكم الكبير من قصاصات المخطوطات يأتي من الكهف الرابع. الكهف الرابع تم اكتشاف هذا الكهف سنة 1952م ووجد أنه يحتوي على عشرات الآلاف من قصاصات المخطوطات، ويظن أن هذا الكهف هو المكان الذي هجرت فيه الجماعة مكتبتها الكبرى، حيث أمكن تجميع حوالي 382 مخطوط منها على أجزاء من العهد القديم بأكمله ما عدا سفر أستير ، وأكبر القصاصات التي وجدت حوالي 9 × 5.5 بوصة تحتوي على تجميع لعبارات العهد القديم والتي تتحدث عن نهاية الأزمنة ومجيء المسيا. ونجد في هذا الكهف بعض الأجزاء الهامة التي يجب الإشارة إليها مثل أجزاء مخطوط سفر العدد والتي تمثل نص وسط بين النسختين السامرية والسبعينية، كما نجد أيضاً مخطوط قديم لسفر صموئيل يرجع تاريخه بين سنتي (225 – 200 ق. م) ويتوافق مع الترجمة السبعينية ، وأيضاً نسخة من سفر إرميا وهو أحدث من النسخة السابقة، وبالكهف أيضاً مخطوط لسفر دانيال يرجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد حوالي نصف قرن فقط من كتابة النسخة الأولى للسفر كما نرى (14 مخطوط) لسفر التثنية، (12 مخطوط) لسفر إشعياء، (10 مخطوطات) لسفر المزامير، (8 مخطوطات) للأنبياء الصغار. الكهف الثالث ويعتبر هذا الكهف من الكهوف المثيرة للاهتمام حيث وجد به درج نحاسي مكون من جزأين ، ويختلف عن غيرة من الأدراج ، ويحتوي على تسجيل الأماكن التي تحتوي على الكنوز المخفية حول مدينة أورشليم، والتي تحوي أطنان من الذهب والكنوز ، ولكن.. ولسوء الحظ لم يستطع أحد أن يجد هذه الكنوز المخفية. الكهف الحادي عشر ويحتوي هذا الكهف على العديد من المخطوطات القديمة المكتملة نسبياً – فنجد مخطوط قديم لسفر اللاويين ومخطوط من سفر المزامير وآخر لسفر حزقيال، كما نجد ترجمة أرامية لسفر ايوب والتي لم تكن معروفة من قبل. وعلى هذا.. فأننا نرى أن المادة الكتابية التي قدمتها مخطوطات وادي قمران تمتد إلى حوالي ثلاثة قرون، فبعض الأجزاء القليلة ترجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد.. بينما يعود تاريخ معظمها ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وهي تؤكد النسخ العبرية المنتشرة لأسفار العهد القديم.. ولكن ... من هو كاتب هذه المخطوطات؟ ولماذا تم إخفاءها في الكهوف؟ ولماذا لم يعود أصحابها لاسترادها؟ خربة قمران وتعتبر أطلال خربة قمران أفضل معين للحصول على إجابات لهذه الأسئلة خربة قمران وتسمى مدينة الملح (يش 15: 52) ، وتقع على بعد 7 أو 8 أميال جنوب مدينة أريحا الحديثة في وادي قمران على الجانب الشمال الشرقي من البحر الميت، وقد مرت بثلاث فترات من البناء. الفترة الأولى: في عصر إسكندر جانوس (103 – 76 ق. م) بدأ بناء وازدهار بعض المستوطنات في هذه المنطقة حتى تحطمت المدينة في بداية حكم الملك هيرودس عن طريق زلزال مدمر، وكان ذلك حوالي سنة 31 ق.م وراح ضحيته 30 ألف قتيل من اليهودية كما أشار يوسيفوس المؤرخ، وقد ظل هذا المكان مهجوراً حتى نهاية حكم هيرودس (37 – 4 ق.م). الفترة الثانية: وبدأ في هذه الفترة إعادة إصلاح وبناء جزئي للمدينة القديمة وذلك في عصر أرخيلاوس (4 ق.