القتلة الملتحين والمؤامرة المفضوحة
08 يوليو 2012
وزارة الداخلية المصرية ألقت مشكورة القبض على قتلة الشهيد أحمد حسين شهيد السويس الذى قتل غدرا على أيدى ثلاثة من الملتحين بحجة انه كان كان يمشى مع خطيبته فى مكان عام ، فرأى الملتحون ان اصطحاب الشاب لخطيبته سلوك خارج عن آداب الاسلام وجب نهيه عن منكره والدعوة الى معروفه فقتلوه واقاموا عليه الحد الذى أقروه هم ولم يكن حدا من حدود الله ، فالله برىء منهم ومن فعلهم الى يوم الدين .
العملية كلها برمتها وبتفاصيلها يمكن تثبيتها فى عقول السذج من بنى قومى ليترسخ فى أذهانهم ان هؤلاء المتأسلمين القتلة هم نموذج مصغر من التيار الاسلامى الكبير الذى صعد للسلطة برغبة غالبية الشعب المصرى وعبر صناديق الانتخابات ، فليتحمل هذا الشعب تبعات إختياره وليهنأ بمن أتى بهم للسلطة ...وصلت الرسالة ولا نقول كمان ؟
نقول كمان : صعود الاخوان الى كرسى الرئاسة لم يك صعودا مريحا لعناصر دولة الفساد المتجذرة العميقة التى مازالت تصارع الثورة وأهدافها ، ومازالت تسعى بكل قوتها وأدواتها الباطشة لإستعادة كل مافقدته على يد الثوار من نفوذ ومكانة وسيادة حتى لو كان على رأس السلطة رئيس من المفترض ان يكون له كل الصلاحيات .. ولكنهم دوما يرون فى أنفسهم انهم اقوى من رئيس الدولة ومن كل المؤسسات حتى لو كانت منتخبة من قبل الشعب ، فالشعب بنظر عصابات الدولة العميقة شعب أهبل وساذج ويمكن الضحك عليه بكلمتين حلوين وكان الله بالسر عليم ، لهذا يبنون تصوراتهم وخططهم على قدرة الاعلام الموجه ( الموالى لهم ) على غسيل الأدمغة التى لديها قناعات بضرورة التغيير والتطهير وكلاهما امران مرفوضان لأن هذا معناه بالنسبة لهم زوال النظام البائد وتحطيم أدواته .
ونعود الى عملية قتل الشهيد أحمد حسين ( شهيد السويس ) التى أعتبرها تجسيد حى لإصرار رموز الدولة العميقة على الإستمرار فى الصراع الى آخر مدى من أجل البقاء ، وقبل الدخول فى تفاصيل تلك الحادثة أضع بين يدى القارىء بعض الحقائق التى عليه ان يدركها جيدا :
1 – أخطر أدوات الدولة العميقة هو الذراع الأمنى لتلك الدولة المتمثل فى جهاز الأمن الوطنى (أمن الدولة) والشرطة والمخابرات ، والتنسيق بين تلك الأفرع كان ومازال لتحقيق هدف واحد لا غيره الا وهو البقاء ( وضع مليون خط تحت كلمة البقاء )
2 – هذا الذراع الأمنى مازال مهيمنا على كافة مؤسسات الدولة بما فيهم مؤسسة الرئاسة وله من البراعة والقدرة على إختراق كل شىء على أرض المحروسة بمافيها المساجد والأحزاب والتيارات والحركات السياسية والتجمعات والمظاهرات والإعتصامات والجامعات والمدارس والأسواق والفضائيات والصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعى كالفيس بوك وتويتر وغيره ، فتلك هى مهمته ( الإختراق ).
3 – ورغم إختراقه لكل شىء إلا انه جهاز امنى مكشوف ومفضوح لكل ذى عقل ، ودوما يترك بصماته التى تهتك ستره ، وتبرز ملامح إجرامه ، ومجرد وعى الناس بألآعيبه ومخططاته يضعف من قوته وقبضته ويحبط مساعيه للسيطرة على زمام الأمور .
4 – فى الثمانيات من القرن الماضى سيطر على اقتصاد مصر شركات توظيف الأموال الاسلامية التى وجد فيها المصريون بديلا للبنوك الربوية الحكومية وأقامت تلك الشركات مشروعات اقتصادية عملاقة فى مجال الزراعة والصناعة والتجارة والعمران ووصلت مصر أوكادت تصل الى حد الإكتفاء الذاتى من غذائها وملبسها ، وكان هذا الإكتفاء يغنى مصر عن تحويلها الى سوق لمخلفات الغرب ونفاياته ، وبالطبع كان هذا الأمر يحرم الغرب من أكبر سوق لمنتجاته فى مصر ونجاح الإقتصاد الإسلامى فى رخاء المجتمع المصرى يهدم ادعاءات الراسمالية المتوحشة التى تبنى اسسها على مص دماء الشعوب ،
فجاءت الأوامر لحسنى مبارك بالتدخل لإفشال هذه المشاريع الإسلامية وتقليص نفوذها وتشويه صورتها أمام الرأى العام المصرى وامام العالم ، وبالفعل قام أمن الدولة فى مصر والمخابرات بصناعة شركات اسلامية موازية للشركات الاسلامية الأصلية وتعامل معها المصريون ظنا منهم انها بالفعل تنتمى للتيار الاسلامى وجمع اصحاب تلك الشركات الموازية الملايين من اموال المصريين ، ثم قام أصحابها الموالين للدولة بتهريب تلك الأموال للخارج وتم تهريبهم هم أنفسهم تحت حراسة وحماية الدولة ، وبدات الماكينة الاعلامية الرسمية فى كتابة ما نشيتاتها وعناوينها الرئيسية التى كان لها أثر كبير فى بث الخوف والقلق وزرع الشكوك فى نفوس المودعين ، وأنقلب الخوف الى واقع مؤلم عندما قام النظام بالتحفظ على كل الأموال الاسلامية الحقيقية ووضعت مشروعاتها تحت حراسة المدعى العام الاشتراكى الذى فتت تلك الشركات واستولى على الأموال وأمر بسجن كل الرموز الاسلامية الوطنية الاقتصادية ..وباقى القصة يعرفها القاصى والدانى ...
