إن كل عبادة اهتمت بها، أكملتها. فجاءت على قلبي شهوة عبادة أخرى: أن أقيم خمسة أيام وفكري ملتصق بالله دون أن ألتفت إلى شيء من اهتمامات هذا الدهر. فعاهدت قلبي ودخلت إلى قلايتي -تلك التي في البرية الجوانية، التي ليست لها طاقة البتة، وليس فيها شيء من النور- لكي ما لا يجدني إنسان ولا يجيء إليَّ أحد، ووقفت على الحصيرة في الخزانة (أي في المحبسة أو في الغرفة الداخلية). وقررت هكذا مع أفكاري قائلًا أحرص ألا تنزل من السماء. لك هناك البطاركة والأنبياء والرسل والتلاميذ وطغمات الملائكة، القوات العلوية والكاربيم والسيرافيم، الآب والابن والروح القدس الثالوث السماوي إله الآلهة وملك الملوك. وتعلق بالصليب، وألتصق بالله الابن والذي في السماء لا تنزل من الفكر القوى.
ولما أكلمت هكذا ويومين وليلتين، جعل الشياطين يخبطون ويخدشون بأظفارهم رجليَّ، وتارة يصيرون مثل لهيب نار، واحرقوا كل ما في القلاية حتى الحصيرة التي كانت تحت رجليَّ احرقوها، إلا موضع قدميّ فقط. وظنوا أنه قد احترقت أنا أيضًا وآخر ذلك مضت النار والخيالات.
وفى اليوم الخامس لم أقو أن أضبط الفكر بغير تشاغل وبغير اهتمام أهل العالم. فعلمت أيضًا أنه لو اتفق لي أن أكمل هذه الأيام الخمسة، لكان قلبي يتعظم، فلأجل هذا استرحت على اهتمامات العالم في فكرى، لئلا أسقط في كبرياء القلب. وقال إنني تعبت في النسك خمسين سنة، ولم تكن مثل هذه الأيام الخمسة.