رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هيكل مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ: 1 فِي الشَّهْرِ السَّابعِ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلًا: 2 «كَلِّمْ زَرُبَّابِلَ بْنَ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَيَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ قَائِلًا: 3 مَنِ الْبَاقِي فِيكُمُ الَّذِي رَأَى هذَا الْبَيْتَ فِي مَجْدِهِ الأَوَّلِ؟ وَكَيْفَ تَنْظُرُونَهُ الآنَ؟ أَمَا هُوَ فِي أَعْيُنِكُمْ كَلاَ شَيْءٍ! 4 فَالآنَ تَشَدَّدْ يَا زَرُبَّابِلُ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَتَشَدَّدْ يَا يَهُوشَعُ بْنُ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ، وَتَشَدَّدُوا يَا جَمِيعَ شَعْبِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَاعْمَلُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5 حَسَبَ الْكَلاَمِ الَّذِي عَاهَدْتُكُمْ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَرُوحِي قَائِمٌ فِي وَسَطِكُمْ. لاَ تَخَافُوا. 6 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هِيَ مَرَّةٌ، بَعْدَ قَلِيلٍ، فَأُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَالْيَابِسَةَ، 7 وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ، فَأَمْلأُ هذَا الْبَيْتَ مَجْدًا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 8 لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 9 مَجْدُ هذَا الْبَيْتِ الأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الأَوَّلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلاَمَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ». جاءت الرسالة الثانية حيث كان البناءون قد بدءوا العمل منذ قرابة شهر، فكانت رسالة تشجيع وسند لهم. إن كانت النبوّة السابقة قد جرحتهم بالتوبيخ فإن هذه النبوّة تُضمد جراحاتهم بكلمات التعزية الإلهيّة المشجّعة. تاريخ هذه النبوّة: "الشهر السابع في الحادي والعشرين من الشهر"، أي في اليوم السابع من عيد المظال، العيد الأخير للحصاد في السنة اليهوديّة (راجع لا 23: 39-44)، وقد اتّسم هذا العيد بالفرح وتقديم ذبائح شكر في آخر أيام العيد أكثر من أي يوم آخر. كان يليق بالكل أن يمتلئوا فرحًا لا بالعيد فحسب وإنّما ببدء العمل في بيت الرب، وأن يقدّموا ذبائح شكر لله الذي يردّ إليهم المجد المسلوب، لكن عدوّ الخير لا يطيق فرح أولاد الله وشكرهم، فحاول تحطيمهم ببث أفكار اليأس خلال بعض المسنّين الذين عاصروا الهيكل القديم قبل هدمه (منذ حوالي70 عامًا)، هؤلاء قارنوا بين القديم وأساسات الجديد فحسبوا العمل القائم كلا شيء أمام بهاء مجد القديم. بينما كان الكهنة واللآويّون يترنّمون بالفرح ويضربون الأبواق من أجل العمل، إذا بهؤلاء المسنّين صاروا يبكون بمرارة على مجد الهيكل القديم، وكاد الموقف يتأزّم فيحوّل عدوّ الخير العمل المفرح إلى حزن وكآبة قلب وتحطيم للنفوس. هكذا يخطئ بعض المتقدّمين في السن بتحقيرهم لعمل الجيل الجديد، حاسبين أعمالهم إن قورنت بالأعمال السابقة كلا شيء [3]. لهذا ينصحنا الحكيم: "لا تقل لماذا كانت الأيام الأوّلي خيرًا من هذه؟!" (جا 7: 10). ولكي يُنزع الله روح اليأس أخذ يُسندهم ويشجّعهم هكذا. أولًا: "تشدّد يا زربابل، تشدّد يا يهوشع، وتشدّدوا يا جميع شعب الأرض، واعملوا فإني معكم" [4]. وكأنّه