رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا اثناسيوس الأول (الرسولي) أولاً: أعداء الإيمان فى عصر القديس أثناسيوسالبطريرك رقم 20 ولد بمدينة الاسكندرية سنة 296 م من والدين مصريين وثنيين غنيين، وكان وحيداً لهم وتوفى والده وهو صغير. أعتنت به أمه حتى تعرفت علي البابا الكسندروس فبشرها بأسم المسيح ونالت علي يده المعمودية مع أبنها. كان طفلاً شـبع مـن إيمـان كنيسـتنا الأرثوذكسـية, ثـم صـار ً شماسـا ً شـابا ً يافعـا ُ ولكنـه لـم يكـن مثـل أى شـماس, بـل اتقـد غيـرة علـى إيمانـه الأرثوذكسـى الأصـيل, فصـار لا مجـرد شـاب ولا مجـرد شـماس بـل بطـلاً للإيمـان. لـــذلك اســـتحق أن يكـــون البطريـــرك رقـــم 20. ونتناول هنا حياة القديس أثناسيوس فى محاور أربعة وهى: ⦁ أعداء الإيمان فى عصر أثناسيوس. ⦁ جهاد أثناسيوس فى مجمع نيقية. ⦁ فترات النفى الخمس. ⦁ أثناسيوس فى عيون الآخرين.
نورد هنا نبذة مختصرة عن أعداء الإيمان فى عصر القديس أثناسيوس وهم: ⦁ آريوس ⦁ تلاميذ آريوس واتباعه ⦁ يوسابيوس النيقوميدى ⦁ الميليتيين ⦁ البلاط الإمبراطورى ⦁ اليهود ⦁ الوثنيين 1-آريوس: – رجل تبحـر فـى العلـوم الدينيـة والمدنيـة، ودراسة الفلسـفة المسيحية. وكان ً مصـابا بداء الكبريـاء والغطرسة، ومن غرائزه حب للجدل والمقاومة. – عّين كاهًنا لكنيسة بوكاليـا بالإسـكندرية. وكـان يطمـع بدخوله السلك الكهنـوتى ف الوصـول إلـى البطريركيـة، ولكــنهم خـذلوه، ورســم ألكســندروس الـذى قـام بحـرم آريوس وناهض بدعته. – كان آريوس ذا منظر مهيب يوحى بالصرامة والنسك، وكـان عـذب الحـديث، ولكـن كـل ذلك كان ستاراً لنفس مملوءة خبثًا ً ودهاءا ًا وغرور. – جـذب إليـه الجمـاهير بوعظـه القـدير، وفصـاحته ومنطقـه القـوى. واكتسـب فيمـا بعـد إلـى جانبه الأباطرة لأنه كان يخدم أطماعهم السياسية. – كان يملك معرفة دينية، ولكنه لم يكن يملك أخلاقًا دينية. – كــان ً فصــيحا ًا مـاكر، ونـزل بالقضـية اللاهوتيــة إلــى الشـارع، وصـار ُيبســطها لعامــة النـاس والأطفال، ّ فشوه الرأى الأرثوذكسى بصورة جعلته يبدو لأكثر الناس لا يمكن قبوله. – وضـع (قصـائد وأناشـيد) وملأهـا مــن أرائـه الهرطوقيـة. وصــار النــاس يرددونهـــــا لحلاوة أنغامها. – كان يدخل الشوارع والأندية والمجتمعات ويقوم بمظاهرات فنضم إليه كثير من الشعب. – أحدث بلبلة بين البسطاء، فكان يسأل الناس: “هل أنت أكبر أو أبوك؟ ومن ردود القديس أثناسيوس على هذا السـؤال: إن “المـاء مـن النبـع” ولكـن منـذ أن كـان النبـع ً نبعــا فالمــاء فيـه، لــم تمــر لحظــة مـن الزمــان يكــون فيهـا نبــع ولا يكــون مــاء. ٕوالا فكيف يكون ً نبعا؟! 2- تلاميذ آريوس وأتباعه:– كل إنسـان فـى الـدنيا يجـد مـن يمدحـه، ويجـد مـن يحبـه ويـدافع عنـه أكثـر ممـا يـدافع عـن نفسه. وأحياًنا يكون تلاميذ الإنسان أخطر عليـه مـن أعدائـه، فكـان تلاميـذ آريـوس أكثـر عداء من آريوس نفسه. 3- يوسابيوس النيقوميدى ـ ذئب نيقوميديا:- هو المسئول الأول أمام االله والكنيسة فى جميع العثرات والقلاقل التى حدثت لها من هرطقـة آريوس. – اســتغل صــداقته للإمبراطــور قســطنطين، وكــذلك الإمبراطــور قســطنطيوس، وكــذلك قربــه للبلاط الملكى، ليعرض قضية آريوس الفاسدة على الساحة العالمية. 