رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا يهرب المتواضع من حب الرئاسة والرعاية؟ إنه يهرب من الرئاسة حرصًا على خلاص نفسه، وهروبًا من العظمة والكبرياء، حسبما وعظ القديس يوحنا الأسيوطى: سُئل هذا القديس: "هل يليق بالإنسان أن يطلب رتبة وسلطانًا، بقصد تقويم المعوجين وإبطال الشرور؟". فأجاب: كلا، لأنه إن كان الإنسان -وهو بعيد عن الدرجة- يريد أن يكون عظيمًا، فماذا يفعل عندما يصل إلى الرئاسة والعظمة ذاتها؟! فالذي وهو في ضآلة شأنه لم يعرف الاتضاع، ماذا يفعل وهو في العظمة؟! وإن سعى إلى الانتفاخ -وهو بعيد عن المناصب- فأي انتفاخ يكون له عندما ينال تلك المناصب؟! إذ حينما لم يكن لديه سبب للعظمة، كان يطيش بها في ضميره، فكم يكون بالحري عندما ينال سببًا للافتخار؟! إن كنت لا تشتهى الاتضاع، فلا تطلب درجة الرعاية. ولا تشته درجة الكهنوت لكي تعتني بالناس. وأعلم أن الله يعتني يشعبه أكثر منك. أشته أن تكون حملًا في القطيع يرعاك غيرك، لا أن تكون راعيًا مسئولًا عن رعية يطلب الله دمها من يدك. احترس من شهوة التسلط. واذكر أنك مهما صرت اليوم مُكرمًا بالعظمة، فغدًا ستكون مثل سائر الناس محبوسًا في القبر. يهرب المتواضع من الرئاسة والرعاية شاعرًا بأنه أضعف من القيام بها. قال القديس يوحنا الأسيوطى أيضًا "إن كنت الآن لا تقدر أن تربح نفسك، فكيف تقدر أن تربح نفوسًا كثيرة؟! إن كنت في الوقت الذي ليس عليك فيه أثقال، لم تستطع أن تحى ذاتك، فكيف تقدر أن تخلص شعبًا كبيرًا من شر هذا العالم؟! إن كنت الآن بلا مسئوليات كثيرة، ولم تقدر أن تخلص هذه النفس الواحدة التي هي نفسك، فكيف تقدر على نفوس الناس؟! وبنفس منطق القديس يوحنا الاسيوطى، أقول لكل من يشتهى الرعاية ليخلص نفوس الآخرين: اهتم يا أخي بخلاص نفسك أولًا. فإن لم تستطع، فلن تقدر على تخليص غيرك مهما أخذت من مناصب.. نفسك التي تعرف عنها كل شيء: تعرف جميع أسرارها، وتاريخها كله، وضعفاتها، وأسباب ما فيها من ضعفات وعيوب وأمراض روحية.. إذ لم تستطع أن تخلص هذه النفس المعروفة جدًا لديك، فكيف تقدر على خلاص نفوس الناس الذين تجلس معهم فترات قليلة، ولا تعرف عنهم إلا القليل جدًا؟! ونفسك التي أذا وبختها، تقبل منك التوبيخ واللوم والزجر، ومع ذلك لم تقو على ردعها! فكيف فكيف تقدر على نفوس إن وبختها تغضب منك؟! نفسك التي تثق بك، والتي هي مستعدة أن تسمع لك، لست قادرًا عليها، فكيف تعمل مع الناس الذين قد لا يسمعون منك. وإن سمعوا ربما لا يثقون بما تقول!! فاهتم أولًا بخلاص نفسك، لأن تخليص الغير ليس أمرًا سهلًا.. الذي يهرب من الرئاسات والمناصب، يحب المتكأ الأخير. لأنه يشعر أن هذا هو وضعه الطبيعي، وهذا هو استحقاقه. إذ قال القديسون "اعتبر نفسك أقل من الكل وآخر الكل، لكي تستريح. قال القديس برصنوفيوس: "لا تحسب نفسك في شيء من الأمور، ولا يحسبك احد شيئًا، وأنت تتنيح (أي