الفرق بيننا وبين آدم من حيث الخطية الأصلية
علي أن خطية آدم تختلف عن خطية ذريته، إذ أنَّ خطيته فعلاً قد ارتكبه عندما أكل من الشجرة، أمَّا خطية أبنائه فهي حالة قد وجدوا فيها.
ويمكن تشبيه ذلك بسيد أعطى بيتاً لرجل بشرط أن يُحافظ عليه ويُحسن خدمته، لكن حدث أنَّ الرجل أساء استخدام البيت فاسترده السيد، بحكم الشرط الذي اشترطه عليه، فصار أبناء هذا الرجل لا يملكون البيت.
فالفرق بين الاثنين هنا:
إنَّ الرجل فقد البيت لذنب ارتكبه بالفعل، أمَّا الأبناء فحُرموا منه لا لذنب ارتكبوه. إنَّما لذنب ارتكبه أبوهم، لكنَّهم وجدوا في وضع كان والدهم لا يملك فيه البيت.
كما أنَّ خطية آدم كانت خطية فعلية إذ خالف وصية الله، فالخطية خرجت عن ذات آدم، أمَّا فينا نحن فليست هي إلاَّ عدوى من شر خطيته، ومخالفة متعدية منه لنا لأنَّه خلفها لنا.
حقيقة وجود الخطية الأصلية
لا شك أنَّ وجود الخطية الأصلية وانتقالها من آدم إلي ذريته، حقيقة من حقائق الإيمان التي تسلمتها الكنيسة من الكتاب المقدس ومن التقليد.
ففي العهد القديم
يقول معلمنا داود: " هَا إِنِّي بِالإِثْمِ قَدْ وُلِدْتُ وَفِي الْخَطِيئَةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي " (مز5:51)، " زَاغَ الأَشْرَارُ وَهُمْ مَا بَرِحُوا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَضَلُّوا نَاطِقِينَ بِالْكَذِبِ مُنْذُ أَنْ وُلِدُو " (مز 3:58).
وأيوب الصديق يقول: " مَنْ يَسْتَوْلِدُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ ! " (أي4:14).
وإشعياء النبيّ يقول: " مِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِياً " (إش 8:48).
وفي العهد الجديد
نجد تعاليم السيد المسيح واضحة بشأن العماد، كشرط أساسي لتجديدنا ودخولنا ملكوت الله.. فيقول: " الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ " (يو5:3)، فإن كان المولود بالجسد لا يرث الخطية الجدية فما الداعي إذن للعماد؟!
أمَّا معلمنا القديس بولس الرسول فقد زاد الأمر وضوحاً بقوله: " لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ " (1كو 22:15)، " لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً نِعْمَةُ اللهِ وَ الْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ " (رو15:5)، " لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.. " (رو5: 17-19).
أمَّا التقليد
فيُعلمنا أنَّ الكنيسة في مجمع أفسس الأول (431م)، حاربت بدعة بيلاجيوس الذي نادي بأنَّ خطية آدم قاصرة عليه وحده، وأنَّ كل إنسان يولد يكون مثل آدم قبل السقوط.. وهو يهذا قد هرطق.. لماذا؟
لأنهَّ إن كان كل إنسان يولد بلا خطية فكيف نفسر قول معلمنا داوود النبيّ: " هَا إِنِّي بِالإِثْمِ قَدْ وُلِدْتُ وَفِي الْخَطِيئَةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي " (مز5:51)، وقول معلمنا بولس الرسول: " لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ " (1كو 22:15).
هذا بالإضافة إلي أنَّ الكنيسة منذ القديم.. تسلَّمت تعميد الأطفال لغفران الخطايا، مع أنَّهم لم يرتكبوا خطية بعد.. فهي إذن تعمّدهم لغفران الخطية الأصلية التي قد توارثوها عن جدّهم الأول آدم.
يقول القديس ديديموس الضرير
" إنَّ خطية الأبوين الأولين هي الخطية القديمة التي طهّرنا منها يسوع المسيح في معموديته.. إنَّ جميع أولاد آدم قد ورثوها وانتقلت إليهم بالخلفة عن طريق المعاشرة الجنسية من الوالدين، وهذا هو السبب في أنَّ المسيح ولد من عذراء لم تتلوّث أو تتلطّخ بها.. وبالمعمودية يتطهّر الإنسان من الخطية الأصلية وكل نتائجها ".
فمبدأ انتشار أو سريان الخطية الأصلية في جميع بني آدم، عقيدة من عقائد ديانتنا المسيحية الأساسية، وعلي أساسها يقوم عمل الفداء والخلاص بموت المسيح بدلاً من آدم وبنيه.