4- الميليتيين:- هم أتباع مليتيس أسقف أسيوط ذاك الوقت، سقط مع جماعـة كبيـرة فـى التبخيـر للأوثـان أيــام دقلــديانوس 303م، فقطعتــه الكنيســة مــن شــركتها فــى مجمــع خــاص برئاســة البابــا بطرس.- فتــزعم ميليتــيس جماعــة إكليــروس (أســاقفة – كهنــة) وشــعب. وقــد ظــل ضــعيفًا محــدود السلطان حتى نال من يوسابيوس التشجيع والمعونة والسلطان الإمبراطورى. 5-البلاط الإمبراطورى: كان ً مسرحا للوشايات الدنيئة والمؤامرات ضد الإيمان الأرثوذكسى السليم: أ- الإمبراطور قسطنطين:عنده شـعور دنـىء بالحقـد على البابـا, بسـبب شـهرة وقـوة شخصـيته. لدرجـة أنـه قيـل عنـه إن شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين. ب- قُسطنطيا أخت الأمبراطور: اســتغل إشــبينها الكــاهن يوســتانيوس علاقتــه بهــا، وهــو آريوســى، وأقنعهــا أن تطلــب مــن أخيها أن يفرج عن الآريوسيين, ونجحت بالفعل فى التأثير عليه لأنها كانت علـى فـراش الموت 325م. جـ- الإمبرطور قسطنطيوس:قال ً يوما ما عن أثناسيوس: “إن أروع الانتصارات التى حققتها وتلك التـى أحرزتهـا علـى ماجنتيوس وسلفانوس لا تعادل عندى طرد هذا الوغد من رئاسة الكنيسة.” 6- الوثنيين: -كـانوا ً خصـما رسـمًيا لأثناسـيوس مـن جهـة العقيـدة الوثنيـة التـى كـرس البابـا نفسـه لهـدمها من الأساس، ّ وعمد الآلاف منهم. – وجـدوا فـى التفكيـر الآريوسـى مـا يتمشـى مـع منطـق فلاسـفتهم، بـل أن آريـوس لـم يـأت فـى هرطقته بجديد بل تبنى الأفكار الوثنية وصاغها صياغة مسيحية. – فكانوا ّ يتحينون الفرصة للقضاء على أثناسيوس. 7- اليھود: – كانــت لهــم جاليــة ضــخمة ونفــوذ كبيــر بالإضــافة إلــى أنهــم يمثلــون أغلبيــة فــى الجــيش, وموظفى الدولة والتجار, ويمثلون ً قطاعا ً مسلحا بالمال والدهاء والجواسيس. – تعاطفوا مع الآريوسيين لأن إيمانهم مشترك، وهو ضد لاهوت السيد المسيح.وكذلك لأن هذا يزيدهم تقرب من الإمبراطور والسلطات الحاكمة المحلية. كـل هـؤلاء كـانوا أعـداء أثناسـيوس بكـل جبـروتهم، وقفـوا أمامـه أمـا هـو فبالمسـيح كـان ضـد العالم وانتصر على العالم.ً ثانيا: جھاد أثناسيوس فى مجمع نيقية 325م – إن سر نصرة أثناسيوس فى مجمع نيقية كان يكمـن فـى ثقتـه بالمسـيح الفـادى الـذى كـان يدافع عنه، فكان يملك الحقيقة لا فى عقله ولا فى لسانه فحسب بل فـى شـخص يسـوع المسيح إلهنا. – قدم آريوس المبتـدع أفكـاره ومعتقداتـه وافتـرى على السيد المسيح له كل المجد بأنه لم يكن منذ الأزل إلهــاً, بـل هـو كـائن وســيط بـين االله والإنسـان، أخرجـه االله مـن العـدم لكـى يخلـق بـه بقيـة الخلائق، وانه كابن ليس ً مساويا للآب فى الأزلية وليس من جوهره وهذه ً طبعا