اقول هذا المثال لنتعرف على قدرة الذراع الامنى على الاختراق والهدم .
* فى حادثة مقتل الشهيد احمد حسين ،المغفل وحده هو من يصدق ان الجناة ينتمون الى التيار الاسلامى وينكر انتماءهم لجهاز أمن الدولة وصناعة هذا الجهاز لأمثالهم فى كل محافظة ، يتحركون بأوامر منهم وبصورة مباشرة ، انه الإختراق الممنهج لتحقيق هدف أدنى الا وهو تشويه صورة الاسلاميين وتصويرهم على أنهم قتلة ومجرمين من أجل تحقيق هدف أسمى ألا وهو بقاء ادوات وعناصر الدولة العميقة ومزيد من الهيمنة والسيطرة .
* الشهيد احمد حسين بشهادة افراد اسرته استمر 8 أيام ينزف ولم يلق الرعاية الصحية الكافية فى المستشفيات التى نقل إليها لإنقاذ حياته ، ولم تتحرك أجهزة الأمن طوال اسبوع إحتضاره للتحقيق فى مقتله ومعرفة هوية من قتلوه ولولا وصول تفاصيل الجريمة الى وسائل الإعلام واعتراف خطيبته بأن احد المارة بالشارع أخبرها باسم أحد الجناة وهو الشيخ وليد ، ماكانت تحركت اجهزة الامن للقبض على الجناة ولكانوا اختفوا الى الأبد ( فص ملح وداب ) ولاعتبرناهم جميعا اللهو الخفى ولكنها ارادة الله التى كشفت سترهم .
* مدير أمن السويس اللواء عادل رفعت فى أول تصريح له يبرر الجريمة ملقيا اللوم على المجنى عليه ويقول ان الجناة رأووه فى وضع مخل بالآداب العامة ، رغم ان المجنى عليه كان يقف مع خطيبته فى طريق عام امام الآف المارة الذين شاهدوا الحادث ولم يحركوا ساكنا امام صراخ واستغاثة الفتاة لنجدة خطيبها .
* وزير الداخلية يقول فى اغرب تصريح يقوله شخص مسؤول عن الأمن : الولاد ( القتلة ) ملتزمين دينيا ألتزاما سويّ ... و الولد ( الضحية ) لو كان تأسف ماكنش حصل حاجة !
* هذا التصريح لا يصدر الا عن وزير يعترف بان القتلة ماهم الا جماعة تابعة له ، لهذا يبرر فعلتهم ويصف سلوكهم بالسوى ليس خوفا على منصبه بل خوفا من افتضاح امره .. واكرر لو ان الفتاة لم تعلن لوسائل الاعلام اسم احد الجناة ماكان للداخلية ان تقوم بالقبض عليهم حماية لهم ولنفسها من إفتضاح امرها لو وصل الأهالى اليهم .
* وصلت الرسالة ؟ ولا نقول كمان ؟ رسالة الدولة العميقة كتبوها لنا بالدم ..دم ابناء مصر..
فما أرخص حياة أى مصرى امام بقائهم جاثمين فوق صدورنا .. جريمة احمد حسين ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فى ظل صراع على السلطة بين نظام قديم مصر على البقاء وبين شعب يحاول التخلص من هذا النظام ومن جلاديه وقاتليه وسراق ماله وهاتك عرضه وهادر كرامته .
لا تقولوا لى انها نظرية المؤامرة ..بل استخدموا عقولكم لتدركوا انها بالفعل مؤامرة ، مؤامرة على حياتكم ومالكم واولادكم واعراضكم .. مؤامرة تتم تحت سمع وبصر المجلس العسكرى والداخلية ويدرك خيوطها الاخوان والسلفيين والليبراليين واليساريين والاعلاميين والنخب ولكنهم جميعا شياطين خرس أصابهم العمى والخرس مادام الموت بعيدا عنهم لا يطال سوى شباب لاحول له ولا قوة ، ومادام الحزن والألم لا يفتك الا بقلوب امهات تحتسب فلذات أكبادها شهداء عند الله ، وذاكرة المصريين ما أبدع قدرتها على النسيان ، والنضال والكفاح تحول الى وصلات ردح وسب وشتم فى هذا الطرف أو ذاك ، والغفلة تأخذنا جميعا من مسار الثورة الى مسار فروعها المضادة وعصابات الإرتداد ...كل ثورة وانتم طيبين يا أحرار مصر الأبرار.
وفاء اسماعيل