|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
طوبيت 12 - تفسير سفر طوبيا
أجرة الأجير الصوم والصلاة والصدقة التجربة والامتحان المجموعة الأولى المجموعة الثانية المجموعة الثالثة إرسالية الملاك الإعلان عن شخصيته رد فعل طوبيا وابنه حَدِّثا وأكتبا الحواشي والمراجع أجرة الأجير: "حينئذ دعا طوبيا ابنه وقال له: ماذا ترى نعطى هذا الرجل القديس الذي ذهب معك (طو 12: 1)". ونلاحظ هنا أن طوبيا يطلق على الرجل لفظ قديس، فكلمة قديس تطلق على الإنسان المؤمن والذى يحيا حياة حسب إرادة الله ولذلك يستمد قداسته من الله القدوس، ولذلك يوصينا الله قائلًا: كونوا قديسين لأنى أنا قدوس (لا 11: 44، 1 بط 1: 16). نجد القديس بولس يستعملها كثيرًا في رسائله فيقول مثلًا "سلموا على كل قديس (في 4: 21). وأيها الأخوة القديسين (عب 3: 1) ولأخدم القديسين (رو 15: 25)". ولقد سارت على هذا النهج الكنيسة في ليتورﭽيتنا حيث تعلن لمؤمنيها قائلة: " القُدُسات للقديسين". ونجد طوبيت ينفذ وصيته التي قالها لابنه: "أجرة الأجير لا تبقى عندك (طو 4: 15)"، ولهذا استدعى ابنه ليسأله ويأخذ رأيه فيما يعطى لذلك الإنسان. أما طوبيا الابن العارف بالجميل، ومقدار تعب الأخرين معه، يعدد أتعاب أجيره لأبيه قائلًا له: "أخذنى ورجع بى سالمًا، والمال هو استوفاه. وعن طريق وساطته حصلت على زوجتى، وهو الذي طرد عنها الشيطان، وفرح أبويها، وخلًصنى من افتراس الحوت، وإياك جعلك تبصر، فأى أجر يكون موزايًا لكل هذا فأسالك أن تسأله هل يرضى أن يأخذ النصف من كل ما جئنا به (طو12: 2-5). فالذى يحدد أجر الأخرين هو من يراهم يعملون، لأنه يشعر بتعبهم والمشاكل والأخطار التي اجتازوها أثناء عملهم. وعلى هذا الأساس طلب طوبيا من ابنه يحدد أجر رفقه. فأخذ طوبيا وابنه الملاك في أحد الأماكن الخالية في المنزل لكي يتفاوضا معه ويرضى أن يأخذ النصف من جميع ما آتيا به. أما الملاك الذي لم يكن قد كشف عن شخصيته بعد قال لهما: "باركا إله السماء واعترفا له أمام جميع الأحياء لما آتاكما من مراحمه (طو 12: 6)" فإذاعة أعمال الله والاعتراف بها كرامة عظيمة وعمل مهم جدًا، ولذلك نجد أن الرجل الأبرص الذي أوصاه السيد المسيح أن لا يقل لأحد عن كيفية شفائه لم يستطيع، بل كان ينادى كثيرًا ويذيع الخبر بالأكثر حتى لم يقدر السيد المسيح أن يدخل المدينة ظاهرًا (مر 1: 40 - 50). وكذلك أيضًا الأخرس الأصم، ويعلق القديس مرقس الرسول على ذلك قائلًا: "فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد. ولكن على قدر ما اوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيرًا. وبهتوا إلى الغاية قائلين أنه عمل كل شيء حسنًا، جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون (مر 7: 36، 37)". وإن كان السيد المسيح قد طلب من البعض أن لا يذيعوا الخبر على الملأ لكي لا يزحمونه، ولكنه طلب من غيرهم أن يذيعوه، مثل الرجل الذي كان من كورة الجدريين فقال له: "أرجع إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك فمضى وابتدأ ينادى في العشر مدن كم صنع به يسوع (مر 5: 19،20)". فالاعتراف بأعمال الله معنا وشكره عليها هي ضرورة حتميه ولذلك قال السيد المسيح: "لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال (مت 5: 15). "وأما سر الملك فخير أن يكتم (طو 12: 7)"، وذلك لسببين أولهما: أنه لابد أن يكتم من أجل سلامة المملكة، لأنه لو تم إذاعة أسرار الملك فمن السهل على الأعداء أن يعرفوا خطط ونقط ضعف وقوة المملكة وبذلك يسهل التغلب عليها. وأما الثاني: فيقول عنه الحكيم: "احفظ أمر الملك وذلك بسبب يمين الله (جا 8: 2)"، حيث أن القادة في بداية توليهم السلطة يجعلهم الملك أو الرئيس يقومون بإداء القسم الدستورى. الصوم والصلاة والصدقة: "صالحة الصلاة مع الصوم، والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب (طو 12: 8)". نجد أن الملاك ربط بين الصلاة والصوم والصدقة، وهو ما نعبر عنه مجازيًا بأركان العبادة المسيحية. وكذلك أيضًا نجد أن السيد المسيح ربط بينها في عظته على الجيل وأستعمل نفس الكلمات تقريبًا، حيث نجده يتكلم عن أن الصدقة خير من ادخار الأموال قائلًا: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء - عن طريق الصدقة - حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا (مت 6: 19 - 21)". وكما ربط سفر طوبيا بين الصوم والصلاة قال على فم الملاك: "صالحة هي الصلاة مع الصوم". نجد