هرطقة. – وانبرى أثناسيوس وافحم آريوس بردوده القوية، وحججه الدامغة، التى أظهرت فساد آرائه. – وأخـذت الدهشـة الأسـاقفة مـن موقـف أثناسـيوس العظـيم، الـذى لـم يتجـاوز الثلاثـين مـن عمره، نظراً لقدرته العظيمة على إثبات الإيمان المستقيم. لـيس ذلـك فحسـب بـل قـال لـه الإمبراطور قسطنطين: “أنت بطل كنيسة االله.” – وعنــدما بــدأ الآبــاء فــى تحديــد العقيــدة الســليمة رأوا أن آريــوس وأتباعــه يقبلــون الألفــاظ الموضــوعة لكــنهم يعنــون بهــا ًا أمــر آخــر مختلــف, ويؤلونهــا بمــا يكــون لصــالح عقيــدتهم الفاســدة. وهنــا كــان لابــد وأن يتــدخل أثناســيوس واقتــرح أن تضــاف علــى العقيــدة هــذه العبــــارة: ( όμooύσioςأوموؤســــيوس) ومعناهــــا واحد مع الآب فى الجوهر لإثبات أن المسـيح من جوهر االله ومعادل له. – وعــــــارض الآريوســيون هــــــذه الإضـافة, واقترحــوا اســــتبدالها بعبــارة όμoioύσioςأوميؤســـــيوس ومعناها مشابه فى الجـوهر، وتـرك للمجمـع الفصـل أى العبارتين أصح. – ورغم أن العبارة الأخيرة لا تزيـد سـوى حـرف واحـد على الأولى إلا أنها تختلف عنها ً معنويا اختلافًـاً كبير، وبعد مجادلات وحوارات ونقـاش كبيـر أخـذ المجمع بعبارة القديس أثناسيوس: .όμooύσioς بعـد تـوالى الجلسـات اقترحـت غالبيـة الأعضـاء وضـع قـانون الإيمـان، وتـم وضـعه فعـلاً ابتداء من عبارة “نـؤمن بإلـه واحـد” إلـى عبـارة “نعـم نـؤمن بـالروح القـدس” ووقـع بالموافقـة عليه 318أسقفًا عن رضى تـام وقبـول ٕوارتيـاح. ورفـض التوقيـع آريـوس ومـن شـاركوه فقرر المجمع إيقاع الحرم عليهم، ونفى آريوس, وحرق جميع كتبه. – وانتخب الثلاثمائـة والثمانيـة عشـر أسـقفاً ثلاثـة لوضـع دسـتور الإيمـان مـنهم أثنـان مصـريان: همـا البابــا ألكسـندروس وســكرتيره الخــاص القـديس أثناســيوس، أمــا الثالــث فكــان ليونيتــوس أسقف قيصارية الكبادوك. فكان هذا الانتخاب بمثابة اعتر اف صريح بثقة هؤلاء الآبـاء فـى مقدرة أبناء مصر، وفى رسوخ إيمانهم، وحسن تعبيرهم عن هذا الإيمان. ولكن الشيطان لم يسكت لا هو ولا أعوانه فأعلن الحرب على القديس أثناسيوس. ⦁ النفى الأول: تريف ⦁ النفى الثانى: روما ⦁ النفى الثالث: البرية ⦁ النفى الرابع: طيبة ⦁ النفى الخامس: مقبرة أبيه كانت التهم التى ُوجهّت إلى أثناسيوس ذات طابع طـائفى وسياسـى، وتسـتهدف الإضـرار به ً شخصيا. لأنه من يستطيع أن يحارب أثناسيوس فى العقيدة!! إعلان الحرب صراحة على أثناسيوس: أولاً: أن أثناسيوس اغتصب حقًـا مـن حقـوق الحكومـة الرومانيـة، وهـى فـرض الضـرائب.