|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
مفهوم المعجزة
بقلم : نيافة الأنبا رافائيل المحتويات أولاً: ماهية المعجزة ثانيًا: الله وحده هو صانع المعجزات ثالثاً: القديسون والمعجزات رابعًا: الهدف من المعجزة خامسًا: علاقة المعجزة بالإيمان سادسًا: الشيطان والمعجزات سابعًا: هل المعجزة علامة القداسة وصحة الإيمان؟ ثامناً: هل يجوز التباهي بالمعجزة والإعلان عنها؟ تاسعًا: المعجزة الحقيقية تقديم نيافة الانبا موسى دراسة جميلة وهامة، ذات أبعاد كتابية وآبائية، تشرح لنا معنى المعجزة، وكيف أن الله هو صانع المعجزات وحده، فالمعجزة هى ما يعجز الإنسان عن إتيانه أو عن فهمه، أما القديسيون، فقد أعطاهم الرب أن يصنعوا المعجزات لحكمة وهدف، إذ من خلالها يتعرف الناس على إلهنا المحب، فيؤمنون به، ويشعرون بحنانه ورعايته الفائقة. وهناك ارتباط بين المعجزة والإيمان، أحدهما يقود إلى الآخر. ولا يجوز أن يتباهى أحد بأنه صانع معجزات، فهناك قديسون لم يصنعوا معجزات، وهناك أشرار صنعوها بفِعل الشيطان ليضلوا البشر. ولقد كنَّا في حاجة إلى هذه الدراسة، إذ جاءت في فترة كثر فيها الإيمان بالغيبيات، وأصبح البعض يطلبون المعجزة الحسية في كل شيء، بل صار البعض يرفضون التسليم لمشيئة الله، تاركين له أن يقود حياتنا بحكمته، حتى في المرض أو الخسارة المادية أو غير ذلك من التجارب التى يسمح بها الله لبنياننا. الرب يبارك هذه الصفحات التى أعدها نيافة الأنبا رافائيل بعناية، لمنفعة حياتنا جميعًا، بصلوات راعينا الحبيب قداسة البابا شنوده الثالث. ونعمة الرب تشملنا جميعًا،،، الانبا موسى الاسقف العام مقدمة لنيافة الانبا رافائيل يتكلّم الكتاب المُقدَّس كثيرًا عن المعجزات.. وهناك معجزات يُجريها الله على أيدي قديسيه الأطهار، ولا يزال حتى اليوم يتداول بعض الناس قصصًا عن معجزات تُجرى في عصرنا الحاضر. وهناك قنوات فضائية تتكلّم طول الوقت عن معجزات تحدث لبعض الناس. ? فما هي المعجزة؟ ? وهل هناك معجزات حقيقية وأخرى مُزيفة؟ وكيف نفرِّق بينهما؟ ? وهل عصر المعجزات انتهى أم مازال مستمرًا؟ ? وهل الله وحده هو صانع المعجزات أم يسمح لقديسيه بعمل المعجزات أيضًا؟ ? وما هو الهدف من المعجزات؟ ? وما هي العلاقة بين المعجزة والإيمان؟ هل دائمًا تقود المعجزة إلى الإيمان بالله وقدرته الفائقة؟ ? وهل يستطيع الشيطان أن يعمل معجزات؟ أو هل يستطيع الأشرار أن يعملوا معجزات؟ ? هل المعجزة علامة على أن مُجريها إنسان صالح وقديس ومحبوب عند الله؟ ? وهل علامة قداسة إنسان هي أن يعمل معجزات؟ بالإجمال .. ما هو موقع المعجزات في حياتنا؟ كل هذه الأفكار سنناقشها بهدوء من خلال الفكر الكتابي وشرح الآباء في هذا الكُتيب الصغير. صلوا معي.. أن ينقذ الله شعبه وكنيسته من ضلال الشيطان وأصحاب البدع والهرطقات.. حتى متى جاء إلينا ثانية يجد الإيمان على الأرض. بشفاعات سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم العذراء، وصلوات راعينا الحنون قداسة البابا شنوده الثالث، وشريكه في الخدمة الرسولية أبينا الأسقف المحبوب نيافة الأنبا موسى. الانبا رافائيل الاسقف العام أولاً: ماهية المعجزة: المعجزة هى عمل يفوق الطبيعة، ويفوق التوقع الطبيعي، كأن يُشفى إنسان مريض بمرض عضّال فجأة وبدون علاج، أو يقوم ميت من الموت، أو غير ذلك من الأحداث فائقة الطبيعة. وأعمال الله التى يعملها يوميًا معنا يمكن أن تُعتبر معجزات بالنسبة لنا، ولكنها شىء طبيعى بالنسبة لقدرة الله الفائقة. لكن المعجزة الإلهية قد صارت شيئًا زهيدًا بسبب التكرار والاعتياد.. فالشمس تشرق كل يوم، وتغرب فى مواعيد محددة، وحركة الأفلاك السمائية التى لا تضطرب، بل ومعجزة جسم الإنسان وما فيه من أجهزة وعمليات فسيولوجية، والعقل البشرى وما يحويه من غنى، والإبداع والقدرة على التفكير، وعدد الخلايا العصبية التى فيه وكيف تعمل، بل لو تأملنا فى كل ما يحيط بنا، لأدركنا مقدار الإعجاز فيه لولا أننا اعتدنا.. فصار كل شىء لنا طبيعيًا، وبدأنا نبحث عن الأشياء الخارقة. وعندما تجسّد الله وحل بيننا، كان الشىء الطبيعى بالنسبة له أن تخرج منه قوة لشفاء الناس. ? "الذى جالَ يَصنَعُ خَيرًا ويَشفى جميعَ المُتَسَلطِ علَيهِمْ إبليسُ" (أع 38:10) ? "وكانَتْ قوَّةُ الرَّب لشِفائهِمْ" (لو 17:5) ? "وحَيثُما دَخَلَ إلَى قُرىً أو مُدُنٍ أو ضياعٍ، وضَعوا المَرضَى فى الأسواقِ، وطَلَبوا إليهِ أنْ يَلمِسوا ولو هُدبَ ثَوْبِهِ. وكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفىَ" (مر 56:6) ? "فقالَ يَسوعُ: قد لَمَسَنى واحِدٌ، لأنى عَلِمتُ أنَّ قوَّةً قد خرجَتْ مِنى" (لو 46:8). لقد كان الرب يسوع وسط الناس كمثل التيار الكهربائى، الذى تخرج منه قوة تُنير، وتُحرك، وتُسخن، وتُبرد. كذلك كانت القوة الخارجة من الرب تشفى، وتُطهر، وتغفر الخطايا، وتُبارك الأكل، وتُقيم الموتى... كان كل ذلك مُعجزيًا فى نظر الناس، ولكنه كان طبيعيًا جدًّا بالنسبة للرب يسوع. يمكننا أن نعتبر قيامة السيد المسيح من الموت، ليست معجزة لأنها الشئ الطبيعى بالنسبة له.. فهو ينبوع الحياة: ? "فيهِ كانَتِ الحياةُ، والحياةُ كانَتْ نورَ الناسِ" (يو 4:1) ? "قالَ لها يَسوعُ: أنا هو القيامَةُ والحياةُ. مَنْ آمَنَ بى ولو ماتَ فسَيَحيا" (يو 25:11) والمعجزة الحقيقية التى تجرى فى حياتنا هى تجديد طبيعة الإنسان، واقتناؤه الحياة السمائية. ثانياً: الله وحده هو صانع المعجزات الله وحده هو صانع المعجزات لأنه هو وحده القادر على كل شىء، ولا يعسُر عليه أمر. ? "مَنْ مِثلُكَ بَينَ الآلِهَةِ يارَبُّ؟ مَنْ مِثلُكَ: مُعتَزًّا فى القَداسَةِ، مَخوفًا بالتَّسابيحِ، صانِعًا عَجائبَ؟" (خر 11:15) ? "مُبارَكٌ الرَّبُّ اللهُ إلهُ إسرائيلَ، الصّانِعُ العَجائبَ وحدَهُ" (مز 18:72) ثالثاً: القديسون والمعجزات أحيانًا يُعطى الله رجاله القديسين أن يصنعوا عجائب باسمه.. ? "وصارَ خَوْفٌ فى كُل نَفسٍ. وكانَتْ عَجائبُ وآياتٌ كثيرَةٌ تُجرَى علَى أيدى الرُّسُلِ" (أع 43:2) ? "وجَرَتْ علَى أيدى الرُّسُلِ آياتٌ وعَجائبُ كثيرَةٌ فى الشَّعبِ. وكانَ الجميعُ بنَفسٍ واحِدَةٍ فى رِواقِ سُلَيمانَ" (أع 12:5) ? "وأمّا استِفانوسُ فإذ كانَ مَملوًّا إيمانًا وقوَّةً، كانَ يَصنَعُ عَجائبَ وآياتٍ عظيمَةً فى الشَّعبِ" (أع 8:6) رابعاً: الهدف من المعجزة إن الهدف من المعجزة هو إظهار قوة الله، وتمجيد اسمه القدوس، حتى يُؤمن به الناس: ? "هذِهِ بدايَةُ الآياتِ فعَلها يَسوعُ فى قانا الجليلِ، وأظهَرَ مَجدَهُ، فآمَنَ بهِ تلاميذُهُ" (يو 11:2) ? "فآمَنَ بهِ كثيرونَ مِنَ الجَمعِ، وقالوا: ألَعَلَّ المَسيحَ مَتَى جاءَ يَعمَلُ آياتٍ أكثَرَ مِنْ هذِهِ التى عَمِلها هذا؟" (يو 31:7) وهناك سبب آخر أجرى من أجله السيد المسيح معجزاته الكثيرة.. فلقد جاء السيد المسيح ليعمل معجزات غير حسية فى الطبيعة البشرية، وهى: - إخراج الشيطان من سلطانه المزيف على البشر. - تجديد الطبيعة البشرية، ومنحها نعمة الاستنارة. - أن يُقيمنا من موت الخطية، ويُحيينا حياة أبدية. - أن يعطينا أن نأكل جسده ودمه الأقدسين. كل هذه معجزات باهرة جدًّا، ولكنها غير محسوسة، ولن يصدقها الناس.. لأننا لا نؤمن إن لم نرَ بأعيننا!! فما الدليل على أن طبيعة الإنسان تتجدد بالمعمودية؟ إننا لا نرى شيئًا ظاهريًا يحدث لمَنْ يعتمد باسم الثالوث.. وما الدليل على أن خطايا المعترف تُغفر له؟ إننا لا نرى شيئًا ملموسًا... وهكذا. لذلك عمل السيد المسيح معجزات ظاهرية محسوسة وملموسة ومرئية، ليبرهن بها على ما يعمله داخليًا فينا، دون أن نرى أو نحس أو نلمس. هذه الحقيقة يمكن أن ندركها من كلام السيد المسيح مع اليهود، فى معجزة شفاء المفلوج.. "ولكن لكَىْ تعلَموا أنَّ لابنِ الإنسانِ سُلطانًا علَى الأرضِ أنْ يَغفِرَ الخطايا، قالَ للمَفلوجِ: لكَ أقولُ: قُمْ واحمِلْ فِراشَكَ واذهَبْ إلَى بَيتِكَ!" (لو 24:5). المسيح.. وهو شفقة الله على الناس والخليقة.. ? فى معجزة إشباع الجموع، قال الرب يسوع: "إنى أُشفِقُ علَى الجَمعِ، لأنَّ الآنَ لهُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ يَمكُثونَ مَعى وليس لهُمْ ما يأكُلونَ" (مر 2:8). ? وفى معجزة شفاء الأبرص قيل: "فتَحَنَّنَ يَسوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقالَ لهُ: أُريدُ فاطهُرْ!" (مر 41:1) ? وقيل كذلك: "فلَمّا خرجَ يَسوعُ أبصَرَ جَمعًا كثيرًا فتَحَنَّنَ علَيهِمْ وشَفَى مَرضاهُمْ" (مت 14:14) خامساً: علاقة المعجزة بالإيمان هل يعمل الله معجزة بسبب إيمان الناس، أم أنه يعمل المعجزة لكى يؤمنوا به؟!! إن الإيمان هو "الثقَةُ بما يُرجَى والإيقانُ بأُمورٍ لا تُرَى" (عب 1:11)، فيجب أن يكون الإيمان نابعًا من القلب دون احتياج إلى معجزة. لذلك عاتب السيد المسيح توما قائلاً: "لأنَّكَ رأيتَنى يا توما آمَنتَ! طوبَى للذينَ آمَنوا ولم يَرَوْا" (يو 29:20) إن الناس - من جهة هذا الأمر - ينقسمون إلى عدة أنواع: 1- أناس نالوا المعجزة بسبب إيمانهم، مثل : أ- نازفة الدم : وقد قال لها السيد المسيح: "ثِقى يا ابنَةُ، إيمانُكِ قد شَفاكِ. فشُفيَتِ المَرأةُ مِنْ تِلكَ السّاعَةِ" (مت 22:9) ب- الأعميان : "حينَئذٍ لَمَسَ أعيُنَهُما قائلاً: بحَسَبِ إيمانِكُما ليَكُنْ لكُما" (مت 29:9) ج- المرأة الكنعانية : "يا امرأةُ، عظيمٌ إيمانُكِ! ليَكُنْ لكِ كما تُريدينَ. فشُفيَتِ ابنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعَةِ" (مت 28:15) 2- أناس آمنوا بسبب المعجزة : أ- معجزة قانا الجليل : "هذِهِ بدايَةُ الآياتِ فعَلها يَسوعُ فى قانا الجليلِ، وأظهَرَ مَجدَهُ، فآمَنَ بهِ تلاميذُهُ" (يو 11:2) ب- "ولَمّا كانَ فى أورُشَليمَ فى عيدِ الفِصحِ، آمَنَ كثيرونَ باسمِهِ، إذ رأَوْا الآياتِ التى صَنَعَ" (يو 23:2) ج- شفاء ابن خادم الملك : "ففَهِمَ الأبُ أنَّهُ فى تِلكَ السّاعَةِ التى قالَ لهُ فيها يَسوعُ: إنَّ ابنَكَ حَىٌّ. فآمَنَ هو وبَيتُهُ كُلُّهُ" (يو 53:4) 3- أناس لم يُؤمنوا بالرغم من المعجزة : أ- "ومع أنَّهُ كانَ قد صَنَعَ أمامَهُمْ آياتٍ هذا عَدَدُها، لم يؤمِنوا بهِ" (يو 37:12) ب- "فجَمَعَ رؤَساءُ الكهنةِ والفَريسيّونَ مَجمَعًا وقالوا: ماذا نَصنَعُ؟ فإنَّ هذا الإنسانَ يَعمَلُ آياتٍ كثيرَةً. إنْ ترَكناهُ هكذا يؤمِنُ الجميعُ بهِ، فيأتى الرّومانيّونَ ويأخُذونَ مَوْضِعَنا وأُمَّتَنا" (يو 47:11-48) 4- أناس لم تعمل لهم معجزة بسبب عدم إيمانهم : أ- عندما سأل التلاميذ: "لماذا لم نَقدِرْ نَحنُ أنْ نُخرِجَهُ (الشيطان)؟ فقالَ لهُمْ يَسوعُ: لعَدَمِ إيمانِكُمْ" (مت 19:17-20) ب- "حينَئذٍ أجابَ قَوْمٌ مِنَ الكتبةِ والفَريسيينَ قائلينَ: يا مُعَلمُ، نُريدُ أنْ نَرَى مِنكَ آيَةً. فأجابَ وقالَ لهُمْ: جيلٌ شِريرٌ وفاسِقٌ يَطلُبُ آيَةً، ولا تُعطَى لهُ آيَةٌ إلا آيَةَ يونانَ النَّبى" (مت 38:12-39) ج- هيرودس الملك عند محاكمة السيد المسيح.. "ترَجَّى أنْ يَرَى آيَةً تُصنَعُ مِنهُ" (لو 8:23)ومع ذلك لم يعمل له السيد المسيح معجزة بسبب عدم إيمانه. سادساً: الشيطان والمعجزات هل هناك معجزات يستطيع الشيطان أن يعملها؟ نعم.. وهنا تكمن الخطورة، فالشيطان يستطيع أن يعمل معجزات ليُضلِّل بها الناس، مستخدمًا فى ذلك قدرته كملاك (ساقط) ولذلك ينبغى على الناس أن يحذروا من السقوط فى خداع الشيطان وأوهام المعجزات الكاذبة، وذلك بشهادة الأسفار المُقدَّسة: ? "ويَقومُ أنبياءُ كذَبَةٌ كثيرونَ ويُضِلّونَ كثيرينَ" (مت 11:24) ? "اِحتَرِزوا مِنَ الأنبياءِ الكَذَبَةِ الذينَ يأتونَكُمْ بثيابِ الحُملانِ، ولكنهُمْ مِنْ داخِلٍ ذِئابٌ خاطِفَةٌ!" (مت 15:7) ? "لأنَّهُ سيَقومُ مُسَحاءُ كذَبَةٌ وأنبياءُ كذَبَةٌ ويُعطونَ آياتٍ عظيمَةً وعَجائبَ، حتَّى يُضِلّوا لو أمكَنَ المُختارينَ أيضًا" (مت 24:24) ? "إذا قامَ فى وسطِكَ نَبىٌّ أو حالِمٌ حُلمًا، وأعطاكَ آيَةً أو أُعجوبَةً، ولو حَدَثَتِ الآيَةُ أو الأُعجوبَةُ التى كلَّمَكَ عنها قائلاً: لنَذهَبْ وراءَ آلِهَةٍ أُخرَى لم تعرِفها ونَعبُدها، فلا تسمَعْ لكلامِ ذلكَ النَّبى أو الحالِمِ ذلكَ الحُلمَ، لأنَّ الرَّبَّ إلهَكُمْ يَمتَحِنُكُمْ لكَىْ يَعلَمَ هل تُحِبّونَ الرَّبَّ إلهَكُمْ مِنْ كُل قُلوبِكُمْ ومِنْ كُل أنفُسِكُمْ" (تث 1:13-3) لقد فعل العرافون معجزات أمام فرعون بقوة الشيطان، حتى يشوش على عمل الله، ولكن عمل الله ظاهر وقوى.. سابعاً: هل المعجزة علامة القداسة وصحة الإيمان؟ يعتبر البعض أن برهان قداسة إنسان هو أنه يُجرى المعجزات، بينما يشهد الكتاب المُقدَّس بعكس ذلك: أ- قديسون لم يعملوا معجزات : قيل عن يوحنا المعمدان: "إنَّ يوحَنا لم يَفعَلْ آيَةً واحِدَةً" (يو 41:10) هذا الرجل الذي شهد عنه السيد المسيح بنفسه قائلاً: "لأنى أقولُ لكُمْ: إنَّهُ بَينَ المَوْلودينَ مِنَ النساءِ ليس نَبىٌّ أعظَمَ مِنْ يوحَنا المعمدانِ، ولكن الأصغَرَ فى ملكوتِ اللهِ أعظَمُ مِنهُ" (لو 28:7) وكذلك لم يُسمع عن كثيرين من الآباء أنهم عملوا معجزات مثل: إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، ويوسف، وصموئيل، وإشعياء.... فليست المعجزة برهان على قداسة السيرة، بل قداسة السيرة برهان صدق المعجزة، وأنها من عمل الله. ب- أشرار عملوا معجزات : ? "كثيرونَ سيقولونَ لى فى ذلكَ اليومِ: يارَبُّ، يارَبُّ! أليس باسمِكَ تنَبّأنا، وباسمِكَ أخرَجنا شَياطينَ، وباسمِكَ صَنَعنا قوّاتٍ كثيرَةً؟ فحينَئذٍ أُصَرحُ لهُمْ: إنى لم أعرِفكُمْ قَطُّ! اذهَبوا عَنى يا فاعِلى الإثمِ!" (مت 22:7-23) لقد تنبأ "بلعام بن يعور"، ولكنه كان مرفوضًا من قِبَل الله.. ? "ويلٌ لهُمْ! لأنَّهُمْ سلكوا طريقَ قايينَ، وانصَبّوا إلَى ضَلالَةِ بَلعامَ لأجلِ أُجرَةٍ، وهَلكوا فى مُشاجَرَةِ قورَحَ" (يه 11) ? "لكن عِندى علَيكَ قَليلٌ: أنَّ عِندَكَ هناكَ قَوْمًا مُتَمَسكينَ بتعليمِ بَلعامَ، الذى كانَ يُعَلمُ بالاقَ أنْ يُلقىَ مَعثَرَةً أمامَ بَنى إسرائيلَ: أنْ يأكُلوا ما ذُبِحَ للأوثانِ، ويَزنوا" (رؤ 14:2) وتنبأ قيافا رئيس الكهنة بخصوص السيد المسيح.. "فقالَ لهُمْ واحِدٌ مِنهُمْ، وهو قَيافا، كانَ رَئيسًا للكهنةِ فى تِلكَ السَّنَةِ: أنتُمْ لستُمْ تعرِفونَ شَيئًا، ولا تُفَكرونَ أنَّهُ خَيرٌ لنا أنْ يَموتَ إنسانٌ واحِدٌ عن الشَّعبِ ولا تهلِكَ الأُمَّةُ كُلُّها! ولم يَقُلْ هذا مِنْ نَفسِهِ، بل إذ كانَ رَئيسًا للكهنةِ فى تِلكَ السَّنَةِ، تنَبّأَ أنَّ يَسوعَ مُزمِعٌ أنْ يَموتَ عن الأُمَّةِ، وليس عن الأُمَّةِ فقط، بل ليَجمَعَ أبناءَ اللهِ المُتَفَرقينَ إلَى واحِدٍ" (يو 49:11-52). وطبعًا لم يكن قيافا قديسًا، فلقد تورط فى صلب السيد المسيح بقلب قاس جاحد. حقًا.. "ليس كُلُّ مَنْ يقولُ لى: يارَبُّ، يارَبُّ! يَدخُلُ ملكوتَ السماواتِ. بل الذى يَفعَلُ إرادَةَ أبى الذى فى السماواتِ" (مت 21:7). وكذلك حق ما قاله القديس بولس الرسول: "وإنْ كانَتْ لى نُبوَّةٌ، وأعلَمُ جميعَ الأسرارِ وكُلَّ عِلمٍ، وإنْ كانَ لى كُلُّ الإيمانِ حتَّى أنقُلَ الجِبالَ، ولكن ليس لى مَحَبَّةٌ، فلستُ شَيئًا" (1كو 2:13) من أجل ذلك لا يجب أن نقبل كل مَنْ يعمل آيات قائلاً إنه قديس، بل يجب أن يُمتحنوا ويُخِتبروا على رأى القائل: لا تصدقوا كل روح، بل جربوا إن كان ذلك الروح من الله، لأن أنبياء كثيرين كذابين قد خرجوا إلى العالم. والرسول يقول: إن هؤلاء رسل كذابون وفعلة غاشون، متشبهون برسل المسيح، وأن الشيطان يظهر بشكل ملاك النور، فلا عجب أن كل خدامه يتشكلون بشكل خدام العدل. ثامناً: هل يجوز التباهى بالمعجزة والإعلان عنها؟ لقد تعلّمنا من السيد المسيح عدم الافتخار: ? "لا تفرَحوا بهذا: أنَّ الأرواحَ تخضَعُ لكُمْ، بل افرَحوا بالحَرى أنَّ أسماءَكُمْ كُتِبَتْ فى السماواتِ" (لو 20:10) ? "تبِعَتهُ جُموعٌ كثيرَةٌ فشَفاهُمْ جميعًا. وأوصاهُمْ أنْ لا يُظهِروهُ" (مت 15:12-16) ? وفى حادثة التجلى: "وفيما هُم نازِلونَ مِنَ الجَبَلِ أوصاهُمْ يَسوعُ قائلاً: لا تُعلِموا أحَدًا بما رأيتُمْ حتَّى يَقومَ ابنُ الإنسانِ مِنَ الأمواتِ" (مت 9:17) وإن كان السيد المسيح فى مواقع أخرى أمر الناس أن يذيعوا مجد الله، مثلما فعل مع مريض كورة الجدريين الذى خرجت منه الشياطين، فقال له: "ارجِعْ إلَى بَيتِكَ وحَدثْ بكَمْ صَنَعَ اللهُ بكَ. فمَضَى وهو يُنادى فى المدينةِ كُلها بكَمْ صَنَعَ بهِ يَسوعُ" (لو 39:8). لكن ذلك على أساس: "مَنِ افتَخَرَ فليَفتَخِرْ بالرَّب" (1كو 31:1) تاسعاً: المعجزة الحقيقية: لقد طلب اليهود من السيد المسيح آية (معجزة)، فكان رده: "جيلٌ شِريرٌ وفاسِقٌ يَطلُبُ آيَةً، ولا تُعطَى لهُ آيَةٌ إلا آيَةَ يونانَ النَّبى. لأنَّهُ كما كانَ يونانُ فى بَطنِ الحوتِ ثَلاثَةَ أيّامٍ وثَلاثَ لَيالٍ، هكذا يكونُ ابنُ الإنسانِ فى قَلبِ الأرضِ ثَلاثَةَ أيّامٍ وثَلاثَ لَيالٍ" (مت 39:12-40) إن السيد المسيح هو المعجزة الحقيقية.. "ولكن يُعطيكُمُ السَّيدُ نَفسُهُ آيَةً: ها العَذراءُ تحبَلُ وتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَهُ عِمّانوئيلَ" (إش 14:7) المعجزة هى أن الله تجسّد ورأينا مجده، وأنه مات عنَّا ولأجلنا، وأنه ارتضى أن يسكن فى قلبى الحقير النجس. ما أجمل إجابة الثلاثة فتية القديسين عندما هددهم نبوخذنصر الملك بإلقائهم في أتون النار المتقدة.. "فأجابَ شَدرَخُ وميشَخُ وعَبدَنَغوَ وقالوا للمَلِكِ: يا نَبوخَذنَصَّرُ، لا يَلزَمُنا أنْ نُجيبَكَ عن هذا الأمرِ. هوذا يوجَدُ إلهنا الذى نَعبُدُهُ يستطيعُ أنْ يُنَجيَنا مِنْ أتّونِ النّارِ المُتَّقِدَةِ، وأنْ يُنقِذَنا مِنْ يَدِكَ أيُّها المَلِكُ. وإلا فليَكُنْ مَعلومًا لكَ أيُّها المَلِكُ، أنَّنا لا نَعبُدُ آلِهَتَكَ ولا نَسجُدُ لتِمثالِ الذَّهَبِ الذى نَصَبتَهُ" (دا 16:3-18) أى إنه يمكن أن يعمل الله معنا معجزة وينقذنا من يديك، وإن لم يعمل المعجزة فإننا سوف نستمر على إخلاصنا وخضوعنا له وعبادته دون كل الآلهة. وقد تكلّم بعض الآباء عن المعجزة الحقيقية التي يمكن أن تحدث فى النفس بالتوبة.. فمثلاً جاء فى بستان الرهبان: "حدث أن تقدم بعض الرهبان إلى أنبا باخوميوس يسألونه: "قل لنا يا أبانا ما الذى يمكننا أن نعمله لنحظى بالقدرة على إجراء الآيات والعجائب؟". أجابهم بابتسامة: "إن شئتم أن تسعوا سعيًا روحيًا ساميًا فلا تطلبوا هذه المقدرة لأنها مشوبة بشىء من الزهو، بل اسعوا بالحرى لتظفروا بالقوة التى تمكنكم من إجراء العجائب الروحية. فإن رأيتم عابد وثن وأنرتم أمامه السبيل الذى يقوده إلى معرفة الله.. فقد أحييتم ميتًا، وإذا رددتم أحد المبتدعين فى الدين إلى الإيمان الأرثوذكسى.. فتحتم أعين العميان، وإذا جعلتم من البخيل كريمًا.. شفيتم يدًا مشلولة، وإذا حولتم الكسول نشيطًا.. منحتم الشفاء لمُقعد مفلوج، وإذا حولتم الغضوب وديعًا.. أخرجتم شيطانًا، فهل هناك شىء يطمع الإنسان أن يناله أعظم من هذا؟". |
01 - 10 - 2013, 04:04 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مفهوم المعجزة بقلم : نيافة الأنبا رافائيل
شكرا
مفهوم المعجزة |
||||
01 - 10 - 2013, 04:06 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: مفهوم المعجزة بقلم : نيافة الأنبا رافائيل
|
|||
|