رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاهتمام بالقليل في النوعية لما شاء أن يهزم جليات الجبار، هزمه بحصاة ملساء في مقلاع صبي صغير هو داود. فلا تفقد أنت رجاءك، ولا تقل مواهبي قليلة، وأنا صغير، ضئيل الشأن لست علي مستوي قوة من يبغضونني. فلتكن حصاة صغيرة في مقلاع الرب. وليعمل الرب بك عملًا، مهما كان جهدك قليلًا. لأن "الحرب للرب" (1 صم 17: 47). و"ليس لدي الرب مانع عن أن يلخص بالكثير أو القليل" (1 صم 14: 6). أنظر كيف نشر الله ملكوته علي الأرض.. إنه لم يختر لذلك جماعة من الفلاسفة أو العلماء أو الجبابرة بل اختار مجموعة من الصيادين البسطاء، وعمل فيهم وبهم.. وكما قال الرسول " "اختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود، ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" (1 كو 1: 27 - 29). ونحن نقف أمام هذه العبارة مبهورين..! قد تعبر في فهمنا كلمة الجهال والضعفاء.. لكن ماذا عن المزدري وغير الموجود..؟! ما هذا العجب؟ كيف يمكن للرب أن يختار؟! لا شك أن هذه العبارة تحيي الرجاء في نفس كل إنسان، مهما كان ضعيفًا ومهما كان بلا مواهب وبلا إمكانيات وبلا قدرات من كل ناحية.. لذلك أن حوربت باليأس قل له: اعتبرني يا رب ضمن المزدري وغير الموجود، ولا تحرمني من العمل معك.. ليكن لي كيان قدامك، مع أنني في نظر نفسي وربما في نظر الناس مزدري وغير موجود.. ربما يظن البعض أن السيد المسيح لو كان قد جاء في أيامنا، لكانا يختار أصحاب الشهادات العالية جدا وأساتذة البحوث! كلا، صدقوني، لأنه لا يحب أن يفتخر كل ذي جسد أمامه، ولئلا تنسب البشارة إلي عقله البشري وليس إلي عمل الروح القدس. فلو كان المسيح جاء في أيامنا، ما كنت أستغرب أن يختار بعض من البسطاء كما فعل من قبل، أو مجموعة من عمال التراحيل.. فليس مصدر القوة هو الإنسان وإنما روح الله العامل فيه. والله يحب أن يستخدم الصغار، لكي لا يفتخروا، ولكي لا ييأس أحد من عمل الله فيه فلا يفشل أحد، ولا تصغر نفس إنسان ما.الله نشر الكرازة باثني عشر رجلًا، وما أصحاب مواهب. بل كانت غالبيتهم من الصيادين، إنما المهم هو عمل الله فيهم. والثالث عشر الذي هو بولس، لم يعتمد علي الثقافة والمواهب، بل قال لأهل كورنثوس "وأنا لما أتيت أليكم أيها الأخوة، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة" (1 كو 2: 1). لماذا؟ يقول "ليس بحكمة كلام، لئلا يتعطل صليب المسيح" (1 كو 1: 17)، لئلا تحسب المسيحية فلسفة، أن ينسب نجاح الكرازة إلي الحكمة وليس إلي عمل النعمة. إن باب الملكوت مفتوح للكل، وكذلك باب الخدمة.. ليس فقط للذين يقولون إنهم وصلوا إلي الملء، ويتكلمون بألسنة!! ولهم المواهب، ويرتعشون في الصلاة..! بل أن باب الملكوت مفتوح أيضًا أمام المبتدئ، الحديث في العمل الروحي، الذي لا يعرف أن يتكلم لأنه ولد (أر 1: 6). فلا تظن أحد أنه إن لم يصعد إلي القمة في الروحيات، فهو لم يصل بعد إلي الله! ولا تحتقروا أمثال هؤلاء الذين لم يصلوا إلي القمم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولا تصغر نفوس هؤلاء، فإن الله يعمل في الكل، ويستخدم حتى "القليل من صغار السمك".. وما أجمل العبارة المعزية التي قالها القديس يوحنا المعمدان: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم (لو 3: 9). وإلي من ترمز الحجارة؟ إلي صم بكم لا يتحدثون، بلا حركة وبلا حياة.. هؤلاء، الرب قادر أن يقيم منهم أولادًا لإبراهيم. إذن لا تفقد رجاءك مطلقًا، مهما كنت بلا حياة. فأنت ولا شك أفضل من حجارة كثيرة.. لقد ولد في مزود بقر، وليس في قصر ضخم. وولد في قرية صغيرة هي بيت لحم، وليس في المدينة العظمي أورشليم. واستطاع أن يحاول المزود إلي مزار عالمي ومقدس من المقدسات الكبرى. أما بيت لحم فقال لها: من الآن فصاعدًا "لست الصغرى بين رؤساء يهوذا" (متى 2: 6). رفعها فوق بلاد كثيرة، ومنحها قيمة بميلاده فيها. ولعل هذا يذكرنا بدعوة الرب لجدعون، الذي شعر بصغر نفس، لضآلة أصله وبلده فقال: ها عشيرتي هي الذلى في منسي، وأنا الأصغر في بيت أبي (قض 6: 15). ولكن الرب كان يبحث عن هذا الأصغر، ليظهر مجد الله فيه. لذلك لا تفقد رجاءك إن كنت صغيرًا. إن كنت مزودًا، أو قرية صغيرة، أو كنت الأصغر في بيت أبيك، أو إن كانت عشيرتك هي الذلّى بين باقي العشائر..! إن الله قادر أن يعمل فيك، ويرفع شأنك فتصير شيئًا آخر ما كنت تفكر فيه.. إنه موقف يشجع الضعفاء والمساكين، الصغار والأذلاء.. ومع ذلك اختار الله هذا الثقيل الفم واللسان ليكون كليم الله.. لم ينزع منه هذا النقص، وإنما أرسل له هارون أخاه، لكي "يكون له فمًا "وقال الله لموسي: "وأنا أكون مع فمك، وأعلمك ما تتكلم به" (خر 4: 16، 12). وبهذا الإنسان الثقيل الفم واللسان، أذل الله فرعون.. إن قلة المواهب لا تعوق عمل الله، ولا تدعو الإنسان إن يفقد الرجاء في القدرة علي القيام بالمسئوليات.. فباستمرار ثق بالله الذي قيل إنه "يعطي المعيي قدرة، ولعديم القوة يكثر شدة" (إش 40: 29). استخدم الله في هداية يونان: الدودة، واليقطينة، والرياح والموج، وأشعة الشمس. فكانت كل منها تؤدي رسالة إلهية.. (يون 1، 4). اليقطينة التي بنت ليلة هلكت، استخدمها الله في تحقيق مقاصده، وكذلك الدودة التي لا قيمة لها عند أحد! قل له: احسبني يا رب دودة، احسبني يقطينة، احسبني موجة، احسبني شعاعًا. فلأكن أي شيء مهما كان تافهًا في ملكوتك، ولكن يصنع مشيئتك. وإن كنت دودة لا تفقد رجاءك، سيكون لك دور عند الله.. وإن كنت يقطينة لا تصغر نفسك. سيأتي وقت تعطي فيه درسًا لنبي كيونان ويكتب اسمك في كتاب الله..! |
|