ولكن َسخّر االله لأثناسيوس كاهنين كانا مع الملك فبرآه من هذه التهمة. ثانياً: وشـوا ً أيضـا بـأن أثناسـيوس سـاعد أحـد أعـداء المملكـة يـدعى فيلومينـوس، الـذى كـانً عازما على أن يملك بلاد مصر، وأن يشق عصا الطاعة علـى الإمبراطـور، إلا أن أثناسـيوس قام بتبرئة نفسه أمام الإمبراطور من هذه التهمة ً أيضا. ثالثاً: اّدعـوا عليـه أنـه قـام بكسـر كـأس القـس اسـخيراس الهرطـوقى، وهـدم مذبحـه، وحـرق كتبه. ولكن رغم اتفاقهم مع هذا القس سر لإثبات تهمتهم فإنه ندم علـى مـوافقتهم وحضـر إلـى المجمع بنفسه وبرأ القديس أثناسيوس!! رابعاً: اّدعـوا عليـه أنـه ارتكـب الفحشـاء مـع بتـول راهبـة، وأدخلـوا امـرأة زانيـة ادعـت فـى مجمعهم أن أثناسـيوس اغتصـبها، وأفسـد بكارتهـا. فقـام القـس تيموثـاوس تلميـذ البابـا أثناسـيوس موهمــا أياهـا بأنـه هـو أثناسـيوس إذ لـم تكـن تعرفـه، وقـاللهـا: “أنـا أيتهـا المـرأة التـى زنيـت بـك كرهـاً؟” فأجابـت تلـك بجسـارة أهـل الشـر “نعـم أنـت يـا أثناسـيوس الـذى أغـويتنى وأفقــدتنى عفتــى التــى نــذرتها للــرب” ثــم تظــاهرت بالبكــاء، طالبـة مـن المجمـع أن ينـتقم لهـا ممـن أفسـد عفتهـا الأمـر الــذى أضــحك الأرثوذكســيين، وأخجــل الآريوســيين وأظهــر براءة القديس أثناسيوس من هذه التهمة ً أيضا خامسا: اّدعـوا عليـه ً أيضــا انـه قـام بقتـل الأسـقف أرسـانيوس أسـقف هبسـيل الشـطب وقطـع ذر اعه واستخدمها فى السحر والشعوذة. وقاموا بإحضار ذر اع أحد الموتى كدليل على التهمـة أمـام المجمـع. واسـتطاع أثناسـيوس وأتباعـه القـبض علـى أرسـانيوس الـذى اعتـرف أمـامهم بكـل شــىء، فأخفـاه البابـا لحـين انعقـاد المجمـع ولمـا عرضـت التهمـة علـى المجمـع قـال أثناسـيوس: مـن مـنكم يعــرف الأســقف أرســانيوس؟ فقــالوا “كلنــا نعرفــه فأحضــره البابــا وســطهم ولمــا اعترفــوا أنــه هــو أرسانيوس بعينـه أنـزل البابـا أثناسـيوس الـرداء عـن أرسـانيوس وأظهـر يديـه صـحيحتين، ثـم قـال لهم ولمن اليد الثالثة المقطوعة؟ وهنا شعر الآريوسيون بالخزى والهزيمة.ً سادسا: اتهمـــوا أثناســـيوس باســـتغلال نفـــوذه فـــى منـــع تصـــدير القمـــح مـــن الإســـكندرية للقسـطنطينية، ولقـد كانـت لتلـك التهمـة أفظـع الأثـر فـى نفـس قسـطنطين حتـى إنـه أمـر بنفـى أثناسـيوس مـن القسـطنطينية إلـى تريـف وهـى مدينـة تقـع جنـوب غـرب فرنسـا. وعندئـذ قـال القـديس للملـك: “إن االله سـيقوم ً ديانــا بينـى وبينـك، أنـت الـذى قبلـت شـكوى أعـدائى وصـدقتها” وكان هذا أول نفى ذاقه حامى الإيمان وكان ذلك فى فبراير 335م. النهاية البشعة لآريوس: نجــح الآريوســيون فــى إرجــاع آريــوس إلــى حظيــرة الكنيســة، فتوســطوا لــدى الإمبراطــور ّ مــــدعيين أن آريــــوس قــــد تــــاب، فصــــدق ادعــــاءهم وأمــــر بعــــودة آريــــوس وأتباعــــه إلــــى الإسكندرية. لكن الشعب الأرثوذكسـى فـى الإسـكندرية أغلـق فـى وجهـه أبـواب الكنـائس، وأجبــره الــوالى علــى تــرك المدينــة خشــية حــدوث ثــورة حقيقيــة، فلمــا أخبــروا الإمبراطــور قسطنطين بموقف آريوس أرسل يستدعيه للقسطنطينية. – عندئذ أرسـل الإمبراطـور إلـى ألكسـندروس أسـقف القسـطنطينية يطلـب إليـه قبـول آريـوس فى كنيسته، غير أن أسقف القسطنطينية أرسل للإمبراطور قائلاً: إن الذى حرم آريوس مجمـع مسـكونى، فـلا يحلـه إلا مجمـع