المسيح يطهر هيكله
"وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: "أَلَيْسَ مَكْتُوباً: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الْأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ". وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لِأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ" (مرقس 11:15-19).
في صباح يوم الإثنين عاد المسيح وتلاميذه إلى الهيكل، ليباشر العمل الإصلاحي الذي رأى الحاجة ماسةً إليه، لأن تأثير تطهيره الهيكل منذ ثلاث سنين كان قد اضمحل، وعادت العادات الذميمة إلى مجراها القديم، واستخدم اليهود دار الأمم للمرور العادي في الأشغال من جهة إلى جهة بين شوارع المدينة، ونصبوا فيها حوانيت التجارة.
كان هذا الهيكل يرمز إلى المسيح كوسيطٍ بين اللّه والناس، لأن به يتقدم الجميع إلى اللّه. وقد قال المسيح: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي" (يوحنا 14:6) فكان يجب أن يطهر الهيكل مرة أخرى. ولما كان سيسلِّم ذاته بإرادته في هذا الأسبوع لسلطان أعدائه، فقد جدد برهان سلطانه الذي سيتنازل عنه لإتمام عمل الفداء - برهنه من جديد عندما طرد الباعة من الهيكل وأوقف التجارة فيه.
وفي التطهير الثاني للهيكل لم يدَع المسيحُ أحداً يجتاز فيه بمتاع. واستعمل كلاماً أقوى مما قاله في التطهير الأول للهيكل. في التطهير الأول قال: "لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة". أما في هذه المرة فقال: "بيتي بيت صلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص". لأنه رأى نفاق التجار في فسحاته. ورأى معظم الأمة، بما فيها الرؤساء، يسلبون حقوق اللّه.
وصفت النبوة المسيح بأنه عادل ومنصور (زكريا 9:9) ففي طرده الباعة أظهر عدله، وفي عجز الرؤساء عن منعه ظهر منصوراً. بعد تطهيره الأول للهيكل طلب منه اليهود آية، أما في التطهير الثاني فسألوه: "بأي سلطانٍ تفعل هذا؟" وطلبوا أن يهلكوه. لكنه بقي في المدينة وجوارها ثلاثة أيام.
طهَّر الهيكل وهو ربه ليستعمل بيته في خدمته المزدوجة. ابتدأ حسب عادته بآيات الشفاء وأردفها بآيات التعليم. فعلَّم العالم أن أعمال الرحمة تُعدُّ من خدمة الله وتليق ببيته كما بيومه أيضاً. فبانتصاره على الرؤساء، ثم على الأمراض، ثم على الجهل، زاد تعلُّق الشعب به، وعدد المؤمنين ايضاً. فقيل إن "الشعب كله كان متعلقاً به يسمع منه".
ولما صار المساء خرج المسيح إلى خارج المدينة كعادته، ثم عاد صباح الثلاثاء ليودع الهيكل الذي قد تحوَّل من بيت الله إلى مغارة لصوص، لأن تطهيره الثاني للهيكل لم يكن إلا مؤقتاً كالأول. وهو لا يرجع إليه بعد هذا اليوم. فلما وصلوا في طريقهم إلى حيث كانت التينة التي لعنها بالأمس، نبَّه بطرس سيده أنها يبست من الأصول. فرأى المسيح احتياجهم إلى درس جديد في الإيمان، وفي النتائج العظيمة العجيبة التي تتبع كل صلاة تُقدَّم بإيمان تام، فأعاد لهم الشرط الأساسي لاستجابة كل صلاة، وهو أن يغفر المصلي من كل قلبه لمن اساء إليه.