لأَنَّهُ قَدْ شَبِعَتْ مِنَ الْمَصَائِبِ نَفْسِي،
وَحَيَاتِي إِلَى الْهَاوِيَةِ دَنَتْ [3].
يشكو المرتل من أن المصائب والمتاعب والأحزان قد تجمعت معًا عليه، فلم يعد قادرًا أن يقدم شكوى معينة. لقد امتلأ قلبه بالأحزان ولم يعد به مكان لضيقة أخرى. صارت حياته أشبه بمن دنى إلى الهاوية، يحسب نفسه وسط الأموات.
يرى القديس جيروم أن المرتل يصف ما قد حمله السيد المسيح على الصليب، إذ حمل خطايا العالم كله، ونزل إلى الهاوية ليحرر الأسرى. لقد دنا منها، لكن لم يكن ممكنًا للهاوية أن تحجزه فيها، لأنه بلا خطية.
* لماذا لا نقول بأن نفس المسيح امتلأت بمصائب البشرية، وإن كان ليس بسبب خطاياها؟ يقول عنه نبي آخر، إنه حمل أحزاننا (إش 53: 4). ويقول الإنجيلي: "ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب" (مت 26: 37). وقال ربنا لهم عن نفسه: "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 38). سبق فرأى النبي واضع هذا المزمور ما سيحدث، فتكلم عنه، قائلًا: "قد شبعت من المصائب نفسي، وحياتي إلى الهاوية دنت" [3]... والجسد (الكنيسة) مثل خورس يتبع قائده، يلزم أن يتعلم من رأسه أن تلك الأحزان ليست بسبب خطايا، إنما برهان على الضعف البشري.
نسمع عن الرسول بولس كعضوٍ رئيسي في هذا الجسد يعترف أن نفسه مملوءة بمثل هذه المصائب، إذ يقول إنه يشعر: "لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع... لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد، الذين هم إسرائيليون" (رو 9: 2-4) .
* "لأنه قد شبعت نفسي من المصائب". إنني أحمل خطايا الكثيرين، إذ أتألم من أجل الكل. نفسي تفيض بالأحزان؛ إنني أحمل أثقالًا شريرة لألقي بها على الصليب. "وحياتي إلى الهاوية دنت" حسنًا قال: "دنت"، فإنه لم يُحتجز في الهاوية، وإنما دنا منها لأجلنا. بالحقيقة يقول باسم الرب في مزمور آخر: "لن تترك نفسي في الهاوية، لن تدع تقيك يرى فسادًا" (مز 16: 10).
القديس جيروم