السيد المسيح وظهوراته في العهد القديم
كلما ظهر الرب في العهد القديم كانت هي ظهورات للابن الوحيد سابقة لتجسده في ملء الزمان من القديسة مريم العذراء. فالذي ظهر لأبينا إبراهيم مع الملاكين عند بلوطات ممرا هو السيد المسيح، لكن كان ذلك قبل التجسد. كذلك الذي ظهر لأبينا يعقوب عند مخاضة يبوق في صورة إنسان وصارعه حتى الفجر، ثم باركه وقال له: “لماذا تسأل عن اسمي” (تك32: 29) هو أيضًا السيد المسيح قبل التجسد. والذي ظهر لمنوح والد شمشون وصعد في نيران الذبيحة كان هو السيد المسيح قبل التجسد. والأمثلة كثيرة عن هذه الظهورات السابقة للتجسد، وكلها كانت تمهد لمجيء الابن الوحيد متجسدًا من الروح القدس والعذراء مريم لخلاص العالم. وهذا ما عبّر عنه القديس بولس الرسول بقوله: “وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد” (1تى3: 16)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كذلك قال القديس يوحنا الإنجيلي: “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان.. والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا” (يو1: 1، 3، 14).
ظهور السيد المسيح لأبينا إبراهيم
أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي
قال السيد المسيح لليهود : “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي، فرأى وفرح” (يو8: 56). وقد تعجب اليهود وقالوا له : “ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم” (يو8: 57). فرد عليهم السيد المسيح قائلًا: “الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن” (يو8: 58). وقد أثار هذا القول اليهود وحاولوا وقتها أن يقتلوا السيد المسيح ولم يتمكنوا، لأن ساعة موته الخلاصي لم تكن قد حانت بعد.
ويهمنا في هذا المجال أن نبحث: متى رأى إبراهيم يوم السيد المسيح؟
لم يقل السيد المسيح أن إبراهيم قد اشتهى فقط أن يراه .. بل أن يرى يومه.
وهنا نتساءل:
ما هو يوم الرب؟
يقول المزمور “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنبتهج ونفرح فيه” (مز117: 24).
ويقول يوئيل النبي: “تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير (المخوف)” (أع2: 20، يؤ 2: 31).
ويقول ملاخي النبي: “ويأتي بغتةً إلى هيكله السيد الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تُسرُّون به، هوذا يأتي قال رب الجنود. ومن يحتمل يوم مجيئه” (ملا 3: 1، 2).
كما يقول أيضًا: “هأنذا أُرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف” (ملا 4: 5).
ذبح إسحق بيد إبراهيم النبي، أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر
إن يوم الرب في معناه الشامل هو يوم الخلاص.
سواء يوم صلب السيد المسيح، أو يوم قيامته من الأموات، أو يوم إرسال الروح القدس المعزى لتوصيل مفاعيل الخلاص إلى الكنيسة، أو يوم استعلان ملكوت الله في مجيء السيد المسيح الثاني للدينونة، ولخلاص القديسين من متاعب هذا العالم الحاضر ومن جسد الفساد.
هناك علاقة وثيقة تربط بين يوم الصليب وإدانة الخطية بذبيحة الفداء، وبين يوم الدينونة في نهاية العالم، أي اليوم الأخير..ففي يوم الصليب استوفى العدل الإلهي حقه.
وفى يوم الدينونة سيُطالب السيد المسيح بحقه فيما أوفاه من دين على الصليب من الذين استخفوا بدمه المسفوك لأجل خلاصهم، ومن الذين طعنوه.
فمعنى قول السيد المسيح “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي” (يو8: 56)، أن إبراهيم قد اشتهى أن يرى يوم الفداء.. يوم الرب العظيم.
متى رأى إبراهيم يوم الفداء؟
عن هذا يخبرنا سفر التكوين أن إبراهيم حينما أطاع الأمر الإلهي وأوشك أن يقدّم ابنه إسحق ذبيحة “ناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم إبراهيم.. الآن علمت أنك خائف الله؛ فلم تُمسِك ابنك وحيدك عنى” (تك22: 11، 12).
وهذا يعنى أن ملاك الرب (في النص العبري “ملاخ يهوه” بمعنى “سفير يهوه”) الذي ناداه هو السيد المسيح – الابن الوحيد- وليس ملاكًا من الملائكة المخلوقين مثل ميخائيل وجبرائيل وغيرهم من الملائكة. فكلمة “ملاك” تعنى “مفوّض” أو “سفير” أو “مُرسل”.
ولاشك أن السيد المسيح هو مُرسل من الآب إلى العالم مثلما قال مرارًا أن الآب قد أرسله (انظر يو5: 37، يو6: 39، 44).
والدليل أن الذي نادى إبراهيم هو الابن الوحيد؛ هو قوله لإبراهيم “فلم تُمسك ابنك وحيدك عنى” (تك22: 12)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولا يمكن أن يكون إبراهيم قد أوشك أن يقدّم ابنه الوحيد لملاك من الملائكة العاديين، بل ليقدّمه قربانًا لله.
في هذا التوقيت رأى إبراهيم يوم الرب؛ أي أبصر بروح النبوة المسيح المصلوب القائم من الأموات. لذلك فقد أطلق على المكان الذي قدّم فيه الكبش عوضًا عن إسحق ابنه “يهوه يِرأَه” كما هو مكتوب: “فدعا إبراهيم ذلك الموضع يهوه يرأه. حتى إنه يُقال اليوم في جبل الرب يُرى” (تك22: 14) أي أنه قد رأى الرب.
لقد رأى إبراهيم الرب عند تقديم ابنه إسحق، وهذا ما اشتهاه وألح في طلبه كقول السيد المسيح عنه “تهلل بأن يرى يومي؛ فرأى وفرح” (يو8: 56).
فما أروع ما رآه إبراهيم حينما سلك في طريق الطاعة للرب الذي وعد: “الذي عنده وصاياي ويحفظها، فهو الذي يحبني. والذي يحبني؛ يحبه أبى، وأنا أحبه وأُظهر له ذاتي” (يو14: 21).
قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن
وقد رأينا كيف اشتهى أب الآباء إبراهيم أن يرى يوم الرب، ورأى وفرح حسبما ذكر السيد المسيح في كلامه مع اليهود. ولكن هل كان ظهور السيد المسيح لإبراهيم قبل التجسد الإلهي هو لإبراهيم فقط؟ أم ظهر لكثير من الشخصيات المذكورة في الكتاب المقدس؟
إن ظهورات السيد المسيح قبل تجسده وولادته من السيدة العذراء لها أهمية ومدلولات كثيرة وتؤكّد فكرة التجسد الإلهي، كما تؤكّد رسالة المسيح الخلاصية التي صنعها بنفسه في ملء الزمان.
وقد اقترنت هذه الظهورات الإلهية بأحداث عجيبة، ومواقف مصيرية. كما أنها تحمل بُعدًا نبويًا يشير إلى المستقبل.
وكما ظهر السيد المسيح لأنبياء، هكذا أيضًا ظهر لأشخاص آخرين بعضهم قديسين وبعضهم ليسوا قديسين، ولكن كان لهم دورهم البارز في أحداث تاريخ البشرية. وهذا ما سوف نحاول أن نتناوله بالشرح إن سمحت عناية الله.
ظهور السيد المسيح لموسى النبي
من أقوى ما ورد عن السيد المسيح من ظهورات؛ هو ظهوره لموسى في العليقة المشتعلة بالنار. وقد ورد ذلك في سفر الخروج لموسى النبي كما يلي: “وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى. فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله” (خر3: 1-6).
لا يمكن أن ينطبق هذا الظهور على أقنوم الآب لأن الكتاب يقول “ظهر له ملاك الرب” (خر3: 2). وكلمة “ملاك” في اللغة العبرية تعنى “مُرسل” أي من هو مرسل من آخر. ولا يجوز أن يُقال عن الآب أنه مرسل من الرب ولكنها تقال عن الابن باستمرار كقوله لليهود في أكثر من موضع (انظر يو5: 37، يو6: 39، 44، يو7: 16).