مسـكونى. لكـن هـذا الـرد أهـاج قسـطنطين الـذى أمـر الأسـقف الجليـل بالسـماح لآريـوس بـأن يقـيم الصـلاة فـى كنيسـته أول يـوم مـن أيـام الآحاد. أما ألكسندروس فلم يرعبه التهديد، وجعل االله ملجأه، وكرس نفسه للصـوم المتواصـل ولـم ّ يكف قط عـن الصـلاة، وأغلـق علـى نفسـه الكنيسـة المـدعوة “إيرينـى” وصـعد إلـى المـذبح وانطـرح علـى أرضـه أمـام المائـده المقدسـة، وسـكب ً دموعــا حـارة بصـلوات وبكـاء، وبقـى على هذا الحال عدة أيام ٍ وليال متوالية. وكـان الوقـت يـوم سـبت، وكـان آريـوس يتوقـع أن يجتمـع بالكنيسـة ودخـول الشـركة فـى اليـوم الثانى. ولكن العدل الإلهى أخذ حقهُ تجاه جرائمه، لأنه ً حالما خـرج مـن قصـر الإمبراطـور تحـيط به زمره من شركاء يوسابيوس كحراس صار يستعرض نفسه بعظمة وسـط المدينـة، وهـو يجتـذب أنظار الشـعب كلـه، فلمـا اقتـرب مـن القصـر المسـمى “محكمـة قسـطنطين” أخذتـه رعـدة وفـزع مـن الضمير، فأصابه إسهال عنيف، فطلب مكانـاً يقضـى فيـه حاجتـه فاقتـادوه إلـى مرحـاض خلـف “المحكمـة” وفـى الحـال أفـرغ أحشـاؤه، فخرجـت أمعـاؤه مـع نزيـف حـاد, وأصـابه إغمـاء ومـات. ولا يزال موقع هذه النقمة ُيرى إلى هذا اليوم فى القسطنطينية. عـــاد القـــديس أثناســـيوس مـــبجلاً ً معظمـــا عـــام 338م، كـــذلك عـــاد معـــه جميـــع الأســـاقفة الأرثوذكسيين من منفاهم. ووصل أثناسيوس إلى الإسكندرية، وأقام الشعب لذلك احتفالاً أقرب إلى الاحتفال باستقبال الملوك والقياصرة. وفـى غمـرة هـذه الأحـداث المبهجـة لـم يتـرك الآريوسـيون البابـا أثناسـيوس ليسـتريح ولـو لفتـرة قصـــيرة، إذ ســـرعان مـــا قـــرروا تعيـــين بطريـــرك آخـــر علـــى الإســـكندرية هـــو غريغوريـــوس الكبادوكى. إلا أن الشعب قاوم ذلك مقاومة عنيفـة، الأمـر الـذى جعـل الآريوسـيين يهجمـون على الكنائس مع بعض الجنود، واتفق أن كان ذلك يوم جمعـة الصـلبوت، وقـاموا بقتـل مـن كان فى الكنيسة، واعتدوا على حرمة الفتيات والسـيدات اعتـداءاً وحشـًيا، كـل ذلـك بـدون أى سبب إنما لإجبار الشعب على الانضمام للآريوسيين. وهنـا بعـث البابـا برسـائل إلـى أسـاقفة العـالم كلـه، يسـتنجد بهـم مـن فظاعـة هـذه الأحـداث ويقول: “أستغيث بكم وبالأرض وبالسماء مما حل بكنيستى.” ٕ واذ لم تجد الرسائل أى صدى عزم البابا أثناسيوس على عرض قضيته أمام العـالم كلـه، فسـافر إلـى رومـا، وهنـاك قوبـل بحفـاوة بالغـة مـن أسـقفها يوليـوس، وعقـدا ً مجمعــا سـنة 347م فـى سـرديقيا -صـوفيا- مكـون مـن 170أسـقفاً, ورأس المجمـع هوسـيوس، أسـقف قرطبة وقرروا الآتى: ⦁ براءة القديس البابا أثناسيوس الرسولى حامى الإيمان مما نسب إليه زورا ً وبهتانا ⦁ حرم جميع الأساقفه أتباع آريوس. ⦁ التأكيد على قانونية مجمع نيقية المسكونى الأول. ⦁ خلــع وعـــزل وطـــرد غريغوريــوس الكبـــادوكى، الـــذى ُعّين ً بطريركا على الإسكندرية بواسطة الآريوسيين. ووافــق علــى هــذه القــرارات حــاكم روميــة الإمبراطــور