الذات والخطية
إذن الوقوع في الخطية سببه الذات دون التركيز على الإغراءات الخارجية التي هي مجرد عروض تقبلها الذات أو ترفضها.
حقًا أن كثرة إلحاح هذه الإغراءات يسبب ضعف الذات من الداخل، فتستسلم أخيرًا وتسقط.
ويكون ضعف الذات هو السبب المباشر. أما العثرات فهي سبب غير مباشر.
ولذلك فإن الذات القوية من الداخل تبعد عن العثرات الخارجية، حتى لا تؤثر عليها هذه الإغراءات، فتضعف أمامها. وهكذا حذرنا المزمور الأول من طريق الأشرار، ومجالس المستهزئين وقال القديس بولس: "أما الشهوات الشبابية فأهرب منها" (1تى 2: 23).
والهروب هنا يكون دليلًا على نقاوة الذات، لأنها ترفض التأثير الخارجي الخاطئ...
ولذلك حسنًا هرب يوسف الصديق، ولم يكن هروبه دليل ضعف، بل دليل قوة.. كان برهانًا على قوته التي استطاعت أن ترفض الخطية وتبعد عنها.
الذات النقية ترفض حتى الفكر الخاطئ، وليس فقط العثرة الخارجية إنها ترفض أن تتفاوض مع هذا الفكر، إنما تطرده بسرعة، حتى لا تعطيه فرصة للاستقرار، وفرصة لإضعافها من الداخل.
وقوة الذات تأتى هنا في غلق أبواب الفكر وأبواب القلب أمام كل اقتراح خاطئ من الشياطين..
ولهذا فإن المرتل يسبح الرب في المزمور قائلًا: "سبحي الرب يا أورشليم... سبحي إلهك يا صهيون، لأنه قوى مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك" (مز146).
وسفر النشيد يطوب الذات التي هي "جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش4: 12)
ولقد صدق المثل الذي قال:
أنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك.
لابد أن تأتي العثرات. ولكن ما هو موقف ذاتك منها؟ ما مدي استجابة الذات أو رفضها لهذه العثرات؟
إنك لابد ستقابل في يوم من الأيام شخصًا يقول لك كلامًا مثيرًا.. ولكن المهم هل أنت في الداخل، ستنفعل وتثار؟ أم ستكون أقوي من الإثارة؟ وهذا الكلام الذي قد يكون مثيرًا لغيرك، لا يكون مثيرًا لك، إنما تقابله في هدوء ورصانة وحكمة.
وهنا اختبار الذات، لا أقول إن السبب كله يقع على الحروب الخارجية إنما هناك حرب داخلية مع الذات. فإن كانت الذات قد خانت الله، وقبلت الأعداء الخارجيين، أعداءها وأعداء الله، فلا نستطيع هنا أن نعفيها من المسئولية..
وهنا نسأل: هل ذاتك صديقتك أم عدوتك؟ هل هي معك أم عليك؟ وصدق مار إسحق قال..
إن اصطلحت مع ذاتك، تصطلح معك السماء والأرض.
أي إن استطعت في داخلك أن تقيم صلحًا بين جسدك وعقلك وروحك، ويسير الثلاثة معًا في طريق واحد هو طريق الروح، ولا يشتهي الجسد ضد الروح، ولا الروح ضد الجسد حينئذ تصطلح معك السماء والأرض، فلا تخطئ إلى الله، ولا إلى ألناس ولا تخطئ إلى نفسك..
ولكن لعل إنسانًا يقول إنه يحب ذاته، وذاته تحبه، وهو يسعد ذاته على لدوام، وهنا نعرض لنقطة هامة وهي: المحبة الخاطئة للذات.