ومما يؤكد أن الظهور في العليقة كان يخص الابن الوحيد هو قوله لموسى بعد ذلك “إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم، فنزلت لأنقذهم” (خر3: 7، 8). ومعروف أن الرب قد نزل لخلاص البشرية بتجسد الابن الوحيد في أحشاء العذراء مريم والدة الإله. وبهذا نقول أن الابن هو الذي “أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فى2: 7، 8).
النار والعليقة
أما العليقة نفسها فتشير إلى ناسوت السيد المسيح المأخوذ من السيدة العذراء بفعل الروح القدس؛ والذي تكوّن في أحشائها في نفس لحظة اتحاد الله الكلمة بهذا الناسوت. ولكن الناسوت لم يحترق لسبب اتحاده باللاهوت. وهذا ما عبّر عنه القديس بولس الرسول بقوله “وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” (1تى3: 16). حقًا إنه شيء عظيم يفوق العقل أن تتحد الطبيعة الإلهية بالطبيعة الإنسانية الخاصة بالسيد المسيح دون أن تحترق هذه الطبيعة الإنسانية بالرغم من التفاوت الهائل في خواص الطبيعتين، وقد كونتا معًا طبيعة واحدة لتجسد الله الكلمة حسبما علّم القديس كيرلس الكبير (ميا فيسيس تو ثيئو لوغو سيساركوميني) أي “طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة” هذه الطبيعة الواحدة تجمع بين خصائص الطبيعتين ولكن دون أن تتحول إحداهما إلى الأخرى بالامتزاج أو بالامتصاص بل استمرت كل طبيعة في الوجود محتفظة بخصائصها بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال ولا تقسيم.
اسم الرب
عندما أبصر موسى هذا المشهد العظيم الذي يرمز إلى التجسد الإلهي، وأراد الرب أن يرسله لخلاص شعبه. قال موسى لله: “ها أنا آتى إلى بنى إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أهيه الذي أهيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقال هكذا تقول لبنى إسرائيل أهيه أرسلني إليكم. وقال الله أيضًا لموسى: هكذا تقول لبنى إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكرى إلى دور فدور” (خر3: 13-15).
وهكذا أعلن السيد المسيح لموسى النبي أن اسمه هو “يهوه” أي “الكائن” مثلما قال القديس يوحنا الإنجيلي في سفر الرؤيا “أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء” (رؤ1: 8). نفس الاسم ينطبق على الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.
بصواب قال الشاعر الفرنسي دي لامارتين: [إن كينونة يهوه لا تحسب بالشهور والأيام، فيومه يوم أزلي، وهو الكائن على الدوام].
إن اسم “يسوع” في اللغة العبرية هو يهوشع بمعنى “يهوه خلّص” وهذا ما قاله الملاك جبرائيل للقديس يوسف خطيب العذراء مريم “يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (مت1: 20، 21). وبهذا تحقق قول الرب (يهوه) لموسى “إني قد رأيت مذلة شعبي.. فنزلت لأنقذهم” (خر3: 7، 8).
إن شعب يهوه هو شعب يسوع لأن يسوع هو يهوه.
ظهور السيد المسيح لموسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعين شيخًا
من ضمن ظهورات السيد المسيح السابقة للتجسد ظهوراته لموسى النبي. ولم تكن كل هذه الظهورات لموسى وحده، بل في إحدى المرات ظهر له ومعه هارون وناداب وأبيهو وسبعون شيخًا من شيوخ بنى إسرائيل.
وقد ورد ذِكر هذا الظهور في سفر الخروج كما يلي:
“وقال لموسى: اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو، وسبعون من شيوخ إسرائيل، واسجدوا من بعيد. ويقترب موسى وحده إلى الرب، وهم لا يقتربون، وأما الشعب فلا يصعد معه.. ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل، ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكَذَات السماء في النقاوة. ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بنى إسرائيل، فرأوا الله وأكلوا وشربوا” (خر24: 1، 2، 9-11).
هذه تقريبًا هي المرة الوحيدة التي ظهر فيها الرب ظهورًا واضحًا أمام عدد كبير من شعب إسرائيل؛ مثلما ظهر لنبوخذ نصر ملك بابل ومن معه عند إلقاء الثلاثة فتية في أتون النار، إذ ظهر معهم في وسط الأتون شخص رابع قال عنه الملك (على حد تعبيره) إنه “شبيه بابن الآلهة” (دا 3: 25).
جاء ظهور الرب لموسى ولمن معه بوضع خاص جدًا وذي معانٍ جليلة. ومن الواضح أنه ظهر في هيئة إنسان لأن هناك ذِكر لرجليه ويده.
ومن المعلوم أن الآب لم يره أحد قط، لذلك فالرب إله إسرائيل الذي ظهر لهم هو الابن الوحيد الجنس المولود من الآب قبل كل الدهور.
أما عبارة أنه “لم يمد يده إلى أشراف بنى إسرائيل” (خر24: 11) فهي دليل على أن أكل وشرب شيوخ إسرائيل المذكورين في هذه الواقعة لم يكن هو العشاء الرباني. وأن المصالحة بالفداء لم يكن قد آن أوانها.
في العشاء الخاص بليلة آلام الرب يسوع المسيح؛ أخذ خبزًا وشكر وباركه وقسمه وأعطاه لتلاميذه القديسين ورسله الأطهار المكرمين قائلًا: “خذوا كلوا هذا هو جسدي” (مت26: 26)، وهكذا الكأس أيضًا بعد العشاء ” قائلًا: اشربوا منها كلكم” (مت26: 27)، إذن لقد مد الرب يده إلى تلاميذه ومنها أكلوا وشربوا.
أما في حالة موسى النبي ومن معه فإن الرب لم يمد يده إليهم، بل يقول الكتاب “رأوا الله، وأكلوا وشربوا” (خر24: 11)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. مجرد رؤية أعقبها أكل وشرب هو رمز للإفخارستيا، مجرد رمز وليس له أي حقيقة إفخارستية لأن الرب لم يمد يده إليهم.
يوجد رمز آخر في المشهد الذي رآه موسى وشيوخ بنى إسرائيل، وهو منظر العقيق الأزرق الشفاف كذات السماء في النقاوة تحت رجلي السيد المسيح الذي ظهر لهم.. وهذا رمز للمعمودية المقدسة التي بها يمكننا أن نصل إلى ملكوت الله. وهى ميلاد فوقاني سماوي. وقد قَبِل السيد المسيح العماد لأجلنا ليرسم لنا طريق الخلاص بالمعمودية. لهذا كان منظر العقيق الأزرق الشفاف تحت رجليه.
بعد رؤيتهم لمنظر شبه المعمودية تحت رجلي الرب الذي ظهر لهم، أكلوا وشربوا رمزًا للإفخارستيا. لذلك فالإنسان لا يمكن أن يأكل من مائدة الرب في العهد الجديد إلاّ بعد أن ينال سر العماد المقدس في مياه المعمودية التي هي مثل العقيق الأزرق الشفاف كذات السماء في النقاوة.
وكما كان في فلك نوح والطوفان والحمامة التي بشرت بعودة الحياة مرة أخرى رموز جميلة للمعمودية المقدسة، هكذا أيضًا في هذا الظهور العجيب.
ظهور السيد المسيح ليشوع
* البعض لا يعتبرون ظهور السيد المسيح ليشوع بن نون في هيئة “رئيس جند الرب” والذي ورد في سفر يشوع (يش5: 13-15) ظهورًا إلهيًا. فهو في رأيهم ظهور لرئيس الملائكة ميخائيل حسبما هو وارد في سنكسار الكنيسة القبطية cuna[arion تحت يوم 12 هاتور ويوم 12 بؤونة، وفي إحدى مدائح الملاك ميخائيل بالعربية، وفي سنكسار كنائس عائلة الروم تحت يوم 8 تشرين الثاني (نوفمبر). ويحدد ميمر منسوب للقديس يوحنا ذهبي الفم (مكتوب باللغة القبطية ومحفوظ في مكتبة الفاتيكان تحت رقم مخطوط قبطي 58) يوم 26 بؤونة تذكارًا لظهور الملاك ميخائيل لإنقاذ لوط، وظهوره ليشوع عند أسوار أريحا.