يُطالب الوالي والكاهن والشعب لا أن ينشغلوا بالمقارنات بين قديم وجديد، وإنّما بالعمل بقوّة متشدّدين من أجل "الله" الحالّ في وسطهم. ليت كل مؤمن لا يبدّد طاقته بالأفكار الكثيرة المحطّمة للناس، إنّما لتتشدّد إرادته وليتشدّد قلبه ولتتشدّد كل طاقاته، عاملًا بكل طاقته، متأكّدًا أن الرب معه هو سرّ فرحه ومجده.! إن كان غاية المبنى هو التقاء الرب بهم خلال العهد وتمتعهم بحلّوله في وسطهم، فإنه وسط العمل يقول لهم: "حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم من مصر وروحي قائم في وسطكم، لا تخافوا" [5]. كأنه يقول: لا تخافوا فإني أدخل معكم في العهد ويُقيم روحي في وسطكم ما دمتم عاملين... وهذا هو المجد الحق. ثانيًا: "هي مرّة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجدًا قال رب الجنود" [6-7]. في القديم عندما أقام العهد عند جبل سيناء زلزل الرب الموضع وكان الجبل يُدخن، أما الآن فإنه يُزلزل السماء (النفس) والأرض (الجسد) والبحر (المواهب) واليابسة (الطاقات)، إنّه يُحطّم الإنسان القديم ليُقيم فينا الإنسان الجديد فنحمل سماته في نفوسنا، وتتقدس أجسادنا مواهبنا وطاقاتنا. مع الزلزلة للطبيعة القديمة ننال حياة جديدة مقامة متناغمة في الجسد والنفس ونعمل لحساب الملكوت. هذه الزلزلة هي علامة مجيء "مشتهى كل الأمم"، فإنه يحل فينا داخليًا في مياه المعموديّة عندما ندفن معه فتتزلزل قوات الظلمة ويتحطّم إنساننا الخارجي. وعندما يأتي أيضًا في آخر الأزمنة تتزلزل الطبيعة بقوّة ليزول العالم المادي ويأتي الرب ملكًا سماويًا أبديًا. يُترجم البعض "يأتي مشتهى كل الأمم" بـ"يأتي غنى كل الأمم"، بمعنى أن الهيكل الجديد يمتلئ بهاءً بدخول الأمم إلى العضويّة الكنسيّة مقدّمين إيمانهم بالمخلّص وغيرتهم كسرّ غنى روحي. ثالثًا: "ليّ الفضة وليّ الذهب يقول رب الجنود" [8]. إن كانت مقاييس المجد هي كثرة الذهب والفضة والحجارة الكريمة التي ملأت الهيكل القديم، ففي البيت الجديد يقول الرب: "لا تقننوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاسًا في مناطقكم" (مت 10: 9)، إذ يكون هو نفسه فضتنا وذهبنا، هو زينة البيت ومجده. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن النبي نطق بهذه العبارة لأن كثير من اليهود استصعبوا كيف يعود الهيكل القديم مرّة أخرى بذهبه وفضه بعد أن صار ترابًا ورمادًا كأن الرب يقول لهم: [لماذا لا يؤمنون، فإن ليّ الفضة وليّ الذهب، لست محتاجًا أن أقترض من أحد ليزيّن بيتيّ؟!]. رابعًا: "مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأوّل قال رب الجنود، وفي المكان أُعطى السلام يقول رب الجنود" [9]. إن قارنّا بين مجد الهيكل الأوّل الذي بناه سليمان والآخر الذي بناه زربابل نجد أن الأوّل أعظم من جهة ما حواه من حجارة كريمة وذهب وفخامة في المبنى. هذا وجاء في التلمود البابلي أن هيكل زربابل نقصه خمسة أمور عن هيكل سليمان هي: مجد الشكينة، والنار المقدّسة، وتابوت العهد، والأوريم والتميم، وروح النبوّة. لكن هنا يرفعنا لا إلى هيكل زربابل بل الهيكل الذي أشار إليه السيّد بكونه جسده (يو 2). فما أمجد الهيكل الجديّد الذي فيه تمت المصالحة بين الآب والبشريّة خلال بذل الدم (كو 1: 20)، لذا يقول: "وفي هذا المكان أعطى السلام يقول رب الجنود". إن كان الله قد أدب شعبه بالسبي فتحطّم هيكل سليمان إنّما ليردّهم لبناء الهيكل في مجد أعظم، وهكذا يؤدّبنا الرب ليهبنا بهاءً أفضل كما قال القديس يوحنا الذهبي الفم. |
|