تستريح)".. فالشخص الذي لا يحب المديح والكرامة، يهرب من الرئاسة ويهرب من المتكآت الأولى، ويشتهى أن يكون خادمًا لغيره، لا أن يخدمه غيره، يشتهى أن يتتلمذ على المرشدين وينتفع بأقوالهم، لا أن يكون مرشدًا لآخرين. فال الشيخ الروحاني "في أي مكان وُجدت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". في مرة طلب منى أحد الآباء الكهنة الجدد -بعد رسامته- أن أقول له كلمة أو نصيحة، فقلت له كن ابنًا وسط أخوتك، وأخًا وسط أولادك". فالذي ينزل درجة يرتفع درجات.. وهذا هو الذي يستريح في أي منصب يُوضع فيه. أما إن كان يريد أن يتمتع بكل كرامة هذا المنصب، ويملأ كرسيه أو ينتفخ، فهذا إنسان مسكين أسقطته المناصب.. أما أنت فكن آخر الكل "صغير أخوتك وخديمهم" في كل مكان تحل فيه. وإن كان السيد المسيح قد غسل أرجل تلاميذه (يو13)، ولم يستح أن يدعوهم أخوة له (عب2: 11)، بينما هو المعلم والسيد، فهل تكون أنت رئيسًا على أحد؟! الإنسان المتواضع -إن صار رئيسًا- يعتبر رئيسًا فقط على العمل وليس على الناس. ويعتبر مرؤوسيه زملاء له.. إنه يهرب من الرئاسة والترأُّس، ومن السلطة والتسلط. أما إن أمسكه الله بإرادته التي لا تقاوم، وجعله رئيسًا أو راعيًا، فإنه عندئذ يطلب منه قوة يعمل بها، لأنه بنفسه لا يستطيع أن يعمل شيئًا (يو15: 5). والذي يثق بقدرته الخاصة على تخليص الآخرين، لابد أن يكون مغرورًا. إنه لا يرفض الرئاسة إن أتت إليه، دون سعى منه إليها. فليس الضرر في الرئاسة، إنما الضرر في محبة الرئاسة وفي الارتفاع بسببها. ليس الضرر أن تبقى رئيسًا. ولكن الضرر هو أن تتسلط على غيرك. فقد يوجد رئيس وصاحب المتكأ الأول، وفي نفس الوقت يكون إنسانًا متضعًا. يعامل مرؤوسيه برفق كأنه واحد منهم. فالرئيس والمرؤوس سواء عند الله. بل قد تكون للمرؤوس منزلة أكبر حسب برَه. والرئيس المتواضع هو الذي يتفاهم مع مرؤوسيه بروح المحبة والبساطة شاعرًا أن السلطة إنما تمنح للرؤساء من أجل إدارة العمل، وليس من أجل الكرامة الشخصية. وهكذا أيضًا درجات الكهنوت مهما علت، هي للتدبير والرعاية والخدمة، وليست للرفعة والتشامخ. وعلى ذلك فإن كل سلطة لا يجوز أن تنحرف عن معناها الأصلي كمجرد وسيلة لتدبير العمل، لتصبح وسيلة إلى تكبير الذات وإظهارها..! يُحكى عن القديس باخوميوس أب الشركة: إنه كان يسير مرة مع مجموعة من الرهبان وكل واحد يحمل حاجياته. فتقدم أحد الرهبان لكي يحمل حاجيات القديس باخوميوس، فرفض ذلك وقال له: "إذا كان المسيح له المجد دعا نفسه أخًا لتلاميذه فهل أستخدمكم أنا في حمل حاجياتى؟! لا يصير هذا الأمر أبدًا. من أجل هذا فإن بعض الأديرة كائنة في انحلال لأن صغارهم مستعبدون لكبارهم"! والقديس بولس يقول عن نفسه "إن حاجاتي وحاجات الذين معي، خدمتها هاتان اليدان" (أع20: 34). إن الرئيس المتواضع هو الذي يحترم الكل، ويعامل الكل بلياقة. حقًا ما أعظم محبة وتواضع الذين