* أما الأدفنتست وشهود يهوه فيدّعون خطأ أن الذي ظهر ليشوع هو المسيح نفسه وهو نفسه الملاك ميخائيل.
* أما نص ما ورد في سفر يشوع مترجمًا من اللغة العبرية فهو كما يلي: “وحدث لما كان يشوع عند أريحا أنه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده. فسار يشوع إليه وقال له هل أنت لنا أو لأعدائنا؟ فقال: كلا؛ بل أنا رئيس جند الرب، الآن أتيت. فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض وسجد، وقال له: بماذا يكلم سيدي عبده، فقال رئيس جند الرب ليشوع: اخلع نعلك من رجلك لأن المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس ففعل يشوع كذلك. وكانت أريحا مغلقة مقفلة بسبب بنى إسرائيل لا أحد يخرج ولا أحد يدخل. فقال الرب (يهوه) ليشوع انظر قد دفعت بيدك أريحا وملكها، جبابرة البأس” (يش5: 13-15، 6: 1، 2).
وقد شهد الكثيرون من آباء الكنيسة الجامعة بأن هذا الظهور كان ظهورًا للرب نفسه في هيئة رئيس جند الرب. وكمثال لذلك:
1- تشهد الدسقولية (بالعربية باب 31، والأثيوبية باب 30)، وكذلك السنن الرسولية (5: 20) عن مسيح الله أنه هو الذي رآه يشوع بن نون كرئيس جند الرب متسلّحًا لمساعدتهم ضد أريحا، وأن له خرّ وسجد (يشوع) كما يفعل العبد لسيده.
2- ويشهد يوستينوس الشهيد (الحوار مع تريفو 61) عن ابن الله أنه “يُدعى بالروح القدس أحيانًا مجد الرب، وأحيانًا الابن، وأيضًا الحكمة، وأيضًا ملاكًا، ثم الله ثم الرب والكلمة. وفي مرة أخرى هو يدعو نفسه قائدًا (رئيس جند) عندما ظهر في شكل بشرى ليشوع بن نون.
3- والقديس هيلارى أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب في معرض عن ظهورات الله في أشكال متنوعة في كتاب عن الثالوث (12: 47) يذكر الظهور ليشوع بن نون باعتباره (أي باعتبار يشوع) نبيًا يحمل اسم الرب يسوع (الاسم يشوع هو بعينه يسوع، وكلاهما بمعنى “يهوه خلص”).
* فالرأي الصائب إذن هو أن رئيس جند الرب الذي ظهر ليشوع هو الرب نفسه. وذلك لأن يشوع سقط على وجهه وسجد وقال له: “بماذا يكلّم سيدي عبده”. فمن وَصْفْ طريقة سجود يشوع وأسلوبه في الحديث؛ نرى توقيرًا بالغًا يزيد عن المعتاد، يدل على أن سجوده كان سجود عبادة. كما تنكشف الصفة الحقيقية للشخص الذي ظهر، من قبوله السجود من يشوع مما يؤكد أنه ليس مجرد ملاك مخلوق (قارن رؤ19: 10، 22: 8-9، أع10: 25-26). كذلك فإنه طالب يشوع بأن يخلع حذاءه لأن الموضع قد تقدّس بحضوره، تمامًا مثلما حدث مع موسى في أمر العليقة حين ناداه ملاك الله وأمره بأن يخلع حذاءه من رجليه (خر3: 4-5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا يؤكّد أن رئيس جند الرب الذي ظهر ليشوع ليس سوى الرب (يهوه) نفسه، لأن الأصحاح الخامس من سفر يشوع لا يذكر الرسالة التي حملها رئيس جند الرب إلى يشوع، لكنها مذكورة في بداية الأصحاح السادس مسبوقة بجملة اعتراضية تفصل بين الظهور وبين الرسالة، هي: “وكانت أريحا مغلقة مقفلة بسبب بنى إسرائيل، لا أحد يخرج ولا أحد يدخل”، يليها مباشرة نص الرسالة منسوبة إلى الرب هكذا: “فقال الرب (يهوه) ليشوع: انظر قد دفعت بيدك أريحا وملكها” (يش6: 1-2).
* لأنه طالما أن المسيح ظهر مرارًا في هيئة ملاك، وكان هو الملاك السائر أمام بنى إسرائيل في البرية مشهودًا له بأن اسم الله فيه (خر23: 20-23)، فليس ما يمنع من أن يتخذ هيئة رئيس جند الرب، ويظهر في صورة قائد محارب، سيفه مسلول بيده. قارن في هذا المجال ظهور ملاك يهوه لبلعام وسيفه مسلول في يده (عد22: 23)، قارن أيضًا ظهور السيد المسيح بمجده في سفر الرؤيا (رؤ1: 16) “وسيف ماضٍ ذو حدين يخرج من فمه ووجهه كالشمس وهى تضئ في قوتها” كذلك أيضًا ظهوره في نفس سفر الرؤيا (رؤ19: 11-16) جالسًا على فرس أبيض وهو “يدعى أمينًا وصادقًا وبالعدل يحكم ويحارب .. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله. والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزًا أبيض ونقيًا. ومن فمه يخرج سيف ماض.. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب”. (قارن أف4: 8، كو2: 15).
فنظرًا لأن السيد المسيح كما ورد في (رؤ 19: 11-16) بالعدل يحكم ويحارب، وهو يركب فرس أبيض والأجناد الذين في السماء يتبعونه على خيل بيض، ومن فمه يخرج سيف ماضٍ، فإن ذلك يعنى أن السيد المسيح هو أيضاً رئيس لجند الرب في المعارك الكبرى. ولا يفوتنا أن القائد العام للقوات المسلحة وهو وزير الدفاع، ليس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الجمهورية، فكل منهما قائد أو رئيس جند، ولكن مع اختلاف مستوى الرئاسة. وهكذا أيضًا بالنسبة لقواد فروع الجيش، مثل الطيران والبحرية والمشاة والمدفعية والدفاع الجوى. فليس معنى أن ميخائيل هو رئيس أن يكون هو الرئيس الأعلى للقوات السمائية، ففي حديث السيد المسيح مع يشوع بن نون قال له عن نفسه أنه هو “رئيس جند الرب” بمعنى أنه هو “القائد الأعلى للقوات السمائية”، أما رؤساء الملائكة مثل ميخائيل وغبريال ورافائيل وسوريال وسراسيال وأنانيال وسداكيال؛ فإن كل منهم رئيس طغمة ومن الممكن أن نفهم أن ميخائيل هو الأول بينهم. أما رئيس كل الرؤساء وملك كل الملوك ورب كل الأرباب فهو السيد المسيح، هو الذي خاض معركة الفداء والخلاص، وانتصر على مملكة الظلمة الروحية، كما كتب معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: “إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه” (كو2: 15). وكذلك قرب نهاية العالم قيل عن الوحش “ضد المسيح”: “وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه” (2تس2: 8). بمعنى أن الذي سيبطل عمل الوحش الذي سيظهر حينما يُحَل
يُحَلْ الشيطان من سجنه “والذي مجيئه بعمل الشيطان” (2تس2: 9)، هو المسيح الرب الذي سيأتي “في مجده وجميع الملائكة القديسين معه” (مت25: 31).
أما عن ادعاء شهود يهوه والأدفنتست السبتيين بأن السيد المسيح هو الملاك ميخائيل؛ فإن هذا غير مقبول على الإطلاق، لأنه مكتوب “أما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم إبليس محاجًا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب” (يه9). فكيف لا يجسر الرب يسوع المسيح أن ينتهر الشيطان؟ هذا غير معقول، ولذلك فليس ميخائيل هو السيد المسيح.
ولذلك يقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات في نص قداسه الإلهي مخاطبًا الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح: [لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس آباء ولا نبيًا ائتمنته على خلاصنا، بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست..] (صلاة الصلح).
كما أنه لم يرِد أي لقب من ألقاب السيد المسيح الإلهية عن الملاك ميخائيل بالكتاب المقدس مثل: “ملك الملوك”، و”رب الأرباب”، و”الابن الوحيد الجنس”، و”اللوغوس (الكلمة)”.
