رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حرية مجد أولاد الله: + على أنه من المؤسف أن هذا التناغم الحلو لم يجعل بولس يتقبّل رجاء برنابا باستصحاب مرقس حين عزما على العودة إلى البلاد التي كرزا فيها. وعندها افترق الزميلان: فأخذ برنابا مرقس وذهبا إلى قبرص بينما استصحب بولس سيلا وعادا إلى أنطاكية. وسار العمل في هدوء وطمأنينة وتعايش اليهود والأمميون في الحرية التي حررهم بها السيد المسيح. وفجأة جاء من أورشليم بعض ممن كانوا لا يزالون متهوّدين. وبما أنه لم يكن في استطاعتهم الخروج على الإجماع الرسولي فقد صمتوا ولكنهم تعالوا على الآخرين وقاطعوهم واحتملهم بولس لفترة ما ولكنه لم يستطع الصمت حين رأى بطرس يتذبذب. وليست هناك أية إشارة إلى ما جرى إذ ذاك. ثم بعد ذلك بعشر سنوات رواها بولس للغلاطيين في استماتته على تحرير المسيحية من أغلال الناموس. فجاءت رسالته هذه بوقًا للمعركة إذ وجد تأرجح أهل غلاطية. إذن فقد ظل الخطر يتهدد الكنيسة مدى سنوات. ولكن بولس لن يهدأ ولن يستكين ولن يدع عمل الفداء الواسع سعة الأفق أن يقمطوه بأقمطة الناموس الضيق، ولفوره لبس سلاح الله الكامل وواجه الخطر ببسالته المعهودة. ولكي ندرك السبب لعنف الصراع يجب أن نعرف أن الخطر كان يتهدد كيان الكنيسة، فلو أن رسول الأمم انهزم لتحوّلت المسيحية إلى مذهب منحصر داخل حدود فلسطين أو إلى ملحق لليهودية! أما الكنيسة الجامعة العظمى الممتدة من أقاصي الأرض إلى أقاصيها فما كان ليمكن أن تقوم. + ولنوضح ناحيتي المشكلة: أ- الخلاص بأعمال الناموس، ب- الخلاص بالتسليم للإيمان بابن الله. + فما معنى أعمال الناموس؟ كانت الديانة اليهودية قد تداعت. فالوصايا التي أعطاها الله أخذ الكهنة والكتبة يضيفون إليها إضافات تزايدت بمرور الزمن. وبتزايدها ماتت الروح وتحولت إلى أوامر ونواهي ظاهرية شكلية حلّت محل الله الحي. ألم يقل عنهم رب المجد "إِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ"؟ (متى 23: 4) واستكمل هذه الكلمات بثماني ويلات أولها أنهم "يغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ..." (متى 23: 13-36). كذلك أعلن لهم أنهم تركوا وصية الله وتمسكوا بكلام الناس، "لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ" (مرقس7 : 1-13) وبولس الذي عرف دقائق الناموس عرف أن من استطاع أن ينفذها كلها حرفيا نال الخلاص، ومن لم يستطع هلك. فأصبح الله قاضيًا قاسيًا من الصعب حصر شرائعه ومن الصعب تنفيذها. وهو لذلك قال لبطرس قدام الجميع: "إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا فلماذا تُلزم الأمم أن يتهوّدوا"؟ وهكذا بدأ بولس الصراع للفصل بين المسيحية واليهودية منذ أن كان في أنطاكية واستمر يصارع في هذا السبيل مع الغلاطيين. وأكد أن الصليب قام حدًا فاصلًا بين أعمال الناموس وبين الحرية التي حررنا بها السيد المسيح الذي ليس فيه يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر ولا أنثى بل الجميع واحد فيه. |
|