يعاملون من هم أقل منهم باحترام وتوقير.. إنك بسهولة تحترم الشخص الأكبر منك. فهذا واجب وضرورة، وأنت مرغم على ذلك ومضطر أن تحترمه. لكن من يحترم من هو أقل منه، يكون متضعًا. الذي يحترم من هم أصعر منه في المنصب، أو العلم، أو السن، أو المقام، ويحفظ حقوقهم ويشعرهم بشخصياتهم، فهو إنسان متواضع يستحق يستحق محبة وتقدير الكل. وأعلم أن كرامتك ليست في أن يخضع الناس لك بحكم القانون. إنما الاحترام الحقيقي، هو تقدير وتوقير ينبع من القلب، لمن هو مستحق لذلك. ولا يكون من الظاهر فقط. * الرئيس المتواضع يكون رئيسًا على ذاته أولًا. فهو يضبط نفسه أولًا، ويحسن تدبيرها، قبل أن يتولى تدبير الغير. قال الشيخ الروحاني، وهو ينصح الرهبان الصغار ألا يشتهوا رئاسة مجمع الرهبان: "إن حوربت بهذا الفكر، فقل لنفسك: إن مجمعي هو مجمع أفكاري التي أقامتي الله عليها رئيسًا لكي أدبر أهل بيتي حسنًا". فكن إذن رئيسًا على أفكارك ومشاعرك، وأضبطها حسنًا. فلا تطيش شرقًا أو غربًا كن رئيسًا على حواسك، على نظرك وسمعك , كن رئيسًا على شهوات قلبك واضبطها.. وإن تمكنت من أن تكون رئيسًا على نفسك وتضبطها، فأنت الشخص الذي قد تصلح أن تكون رئيسًا. وإذا كنت لم تعرف أن تحكم نفسك، ولا لسانك ولا فكرك، ولا قلبك من الداخل، فكيف تصلح أن تكون رئيسًا على غيرك؟! إن لم تكن أمينًا على القليل، لا يمكنك أن تكون أمينًا على الكثير (مت25: 21). * يمكنك أيضًا أن تهرب من محبة الرئاسة والكرامة، إن كنت تزهد في الأمجاد الخارجية. لأن كل ما يتعلق بالوظائف والمناصب هو عرض خارجي لا يتعلق بذلك في الداخل. فالكرامة التي يقدمونها الناس لك، هي في الواقع كرامة يقدمونها للمنصب الذي أنت فيه، والوظيفة التي تشغلها، وليس لك شخصيًا. بحيث أنك إن ابتعدت عنك الوظيفة، ابتعدت عنك كرامتها. ولكن المزمور يقول "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز45) على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة". مجدك إذن في شخصيتك، لا في وظيفتك أو رئاستك. مجدك في جوهرك: في روحياتك، في طبيعتك، في عقلك، في حكمتك، في كل ما يوجد داخل قلبك من الفضائل والصفات الطيبة. إن عرفت هذا تزهد في المناصب والوظائف. وتقول مع السيد الرب: "مجدًا من الناس، لست أقبل" (يو5: 41)، مريدًا المجد الذي يكللك به الله، وليس المجد الذي يمنحك الناس إياه. نعم، مجدك هو في حكم الله عليك، وليس في حكم الناس. |
11 - 01 - 2014, 12:25 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: لماذا يهرب المتواضع من حب الرئاسة والرعاية؟
الانسان المتواضع-ان صار رئيسا-يعتبر رئيسا فقط على العمل وليس على الناس-ويعتبر مرؤوسيه زملاء له.. موضوع رائع جدا شكرا مارى |
||||
11 - 01 - 2014, 07:51 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: لماذا يهرب المتواضع من حب الرئاسة والرعاية؟
شكرا على المرور |
||||
|