وكتب معلمنا بولس الرسول مقارنًا بين السيد المسيح والملائكة في فاتحة رسالته إلى العبرانيين يقول: “لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابني أنا اليوم ولدتك” (عب1: 5).
إن السيد المسيح يمكنه أن يظهر في هيئة ملاك أو إنسان وأن يأخذ لقب “ملاك يهوه” أي “سفير يهوه” (انظر خر3: 2، قض 6: 11، 14، قض13: 15، 22) ولكنه ليس من الملائكة. كذلك من الجانب الآخر، فإن الملاك ميخائيل لا يمكنه أن يأخذ لقب “ابن الله الوحيد”.
ظهور السيد المسيح لبلعام
لم يظهر السيد المسيح قبل التجسد لأناس أبرار فقط، بل ظهر أيضًا لأناس آخرين مثل لابان خال يعقوب أب الآباء، وكان لابان يعبد الأصنام؛ ولكن ظهر له إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ليحذّره من أذية يعقوب ابن شقيقته رفقة، بعد هروبه منه ومعه زوجتيه بنات لابان (انظر تك31: 24-32).
كذلك ظهر السيد المسيح لبلعام بن بعور -النبي الأحمق- ثلاث مرات وأراد أن يقتله لولا أن الأتان قد حادت عن الطريق، هذا إلى جوار ما رآه بلعام في نبواته عن السيد المسيح.
فزع موآب من الشعب الخارج مع موسى النبي، فأرسل بالاق ملك موآب رسلًا إلى النبي بلعام بن بعور ليأتى ويلعن هذا الشعب لكي يتمكن من الانتصار عليهم. فقال لهم بيتوا هنا الليلة فأرد عليكم جوابًا كما يكلّمني الرب.
“فأتى الله إلى بلعام وقال من هم هؤلاء الرجال الذين عندك. فقال بلعام لله: بالاق بن صفور ملك موآب قد أرسل إلىّ يقول: هوذا الشعب الخارج من مصر قد غشى وجه الأرض. تعال الآن العن لي إياه لعلى أقدر أن أحاربه وأطرده. فقال الله لبلعام: لا تذهب معهم ولا تلعن الشعب لأنه مبارك” (عدد22: 9-12).
ففي الصباح قال بلعام لرؤساء بالاق أن الرب أبى أن يسمح له بالذهاب معهم فذهبوا وأخبروا الملك بالاق الذي عاد وأرسل أيضًا رؤساء أكثر وأعظم من أولئك مع وعود بعطايا كثيرة. فطلب منهم أن يمكثوا هذه الليلة ليعلم ماذا يعود الرب أن يكلّمه به.
“فأتى الله إلى بلعام ليلًا وقال له إن أتى الرجال ليدعوك؛ فقم اذهب معهم. إنما تعمل الأمر الذي أكلمك به فقط. فقام بلعام صباحًا وشد على أتانه وانطلق مع رؤساء موآب” (عدد22: 20، 21). “فحمى غضب الله لأنه منطلق. ووقف ملاك الرب في الطريق ليقاومه وهو راكب على أتانه وغلاماه معه. فأبصرت الأتان ملاك الرب واقفًا في الطريق وسيفه مسلول في يده؛ فمالت الأتان عن الطريق ومشت في الحقل. فضرب بلعام الأتان ليردها إلى الطريق” (عدد22: 22، 23).
وتكرر الأمر في خندق للكروم بين حائطين، وفي مكان آخر ضيق حتى ربضت الأتان تحت بلعام، وفي كل مرة كان بلعام يضرب الأتان. وأخيرًا فتح الرب فم الأتان وعاتبت بلعام على ضربه إياها ثلاث دفعات “ثم كشف الرب عن عيني بلعام فأبصر ملاك الرب واقفًا في الطريق وسيفه مسلول في يده، فخرّ ساجدًا على وجه. فقال له ملاك الرب: لماذا ضربت أتانك الآن ثلاث دفعات.. لو لم تمل من قدامى لكنت الآن قد قتلتك واستبقيتها. فقال بلعام لملاك الرب: أخطأت إني لم أعلم أنك واقف تلقائي في الطريق. والآن إن قبح في عينيك فإني أرجع. فقال ملاك الرب لبلعام: اذهب مع الرجال وإنما تتكلم بالكلام الذي أكلمك به فقط. فانطلق بلعام مع رؤساء بالاق” (عدد22: 31-35).
من هو ملاك الرب الذي ظهر لبلعام؟
كما ذكرنا سابقًا فإن كلمة “ملاك” باللغة العبرية (ملاخ) تعنى مرسل أو سفير أو مفوض ولا تعنى بالضرورة أحد الملائكة العاديين مثل الملاك ميخائيل أو الملاك جبرائيل. وعبارة “ملاك الرب” هي في النص العبري (ملاخ يهوه) أي “سفير يهوه” واستخدمت في بعض المواضع للإشارة إلى السيد المسيح في ظهوراته السابقة للتجسد، مثل ظهوره لمنوح والد شمشون وجدعون وغيرهما.
ونلاحظ أن الله قد أتى إلى بلعام ليلًا وقال له “تعمل الأمر الذي أكلمك به فقط” (عدد22: 20). ثم حينما لاقاه ملاك الرب في الطريق قال له “إنما تتكلم بالكلام الذي أكلمك به فقط” (عدد22: 35) ففي كلتا الحالتين الله هو المتكلم، وملاك الرب هو المتكلم، لأن السيد المسيح هو الذي تكلم مع بلعام في كلتا الحالتين في ظهوراته السابقة للتجسد الإلهي. فالسيد المسيح هو الذي يمكن أن يأخذ لقب “سفير الرب” لأنه مرسل من الآب.
عندما وصل بلعام قال لبالاق الملك “الكلام الذي يضعه الله في فمي به أتكلم” (عدد22: 38).
وبعد أن أصعدت الذبائح على سبعة مذابح “وضع الرب كلامًا في فم بلعام وقال ارجع إلى بالاق وتكلم هكذا” (عدد23: 5)
وبدأ بلعام يبارك الشعب فقال له بالاق “لتشتم أعدائي أخذتك وهوذا أنت قد باركتهم. فأجاب وقال أما الذي يضعه الرب في فمي احترص أن أتكلم به” (عدد 23: 11، 12). وهذا يؤكد أن ملاك الرب الذي تكلم مع بلعام هو الرب الإله. وتكرر الأمر ثلاث مرات في مباركة الشعب. وفي المرة الثالثة كان روح الله على بلعام “فنطق بمثله وقال: وحى بلعام بن بعور. وحى الرجل المفتوح العينين. وحى الذي يسمع أقوال الله” (عدد24: 3، 4).
وبالرغم من كل هذه البركات والنبوات إلا أن بلعام قد جعل الشعب يخطئ بمشورة رديئة.
السيد المسيح في رؤى بلعام
تكلمنا عن ظهورات السيد المسيح لبلعام بن بعور وغضبه عليه، وتحذيراته له، وعدم تمكن بلعام من أن يلعن الشعب بروح النبوة. ولكن يتساءل البعض: لماذا حمى غضب الرب على بلعام عندما انطلق لمقابلة بالاق ملك موآب، مع أن الرب في المرة الثانية سمح له بالذهاب؟!
وللرد على هذا التساؤل نقول إن بلعام كان نبيًا للرب ولكنه كان محبًا للمال ويتصرف بحماقة كما شهد الكتاب المقدس عنه (انظر 2بط 2: 15، 16).
في نبواته لم ينطق بشيء مخالف لما يريد الرب أن يُقال، ولكنه في مقاصده الشخصية ونواياه كان ميالًا لمحبة المال بصورة أغضبت الرب عليه ووضعته في مصاف الحمقى والمخالفين. وقد وصل به الأمر أنه قد أشار على الملك بالاق الموآبى بمشورة رديئة أسقطت عدد كبير من شعب إسرائيل في الزنى وعبادة الأوثان وتسببت في غضب الرب عليهم وسقوط أربعة وعشرين ألفًا من القتلى بالوباء، مع أن بلعام لم يقبل أن ينطق بلعنات إلهية على هذا الشعب قبل أن يشير على بالاق الملك بمشورته الرديئة. بل بالعكس لقد بارك الشعب عدة مرات بحسب كلام الرب. ثم حل عليه روح الرب وتنبأ عن تجسد السيد المسيح بنبوءة في منتهى الروعة، ذكر فيها أنه قد رآه بروح النبوة من بعيد.