أن السيد المسيح ربط بينهما أيضًا عندما قال: "هذا الجنس - أي الارواح الشريرة - فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم (مت 17: 21)". ومن أهمية الصدقة نجد أن السيد المسيح له المجد يتكلم عنها قبل الصلاة والصوم في عظته على الجبل، ويرجع إليها مرة أخرى في نفس الاصحاح بعدما تكلم عن الصلاة والصوم (قارن مت 6). "لأن الصدقة تنجى من الموت وتمحو الخطايا وتؤهل الإنسان لنوال الرحمة والحياة الأبدية (طو12:9)". نلاحظ أن الملاك يؤكد وصية طوبيا لابنه (طو 4:11)، مما يعلن عن أنه عندما كان يوصى ابنه كان يتكلم وهو مسوق من الروح القدس (2 بط 1: 21). والحكيم يشوع ابن سيراخ يؤكد ذلك فيقول: "الماء يطفى النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا (سى 3: 33)". وفي موضع أخر يقول: "أغلق على الصدقة في أخاديرك فهى تنقذك من كل شر (سي 29:15)". ودانيال النبي يعلن ذلك لنبوخذ نصر أيضًا فيقول له: "فارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك (دا 4: 27)". ونلاحظ أن الملاك يصنع مقارنة سريعة بين الذين يسيرون في طريق القداسة وبين الذين يفعلون الاثم والخطية حيث أنه ينتقل من الكلام عن الصلاة والصوم والصدقة قائلًا: "وأما الذين يعملون المعصية والإثم فهم أعداء لأنفسهم (طو 12: 10)". فلماذا هم اعداء لأنفسهم؟!! لأنه عندما يترك الإنسان طريق القداسة ويبعد عن الله، يكون هدفًا سهلًا للشيطان فيمزقه بسهامه، ونجد أن ارميا النبي يعلن عن ذلك قائلًا: أَعبدٌ إسرائيل أو مولود البيت هو، لماذا صار غنيمة؟ زمجرت عليه الأشبال أطلقت صوتها وجعلت أرضه خربة، أحرقت مدنه فلا ساكن، وبنو نوف وتحفنيس قد شجوا هامتك. أما صنعت هذا بنفسك إذا تركت الرب إلهك حينما كان مسيرك في الطريق؟ (إر 2:14 - 17) ولأنه أيضًا "ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية (غل 6: 7، 8)" ولهذا يوصينا القديس بولس الرسول قائلًا: "فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل. فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان (غل 6: 9- 10)". ونجد الملاك يعلن لطوبيا - كما أعلن لكرنليوس فيما بعد (أع 10: 4) - قائلًا: "إنك حين كنت تصلى بدموع وتدفن الموتى وتترك طعامك وتخبئ الموتى في بيتك نهارًا وتدفنهم ليلًا كنت أنا أرفع صلاتك إلى الرب (طو 12: 12)". ويصف القديس يوحنا الحبيب الملائكة وهي ترفع صلوات المؤمنين قائلًا: "وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطى بخورًا كثيرًا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله (رؤ 8: 3، 4)". وفي موضع آخر يؤكد أن البخور الذي وضعه الملاك في المبخرة هو نفسه صلوات القديسين فيقول: "ولما أخذ - أي السيد المسيح الخروف القائم كأنه مذبوح- السفر خرت الأربعة الحيوانات الأربعة والعشرون شيخًا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات - مباخر- من مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين (رؤ5: 8)". وذلك يقول المرتل في المزمور: "لتكن صلاتى بخورًا أمامك (مز 141: 2)"(1). التجربة والامتحان: " وإذا كنت مقبولًا أمام الله كان لابد أن تمتحن بتجربة(طو 12: 13)". فنجد أن الملاك يعلن لطوبيا عن التجربة كأداة الامتحان. وهذا ما أكده كل من يعقوب الرسول في قوله: "عالمين أن إيمانكم ينشئ صبرًا (يع 1: 3)". والقديس بطرس الرسول عندما قال: "الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيرًا بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفانى مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح (1 بط 1: 6، 7)". وأما يهوديت فقالت لشيوخ مدينتها: "والآن يا أخوتى بما أنكم أنتم شيوخ في شعب الله وبكم نفوسهم منوطة(2) فأنهضوا حتى يذكروا أن آباءنا إنما ورد عليهم البلاء ليمتحنوا هل يعبدون إلههم باحق فينبغي لهم أن يذكروا كيف أمتحن أبونا إبراهيم وبعد أن جُرِبَ بشدائد كثيرة صار خليلًا لله (يهو 8: 21، 22)". فالإمتحان إما أن يكون لاختيار الشخص لإثبات قدرته وصلاحيته والتحقق من نجاحه وكفاءته في المكان الذي سيؤول إليه، أو لاكتشاف نواحى القوة والضعف فيه. فمن صلاح الله لنا أنه يعلن أمام أنفسنا عن نقط الضعف بطريقة غير مباشرة لنصلح من ذواتنا، ولكى لا نعطى فرصة وعلة للمشتكى علينا (1 تى 5: 14). ومن هنا تأتى حتمية الامتحان - لابد أن تمتحن بتجربة - ولأننا بشر قابلون للضعف، وبالتالي للسقوط فالله لكي يؤهلنا لملكوته باستحقاق