|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعرف على توفيق أندراوس الصعيدي الذي هتف سعد زغلول باسمه في متصف سنة 1918، بينما كان الزعيم سعد زغلول يؤلف المجموعة الوطنية للمطالبة بالاستقلال عن بريطانيا، طلب لقاءه شاب صغير من صعيد مصر أنهى دراسته في جامعة أكسفورد. وافق الزعيم علي مقابلة ذلك الشاب وتم اللقاء في منتصف نوفمبر 1918، حيث اندهش سعد زغلول من جرأة توفيق أندراوس رغم حداثته وطلبه الانضمام للحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عن الاحتلال البريطاني، وافق الزعيم على الفور. واستدعى "توفيق" فخري عبد النور، وويصا واصف، واجتمع الثلاثة بنادي رمسيس في القاهرة، وأعلنوا تأييدهم للحركة الوطنية المصرية نيابة عن أقباط مصر لنيل الاستقلال عن التاج البريطاني، وتفويض سعد زغلول، وعبد العزيز فهمي، وعلي شعراوي، بالتقدم للمعتمد البريطاني. ولُد توفيق أندراوس وفي فمه ملعقة من الذهب، ولم يكن في حاجة ليدخل في معارك سياسية ضد السلطات البريطانية، كان شابًا من أسرة موسرة، أبي أن يعيش حياة مخملية، ليشق طريق الجهاد ويعترك الحياة السياسية لنيل الاستقلال لبلاده، وتصدر "توفيق" صفوف الثورة ووهب لها حياته، وحاول القصر الملكي أن يثنيه عن توجهاته الوطنية، وعرض عليه احمد حسنين باشا ـ رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فاروق ـ وكان زميلا له في جامعة أكسفورد رغبة الملك فؤاد تعينه سفيرا لمصر في لندن، على أن يوقف نشاطه المعادي للإنجليز، ولكنه رفض بشدة ليواصل الكفاح مع الحركة الوطنية، وعندما نفت السلطات البريطانية الزعيم سعد زغلول ورفاقه لم يتردد توفيق أندراوس في أن يبيع سبعمائة فدان من أملاكه ليضع ثمنها تحت تصرف السيدة صفية زغلول، لتمويل الحركة الوطنية بعد أن علم بنضوب خزينة "الوفد المصري". من هو توفيق أندراوس؟ ولد الزعيم الوطني توفيق أندراوس في العام 1893 بمدينة قوص ـ جنوب الأقصر 30 كم ـ في أسرة عريقة كان والده أندراوس باشا بشارة من أثرياء مصر في ذلك الوقت، وورث توفيق أندراوس حبًا للعمل العام والخيري والسياسي عن والده، والتي بدأها الأب بوقف مائة فدان من أملاكه لخدمة مساجد وكنائس الأقصر مناصفة وعشرة أفدنة أخرى لخدمة المدرسة الصناعية، وبني مدرسة الأقباط ومسجد المقشقش ومسجد المدامود وجمعية الشبان المسلمين وغيرها من المشروعات الخيرية. بعد أن تلقى توفيق أندراوس تعليمه الابتدائي بالمدرسة التي أسسها والده لخدمة أبناء المدينة التحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة، وكان من أنجب طلابها، ثم أوفده والده إلى بريطانيا ليدرس في جامعة أكسفورد ليحصل على أرفع إجازاتها الدراسية ويعود لمصر متسلحا بالآداب والمعارف وكان شابا مشتعلا ذكاء ووطنية. استقباله للزعيم سعد زغلول في الأقصر مواقف توفيق أندراوس الوطنية تجلت في زيارة سعد زغلول إلى عواصم الصعيد في العام 1921، نقرأ تفاصيل تلك الذكري في كتاب "ذكري توفيق" عندما استقبل توفيق وأشقائه سعد زغلول بقصرهم المجاور لمعبد الأقصر، والذي هُدم بقرار من الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، في فترة ولاية الدكتور سمير فرج محافظًا للأقصر. يروي محمد عبد الباسط الحجاجي مؤلف الكتاب، تفاصيل تلك الزيارة .. كان المرسى المزمع لوقوف الباخرة هو سلم سراي النائب الأمين وعلى تلك السلم وقف بدر الدين بك مدير الأمن العام الذي حل ليحول بين المحتفلين وبين زعيمهم المفدى وليمنع الباخرة من ترسو عليها ـ دبر مكيدة من استحكاماته فصف الجيوش مشهرة البنادق والسنكات وشرعته في ذلك الباطل الكسيح فوقف مقابلة من جهة الحق نائبنا الحر الأسد الضرغام توفيق وقفة مشرفة وفتح صدره الرحب بلا وجل ولا خوف طلقات الرصاص وهدد ذاك المارق بقوة حقه بما يشق طريقا شائكا لرسو باخرة الرئيس على سلمه فما كان المدجج بالأسلحة والمذود بتعليمات شيطانية ألا أن يصمت مكتوف اليدين بباطله وان الباطل كان زهوقا. يسهب "الحجاجي" في الوصف .. وباليمين الباخرة أقبلت وعلى المرفأ الأمين رست ولست تدرى كيف الناس بالازدحام جاءت، والبيوتات الكبيرة امتلأت ومن على سطحها وشرفاتها هتفت، فامتلأ الجو هتافا وترحابا من هؤلاء وأولئك وكأن اللاسلكي حمل موجة الهاتفين القوية من برنا الشرقي إلى من بالبر الغربي الذين لما بلغتهم إلينا موجة قوية مرسلة من جهاز قلوب خالصة صادقة محمولة بعاصفة النداء الحار بحياة الأمة وزعيمها سعد زغلول، وبدل أن تحاصر الباخرة من جيوش وعساكر حوصرت بقلوب صافية كالجواهر النواضر بذلك أدرك الزعيم الجليل معنى نفسانية توفيق ولقد كان على الدوام منه الرجولة الحقة مقدرًا. سعد زغلول يهتف بحياة توفيق ويرشحه نائبًا وعن رد فعل سعد زغلول لاستقباله الحافل في الأقصر يروي الحجاجي رد تحياتنا بتحية الأب الفرح بنجاح ولده العزيز، قلنا يحيا سعد فقال رحمة الله قولوا معي ليحيا توفيق بك أندراوس فبلغت التحية عنان السماء وكان لها دويها العظيم في أفئدة الجميع في ذلك اليوم المشهود الذي خلد اسم توفيق في سجل الوطنية الجريئة وفى صحف الوطنين الأبرار، لذلك وقع عليه اختيار الزعيم سعد زغلول فرشحه لأول مرة للانتخاب في دائرة الأقصر ففاز بأغلبية ساحقة وكان في البرلمان يعمل بكل ما أوتى من قوة على سعادة بلاده ورفاهيتها وأعيد انتخابه للمرة الثانية بالرغم مما كان يصادفه من عقبات وكذلك في المرة الثالثة لوفائه بالعهد وتفانيه في حب بلاده وتمسكه بوفديته وكانت دائرة الأقصر لا تفضل عليه أحدا ولا ترى في احد كفاءته ورجولته لأنها سبرت عوده وعجمت قناته فرات فيه الشهامة والشجاعة النادرة والوفاء الصحيح. مسلمو الأقصر ووجهائها يرتبون لتشيع جنازة توفيق بعد وفاة توفيق أندراوس، في سنة 1935، تألفت لجنة من وجهاء الأقصر وعلمائها بدعوة من الشيخ محمد موسى الاقصرى لأعيان مسلمي الأقصر لإظهار الإخاء المتبادل ومتين الروابط بين عنصري الأمة، وتقديرا لجهود توفيق