في بداية الأمر منع الله بلعام من الذهاب مع رسل الملك وبالفعل لم يذهب إليه. فعاد الملك ووعده بوعود مالية أكبر بكثير، فعاد يسأل الله إن كان يذهب فسمح له.
وهذا درس للجميع في عدم محاولة سؤال الله عن شيء ضد مشيئته والإلحاح عليه في الطلب سعيًا وراء تحقيق المآرب والشهوات الشخصية.
وأمام إلحاح بلعام في الذهاب وافق الله ولكنه أمره بألاّ ينطق إلاّ بالكلام الذي يضعه في فمه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفرح بلعام وشد على أتانه وذهب مع رسل الملك، وفي الطريق لاقاه السيد المسيح في ظهور من ظهوراته السابقة للتجسد وشرع في أن يقتله ثلاث مرات وأنقذه الحمار.. وفي المرة الثالثة بدأ الحمار ينطق بكلام كأنه إنسان بطريقة معجزية موبخًا بلعام. وكان ذلك كله لكي يظهر السيد المسيح له أنه غاضبٌ عليه وعلى مسلكه المحب للمال مع تحذيره من أن ينطق شيئًا مخالفًا لما يضعه في فمه.
وبالفعل نفَّذ بلعام أوامر السيد المسيح حرفيًا؛ وبارك الشعب ولم يلعنه، بل وتنبأ عن تجسده في ملء الزمان. ولكنه اكتفى بحرفية تنفيذ الوصية. أما قلبه فلم يكن مع السيد المسيح مثلما قال الله “هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا” (مر7: 6).
من الناحية الرسمية نفَّذ بلعام الوصية، ولكنه بقلبه وفكره ومشورته لم ينفذها بل عمل عكسها. والله لا يخدعه بالطبع التنفيذ الشكلي للوصايا بل قال “يا ابني أعطني قلبك ولتُلاحظ عيناك طُرقي” (أم 23: 26).
ما ورد في العهد الجديد عن بلعام
في سفر الرؤيا قال السيد المسيح لملاك كنيسة برغامس: “عندك هناك قومًا متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يعلِّم بالاق أن يلقى معثرة أمام بنى إسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا” (رؤ2: 14).
وفى رسالة يهوذا الرسول يقول عن الناس الأشرار: “ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين وانصبوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة وهلكوا في مشاجرة قورح” (يه 11).
وفى رسالة بطرس الرسول يقول عن المعلمين الكذبة الذين يدسّون بدع هلاك: “لهم قلب متدرب في الطمع، أولاد اللعنة. قد تركوا الطريق المستقيم فضلّوا تابعين طريق بلعام بن بصور الذي أحب أجرة الإثم. ولكنه حصل على توبيخ تعديه إذ منع حماقة النبي حمار أعجم ناطقًا بصوت إنسان” (2بط2: 14-16).
ويتضح من هذه الآيات التي وردت في العهد الجديد أن بلعام قد أشار على الملك بالاق أن يرسل نساءً زانيات في وسط محلة بنى إسرائيل ليسقط الأجناد في الزنى وعبادة الأوثان. فيحل غضب الرب عليهم. وهذا بالفعل هو ما ورد في سفر العدد عما فعله الملك إذ أرسل نساءً زانيات وضرب الرب الشعب بالوباء لسقوطهم في الخطية “وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعوْن الشعب إلى ذبائح آلهتهن فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن” (عد 25: 1، 2).
رؤية بلعام عن تجسد السيد المسيح
بالرغم من الوضع المأساوي الذي فعله بلعام إلا أنه قد سبق فتنبأ عن ظهور السيد المسيح بالجسد في ملء الزمان. وهذا يجعلنا لا نتكل على مواهب الروح القدس مثل موهبة النبوة لأن السيد المسيح قد أكّد على أهمية حفظ وصاياه وأن كثيرين سيقولون له في اليوم الأخير: “أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟” فيقول لهم: “إني لم أعرفكم قط اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم” (مت 7: 22، 23).
وكانت نبوة بلعام هكذا “فكان عليه روح الله. فنطق بمثله وقال: وحى بلعام بن بعور وحى الرجل المفتوح العينين. وحى الذي يسمع أقوال الله الذي يرى رؤيا القدير.. وهو مكشوف العينين. ما أحسن خيامك يا يعقوب مساكنك يا إسرائيل..! أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا، يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بنى الوغى” (عد24: 2-5، 17). والمعروف أن كوكب يعقوب الذي ظهر في ملء الزمان هو السيد المسيح.
ظهور السيد المسيح لجدعون
اشترط جدعون أن يعطيه الرب علامة على أنه سوف يكون معه للانتصار على جيش المديانيين الذين جاءوا بمئات الألوف بينما كان مع جدعون عدد أقل منهم بكثير.
طلب جدعون أن يضع جزّة الصوف على الأرض المتسعة بحيث تمتلئ الجزة بندى الليل وتبقى الأرض المحيطة بها كلها جافة بلا ندى. وقد حقق له الرب طلبه. وكان هذا إشارة إلى تجسد الله الكلمة في بطن العذراء القديسة مريم دونًا عن كل البشر. كما أنه إشارة إلى اتحاد اللاهوت بالناسوت المأخوذ من العذراء مريم بالروح القدس لتجسّد الكلمة دون أن يحدث ذلك مع أي طبيعة بشرية أخرى أي خصوصية ناسوت السيد المسيح وتفرده بالاتحاد باللاهوت.
عاد جدعون فطلب من الرب أن ينزل الندى في الليلة التالية على كل الأرض المتسعة، ولا ينزل على جزة الصوف بحيث تبقى جافة. وعاد الرب فحقق له طلبه وتمت هذه العلامة أيضًا. وكانت رمزًا لحلول الروح القدس على كل شعوب الأرض الذين آمنوا بالسيد المسيح واعتمدوا على اسمه دونًا عن الأمة اليهودية الرسمية التي رفضت الإيمان بالمسيح. ولذلك قال لهم “هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا” (مت23: 38، لو13: 35).
ومعروف طبعًا أن عبارة “جبل صهيون” ترمز إلى كلٍ من العذراء مريم وإلى أورشليم التي بنى هيكل الرب فيها مثل قول المزمور “صهيون الأم تقول إن إنسانًا إنسانًا صار فيها، وهو العلّى الذي أسسها” (مز86: 5). لذلك فجزة الصوف هي نفسها قد رمزت في المرة الأولى إلى العذراء مريم، وفي المرة الثانية إلى الأمة اليهودية التي ملأها الغرور بهيكل الله الذي كان مجرد رمز لأمجاد العهد الجديد في المسيح يسوع.
قبل هذه الأحداث كان السيد المسيح قد ظهر لجدعون ضمن ظهوراته السابقة للتجسد.
تحت شجرة البطمة
وردت قصة هذا الظهور العجيب للسيد المسيح في أحد ظهوراته السابقة للتجسد في سفر القضاة كما يلي:
“أتى ملاك الرب وجلس تحت البطمة التي في عفرة التي ليوآش الأبيعزرى. وابنه جدعون كان يخبط حنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين. فظهر له ملاك الرب وقال له: الرب معك يا جبار البأس. فقال له جدعون: أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه.. والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان. فالتفت إليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلّص إسرائيل من كف مديان أما أرسلتك” (قض6: 11-14).
بعد ذلك مباشرة دخلت المسألة في مرحلة ثانية أن جدعون أراد أن يتأكد أن الرب هو الذي ظهر له والذي ذكر عنه السفر باللغة العبرية أنه “ملاخ يهوه” (ملاك الرب = سفير يهوه) وأنه هو “الرب”كما ورد في النص السابق (قض6: 14).