قســـطنطس، وطلـــب مـــن شـــقيقه قســـطنطيوس حـــاكم الشـــرق تنفيـــذها، ووافقـــه قســـطنطيوس. وعـــاد البابـــا أثناسيوس إلى كرسيه دون أى شروط، وفى هذه الأثناء قامت ثورة فـى الاسـكندرية ضـد غريغوريـوس الكبـادوكى الأخيـر أدت إلـى قتلـه الـذى عـزز مـن عـودة القـديس أثناسـيوس إلى كرسيه. كــان الإكليــروس والشــعب ينظــرون إلــى البابــا أثناســيوس كأحــد الشــهداء المعتــرفين، لمــا لاقاه من اضطهاد وظلم. وعاد الآريوسيون لمناصبة أثناسيوس العداء مرة أخرى، منتهزين فرصة قتـل قسـطنطوس قيصر روما إمبراطـور الغـرب وصـديق أثناسـيوس ووشـوا بـه لـدى الإمبراطـور الـذى أصدر أمراً بنفيه. وذهــب والــى مصــر ســريانوس علــى رأس خمســة آلاف جنــدى مســلحين حيــث حاصــروا كنيسـة السـيدة العـذراء، وكـان البابـا يصـلى صـلاة الغـروب مـع شـعبه. ٕواذ بقائـد هـؤلاء الجنود يدفع الأبواب بقوة ويدخل جنوده ومعهم بعض المشاغبين إلى داخل الكنيسة.ويصف لنا أثناسيوس ما حدث فى هذه الواقعة فيقول: كنت ً جالسا على الكرسى المرقسى، وأمرت الشماس أن يتلـوا المزمـور 136وكـان الشـعب يجاوب قائلاً: “لأن إلى الأبد رحمته” ولما حان وقت الانصراف طرق الجنود جميع الأبواب طرقًا عنيفًـا! وانـدفع العسـاكر فـى الكنيسـة كالسـيل الجـارف، وهرعـوا قاصـدين إيـاى. أمـا أنــا فوقفـت وأمرت الشعب بالفرار. ولكن بعضـهم اعتـرض العسـاكر فـى طـريقهم، فـذبحهم الجنـود وداسـوهم تحت أقدامهم عندما كانوا يركضون نحو ردهة الكنيسة للقبض على الفارين!! ولما انصرف أكثر الشعب جاء الرهبان مع الذين تخلفوا من القسوس وحملونى ً خارجا. وغادر الإسكندرية متوجهًا إلى البرية باختياره، حيث بقى مع الآباء الرهبان ما يقرب من ستة سنوات تقابل فيها مع الأنبا أنطونيوس كوكب البرية. وهكـذا اسـتمر أثناسـيوس فـى إدارة كنيسـته مـن البريـة، ولـم يتـوان قـط عـن تشـجيع شـعبه بالرسائل لكى يثبتهم على الإيمان المسـتقيم. بالحقيقـة كـان أثناسـيوس كمـا يلقبـه الـبعض “بالبطريرك غير المرئى.” استغل الآريوسيون فترة ابتعاد أثناسيوس وعينوا رجلاً ً كبادوكيا يدعى جورجيوس ً بطريركـا بدلاً منه على الإسكندرية، فرفضه الشعب الأرثوذكسى. فأمعن جورجيوس فـى اضـطهاد الشعب بكافة الطرق والوسائل، وارتكب أفظع الجرائم، كما سـجن اثنـى عشـر أسـقفًا لعـدم خضــوعهم لــه. إلا أن الــوثنيين الــذين اضــطهدهم جورجيــوس قــاموا بقتلــه وأحرقــوا جثتــه وألقوها فى البحر!! ولــم يســتمر الحـــال هكــذا فمــات الإمبراطــور قســطنطيوس، وتملــك بـــدلاً منــه يوليـــانوس الجاحد كان مسيحيا ولكنه أنكر المسـيح منـذ شـبابه وعـاد إلــى الوثنيــة وكــان يريــد أن يجــذب قلــوب الشــعب فطلــب إرجاع أثناسيوس، وهكذا عاد القديس أثناسيوس مرة أخرى إلى كرسيه بالإسكندرية. وأول عمـل قـام بـه القـديس أثناسـيوس هـو إقامـة مجمـع فـى الإسـكندرية سـمى بمجمـع القديسـين والمعتـرفين لأن كلهـم حضروا إما من نفى أو تعذيب!! وحضر هـذا المجمـع 