أندراوس نائب الأقصر الراحل وعضو الهيئة الوفدية ـ في ذلك الوقت. ويصف محمد عبد الباسط الحجاجى سكرتير لجنة التأبين، وقائع يوم رحيل توفيق أندراوس في كتابه "ذكرى توفيق" قائلا .. وقع النعي على كل من عرف توفيقا وقوع الكارثة وأصبح الناس بين مكذب ومصدق فالفقيد حتى ليلة وفاته كان كامل القوة موفور الصحة مليئا بالنشاط الذي عهده فيه جميع أصدقائه وخلصائه اخذ كل امرئ يتساءل هل مات توفيق؟ هل مات صاحب الجهاد الطويل؟ هل مات صاحب الصفحة الخالدة؟ هل مات صاحب المبدأ القويم؟ وما كاد يذاع النعي المشئوم حتى تقاطرت الوفود من كل حدب وصوب على دار الفقيد تبكيه وتندبه وأخذت برقيات التعازي من الأمراء والرؤساء والعظماء والأصدقاء تترى على شقيق الفقيد الأكبر سعادة الكومندور يسى بك أندراوس بشارة، وانقضى يوم الوفاة بطوله والجموع الغفيرة تحيط بسراي الفقيد تبكى رجل الأقصر الفذ الذي أبلى البلاء الحسن في سبيل إسعادها وتجميلها. مكرم عبيد ينوب عن رئيس الحكومة في حضور الجنازة يسترسل الحجاجى في وصف موكب الجنازة قائلا: تحرك موكب الجنازة يتقدمه حضرة المجاهد الكبير الأستاذ مكرم عبيد نائبا عن دولة الرئيس الجليل ـ ويقصد الزعيم مصطفي النحاس، وحضرة صاحب السعادة توفيق دوس باشا وزير المواصلات الأسبق، وحضرة صاحب العزة مراد بك وهبة المستشار بمحكمة النقض والإبرام، وحضرة نائب سعادة مدير قنا، وحضرات أنجال المغفور له نجيب باشا غالى، وال عبد النور وال مشرقي، وال ويصا، وحضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد محمد أبو الحجاج الحجاجى نقيب الأشراف بالأقصر، وحضرة صاحب الفضيلة الحسيب النسيب السيد الحسين يوسف الحجاجى من علماء الأزهر الشريف، وكان في مقدمة المشيعين رجال الدين والكهنة وعلى رأسهم صاحب النيافة مطران قنا نائبا عن صاحب الغبطة الأنبا يؤانس بطريرك الأقباط، ثم رجال القضاء، والطب، والمحاماة، والهندسة، وممثلي الجاليات الأجنبية، ومديرو الشركات والبنوك، ثم صار النعش يحوطه التقدير والوقار ويحدوه الجلال والإكبار، انه نعش الرجولة تلك التي ملأت توفيقا منذ نعومة أظفاره حتى رفعته إلى أسمى درجات التشريف والتقدير. خدم توفيق أندراوس، الأقصر نائبًا عنها منذ سنة 1921 حتى توفي سنة 1935 بدون منافس، وفى إحدى الدورات رشح القصر أمامه خيري باشا زوج ابنة السلطانة ملك، ولم يحصل أمامه ألا على صوت واحد ويذكر له التاريخ انه نتيجة لطلباته البرلمانية دخلت المياه النقية والكهرباء الأقصر قبل الجيزة وكان له العديد من المواقف البرلمانية المشهودة،. توفى توفيق أندراوس في ريعان شبابه ووافق موته تلاقى عيد الفطر وعيد الميلاد في يوم واحد، فخيم الحزن على الأقصر وخرجت جماهير الأقصر، وأرمنت، وقوص، في موكبه الحزين وحضر جنازته العديد من الشخصيات منهم مكرم عبيد سكرتير حزب الوفد الذي أنابه الزعيم مصطفى النحاس لاعتلال صحته وغيرهم من الشخصيات والساسة، وكان يتقدمهم الزعيم مصطفي النحاس. |
|