قال جدعون للرب “أسألك يا سيدي بماذا أخلّص إسرائيل. ها عشيرتي هي الذُلَّى في منسى وأنا الأصغر في بيت أبى. فقال له الرب إني أكون معك وستضرب المديانيين كرجل واحد. فقال له إن كنت قد وجدت نعمةً في عينيك فاصنع لي علامة أنك أنت تكلمني. لا تبرح من ههنا حتى آتى إليك وأخرج
تقدمتي وأضعها أمامك. فقال: إني أبقى حتى ترجع” (قض6: 15-18).
وبالفعل دخل جدعون “وعمل جدي معزى وإيفة دقيق فطيرًا. أما اللحم فوضعه في سل، وأما المرق فوضعه في قدر، وخرج بها إليه إلى تحت البطمة وقدّمها” (قض6: 19). ونلاحظ أن جدعون قد قرّب التقدمة إلى الجالس تحت شجرة البطمة وتعامل معه على أنه هو الرب.
“قال له ملاك الله (بالعبرية “ملاخ إلوهيم”) خذ اللحم والفطير وضعهما على تلك الصخرة واسكب المرق ففعل كذلك. فمد ملاك الرب طرف العكاز الذي بيده ومس اللحم والفطير فصعدت نار من الصخرة وأكلت اللحم والفطير وذهب ملاك الرب عن عينيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فرأى جدعون إنه ملاك الرب فقال جدعون: آه يا سيدي الرب لأني قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه. فقال له الرب السلام لك لا تخف لا تموت. فبنى جدعون هناك مذبحًا للرب ودعاه يهوه شَلوم (بالعبرية أي الرب سلام)” (قض6: 20-24). لقد أدرك جدعون أن سفير يهوه الذي ظهر له هو ظهور للرب، ولذلك خاف أن يموت لأنه رآه. فطمأنه الرب وأعطاه السلام. فبنى مذبحًا للرب في الموضع الذي قبل فيه السيد المسيح تقدمته عند الصخرة ودعا اسم المذبح “الرب سلام”.
لذلك لا نعجب أن السيد المسيح قال لليهود “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهى التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إلىّ لتكون لكم حياة” (يو5: 39، 40).
كيف يمكن أن يفسر اليهود أن “سفير يهوه”المذكور في الأسفار المقدسة هو هو نفسه يهوه الله إلاّ إذا كان سفير يهوه هو الابن الوحيد الذي أرسله الآب في ظهورات العهد القديم وفي تجسد العهد الجديد حينما كلّمنا الله في ابنه وليس من خلال الأنبياء والقضاة كما في العهد القديم.
ظهور السيد المسيح لمنوح وزوجته
كان ظهورًا عجيبًا لزوجين من الأبرار في العهد القديم، وقد وردت قصة هذا الظهور في الأصحاح الثالث عشر من سفر القضاة، إذ تبدأ القصة كما يلي: “ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عينيّ الرب؛ فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة. وكان رجل من صرعة من عشيرة الدانيين اسمه منوح وامرأته عاقر لم تلد” (قض13: 1، 2).
وقد ظهر السيد المسيح للمرأة وقال لها “ها أنت عاقر لم تلدي، ولكنك تحبلين وتلدين ابنًا.. فدخلت المرأة وكلّمت رجلها قائلة: جاء إلىّ رجل الله ومنظره كمنظر ملاك الله مُرهب جدًا، ولم أسأله من أين هو، ولا هو أخبرني عن اسمه” (قض13: 3، 6).
نلاحظ هنا أن المرأة قد شاهدت رجلًا يكلمها ولكن منظره كمنظر ملاك الله مُرهب جدًا، بمعنى أنه سفير إلهي لأن كلمة ملاك في اللغة العبرية (ملاخ) كما أوضحنا سابقًا تعنى “سفير أو مفوّض أو مُرسِل” ولا تعنى بالضرورة أحد الأجناد الملائكية مثل الملاك جبرائيل مثلًا، فمنظر السيد المسيح المرهب عند ظهوره قبل التجسد قد عبّر عنه البعض بأنه كملاك الله، وعبّر عنه البعض بأنه “شبيه بابن الآلهة” (دا3: 25) مثلما قال نبوخذ النصر الملك عندما رأى السيد المسيح في وسط الثلاثة فتية في أتون النار في مملكة بابل وسجل ذلك دانيال النبي في سفر نبوته.
وبعدما أخبرت امرأة منوح زوجها بما رأته وسمعته “صلى منوح إلى الرب وقال أسألك يا سيدي أن يأتي أيضًا إلينا رجل الله الذي أرسلته، ويعلّمنا ماذا نعمل للصبي الذي يولد. فسمع الله لصوت منوح” (قض 13: 8، 9).
وبعدما ظهر السيد المسيح أيضًا لزوجة منوح التي أسرعت ودعت زوجها وتكلّم معه بكل ما هو مطلوب للصبي الذي يولد كنذير للرب، قال له منوح: “دعنا نعوِّقك ونعمل لك جدي معزى” (قض13: 15).
فأجاب السيد المسيح قائلًا “ولو عوقتني لا آكل من خبزك، وإن عملت محرقة؛ فللرب أَصعِدهَا. لأن منوح لم يعلم أنه ملاك الرب. فقال منوح لملاك الرب: ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك. فقال له ملاك الرب: لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب؟” (قض13: 16-18).
المقصود بملاك الرب هنا كما أوضحنا هو “سفير الرب” الذي في هذه الواقعة هو “الابن الوحيد” أي “السيد المسيح” الذي قال عنه الرب بفم إشعياء النبي “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام” (إش9: 6).
لقد سأل يعقوب أب الآباء السيد المسيح عن اسمه عندما صارعه طوال الليل عند مخاضة يبوق. فقال له السيد المسيح “لماذا تسأل عن اسمي؟” (تك32: 29).
وحينما سأل منوح أيضًا كما ذكرنا “ما اسمك؟” أجاب السيد المسيح: لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب. ولا غرابة في ذلك. فقد قال الآب عن ابنه “يدعى اسمه عجيبًا” (إش9: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل أكثر من ذلك لقد تساءل الكاتب في الأصحاح الثلاثين من سفر الأمثال عن الله وعن ابنه، فقال “من ثبَّت جميع أطراف الأرض ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟” (أم 30: 4).
إن اسم الله الذي أُعلن في العهد الجديد هو “الآب”، واسم ابنه الذي أُعلن في العهد الجديد هو “يسوع”. وقال الملاك الذي أعلن الاسم: إن سبب ذلك إنه “يخلص شعبه من خطاياهم” (مت1: 21) لأن اسم “يسوع” في اللغة العبرية هو يهوشع أي “يهوه خلّص”بمعنى “الله خلّص”.
بعد ذلك “أخذ منوح جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب، فعمل عملًا عجيبًا. ومنوح وامرأته ينظران. فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء؛ أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح، ومنوح وامرأته ينظران، فسقطا على وجهيهما إلى الأرض. ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته حينئذ عرف منوح أنه ملاك الرب. فقال منوح لامرأته نموت موتًا لأننا قد رأينا الله” (قض13: 19-22).
إذًا فحينما عرف منوح أن السيد هو ملاك الرب؛ لم يكن المقصود ملاكًا عاديًا لأنه قال “قد رأينا الله” (قض13: 22). إذًا لقد فهم منوح أن سفير الرب هو المسيح، أي هو الله الابن الذي ظهر له ولزوجته التي طمأنته بقولها: “لو أراد الرب أن يميتنا لَما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة. ولَمَا أرانا كل هذه، ولَمَا كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه” (قض13: 23).
إن صعود السيد المسيح في نار الذبيحة؛ قد أشار إلى تقديم نفسه صعيدة ومحرقة وقربان لله أبيه عند تجسده في ملء الزمان “المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب” (عب9: 14).
ظهور السيد المسيح لإشعياء النبي في الهيكل
بدأ سفر إشعياء بالنص التالي “رؤيا إشعياء بن آموص التي رآها على يهوذا وأورشليم في أيام عُزيّا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا” (إش1: 1).
ثم جاء إلى رؤياه التي شاهد فيها السيد المسيح فقال: “في سنة وفاة عُزيّا الملك رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل” (إش6: 1)
السيد المسيح على عرشه
الذي رآه إشعياء هو السيد المسيح قبل تجسده من العذراء مريم. رآه جالسًا على عرشه في الهيكل ويطير حوله السرافيم يسبّحون تسبحة الثلاثة تقديسات، وشَعَر إشعياء بالخوف لأنه إنسان خاطئ وعيناه قد أبصرتا الملك رب الجنود.