21أســقفاً فــى صــيف ســنة 362م. كمــا قــام بتبشــير الــوثنيين وعمد عدداً ًا كبير مـنهم، الأمـر الـذى كـان ً سـببا فـى غضـب الإمبراطور يوليانوس الجاحد، لأنه كان يميل إلى الوثنية فطلـب القـبض علـى أثناسـيوس. وعندما سمع القديس بهذا ترك الإسـكندرية راكًبـا مركبـا إلـى طيبـة فـى الصـعيد فتبعـه والـى الإسكندرية فى مركب آخـر، ولمـا اقتربـت مـن مركـب البابـا سـأل أتبـاع الـوالى عـن مركـب البابـا فقـال لهـم أثناسـيوس بشـجاعة عجيبـة نـادرة: “إنهـا كانـت متجهـة ناحيـة طيبـة أسـرعوا وراءه، هـو لا يـزال أمـامكم لـيس ببعيـد عـنكم” فأسـرع الـوالى بمركبـه فـى طريقـه ولـم يعثـر علــى أثناســيوس لأنــه كــان قــد اختفــى فــى مكــان آخــر. حتــى وصــل إلــى طيبــة، وهنــاك إستقبله بعض الرهبان الباخوميين ولـم تمـض فتـرة طويلـة علـى الإمبر اطـور يوليـانوس الجاحـد حتـى كـان يــوم26يونيــة سـنة363م، حيث دعاه كبرياؤه وصلفه أن يتقدم بجيشه راكبـاً علـى حصـانه بـدون دروع، ٕواذ بســهم يصــيبه فــى ذر اعــه وينغــرس فــى جنبــه فأخــذ ينــزف حتــى مــات!! وقبــل أن يمــوت مباشـــــــرة أخـــــــذ يوليـــــــانوس الجاحـــــــد حفنـــــــة مـــــــن دمـــــــه وقـــــــذفها نحـــــــو الســـــــماء قـــــــائلاً: “قد غلبتنى أيھا الجليلى.” وجلس مـن بعـده “جوفيـان” ونـادوا بـه إمبراطـوراً لرومـا فـأطلق حريـة الأديـان, وقـرر إلغـاء الأمر الصادر من يوليانوس الجاحد ضد أثناسيوس فعاد القديس إلى كرسيه. – بعـــد ثمانيـــة أشـــهر مـــات الإمبراطـــور جوفيـــان، وتنصـــب بـــدلاً منـــه فـــالنس الآريوســـى إمبراطوراً على الشرق.ولم يكد يجلـس أثناسـيوس علـى كرسـيه ليلـتقط أنفاسـه ويتـر اءى وسـط شـعبه الـذى تعلـق بـه وأحبــه، حتــى وصــل إلــى الإســكندرية منشــور مــن الإمبر اطــور الجديــد فــالنس الآريوســى، يأمر جميع الأساقفة الذين كانوا فى النفى فى حكم يوليان بأن يعودوا إلى منفاهم.وبالفعــل لــم يقــاوم أثناســيوس الــذى تجــاوز عمــره ً 67عامــا وانســحب تارًكــا الإســكندرية واختفى فى مقبرة ولمدة أربعة أشهر.ولكـن الشـعب لـم يحتمـل هـذا الأمـر، فقـام بثـورة فـى الإسـكندرية عظيمـة ً جـدا لـم تسـتطع قـوات الإمبراطـور إخمادهـا. وأمـام غليـان الشـعب وثورتـه. أصـدر الإمبراطـور مرسـوماً بإرجاع أثناسيوس إلى كرسيه. انتقاله: وفى هـدوء الملائكـة قـد طويـت صـحيفة حياتـه، بعـد أن جاوز مـن العمـر 77عامـاً، كانـت فتـرة أسـقفيته منهـا نحـو 46عا ًمـا قضـاها ً بطريركــا للإسـكندرية. وبحق لا نستطيع أن نقول إنها كانـت للإسـكندرية أو لمصر بل كانت للعالم المسيحى كله!!ً غريغوريوس النيزينزى: ” إن من يمدح أثناسيوس يمدح الفضيلة نفسها”. ” شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين”. ” عين العالم المقدسة والحبر المنقطع النظير”. “الصوت العالى للحق.