دمه يقوم بعملية تأديب أو عقاب لنا، وهنا أحب أن أوضح أن العقاب أحيانًا يكون استيفاء حق ولذلك نجد الله يعلن عن ذلك بقوله: "وإن حصلت أذية تعطى نفسنًا بنفس وعينًا بعين وسنًا بسن ويدًا بيد ورجلًا برجل وكيًا بكى وجرحًا بجرح ورضًا برضٍ (خر 21: 23- 25)"، وقد يستخدم عقوبة إنسان ما في تأديب الجماعة، وأما التأديب فهو بالعقاب، ومنها ما هو بالتشجيع والوعد بالمكافأة. المجموعة الأولى: 1 - لكي تكف عن الخطية: حيث أنه يعلن لنا على لسان، مار بطرس الرسول قائلًا: "فإن من تألم في الجسد كف عن الخطية (1 بط 4: 1)". ومثال لذلك بني إسرائيل أيام القضاة فعندما كانوا يحيدون عن طريق الرب فكان الله يرسل عليهم غزاه يذلونهم ويتسلطون عليهم إلى أن يتوبون ويرجعوا بكل قلوبهم إلى الرب فيرسل لهم مخلصًا فيخلصهم من أيدى أعدائهم (اش 19: 20). ب - للحفظ من الخطية:- وهذا ما عبر عنه القديس بولس الرسول بقوله: "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع (2 كو 12:7)". فنجد الله يسمح بتجربة للقديس بولس الرسول لئلا يتكبر بسبب كثرة الرؤى والإعلانات التي يراها. ج - ولكى يؤهلنا ويجعلنا ندقق جيدًا مع أنفسنا قبل التقدم لسر الإفخارستيا: وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول أيضًا: "ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل وشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب. من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنا حكمنا علي أنفسنا لما حكم علينا، ولكن إذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم (1 كو 11: 28 - 32)" د - والتأديب من خلال الألم يربط الإنسان بالله ويجعله ينجذب نحوه مرة أخرى: مثال لذلك يونان النبي. فهذا النبي عصى أمر الله بالذهاب إلى نينوى وحاول الهرب. ولكن نجد الله يحاصره. ويضيق الخناق عليه. ويجعل البحارة يرمونه في عمق البحر ويبتلعه الحوت، ولكن مع كل هذا يحفظ الله نفسه ويعطيه فرصة للتوبة. فيستجيب لها يونان النبي ويرتبط بشدة بالله حتى يصير أقوى الشخصيات التي ترمز لموت السيد المسيح وقيامته. وأعتقد لو أي إنسان عقد مقارنة بين فترتين مختلفتين في حياته إحداهما ضيقة وشدة، والأخرى يكون مستريحًا ولا يوجد ما يقلق باله أو أي شيء يكدر صفو حياته لأكتشف ذلك بسهولة. وهذا ما عبر عنه المرتل بقوله: " يا إلهى نفسي منحنية في لذلك أذكرك من أرض الأردن وجبال حرمون من جبل مصعر (مز 42: 6)". ونلاحظ أننا لا نجد حدود فاصلة بين أهداف الموقف لأنها متداخلة في بعضها البعض فالإنسان يكره الخطية ثم يلتجئ إلى الله فيحرره ويخلصه وينقيه منها ويحفظه من السقوط مرة أخرى. المجموعة الثانية: الألم يكشف عن الفضائل التي تأصلت فينا: ولهذا يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح في هذا الصدد: "مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به (عب 5: 8)". والألم أيضًا يكشف عن فضيلة الصبر في حياة أيوب البار حتى قيل: "خذوا يا أخوتي مثالُا لاحتمال المشقات والأناة الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب. ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب. كثير الرحمة ورؤوف (يع 5: 10،11)". والقديس يوسف الصديق عندما كان عبدًا ويعلم جيدًا أن حياته لا ثمن لها رفض السقوط في الخطية وقال مقولته المأثورة لامرأة سيده: "هوذا سيدى لا يعرف معى ما في البيت وكل ماله قد دفعه إلى يدى. ليس هو في هذا البيت أعظم منى، ولم يمسك عنى شيئًا غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله (تك 39: 8، 9)". وبسبب موقفه هذا وضع في السجن عدة سنوات. ب- الآلام تزكينا أمام الله: نحن نعلم كم عانى داود من شاول الملك، وكم من مرة حاول شاول قتله. وأما داود فكان يقابل كل ذلك بالصفح والغفران. مع أنه كان في مقدرته قتله والتخلص منه، ولكنه لم يفعل ذلك. وأبى أن يسمح لأحد من رجاله بذلك. ولهذا قال لإبشاى: "لا تهلكه فمن يمد يده إلى مسيح الرب ويتبرأ (1صم 26: 9)". وقال مرة أخرى لرجاله: "حاشا لى من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدى إليه لأنه مسيح الرب هو. فوبخ داود رجاله بالكلام ولم يدعهم يقومون على شاول (1 صم 24: 6، 7)". ولهذا نجد أن الله يشهد عنه قائلًا: "وجدت داود بن يسى رجلًا حسب قلبى الذي سيصنع كل مشيئتى (اع 13: 22)". ج- مِنْ خلال آلامنا يتمجد الله: ونجد أن هذا واضح جدًا من خلال المعجزات. فنجد السيد المسيح يوضح هذا بنفسه في معجزة تفتيح عينى المولود أعمى، حينما سُئل: "من أخطأ هذا الإنسان الأعمى أم أبواه حتى أنه ولد هكذا؟ فقال لهم: لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه (يو 9: 3)". وأكد هذا في معجزة إقامة لعازر من الموت. فقال لتلاميذه عندما علم بمرضه: "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد ابن الله به (يو 11: 40)". وعندما اعترضت مريم أخت لعازر على فتح القبر قال ها: "ألم أقل لك إن أمنت ترين مجد الله (يو 11: 40)". والله لا يتمجد من خلال المعجزات وحسب ولكن من خلال أعمالنا أيضًا ويقول في ذلك: "لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات (مت 5: 16)". فعندما نشعر بضعفنا وعدم اتكالنا على مقدرتنا وفهمنا نجد الله يُصَرِح لنا ويقول: "تكفيك نعمتى لأن قوتى في الضعف تكمل (2كو 12: 9)". ولهذا نجد الله وعمله واضح جدًا في حياة بعض المعاقين. ولذلك نجد منهم من يتبوأ مناصب قياديه وهامه ونجدهم ناجحين جدًا في عملهم ومن أمثلة هؤلاء: القديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الاسكندرية اللاهوتية. ويقول عنه القديس جيروم: كان يحفظ الكتاب بعهديه القديم والحديث، ولم يكتف بهذا فقط، ولكنه كان قادرًا على الربط بين أحداثه ومواضيعه المختلفة، ويقارِن بينهما، ويُعَلِق عليها بدقة علمية عجيبة، ولقد نبغ في علوم النحو والبيان والفلسفة والمنطق والرياضة والموسيقى وتعلم الهندسة أيضًا وهي التي تحتاج إلى النظر أكثر من غيرها فكان أعجوبة كل ناظر إليه(3). ولقد أوكل إليه القديس أثناسيوس الرسولي إدارة مدرسة الاسكندرية أعظم مدرسة لاهوتية آنذاك. ولقد ابتكر وسيلة لتعليم المكفوفين القراءة والكتابة عن طريق حفر الكلمات على الخشب فيتم قراءتها عن طريق اللمس، وبذلك يكون قد سبق برايل في تعليم المكفوفين القراءة والكتابة بخمسة عشر قرنًا من الزمان. وكتب بعضًا من التفاسير في أسفار الكتاب المقدس، ولقد وجد بعضًا منها في أحدى المغاير بجوار دير البغل بجبل المقطم بطره. ومن أشهر كتاباته دفاعه عن أوريجانوس الذي اسماه (المبادئ)(4) وأبونا أندراوس الصموئيلى الراهب الضرير الذي عاش وحيدًا في الدير بجبل القلامون لمدة أربعة أشهر، ولم يكن معه سوى نعمة الله وقليل من الخبز اليابس والملح. ولقد كانت الحياة في هذه الفترة بدير أنبا صموئيل غاية في الصعوبة حتى هجره معظم رهبانه. فكم تكون شدتها وقسوتها على إنسان مثل أبونا أندراوس الذي لم تكن لديه ملكة تصور المواقع مثل غيره من فاقدى البصر والذى يريد أن يعرف كم من المعاناة تحملها هذا الجبار عليه أن يتحرك ويمشى في مكان به ظلام دامس. فأبونا أندرواس ظل أمينًا في حياته لديره وبصلاته أعاد الله الحياة الطبيعية للدير. وحفظه الله من كل خطر وخاصة لو علمنا كم من المخاطر التي كانت تحيط به من كل ناحية مثل الحيات والعقارب والعربان وغيرها. وبتهوفن الموسيقار المشهور على مستوى العالم أجمع بالرغم من اصابته بالصمم آلف أشهر أعماله "كونشرتو الكمان"(5). ونحن نعلم أن الموسيقى تحتاج إلى آذان حساسة جدًا لكي لا يوجد أي نشاز بالعمل الفنى. وجونى إيركسون تادا الرسامة المعروفة على مستوى العالم برسم اللوحات بالفرشاة التي تمسكها بين أسنانها بدلًا من أصابعها. حيث أنها فقدت أطرافها الأربعة في حادث غوص تعرضت له سنة 1976 ميلادية. وهيلين كيلر التي أصابتها حمى بالمخ بعد عام ونصف من مولدها تقريبًا. فأفقدتها حاستىّ البصر والسمع ولحقت بهما قدرتها على التكلم. والتي بفضل معلمتها آن سوليفان أجادت تعلم اللغة الإنجليزية، واللاتينية. واليونانية، والفرنسية، والألمانية، ولقد التحقت بمدرسة موراس مان للصم لكي تتعلم النطق. وبعد أحد عشر درسًا مكثفًا استطاعت أن تنطق جملة مكونة من أربع كلمات وهى: "الأن أنا لست خرساء". وبعد التدريب استطاعت أن تضبط مخارج ألفاظها وسرعتها النسبية في الحديث ولقد عملت هيلين في الكتابة والصحافة. فيوجد الكثيرون من أمثال "آدلر" الذي كان لديه شلل أطفال و"نيتشه" الذي اصيب بالهزال و"مارجريت تشانين" والتي فقدت دراعيها بالكامل وغيرهما من المشاهير الذين استطاعوا التغلب على إعاقتهم، واكتسبوا فضائل مسيحية، فمنهم من أشتهر بالشكر، ومنهم بحياة التسليم، ومنهم خدمة المعاقين، وغيرها من الفضائل التي تمجد الله بها من خلال نجاحهم وتمسكهم بها رغم إعاقتهم الظاهرة. د- التأديب بالآلام يساعدنا على تفهم نفسية المجربين ومساعدتهم: ولذلك قال القديس بولس الرسول عن السيد المسيح: "لأنه فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين (عب 2: 18)". وقال أيضًا عن رئيس الكهنة والكاهن: "قادرًا أن يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضًا محاط بالضعف (عب5: 2)". ولهذا عندما وضع رئيس السقاة ورئيس الخبازين في نفس السجن الذي كان به يوسف الصديق قام على خدمتهما (تك40: 4). ونشعر بذلك أيضًا في صلوات إرميا النبي والذى أحس بمرارة السبي فكان بكل قوته يحاول أن يجعل الشعب يتوب فيرجع الله عن حمو غضبه ولا يسلمهم للسبى. ومن أمثلة هؤلاء أيضًا: "آن سوليفان"(6) والتي أجريت لها عمليتان جراحيتان استعادت بعدهما نور عينيها -حيث أنها كانت قبل ذلك مصابة بالعمى- فقطعت عهدًا أمام الله أن تكرس نفسها وتهب نور عينيها ودفء قلبها للمحرومين من نعمة البصر. لذلك تجدها تبنت هيلين كيلر لتخدمها كل أيام حياتها وقد نجحت في ذلك.. " وجونى إيركسون تادا"(7) هذه الفتاة التي فقدت أطرافها الأربعة. كم من مرة تكلمت عن نعمة الله عليها بمقعدها المتحرك، والذى دفعها للتحدى بتحركات أوسع من عجلاته، وكيف اتجهت إلى الله عقب الحادث وكيف تحولت إعاقتها بنعمته إلى انتصار في الحياة، وتحدثت أيضًا عن مصادرة قوة الإنسان التي يستلهمها من الله ومن قوة الإرادة البشرية حتى لو عجز الجسد عن ذلك. ويوجد لها برنامج إذاعى يومى "جونى والاصدقاء" تبثه أكثر من تسعمائة محطة إذاعية ويسمعه ملايين المستمعين تبث فيهم الأمل والعزيمة والخطوات العملية نحو النجاح والإيمان الحق بالله. "وهيلين كيلر" التي بالرغم من عاهتها كانت عونًا كبيرًا لمعوقى الحرب العالمية الثانية ممن فقدوا نعمة البصر فلقد كانت تحمل لهم تشجيعًا وتفاؤلًا شديدًا للغاية. ولقد قالت عن عاهتها: "إننى اشكر الله على كل عجز وإعاقة لدى، فقد كانت الطريقة لاكتشاف نفسى ورسالتى ومحبة الله لى"(8) وهذا هو ما عبر عنه القديس بولس الرسول حينما قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع أن نعزى الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله (2 كو 1: 3، 4)". ونجد أيضًا في هذه المجموعة عدم وضوح الحدود الفاصلة بينها فعندما تتبلور وتثبت وتظهر فينا الفضائل المسيحية يتمجد الله بنا. ولأننا ندرك إنها هبة من الله حيث أن قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى (2 بط 1: 3) "وليس فضل القوة منا بل منه (2 كو 4: 7) فبالتالي نشعر بضعفنا وضعف الآخرين فنقدم على معونتهم. المجموعة الثالثة: * - آلامنا هي امتداد وتكميل لآلام السيد المسيح: فالكنيسة جسد المسيح ونحن أعضاء في هذا الجسد ولذلك نجد القديس بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس: "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح (1 كو 6: 15)". ويؤكد لهم هذا القول مرة ثانية: "وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا (1 كو 12: 17)". والقديس بولس الرسول أستلهم ذلك - أي نحن جسد المسيح - من المسيح نفسه عندما قال له هذا إذ كان يضطهد الكنيسة: "شاول شاول لماذا تضطهدنى. فقال - شاول الطرسوسى- من أنت يا سيد فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده (أع 9: 4، 5)". فكل الآلام التي يسببها لنا الآخرون بسبب إيماننا الميسحى تضاف لحساب الآلام السيد المسيح. فالمسيح مازال يكمل آلامه من أجلنا في آلامنا ولهذا يقول: "كل ما فعلتم بأحد هؤلاء الأصاغر فبى قد فعلتم (مت 24: 40)". ويقول أيضًا في العهد القديم: "من يمسكم يمس حدقة عينى (زك 2: 8)". وهذا ما تغلغل في حياة وفكر بولس الرسول ولذلك نجده يحتمل الآلام ولهذا نجده يقول لأهل كولوسى: "الذي الآن أفرح في آلامى لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمى لأجل جسده الذي هو الكنيسة (كو 1: 24)". ويقول لأهل كورنثوس: "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا لأننا نحن الأحياء نسلم دائمًا للموت من أجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت (كو 4: 10، 11). ونجده يفرح بهذه الآلام بسبب تعزية المسيح له فيقول: "لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا (2 كو 1: 5)". ولهذا نجد الشهداء يفرحون ويتهللون ويستعذبون الآلام الواقعة عليهم من أجل إيمانهم بالسيد المسيح له المجد. لأنهم كانوا دائمًا يشعرون بوجوده معهم في وسط هذه الآلام والتجارب. ولذلك قال القديس بولس الرسول لبعض رفقائه عندما كانوا في بيت فيلبس المبشر بقيصرية - وحاولوا منعه من الذهاب