وَيل لإريئيل
يضم هذا الأصحاح الويلين الثاني والثالث من الويلات الستة التي نطق بها الله على لسان إشعياء النبي: ويل لإريئيل [1-14] وويل للذين يظنون في أنفسهم أنهم أحكم من الله [15-24].
الويل لإريئيل خاص بأورشليم التي سقطت تحت التأديب حين حاصرها سنحاريب الآشوري بجيشه الذي حطمه ملاك الرب، كما ينطبق على خراب أورشليم على يد الكلدانيين وأخيرًا على يد الرومان. هذا وينطبق الويل على كل نفس يُريدها الله مدينته المقدسة، أورشليمه التي تضم مقدساته فإذا بها تلهو في الرجاسات وتخلط بين الحياتين المقدسة والدنسة.
انشغل اليهود بشكليات العبادة مثل الاهتمام بمذبح المحرقة (إريئيل) دون الحياة الإيمانية الداخلية المقدسة، لهذا سقطوا تحت التأديب القاسي وإن كان الله لا ينسى البقية الأمينة المخلصة له، وفي نفس الوقت ينتظر رجوع حتى جاحدي الإيمان إلى الحق.
الويل الثاني لإريئيل:
1 وَيْلٌ لأَرِيئِيلَ، لأَرِيئِيلَ قَرْيَةٍ نَزَلَ عَلَيْهَا دَاوُدُ. زِيدُوا سَنَةً عَلَى سَنَةٍ. لِتَدُرِ الأَعْيَادُ. 2 وَأَنَا أُضَايِقُ أَرِيئِيلَ فَيَكُونُ نَوْحٌ وَحَزَنٌ، وَتَكُونُ لِي كَأَرِيئِيلَ. 3 وَأُحِيطُ بِكِ كَالدَّائِرَةِ، وَأُضَايِقُ عَلَيْكِ بِحِصْنٍ، وَأُقِيمُ عَلَيْكِ مَتَارِسَ. 4 فَتَتَّضِعِينَ وَتَتَكَلَّمِينَ مِنَ الأَرْضِ، وَيَنْخَفِضُ قَوْلُكِ مِنَ التُّرَابِ، وَيَكُونُ صَوْتُكِ كَخَيَال مِنَ الأَرْضِ، وَيُشَقْشَقُ قَوْلُكِ مِنَ التُّرَابِ. 5 وَيَصِيرُ جُمْهُورُ أَعْدَائِكِ كَالْغُبَارِ الدَّقِيقِ، وَجُمْهُورُ الْعُتَاةِ كَالْعُصَافَةِ الْمَارَّةِ. وَيَكُونُ ذلِكَ فِي لَحْظَةٍ بَغْتَةً، 6 مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ تُفْتَقَدُ بِرَعْدٍ وَزَلْزَلَةٍ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ، بِزَوْبَعَةٍ وَعَاصِفٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ. 7 وَيَكُونُ كَحُلْمٍ، كَرُؤْيَا اللَّيْلِ جُمْهُورُ كُلِّ الأُمَمِ الْمُتَجَنِّدِينَ عَلَى أَرِيئِيلَ، كُلُّ الْمُتَجَنِّدِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى قِلاَعِهَا وَالَّذِينَ يُضَايِقُونَهَا. 8 وَيَكُونُ كَمَا يَحْلُمُ الْجَائِعُ أَنَّهُ يَأْكُلُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَإِذَا نَفْسُهُ فَارِغَةٌ. وَكَمَا يَحْلُمُ الْعَطْشَانُ أَنَّهُ يَشْرَبُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَإِذَا هُوَ رَازِحٌ وَنَفْسُهُ مُشْتَهِيَةٌ. هكَذَا يَكُونُ جُمْهُورُ كُلِّ الأُمَمِ الْمُتَجَنِّدِينَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ.
"الويل لإريئيل لإريئيل قرية نزل عليها داود" [1].
كلمة "إريئيل" معناها "موقد الله الناري" أو "أسد الله" أو "الأسد القوي". وهو اسم رمزي يقصد به أورشليم، بكونها المدينة التي تضم في الهيكل مذبح المحرقة المتقد نارًا (حز 43: 15-16) وبكونها عاصمة شعب الله كالأسد ملك الوحوش.
يرى Ironside أن أورشليم كانت قديمًا كأسد الله لكنها تصير أشبه بموقد ضخم للذبائح يُقدم عليه شعبها على أيدي أعدائهم الألداء.
