ملكوت الله في الحاضر وفي الدهر الآتي
فى مثل الحنطة والزوان (128) وصف السيد المسيح ملكوت الله بالزارع الجيد الذي زرع حنطة في حقله وجاء عدوه ليلًا وزرع في وسطه زوانًا ولما نما الزرع ووضع ثمرًا نما الزوان أيضا مع الحنطة فأقترح عليه عبيده أن يجمعوا الزوان ولكنه رفض لئلا تقلع الحنطة مع الزوان وقال لهم "دعوهما ينميان كلاهما معًا (الحنطة والزوان) إلى وقت الحصاد". وفى وقت الحصاد اجمعوا الزوان أولًا وأحرقوه بالنار "وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني". ثم فسر المثل هكذا "الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان (المسيح) والحقل هو العالم. والزرع الجيد هو بنو الملكوت. والحصادون هم الملائكة. فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء هذا العالم. يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم. ويطرحونهم في آتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم (129)".
وفى هذا المثل وتفسيره يوضح لنا السيد المسيح صورة ملكوته على الأرض، حيث يختلط بنو الملكوت وبنو الشرير، في العالم الحاضر، وملكوته في السماء حيث الأبرار، بنو الملكوت يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم، بينما يلقى بنو الشر في نار جهنم.
والعالم الحاضر أو "هذا الدهر" أو "الدهر الحاضر"، كما يتكرر في العهد الجديد،يعبر عن الفترة التي تتركز حول وعند تجسد السيد المسيح وتمتد إلى الوراء إلى بداية الخليقة وتمتد إلى الأمام إلى المجيء الثاني للسيد المسيح وقيامة الموتى وانقضاء العالم، أي الفترة الزمنية التي يعيشها البشر على هذه الأرض حتى يوم الدينونة. و"الدهر الآتي" أو "ذلك الدهر" هو ما يبدأ بعد المجيء الثاني للمسيح في المجد وقيامة الموتى وانقضاء العالم والدينونة ويمتد إلى الأمام في الأبدية التي لا زمن لها ولا نهاية. ويميز العهد الجديد بين حياتين؛ حياة "هذا الدهر" أو "العالم الحاضر" ولاذى لا يعنى به مجرد المكان "الأرض"، بل بالدرجة الأولى "الزمان"، والذي يسميه القديس بطرس بالروح "زمان غربتكم (130)" باعتبار أن بنى الملكوت "غرباء ونزلاء على الأرض (131)" كما يقول بولس الرسول بالروح، بدليل أن الكتاب عندما يقول "العالم الحاضر" لا يستخدم كلمة "كوزموس – Kosmos" والتي تعنى "العالم" بل يستخدم كلمة "إيون _ Aiwn" والتي تعنى "الدهر" مما يؤكد أنه يقصد "الزمان الحاضر". وهذا "الزمان الحاضر" أو "العالم الحاضر" أو هذا الدهر سينتهي تمامًا بالمجيء الثاني والدينونة. وأما "الدهر الآتي" أو "ذلك الدهر" والذي يبدأ بالمجيء الثاني والدينونة ويدخل في الأبدية أتلازمن فيمتد ببركاته ويذوق بنو الملكوت مواهبه وينالون عربونه في العالم الحاضر:
"ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين مع فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعي الخراف عن الجداء.. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم (132)".
"الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي (133)"،
"الذي أعطانا أيضا عربون الروح (134)"،
"الذي ختمنا أيضا وأعطى عربون الروح في قلوبنا (135)"،
"روح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا (136)"،
"الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتًا أو أخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا لأجلى ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ منه ضعف الآن في هذا الزمان بيوتًا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولًا مع اضطهادات وفى الدهر الآتي الحياة الأبدية (137)".