عامود الإيمان ورسول المسيح الجديد” الإمبراطور قسطنطين: قال عنه “بطل كنيسة االله” القديس كيرلس الكبير: “العــالم أجمــع احتــرم قداســته ونقــاوة تعليمــه، وأنــه مــلأ الأرجاء بعبير مؤلفاته.” القديس باسيليوس الكبير: “أسقف الأساقفة” الأنبا قزمان: “إذا قابلت جملة لأثناسيوس ولم يكن لديك ورقة فاكتبها على ثوبك” يوحنا الدمشقى: “أثناسيوس هو حجر الزاوية فى كنيسة االله” قداسة البابا شنوده الثالث لقـد أثبـت أثناسـيوس أن الإنسـان لـيس بالمكـان، وأن المكـان لا ّ يحـد الشــخص مادامـت روحـه أكبــر مــن المكــان. وصــار كتابــه المشـهور “ضــد الآريوســيين” يمثــل الــردود التــى يستخدمها المسيحيون فى العالم أجمع ضد شكوك آريوس”. الأنبا اغريغوريوس: “لم يمت ً شهيدا ولكن عاش فى كل يوم ً شهيدا للمسيح.” ” لو كان أثناسيوس من حديد لـذاب، ولـو مـن حجـر لتفتـت، ولكـن لـم يـذب ولـم يتفتـت بـل ظل ً صامدا كالجبل الأشم. إنها العناية الإلهية التى جعلته كذلك” سقراط (مؤرخ كنسى): “إن فصـاحة أثناسـيوس فـى المجمـع النيقـاوى قـد جـرت عليه كل البلايا التى صادفته فى حياته” القديس إيرونيموس: “جاء علـى العـالم لحظـة اعتقـد فيهـا أنـه سيصـبح ً يومـا يجـد نفسه فيه آريوسًيا.. لولا وجود أثناسيوس”. فيليب تاف: “أثناسيوس هو المركز الذى كانت تدور حوله الكنيسة واللاهوت فى العصر النيقاوى.” ” أثناسيوس صار وحده ضد العالم عندما صار العالم كله ضده” ثيئودوريت: “أثناسيوس هو المنبر الأعظم”. الكاردنيال نيومان: “إن هـذا الرجـل عظـيم قـد طبـع علـى الكنيسـة ً طابعــا لا يمحـوه الدهر” دين ستانلى مؤرخ أنجليكانى “إن الصفات التى أذهلت كل معاصريه بشدة كانت حضور مواهبه وسرعة تحولها”. ” أثناسـيوس ُيحسـب أكبـر لاهـوتى فـى زمانـه، ً وأيضـا لكـل العصـور والأجيـال، ولهـذا حـاز على لقب الكبير من كل العالم وعلى المدى”. ” لقـد أبلـى أثناسـيوس علـى صـغر مرتبتـه الكهنوتيـة ً بـلاء ً حسـنا فـى مجمـع نيقيـة، وناضـل عن الأرثوذكسية بحدة وشدة ونور يقين، أوغرت صدور حساده كما ّ توجته بإعجاب كـل سامعيه، المرتدين منهم والمبغضين على السواء”. ” نحن نصور أثناسيوس كما نتصور النجم فى السماء“ موللر (لاھوتى كاثوليكى): “إن الإنسان عندما أ يقر حياة أثناسـيوس يتمنـى لـو لـم يمت”. جيبون: “لقــد أظهــر أثناســيوس مــن التفــوق فــى الشخصــية والمقــدرة وســعة الحيلــة وحسـن التـدبير مـا يبـرهن بـه علـى أنـه كـان أحـق مـن أبنـاء قسـطنطين نفسـه فـى تـولى أعباء تلك الدولة العظمى والقيام بإدارة دفة أحكامها خير قيام”. ” اســم أثناســيوس الخالــد لا يمكــن أن ينفصــل أبــداً عــن عقيــدة الثــالوث، التــى كــرس لهــا حياته، وكل قدراته العقلية وكل كيانه” جواتكن: “كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى” قصائد أكسفورد: “أثناســـيوس صـــاحب القلـــب الملكـــى المـــدثر بوشـــاح بـــولس المبارك.” وهكذا.. شهد القديس أثناسيوس أمام العالم كله بإيمانه، ومحبته للسيد المسيح، وحفاظه على عقيدة الكنيسة.. فشهد العالم له |
|