استخدام داود الملك والنبي إريئيل عاصمة له لمدة طويلة، وبنى قصره على جبل صهيون حيث أُعلن مجد الله بعد ذلك هناك بطريقة عجيبة. وبنى ابنه سليمان الهيكل على جبل المريَّا داخل أورشليم، فصارت المدينة مركز العبادة الجماعية، فيها تُقدم ذبائح للرب، وتُحسب كأسد في قوتها الروحية. لكنها إذ انحلت عن روح العبادة الحقة وانشغلت بالشكليات بلا روح وانغمست في الرجاسات مع إصرار على عدم التوبة حلّ بها الويل.
لقد اعتاد الشعب أن يأتي إلى أورشليم للاحتفال بثلاثة أعياد سنوية [1]، لكن الله في تأديبه يحول هذه الأعياد إلى نوح وحزن [2].
ماذا يعني بقوله "وتكون ليّ كإريئيل" [2]؟ ربما أراد أن يعلن إنها في حزنها تصير كموقد نار سمح الله بإشعاله لتأديب شعبه المنحرف، وربما قصد أنه وإن سمح بهزيمتها ومضايقتها لكنه يجعلها كمذبح ناري له تحرق العدو مغتصبها كذبيحة للرب(311).
يعبر عن مقدار الحزن الذي يحل بأورشليم عند حصارها، قائلًا: "فتتضعين وتتكلمين من الأرض وينخفض قولك من التراب ويكون صوتك كخيال من الأرض، ويشقشق قولك من التراب" [4]. بسبب حزنها الشديد يجلس سكان أورشليم في التراب كمن هم في "جنازة" حسب التقاليد الشرقية القديمة، ويخرج صوتها كما من الأرض؛ وإذ لا يجدوا أحدًا من الأحياء يستشيرونه يلجأون إلى الموتى يطلبون مشورتهم (إش 8: 19)، وتخرج الأصوات خافتة كما في روحانية، وهذا نوع من خداع الشياطين.
ومع هذا فإن الله في محبته يتدخل فجأة بذراعه الرفيعة ليُخلص مدينته وشعبه من جيش سنحاريب (إش 37: 33-36) فيحل غضب الله على العدو الذي يبدده كالغبار الناعم وكالعصافة في مهب الريح، مصورًا هذا الخلاص كرمز لخلاصنا بالصليب وخلاص الكنيسة في أواخر الدهور من المسيح الدجال:
أ. انهيار العدو بالرغم من كثرة عدده وقوته: "ويصير جمهور أعدائك كالغبار الدقيق وجمهور العتاة كالعصافة المارة" [5]. هؤلاء يشيرون إلى إبليس وملائكته الذين بلا عدد، يحاربون البشرية بلا هوادة، لكنهم أمام الصليب يصيرون كلا شيء.
* لا نخاف الشيطان حتى ولو كان روحًا بغير جسد، فليس شيء أضعف منه ذاك الذي جاء ليتعامل معنا وهو غير جسدي، وليس أحد أقوى من الشجاع ولو كان يحمل جسدًا قابلًا للموت!
ب. تحقيق غلبة سريعة: "ويكون ذلك في لحظة بغتة" [5]، إشارة إلى إمكانية الصليب الفائقة للغلبة على الأعداء.
* مع الصلاة ارشم نفسك بالصليب على جبهتك وحينئذ لا تقربك الشياطين لأنك تكون متسلحًا ضدهم.
ج. خلاص الرب لهذه المدينة المنكوبة يرافقه علامات خاصة بالطبيعة. "من قبل رب الجنود تُفتقد برعد وزلزلة وصوت عظيم بزوبعة وعاصف ولهيب نار آكلة" [6]. هذه العلامات تُشير إلى ما حدث أثناء صلب السيد المسيح من ثورة للطبيعة ككسوف الشمس وخسوف القمر وحدوث زلزلة... وأيضًا يُشير إلى ما سيحدث قبيل مجيء السيد المسيح الأخير للدينونة (إش 28: 21؛ 30: 30؛ زك 14: 1-6؛ 2 تس 1: 6-8).
لعل غاية هذه العلامات توبيخ الإنسان الذي أقامه الله سيدًا للطبيعة بكونه صورة الله ومثاله، فإن الطبيعة الجامدة تشهد لأعمال الله الخلاصية وتستنكر جحود الإنسان وتجاهله لخالقه ومخلصه.
د. تبديد تام للأعداء، إذ يختفون كما في حلم الليل متى استيقظ الإنسان يختفي كل ما رآه، بل ويصعب عليه حتى أن يتذكره [7].
العدو الذي حاول اغتصاب شعب الله يكون كالجائع الذي يحلم أن يأكل أو كالعطشان الذي يحلم أنه يشرب ليستيقظ فيجد نفسه كما هو جائعًا وظمآنًا [8].