رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ أَدْعُوك،َ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي. إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي [2]. يرى البعض أن داود النبي وقد تمرد عليه ابنه أبشالوم، واضطر إلى الهروب صار كمن قد أُقصي إلى أقاصي الأرض. هذه هي مشاعر كل إنسان يعاني من ضيقة مُرّة، فإنه يشعر كأنه قد صار في أقاصي الأرض، إذا به يجد الله نفسه الصخرة التي ليس فقط تحميه، وإنما ترفعه إلى فوق. نعمة الله تحملنا كما إلى الأعالي، فلا يقدر عدو أن يتسلل إلينا. يسمع الله صرخات الإنسان حتى وإن استبعده الناس إلى أقاصي الأرض، فقد سمع لدانيال وزملائه وهم في بابل، وسمع ليونان وهو في بطن الحوت، ويسمع للخاطئ الذي يصرخ إليه بالتوبة مهما بلغت خطاياه. إنه السامع للصلوات! * كأن هذا القول مقدَّم من الشعب المسبي إلى بابل، فإنه يقول: "من أقاصي الأرض"، أي من بابل البعيدة جدًا من أورشليم، صرخت إليك وأنا في شدة حزني، وقد ثبت قلبي على صخرة الرجاء. وأيضًا الذي يصير تحت استيلاء الأبالسة، ويضجر قلبه يعرف أنه بعيد عن الله، فيقول في صلاته: "صرخت إليك من أقاصي الأرض"، أعني من مسافة بعيدة عنك. أيضًا الذين ينهمكون في الدنيويات والمتمرغون في حمأة الشهوات الجسدية هم ساكنون في وسط الأرض وغائرون في جوفها، أما السواح في الجبال والبراري فيكونون ساكنين في أقصى الأرض، هؤلاء يسمع الله طلبتهم، ويصغي إلى صلواتهم، وعند ضجرهم يشدد قلوبهم. وقولنا ضجرهم (يغشى قلبهم) لا يدل إلا على إقامتهم في هذا العمر الفاني وعلى هلاك غير التائبين... أما الصخرة فهي ربنا يسوع المسيح، فمن يحصل على هذه الصخرة يرتفع بعقله إلى السماويات ويرتقي إلى الله. الأب أنثيموس الأورشليمي يرى بعض الآباء مثل القديس أغسطينوس أن هذه الصرخة، هي صرخة الكنيسة كلها الممتدَّة إلى أقاصي الأرض، فإنها تئن معًا بروح الوحدة، بكونها جسد المسيح المتألم! إنها صرخة كل مؤمن، يُصلَب مع السيد المسيح، فيصرخ لحساب كل المتألمين والمُضطهَدين والمظلومين! * ترك المسيح الشعب اليهودي، واتحد مع الكنيسة القادمة من أماكن بعيدة، وهو يدعوها في المزامير: "من أقاصي الأرض أدعوك" . الأب قيصريوس أسقف آرل * جسد المسيح كله انصهر في العالم أجمع، أي الكنيسة كلها، يمارس الندامة التي تحقق شركة الوحدة، كما جاء في المزمور: "صرخت إليك من أقاصي الأرض"، عندما تسمعني وأنا في ألمٍ مبرحٍ . * أي إنسان يصرخ من أقصى الأرض؟ لا يوجد صراخ من أقصى الأرض سوى من الميراث الذي قيل عنه للابن نفسه: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 8). إنه مِلك المسيح هذا هو ميراثه، هذا هو جسد المسيح، هذه هي كنيسة المسيح الواحدة، هذه هي الوحدة التي هي نحن. إنها تصرخ من أقاصي الأرض. القديس أغسطينوس |
|