|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الناموسي والتطبيق السليم من العجيب أن الناموسي لخص الدين في كلمة واحدة هي الحب، وهذا الحب ليس جهدًا بشريًا، ولا يمكن أن يتحقق للإنسان بطبيعته الساقطة، بل لابد له من الولادة الجديدة أو كما يقول الرسول يوحنا : «أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضًا لأن المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة.... أيها الأحباء إن كان الله قد أحبنا هكذا ينبغي لنا أيضًا أن يحب بعضنا بعضاً، الله لم ينظره أحد قط، إن أحب بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا ومحبته وقد تكملت فينا، بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنه قد أعطانا من روحة» (1يو 4 : 7 و8 و11 و12 و13) فإذا كان من الصعب على الإنسان أن يحدد مدى حبه لله، وعمقه وبعده، فإن برهان هذا الحب، وتجسيده، وقوته تظهر في حبه للآخرين، واهتمامه بهم وحرصه على معونتهم في السراء والضراء كما يقولون، ويبدو أن الناموسي كان سليم العقيدة، مخطئ التطبيق، ومثل هذا الإنسان كثيرًا ما يصطدم بنداء الضمير أو همسة من روح الله الذي يناديه في الأعماق، ولعل توجيه المسيح، أيقظ هذا الإحساس في نفسه، وإذ أراد تجنبه أو مراوغته أو مداورته، سأل المسيح سؤاله الثاني : «ومن هو قريبي» ولم يدر أنه بهذا السؤال فتح أمام الجنس البشري أعظم وأوسع صورة للحياة العملية المسيحية في كل التاريخ في مثل السامري الصالح ولعله من اللازم أن نقف قليلاً من هذا المثل الذي صنف البشر جميعهم أربعة أصناف لا أكثر ولا أقل. الإنسان الجريح وهو الشخصية الأولى في المثل : «إنسان كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا» وقد حرص السيد ألا يعطينا شيئًا من النور عن شخصية هذا الإنسان : من هو .. وما اسمه.. وما عمله.. وما مركزه، سوى أنه إنسان على صورة الله حتى ولا تتأثر المعاملة الإنسانية بالأوضاع والظروف المدنية أو الاجتماعية التي يكون عليها الفرد، وهذا الجريح هو كل إنسان في فترة أو فترات من الحياة، إذ لا يمكن لأي إنسان أن يدخل إلى الحياة على الأرض دون أن يجرح بصورة ما جسديًا أو أدبيًا أو روحيًا بأية حال من الأحوال، وما أكثر الجراح التي تأتي إلى البشر أفرادًا أو بيوتًا أو جماعات أو أممًا، ومنذ ذلك الوقت الذي انقض فيه قايين على هابيل أخيه وسفك دمه، مازال النزيف الدموي من الإنسان يتدفق كالأنهار دون توقف ولو للحظة واحدة!! الإنسان اللص وهذا هو الصنف الثاني من البشر، ومن الواضح في المثل أن المسافر تعرض لمهاجمة اللصوص ربما لأنه تاجر أو يحمل ثروة، وكانت الطريق بين أورشليم وأريحا وعرة مخيفة، وقد لام البعض التاجر لغفلته أو عدم تحرزه في طريق غير مأمونة، وكانت الثروة التي في يده، والبضاعة التي يسافر بها، السبب في الاعتداء الذي وقع عليه، ومع أننا لسنا بصدد مناقشة الجريح أو لومه على ما حدث، إلا أنه ينبغي أن نذكر أن اللصوص يملئون الأرض على الدوام، ويتربصون أفراداً أو جماعات - بالعابرين في الأرض، وهم لا يكتفون بما يأخذونه في الخفاء، بالسرقة ولو في الظلام، بل يتجاوزون الأمر إلى النهب والسلب بالإكراه، وفي العلانية، ... أمسك الاسكندر الأكبر بأحد القراصنة وشرع في محاكمته، وقال القرصان : يا سيدي نحن نعتدي على سفينة ونعتبر لصوصًا، وأنت القرصان الأكبر تعبث في الأرض فسادًا وتدميرًا، ومع ذلك تعظم وتكبر!! في الواقع إن الطريق البشري منكوب دائمًا بالسراق واللصوص، مهما اختلفت درجات النهب والسلب والسرقة، وما تترك وراءها من آثار مؤلمة في حياة الناس والبشر!! الإنسان المحايد ومن المؤسف أن المحايد يمثله رجل الدين ومساعده، أي الكاهن واللاوي، وهنا تتعمق الظلال وتبدو داكنة قاسية. والقصة تقول : «فعرض أن كاهنًا نزل في تلك الطريق» (لو 10 : 31) ولعله من اللازم أن نتوقف قليلاً عن الكلمة عرض، إذ أن البعض لا يراها إلا مجرد صدفة.. ولكن هذه الصدفة في الحقيقة لم تكن إلا ترتيبًا إلهيًا دقيقًا لرسالة تقف في طريق حياتنا، ويعتبر الكاهن أو رجل الله هو أول من يحمل رسالة المعونة للآخرين في هذه الأرض، وليس من قبيل الصدفة أن يكون هو أول المارين بالجريح، ويبدو أن أملا كبيرًا راود المنكوب وهو يرى رجل الله يقترب من الطريق، فمن ذا الذي ينتظر أن يمد له يد العون أكثر من الكاهن، لكن الكاهن للأسف لم