وقد وصف الموقف كما يلي:
“رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة: باثنين يغطى وجهه، وباثنين يغطى رجليه، وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانًا. فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود. فطار إلىّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمى وقال إن هذه قد مسّت شفتيك فانتُزِع إثمك وكُفِّر عن خطيتك” (إش6: 1-7).
ونلاحظ في هذا النص الملاحظات التالية:
1- إن السيد الجالس على الكرسي العالي يحمل لقب “الملك رب الجنود”وهو من ألقاب الله الخاصة به وحده.
2- إن الذي رآه إشعياء ليس هو الآب السماوي لأن يوحنا الرسول الإنجيلي يقول: “الله لم يره أحد قط؛ الإله الوحيد الجنس (عبارة “الإله الوحيد” بحسب أقدم النسخ والترجمة القبطية) الذي هو في حضن الآب هو خبّر” (يو1: 18) والمقصود بقوله “الله” في هذا النص هو “الله الآب”. بينما يقول إشعياء: “لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود” فالذي رآه هو الابن بالتأكيد.
3- إن الذي رآه إشعياء هو واحد من الأقانيم الثلاثة لأن الملائكة (السرافيم) قد سبّحوا قائلين: “قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض”، ويستحيل أن تُقال تسبحة الثلاثة تقديسات إلاّ للواحد من الثالوث القدوس.
4- إن الكرسي العالي في هذه الرؤيا لم يكن في السماء بل على الأرض. لأنه يقول عن السيد الجالس أن أذياله تملأ الهيكل، كما أن التسبيح قيل فيه فقط أن “مجده ملء كل الأرض”ومعروف طبعًا أن مجد الرب يملأ السماء أيضًا. ولكن هذه الرؤيا كانت على الأرض. كما ذُكر اهتزاز أساسات العتب وامتلاء البيت دخانًا. وكل هذا يدل على أن الرؤيا كانت في هيكل الرب في أورشليم في ذلك الزمان. يُضاف إلى ذلك وجود المذبح وعليه الجمرات المتقدة؛ وهذا أيضًا كان في خدمة الهيكل بأورشليم.
5- إن تطهير فم إشعياء بجمرة من على المذبح يرمز إلى سر الافخارستيا حيث يؤخذ التناول من جسد الرب ودمه من على المذبح بواسطة الكاهن. ويُعطى خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. وكل ذلك يجرى في الكنيسة الحاضرة هنا على الأرض كعربون للحياة الأبدية؛ وتكون الملائكة حاضرة حول المذبح في خدمة القداس الإلهي في الكنيسة التي هي بيت الله الحالى في الزمان الحاضر.
6- امتلأ البيت دخانًا، وهذا يرمز إلى البخور الذي يملأ الهيكل عند إصعاد القرابين في الكنيسة.
7- إن إشعياء النبي قد اعترف بخطاياه وخطايا شعبه قبل أن ينال التطهير والتكفير. وقد سمع السرافيم اعترافه، فلم يقدّم إشعياء هذا الاعتراف للسيد الرب وحده. لذلك قام الملاك الذي يرمز إلى خادم ذبيحة القداس الإلهي بأخذ الجمرة من على المذبح بملقط؛ ومس بها فمه. وهذا يرمز إلى خدمة الأسقف في الكنيسة (ملاك الكنيسة) بمساعدة القسوس في سر الافخارستيا.
وأكمل إشعياء النبي رؤياه فقال: “ثم سمعت صوت السيد قائلًا: من أُرسِلُ ومن يذهب من أجلنا. فقلت هأنذا أرسِلنِي” (إش6: 8).
شيء رائع أن يستمع إلى الدعوة ويستجيب لها بعد أن تطهّر من خطاياه بقوة المذبح. وها هو صوت الرب ينادى باستمرار “من أُرسِلُ ومن يذهب من أجلنا؟”.. ألم يقل السيد المسيح إن “الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا إلى رب الحصاد أن يُرسل فَعَلة إلى حصاده” (مت9: 37، 38)؟
ليتنا نكون مستعدين للاستماع إلى صوت الرب ودعوته، ومستعدين أن نعمل معه في بناء الملكوت ونردد مع إشعياء إذ يدعونا عندما نكون مستعدين “هأنذا أرسِلني”..
الارتباط بين الرؤيا وتابوت العهد
كان تابوت العهد يوضع داخل قدس الأقداس في خيمة الاجتماع التي صنعها موسى النبي حسب أمر الرب، وأيضًا بعد ذلك في الهيكل الذي بناه سليمان الملك في أورشليم.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن الملائكة الذين ذكرهم إشعياء في رؤياه؛ قد ورد عنهم عبارة “وهذا نادى ذاك”، مما لا يخفى على القارئ أنه يتكلم عن ملاكين يتبادلان تسبحة الثلاثة تقديسات.
في قبر السيد المسيح، بعد قيامته المجيدة من الأموات، أبصرت مريم المجدلية “ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين” (يو20: 12). وقبل ذلك النسوة أيضًا اللواتي أتين إلى القبر بعد قيامة الرب ووجدن الحجر مدحرجًا عن القبر “فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع. وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن لماذا تطلبن الحي بين الأموات. ليس هو ههنا لكنه قام” (لو24: 3-6)، وكان المنظر الذي رأته النسوة هو منظر ملاكين.
مسألة وجود ملاكين عند أو في قبر السيد المسيح، ووجود ملاكين في رؤيا إشعياء النبي ليست مصادفة لأن الرب أمر موسى أن يضع ملاكين على غطاء تابوت الشهادة (أي تابوت العهد) في قدس الأقداس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد ورد ذلك في وصف الرب لموسى كيف يعمل ذلك في سفر الخروج:
“وتصنع غطاءً من ذهب نقى طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف. وتصنع كروبين من ذهب صنعة خراطة تصنعهما على طرفيّ الغطاء. فاصنع كروبًا واحدًا على الطرف من هنا وكروبًا آخر على الطرف من هناك. من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفيه. ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتهما على الغطاء ووجهاهما كل واحد إلى الآخر نحو الغطاء يكون وجها الكروبين. وتجعل الغطاء على التابوت من فوق. وفي التابوت تضع الشهادة التي أعطيك. وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بنى إسرائيل” (خر25: 17-22).
إذن فتابوت العهد يشير إلى العرش الإلهي الذي تحيط به مظلة الكاروبيم.
ولكن الأمر اللافت للنظر هو أنه في رؤيا إشعياء وفي وصف تابوت الشهادة (تابوت العهد) قد قيل أن الملاكين كانا فوق العرش أو فوق غطاء التابوت.
وما معنى أن يظلل الملائكة فوق العرش الإلهي “مظللين بأجنحتهما” (خر25: 20)؟
وقد وردت هذه العبارة أيضًا في سفر حزقيال إذ يقول الرب لزُهرة بنت الصبح “أنت الكروب المنبسط الْمُظَلِّلُ، وأقمتك” (حز28: 14، انظر إش14: 12).
هل يحتاج الرب إلى مظلّة. وما فائدتها..؟! إن المظلة تحمى من المطر أو من الشمس . ولكن الرب لا يحتاج لمثل هذه الأمور.
وقد قال بطرس للسيد المسيح على جبل التجلي: “يا معلّم جيد أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة وهو لا يعلم ما يقول. وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم.. وصار صوت من السحابة قائلًا هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا” (لو9: 33-35). فماذا كان يقصد بطرس الرسول بعمل المظال..؟!
إن ما يمكننا أن نفهمه عن مظلة الكاروبيم فوق العرش الإلهي هو أنها لا تحمى العرش إطلاقًا، بل تعكس المجد والبهاء الصادر عن الله لتنبهر به الخليقة المتطلّعة نحو العرش. مثلما تحاط المصابيح والكشافات المتقدة بالنور بمظال تعكس ضوءها. لهذا قيل عن حادثة التجلي “إذا سحابة نيّرة ظللتهم” (مت17: 5).
