رهبنته:
لما خرج من الكنيسة رأى رجلًا ميتًا محمولًا ذاهبين به إلى الدير، فسار مع المشيعين وكان يحدث نفسه قائلًا: "اسمع يا هدرا، ليس هذا الذي قد مات ولكنك أنت الذي قد متّ عن هذا العالم الزائل". ولما وصلوا الدير ودفنوا الميت لم يعد إلى بيته بل دخل الدير وأقام مع الرهبان. ولما سمع أقاربه وأصدقاؤه أتوا إليه وقالوا له: "إنك بعملك هذا تجلب علينا الحزن كما تؤلم قلب خطيبتك وأنت تستطيع أن تعبد اللَّه في أي مكان شئت". وإذ لم يفلحوا في إرجاعه عن رأيه عادوا والحزن يملأ قلوبهم على فراقه.
أما هو فقد سكب نفسه في عبادةٍ حارةٍ ونسكٍ عظيمٍ وصومٍ دائمٍ وصلواتٍ متواترةٍ ومطانيات عديدة. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). وكان في أيام القديس بيمين، فتتلمذ له، وكان يسترشد بتعاليمه وقدوته الصالحة.
لاحظ المتوحدون جهاد القديس الأنبا هدرا فقالوا له: "يا أخانا الحبيب جيد هو كل شيء يُصنع بمقياس". أما هو فأجابهم: "إن كل ما أفعله لا يقوم مقام خطية واحدة من خطاياي". فإذ سمع الإخوة هذا الكلام اتعظوا ومضوا، وصاروا يخبروا الآخرين بما قاله لهم. وكان المتوحّدون يلتقون به ويقتدون بأفعاله، ويطلبون مشورته، كما كانوا يتعجبون من تواضعه وانسحاق نفسه.