إلى أورشليم حينما علموا بأن اليهود سوف يسلمونه للأمم مقيدًا بالأغلال والقيود: "ماذا تفعلون تبكون وتكسرون قلبى لأنى مستعد ليس أن أربط فقط بل أن أموت أيضًا في أورشليم لأجل اسم الرب يسوع (أع 21: 13)". وأكد هذا الكلام لرعاة كنيسة أفسس حينما قال لهم: "الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلًا أن وثقًا وشدائد تنتظرنى. ولكنى لست أحتسب لشئ ولا نفسى ثمينة عندى حتى أتمم بفرح سعيى والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله (أع 20: 23، 24). ب- آلامنا هي مجدنا في السماء: وفي هذا يقول القديس بطرس الرسول: "الذي به تبتهجون -أي الإيمان بالمسيح- مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيرًا بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفانى مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح (1 بط 1: 6، 7)". وأما القديس بولس الرسول فيوضح ذلك لأهل تسالونيكى قائلًا: "حتى إننا نحن أنفسنا نفتخر بكم في كنائس الله من أجل صبركم وإيمانكم في اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها بيّنة على قضاء الله العادل أنكم تؤهلون لملكوت الله الذي لأجله تتألمون أيضًا. إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقًا وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته (2 تس 1: 4- 7)". ولهذا نجده يقول لأهل فيلبى: "قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله (في 1: 29)". والسيد المسيح له المجد قد وضح ذلك من قبل لتلاميذه قائلًا: "أنتم الذين ثبتوا معى في تجاربى. وأنا أجعل لكم كما جعل لى أبى ملكوتًا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتى في ملكوتى وتجلسوا على كراسى تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر (لو 22: 28- 30)". وفي ذلك يقول أيضًا القديس بولس الرسول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم.... ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة (1 كو 6: 2، 3)". فإن كان لنا كل هذا المجد ليتنا نشترك في احتمال المشقات كجنود صالحين ليسوع المسيح (2 تى 2: 3)". إرسالية الملاك: "والآن فإن الرب قد ارسلنى لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان (طو 12: 14)". في هذا العدد يعلن الملاك عن ارساليته، وفي هذا يقول القديس بولس الرسول: "أليس جميعهم -أي الملائكة- أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14)". ونجد أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس تعلن عن خدمة الملائكة للبشر وتخليصهم من التجارب والامراض منهم: الملاك الذي كان ينزل بركة بيت حسدا ليحرك الماء فيشفى أول إنسان ينزل بعد تحريك الماء مهما كان مرضه (يو 5: 4). والملاك الذي أخرج الأباء الرسل من السجن وأوقفهم أمام الهيكل لكي يبشروا بالسيد المسيح القائم من بين الأموات (اع 5: 19). وتكرر هذا الحدث مرة أخرى مع القديس بطرس الرسول فصرخ قائلًا: "الآن علمت يقينًا أن الله أرسل ملاكه وأنقذنى من يد هيرودس ومن كل انتظار شعب اليهود (أع 12: 11)". وفي العهد القديم قام ملاك بقتل 185 الفًا من جيش سنجاريب ليخلص أورشليم من الحصار الواقع عليهم (إش 37: 36). وكما يرسل الله ملائكته ليخلص أحباؤه وخدامه كذلك يرسلهم أيضًا لمعاقبة الذين يتمردون عليه. فها هو ملاك الرب يضرب هيرودس فيأكله الدود وهو حى ويموت (أع 12: 13). وإن كانت حدثت حرب في السماء بين ميخائيل وملائكته مع الشيطان وملائكته ولم يقووا بعد فلم يوجد لهم مكان بعد ذلك في السماء فطرح الشيطان إلى الأرض (رؤ 12: 7- 12). الا يقدر الملاك ان يخلص إنسانًا واحدًا من الشيطان؟!! بالطبع يستطيع ذلك بقوة يسوع المسيح الهنا. وهذا هو ما أعلنه يعقوب أب الأسباط حينما قال: "الملاك الذي خلصنى من كل شر (تك 48: 16)" وهو ما أكده المرتل عندما قال: "ملاك الله حال حول خائفيه وينجيهم" (مز 34: 7)". وإشعياء النبي يقول: "في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم (إش 63: 9)". الإعلان عن شخصيته: "فإنى أنا رافائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب (طو 12: 15)". فإن كان الملاك في العدد السابق أعلن عن إرساليته. ففى هذا العدد يعلن عن نفسه. فرافائيل كلمة عبرية تعنى الله هو الشافى. أو الشفاء من الله. لذلك يلقبه البعض بشفيع المرضى ومفرح القلوب، في العدد يحدد أولًا عن اسمه ثم يحدد عمله أو مكانته أمام الله. فسفر