ألم يقل السيد المسيح عن نفسه أنه هو نور العالم، ثم عاد يقول أنتم نور العالم. وقيل عن السيد المسيح “كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم” (يو1: 9). فالسيد المسيح هو النور الحقيقي، أما القديسون فيعكسون هذا النور لأنهم ليسوا هم مصدره (كما شرح ذلك قداسة البابا شنودة الثالث- أطال الرب حياة قداسته).
فوجود الملائكة فوق العرش لا يعنى أنها تعلوه في المقام، بدليل أن كل واحد منهم (كما ورد في سفر إشعياء النبي) بجناحين يغطى وجهه، وباثنين يغطى رجليه، وباثنين يطير. فهو يغطّى وجهه من بهاء عظمة مجد الرب الذي لا يحتمل التحديق فيه، ويغطى رجليه بمعنى الخجل والاحترام، ويطير باثنين ليكون قادرًا على تنفيذ مشيئة الرب في الحال، ويشبه في ذلك السيد المسيح معلقًا وهو فاتح ذراعيه على الصليب طاعةً لأبيه السماوي.
رؤيا إشعياء كتمهيد للنبوات
بالرغم من أن هذه الرؤيا قد وردت في الأصحاح السادس، إلاّ أنها تشير إلى بداية خدمة إشعياء النبي؛ بدء دعوة الرب له. لأن السيد قال على مسمع منه: “من أُرسِلُ ومن يذهب من أجلنا” (إش6: 8). فردّ إشعياء وقال: “هأنذا أرسِلني” (إش6: 8). وبالطبع فإن الدعوة تسبق الإرسالية.
لم يذكر إشعياء الرؤيا في بداية سفر نبوته لئلا يبدو الأمر وكأنه متمركز حول أموره الخاصة، ولكنه ذكرها بالروح القدس قبل أن يبدأ نبواته المحددة عن تجسُّد الكلمة (أي تجسُّد السيد المسيح وميلاده من العذراء مريم لأجل خلاصنا) والتي وردت في الأصحاحين السابع والتاسع.
وأراد الروح القدس بهذا أن يوضح أن رؤية إشعياء للسيد المسيح في الهيكل وسط تسابيح الملائكة هي التمهيد الطبيعي لنبواته عن التجسد الإلهي.
فظهورات السيد المسيح في العهد القديم كانت تمهيدًا واضحًا لظهوره بالتجسد الفعلي في ملء الزمان.
وكان ملء الزمان هو الموعد الذي أعدّ فيه الله الآب كل شيء لإرسال ابنه الوحيد إلى العالم متجسدًا وفاديًا ومخلصًا؛ كقول بولس الرسول “ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأةٍ، مولودًا تحت الناموس.. لننال التبّني” (غل4: 4، 5).
ولقداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- تأملات جميلة جدًا ونافعة حول موضوع ملء الزمان، وكيف أعد الله البشرية لاستقبال الكلمة المتجسد بكثير من الرموز والنبوات، وأعد الأشخاص الذين يعاصرون مجيئه في الجسد مثل العذراء القديسة مريم والقديس يوحنا المعمدان والتلاميذ الرسل القديسين، وحتى هيرودس الملك ويهوذا الإسخريوطي وقيافا وحنانيا وبيلاطس الحاكم الروماني، وغيرهم الكثيرين بحيث يؤدى كل واحد من هؤلاء دوره بإرادته الحرة؛ ويكون مسئولًا عن تصرفاته بدون إجبار.. إنها ملحمة رائعة لا يمكن احتواء أبعادها بفكرنا المحدود، ولكننا نقف أمامها مبهورين بما عمله الرب؛ وبما شرحه قداسة البابا.
لماذا إشعياء بالذات؟
ولكن لماذا اختار الرب إشعياء بالذات ليظهر له في الهيكل، ويرسل واحدًا من السرافيم لتطهيره، ويدعوه ويرسله، ويسكب عليه هذا الفيض العجيب من النبوات عن السيد المسيح؛ حتى دُعى إشعياء النبي بالنبي الإنجيلي ودُعى سفر إشعياء بالإنجيل الخامس، لكثرة ما ورد فيه من نبوات عن المسيح الرب..؟!!
نلاحظ أن إشعياء كان من العابدين بعمق وملازمًا للعبادة؛ لأن الرؤيا التي ظهرت له كانت في الهيكل بأورشليم كما شرحنا..
وبالإضافة إلى ذلك كانت مخافة الرب واضحة في كلامه عندما قال: “ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود” (إش6: 5).
كان إشعياء إنسانًا متواضعًا معترفًا بخطاياه. ولكن الشيء العجيب أنه قد حمل هموم شعبه عند رؤيته للرب؛ فاعترف بخطاياه وخطاياهم معًا.
كان إشعياء مثقلًا بهموم شعب إسرائيل.. مثقلًا برؤيته لخطاياهم، وحيرته في أمر خلاصهم.. وحيرته في كيفية تحقيق وعد الرب بالخلاص لمثل هذه البشرية التي الجميع فيها قد “زاغوا وفسدوا معًا، ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد” (رو3: 12).
لقد تمرر إشعياء بسبب خطايا شعبه وصلّى كثيرًا إلى الرب مذكّرًا إياه بمواعيده للآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، ومن قبلهم وبعدهم كثير من الذين انتظروا خلاص الرب شاعرين بحاجتهم للخلاص.
كان إشعياء يتطلع نحو مجد الله، ويترجى شوقًا أن يصير مجد الرب راية للشعوب.. وانطلق ببصره النبوي خارج إطار الأمة اليهودية ومملكة إسرائيل إلى كل شعوب الأرض، مثل ما ورد في الآيات التالية:
“ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدًا” (إش11: 10).
“التفتوا إلىَّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض، لأني أنا الله وليس آخر” (إش45: 22).
كان إشعياء قلب يشتعل بالحب نحو الله ونحو البشرية جمعاء. لذلك فعندما أوحى إليه الروح القدس بنبواته الرائعة “ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم؛ روح المشورة والقوة؛ روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه” (إش11: 1-5).
وأيضًا “وتقول في ذلك اليوم: أحمدك يا رب لأنه إذ غضبت علىَّ ارتد غضبك فتعزيني. هوذا الله خلاصي فاطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصًا. فتستقون مياهًا بفرحٍ من ينابيع الخلاص. وتقولون في ذلك اليوم: احمدوا الرب ادعوا باسمه، عرِّفوا بين الشعوب بأفعاله، ذكِّروا بأن اسمه قد تعالى. رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرًا ليكن هذا معروفا في كل الأرض. صوتي واهتفي يا ساكنة صهيون لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك” (إش12: 1-6)؛ فقد شملت نبواته هذه جميع الأمم بصورة لم يكن يتقبلها الشعب اليهودي بسهولة، حتى في بدايات الكنيسة في العهد الجديد. وهو الأمر الذي عمل فيه الروح القدس حتى أوضح لكنيسة الرسل مقاصد الرب بصورة متدرجة.
واختص إشعياء في نبوته، مصر وشعبها بنبوات رائعة مثل قوله: “في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها” (إش19: 19)، وقوله: “بها يُبارِك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر” (إش19: 25).
كان إشعياء شاعرًا وكانت حياته أنشودة حب؛ لذلك ظهر له الرب في رؤيا مع السرافيم أي المتقدين بالنار-نار الحب الإلهي. فالكاروب معناه “الممتلئ أعينًا” أي الممتلئ معرفة. والسرافيم معناه “المتقد بالنار” أي بالحب.
حقًا ينطبق على إشعياء النبي شعر قداسة البابا شنودة الثالث عن المتنيح الأرشيذياكون حبيب جرجس:
هذه تقواك: إيمانٌ فحب هذه دنياك: أشواكٌ وصلبُ
أنت، من أنت؟ رسولٌ ههنا؟ أنت أبهى من رسولٍ، أنت قلبُ
أنت قلبٌ واسعٌ في حضنه عاش جيلٌ كاملٌ أو عاش شعبُ
أنت نبعٌ من حنانٍ دافقٍ أنت عطفٌ، أنت رفقٌ، أنت حبُ