م – 6 ب. م) وقد ظل بناء المستوطنات في نمو مستمر حتى ثورة اليهود الأولى ضد روما (66 – 70م ) عندما تم تحطيم هذا المجتمع على يد فرقة فسبسيان العسكرية في صيف سنة 68م ، وعلى ما يظن أن سكان هذه المدينة قد أحسوا بهجوم الرومان ففروا بعدما أخفوا مخطوطاتهم في بعض الكهوف حيث ظلت هناك إلى وقت اكتشافها سنة 1947م والأعوام التالية. الفترة الثالثة: وفيها قامت حامية عسكرية رومانية لحماية أريحا وذلك حتى نهاية القرن الأول الميلادي، ولا نسمع شيئاً عن هذا المنطقة إلا محاولة بعض اليهود احتلالها أثناء ثورة اليهود الثانية بقيادة سمعان باركوكبا (132 – 135م) مستعمرة قمران أما عن شكل وتنظيم هذه المستعمرة فقد استطاع علماء الحفريات تحديد الأماكن الرئيسية فيها ويلاحظ في هذا المجتمع وجود المبنى الرئيسي وبه القلعة الحصينة التي استخدمها رجال الجماعة في الدفاع عنهم، كما نرى قاعة الاجتماعات حيث تجتمع الجماعة لتناول الوجبات بينما يقرأ أحدهم بعض القراءات والصلوات ، وأمام هذه القاعة نستطيع أن نرى مخزن المؤن وحفظ الأواني الفخارية وقد به مئات من قطع الفخار ، وأيضاً حجرة الطحن والتي وجد بها العلماء هاون يستخدم في طحن الحبوب وصنع الدقيق. ونظراً لاهتمام هذه الطائفة الشديد بالغسلات والتطهيرات الطقسية فأننا نراهم وقد صنعوا نظام إمداد مياه رائع يحتوي على الخزانات والأحواض والقنوات، وأما عن أهم هذه الحجرات فهي حجرة النساخ ويبلغ طولها 12 قدم وعرضها 12 قدم ، وفي هذه الغرفة تم إنتاج هذه المخطوطات القيمة التي لا تقدر بثمن. وقد استطاع علماء الحفريات اكتشاف بعض الأواني التي استخدمت في حفظ الأحبار المستخدمة في كتابة المخطوطات، وبتحليلها وجد أنها نفس الأحبار التي كتبت بها مخطوطات قمران. سكان قمران ومن خلال هذه الأطلال نستطيع أن نشير إلى أن ساكني هذه المستوطنة كانوا من جماعة الأسينيين أو جماعة أخرى قريبة الشبة بهم، فيعتقد الدارسون أن مجتمع تقي من اليهود عاش في هذه المنطقة حوالي 135 سنة قبل ميلاد السيد المسيح، وقد تحدث عنهم فيلو الاسكندري اليهودي الذي عاش في القرن الأول الميلادي في كتابين من كتبه وهما (النظريات) و (الإنسان الصالح الحر) كما أشار إليهم بليني الروماني في كتابه Historica Naturalis والذي كتبه سنة 70 م ، وذكر فيه أنه رأي ديراً لجماعة الأسينيين على شاطئ البحر الميت، وقد كتب عنهم يوسيفوس الشهير في كتابيه (الحروب اليهودية) و (الآثار) حيث يقول أنه في سن 16 سنة ذهب إلى الصحراء، ومكث هناك ثلاث سنوات وتعرف على كثير من عادات هذه الجماعة. ويرى البعض أنه رغم الكثير من أوجه الشبه بين الأسينيين وسكان قمران مثل حياة الأديرة، والعمل اليدوي، والتكريس الروحي إلا أنه هناك العديد من وجوه الاختلاف، فجماعة قمران يختلفون بممارستهم الزواج وتقديمهم الذبائح الحيوانية، كما أنهم لم يكونوا مسالمين، وقد تجنبوا كل اتصال بالعالم الخارجي. ونعود الآن مرة أخرى إلى مخطوطات قمران وما هو وضعها الحالي؟ خزانة الكتب وبعد اكتشاف المخطوطات، تم تنظيفها وتصنيفها ونشرها عن طريق فريق دولي من العلماء ، ووضعت هذه المخطوطات في متحف صغير جميل في أورشليم يسمى بخزانة الكتب ، وتتعرض هذه المخطوطات للدارسة والفحص يومياً لتشهد لصدق الكتاب المقدس – العهد القديم – وشكراً لله الذي يثبت أولاده دائما، وأبداً لا يترك نفسه بلا شاهد. |
|