طوبيا هو أول من حدد أن رؤساء الملائكة: هم سبعة وبعد ذلك زكريا النبي حيث يقول: "فتفرح أولئك السبع ويرون الزيج بيد زربابل - أول واليٍ على أورشليم بعد العودة من السبي مباشرة - إنما هي أعين الرب الجائلة في الأرض كلها (زك 4: 10)". وأما القديس يوحنا الحبيب فيصفهم هكذا: "سبعة مصابيح نار متقدة (رؤ 4: 5)". "سبعة أعين (رؤ 5: 6)". "وأرواح الله السبعة (رؤ 3: 1)". والملائكة السبع الذين يقفون أمام عرش الله (رو 8: 2، 1: 4)". وهؤلاء السبع ملائكة كما يقول التقليد وكتب الكنيسة عنهم ومنها الأبصلمودية هم: الأول هو ميخائيل والثاني جبرائيل والثالث رافائيل والرابع سوريال والخامس سيذاكيئل والسادس سارائينيل والسابع أنانيئيل. وبذلك يكون رافائيل هو الثالث بينهم. والسيد المسيح يؤكد على أن الملائكة تقف أمامه في السماء فيقول: "أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار. لأنى أقول لكم أن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبى الذي في السموات (مت 18: 10)". وهو نفس التعبير الذي قاله الملاك جبرائيل لزكريا الكاهن عندما قال له: "أنا جبرائيل الواقف أمام الله (لو 1: 19)". رد فعل طوبيا وابنه: "فلما سمع مقَالتْه هذه ارتاعا وسقطا على أوجههما على الأرض مرتعدين" (طو 12: 16). فمن الطبيعى أن طوبيا وابنه يخافان ويرتاعان ويسقطان على الأرض بعد هذا الإعلان. فسقوطهما على الأرض هو نوع من الرهبة والإكرام، فهنا سجود إكرام وليس سجود تعبد، مثلما حدث عند سجود يعقوب لعيسو أخيه (تك 33: 3). وهو ما حدث أيضًا مع منوح وزوجته حيث أنهما خافا وارتعدا وسقطا على الارض عندما رأيا ملاك الرب صاعدًا إلى السماء في نار التقدمة التي قدمها إلى الرب (قض 13: 20، 22). وهو ما تكرر أيضًا مع دانيال النبي - الذي جاء بعد طوبيا بفترة تقترب بقرن ونصف من الزمان - عندما جاء إليه الملاك جبرائيل ليفهمه الرؤيا فيقول عن نفسه: "ولما جاء - الملاك- خِفْتُ وخررت على وجهى (دا 8: 17)". وتكرر معه نفس الحدث مرة ثانية فقال: "ولما سمعت صوت كلامه -أي صوت الملاك- كنت مسبخًا على وجهى ووجهى إلى الأرض وإذ بيد لمستنى وأقامتنى مرتجفًا على ركبتى وعلى كفى يدى (دا 10: 9، 10)". فطوبيا وولده لم يتوقعا أن يحضر إليهما ملاك الرب في هذه الارض الغريبة والتي كانت في نظرهما نجسة بسبب شرور شعبها وتعبدهم للأوثان ولذلك كانت مفاجأة غير متوقعة أن يرسل الله لهما أحد رؤساء الملائكة ليخلصهما من كربتهما وضيقهما. وأما الملاك عندما رآهم مرتاعين ومضطربين منحهم السلام قائلًا لهما: "سلام لكم لا تخافوا (طو 12: 19)". كما منح السيد المسيح تلاميذه سلامه بعد قيامته من الأموات (مت 28: 5. لو 24: 36)" ولأنهما أبناء السلام فحل عليهما السلام (لو 10: 5، 6). وأعلمهما أنه كان معهما حسب إرادة الله ومشيئته فلذلك ينبغى لهما أن لا يخافا ولا يضطربا ولكن يسبحا الله ويباركاه (طو 12: 18) أي يسجدا له مقدمين له كل حمد وشكر وتسبيح وإكرام ويعملا على إتمام وصاياه ومشيئته وتعظيمه بين كل المحيطين بهما. ولعلهما قد تساءلا فيما بينهما كيف وهو ملاك كان يأكل ويشرب معهما - لعلمهما أن الملائكة هي أرواح لا تحتاج إلى الأكل المادى الذي نحتاج إليه. فأجابهما الملاك دون أن يسألاه قائلًا: "وكان يظهر لكم إنى آكل وأشرب معكم وإنما أنا أتخذ طعامًا غير منظور وشرابًا لا يبصره بشر (طو 12: 19)". ويشرح ذلك القديس أوغسطينوس(9) قائلًا: "أجسادنا فاسدة. ومحكوم عليها بالموت. وتتحكم الغرائز في الجسد كى يستمر على قيد الحياة. أنه يتغذى كى يعيش، وإن لم تشبع غريزة الطعام، يعانى الإنسان من الجوع والعطش - وبالتالي - إلى فقدان طاقة الجسم الحيوية إلى حد الهزال والنحافة... أما الملاك فهو إن أكل. لا يأكل عن غريزة طبيعية مثلنا. وهناك فرق بين أن تفعل شيئًا عن غريزة حتمية. وبيّن أن تفعلها ويمكنك الاستغناء عنها. الإنسان يأكل كى لا يموت، أما الملاك فهو يأكل ليكون ودودًا ومتآلفًا مع المائتين. لأنه إن كان الملاك ليس لديه أي خوف من الموت. ولا يحتاج أن يجدد قواه - مثل الإنسان عن طريق الأكل والشرب، لأنه أصلًا لا يعانى الوهن على الأطلاق. فهو لا يأكل عن ضرورة. أما الذين رأوا ملاكًا يأكل. فقد ظنوا أنه يأكل لأنه كان جائعًا. لذلك قال لهم: "وكان يظهر لكم أنى آكل وأنا معكم (طو 12: 19)" يعنى لقد كنت آكل. ليس كما ظننتم أنتم أننى جائع، لأن الملاك لا يعانى من أي غريزة يلتمس إشباعها بالأكل المعتاد. ولكنى - هكذا يقول