يكلف نفسه حتى مشقة النظر إليه أو التفكير فيه، ونحن نسأل لماذا فعل هكذا؟! هل لأنه مثل الكثيرين ممن يحاولون فصل الدين العقائدي عن الدين العملي في الحياة، أو ربما لأنه كان مرهقًا متعبًا وقابل بين تعبه وإرهاقه وبين المنظر المؤلم أمامه، وأحس أنه أخذ نصيبه من التعب، وأنه لا يجمل به أن يحمل متاعب أكثر، وهو ذاهب إلى بيته ليستريح، على أي حال لقد كان منظرًا مؤسفًا في كل الأجيال أن يعبر رجل الله دون أن يلتفت إلى آلام الآخرين وجراحهم!! وليس له من عذر مهما كانت الأسباب!! وجاء بعده اللاوي وهو مساعد الكاهن، «جاء ونظر وجاز مقابله» ونلاحظ بأنه لم يتجاهله تمامًا كما فعل الكاهن بل «نظر» وربما سكب بعض الدموع أو رثى لحال الرجل، ومع ذلك لم يفعل شيئًا.. ترى هل التمس لنفسه العذر لأن الكاهن، وهو الأولى بالمسئولية، لم يهتم، ونحن كثيرًا ما نحاول إسكات الضمير بأن الرسالة التي لميؤدها من هو أولى بالأداء، تعفينا من الواجب أو تكلف المشقة في خدمة الآخرين!! إنسان الرحمة وإذا كانت القصة قد طرحت ظلالها السوداء على اللصوص أو الكاهن واللاوي، فإنها تلقي أنوارها الباهرة على إنسان الرحمة الذي مد يده إلى التعس الجريح، ومن المناسب أن نلاحظأن هذا الإنسان كان سامريًا، والجريح على الأغلب رجلاً يهوديًا، ومع ذلك فقد تخطى السامري كل حواجز التعصب والحقد والكراهية التي كانت بين الشعبين، ... كان شعار باستير : «لا أعرف من أنت، ومن أي جنس أو لغة أو دين أو معتقد، إنما يكفي أنك إنسان متألم أمامي» ترى ماذا يقول المتعصبون الذين يفرقون بين الناس بسبب لونهم الأبيض أو الأسود أو الأصفر، أو أولئك الذين يفرقون بينهم بسبب الدين أو المعتقد أو الثقافة أو الدم؟ إنهم لم يقرءوا بعد مثل السامري الصالح كما وينبغي أو يلزم، ... تعجب المسافر على الباخرة من أن زميله في الغرفة رفض أن يحضر خدمة الأحد على ظهر السفينة، لأن الواعظ كان من طائفة تختلف عن طائفة هذا الزميل، مع أن الرسالة كانت باسم المسيح الذي التف حوله المجتمعون!! ولكنها الحماقة التي ترفض مجرد الاجتماع في العبادة مع من يختلفون معنا في المذهب!! إن المسيح يعبر هنا كلخلاف أو تعصب، أمام آلام الآخرين واحتياجاتهم!1 على أن السامري لم ير في سوء حالة الرجل، مانعًا من المعونة، ولعله يذكرنا بأن ازدياد الآلام، أدعى إلى الرفق والمساعدة والإحسان، كما أن الظروف الخاصة لا يجوز أن تمنع من تقديم المعونة، فالسامري كان وحيد ًا في طريقه ومسافرًا وقد يتعرض مثل الجريح لخطر اللصوص، ولكنه تجاوز كل الموانع على الصورة النبيلة الكريمة التي حدثنا عنها السيد المسيح!! ترى هل نتوقف هنا أم نمتد أكثر لنسأل هل مثل السامري الصالح مجرد مثل وضعه السيد المسيح، ليكشف عن أوضاع الناس في حياتهم على هذه الأرض!! أم هو قصة واقعية أخذ منها المسيح الصورة التي قصد أن يضعها أمام الناموس جواب على سؤاله من هو قريبي!!؟ لا نعرف!! لكن الذي لا شبهة فيه، أنه هو بحبه وإحسانه وجلاله وصليبه كان القصة الصحيحة الحقيقية التي مرت بنا في الطريق الإنساني المنكوب، ليأخذنا بجراحنا القاسية، إلى حيث السلامة والأمان والصحة والسلام!! وهو مازال إلى اليوم يعلم كل تلميذ وتابع وخادم له أن يجد في كل إنسان آخر على ظهر الأرض أخاً يلزم إسعافه ومعاونته!! كان الغلام في ضجعة الموت، وكان الطبيب يعوده في كوخه الصغير، وسمع أحد رجال الله عن آلام الصبي ومرضه الميئوس منه، ورغم مشاغله الكثيرة، وضع في قلبه أن يزوره يوميًا، وكان يرسم له رسومات مختلفة، وهو جالس إلى جواره، وكان الولد يسر أبلغ السرور، وينتظر زيارة هذا الصديق الذي يؤنسه ويرسم له، وسأله من أنت!!؟ وقال الزائر : أنا قريبك!! وامتلأت غرفة الصبي بالرسومات الجميلة، والتي كانت تخفف من آلام علته كلما نظر إليها حتى فاضت روحه!! وعاشت هذه الصور تعطي الجواب لأسرة الغلام عمن هو قريبي!! ليت أنظارنا تتسع وتبلغ هذه الرؤيا العظيمة البعيدة، فتعرف من أي صنف ينبغي أن نكون ونحن نقف من آلام الآخرين وأحزانهم مآسيهم ومتاعبهم في هذا الوادي التعس وادي الدموع!! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الوليد بن طلال: العقل السليم يكون بالقراءة والجسم السليم يكون بالرياضة |
الغذاء السليم للمخ السليم |
الوقاية بين النظرية والتطبيق |
الإفراز في القراءة والتطبيق |
الدم السليم ... في الغذاء السليم |