الملاك - أكلت كى تأنسوا لى فقط". وإن كان قد قيل عن المن أنه خبز الملائكة (مز78: 24: 25) إلا أن الملاك يقصد هنا:- أولًا: أن أكله هو تتميمه إرادة الله من حيث تنفيذ وصاياه وأوامره، والسيد المسيح حينما كان في الجسد قال عن نفسه عندما سأله تلاميذه قائلين: "يا معلم كُل". فقال لهم السيد المسيح له المجد: "أنا لى طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم". فتساءل التلاميذ مع بعضهم البعض: "ألعل أحد أتاه بشئ ليأكل". فحينئذ قال لهم: "طعامى أن أعمل مشيئة الذي أرسلنى وأتمم عمله (يو 4: 31 - 33). ثانيًا: تسبيح الله وتمجيده وفي هذا يقول المرتل: "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه باركوا الرب يا جميع جنوده خدامه العاملين مرضاته (مز 103: 20، 21)". حَدِّثا وأكتبا: وبعد ما أتم الملاك عمله أعلن لهما أنه يجب أن يفارقهما ويعود إلى الله ليرسله في خدمة جديدة، حيث أنه أكمل رسالته ولابد أن يعود لمن أرسله لمساعدتهم. وأكد لهم للمرة الثالثة على أن يباركا الله فقال لهما: "وأنتم فباركوا الله وحدثوا بجميع عجائبه (طو 12: 20)". اما النسخة القبطية تقرأ هكذا: "وألان اعترف الله لأنى صاعد إلى الذي ارسلنى فأكتبا جميع ما تم لكما في كتاب". فهنا التحدث إما شفاهى أو أن يكون مكتوبًا. حيث يكون سجلًا يَسْهُل الرجوع إليه في أي وقت. وكثيرًا ما أمر الرب أن تكتب شرائعه وأعماله مع البشر ولهذا نجد أن موسى النبي يوصى الشعب قائلًا: "ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصتها - (اى حدث بها)- على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشى في الطريق، وحين تنام، وحين تقوم. وأربطها علامة على يدك. ولتكن عصائب بين عينك. وأكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك - أي على أبواب مدنك (تث 6: 6- 9)". ولذلك قيل لإشعياء: "تعلى الآن أكتب هذا عندهم على لوح وارسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور (إش 30: 8)". وقال الرب لإرميا عندما مزق يهوياقيم كتاب نبوته: "عُد فخذ لنفسك درجًا آخر وأكتب فيه كل الكلام الأول الذي كان في الدرج الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا (إر 36: 28)". وفعل ذلك إرميا على يد باروخ تلميذه (ار 36: 32). وكان على كل ملك يجلس على كرسى المملكة يكتب لنفسه نسخة من سفر الشريعة (تث 17: 18- 20). فإذاعة وكتابة أعمال الله معنا والتي لا تحتاج إلى أي تأويل أمر واجب علينا، فإلهنا دائمًا يتمجد من خلال عمله مع أولاده. وكتابة أسفاره الإلهية أمر لابد. منه وكان شائعًا قبل دخولنا عصر الطباعة. ولكن مازال البعض ينسخ بعض هذه الأسفار لنفسه للآن. ونجد أن القديس يوحنا الرائى يطوب الذين يفعلون ذلك مرتين في رؤياه قائلًا: "طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب (رؤ 1: 3)". والثانية "طوبى لمن يحفظ أقوال نبوءة هذا الكتاب (رؤ 22: 7)". فحفظ أقوال الله تأتى على ثلاث مستويات الأول هو الحفظ بطريقة عملية أي نسعى لطاعة الوصية وتنفيذها. والثاني هو الحفظ عن طريق التلقين والاستيعاب. وأما الثالث فهو عن طريق التدوين لكي تصل كما هي للأجيال المتعاقبة. _____ (1) حسب الترجمة الحديثة - أما في الأجبية: لتصعد صلاتى كالبخور قدامك. (2) أى حياتهم مسئولة منكم. (3) تاريخ الكنيسة: للقمص منسى يوحنا. (4) قصة الكنيسة القبطية للأستاذة إيريس حبيب المصرى. (5) الكونشرتو كلمة لاتينية الأصل، مشتقة من فعل "كونشرتارى" ومعناه: المباراة أو التسابق أو التقابل. والمقصود بمعنى الكلمة من الناحية الموسيقية هي تبادل الغناء بين مجموعاتان أو أكثر - مثلما يحدث في التسبحة بين الخورس البحرى والقبلى والكونشرتو مؤلف موسيقى يبنى على نظام السوتانة- والسوتانة كلمة ايطالية الأصل مشتقة من فعل "سونارى" ومعناه يسمع والمقصود به القطعة الموسيقية التي تستمع اليها - والكونشرتو عبارة عن عزف على آلة موسيقية واحدة أو أكثر بمصاحبة الاوركسترا. (6) مجلة هو وهى. (7) مجلة هو وهى. (8) مجلة هو وهى. (9) ترجمها الأنبا إيساك في كتاب حياتك في الأبدية عن pl 39 C ul 1611 sermo. Cclxii |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
طوبيت 6 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 5 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 4 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 3 - تفسير سفر طوبيا |
طوبيت 2 - تفسير سفر طوبيا |