رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إنسكاب الروح _ كيرلس السكندري "وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ" يعد الرب بشكل واضح عطية إنسكاب الروح القدس بغزارة، ليس بشكل إنتقائي على نبي واحد أو اثنين، بل من دون تمييز، على جميع المستحقين الحصول عليها، الأمر الذي تحقق بقيامة المسيح والانتصار على قوة الموت. في الواقع، لقد منح مثل هذه النعمة الجليلة والجديرة بالثناء لتلاميذه القديسين كباكورة، عندما نفخ في وجوههم قائلاً: "اقبلوا الروح القدس" (يو 20:22). كما ترون، كان من الضروري لمرشدي الكنيسة الروحيين ومعلمي المستقبل لكل العالم تحت الشمس، أن يتزينوا قبل الجميع بعطية الروح القدس، ومثل الثمار الأولى أن يتحلوا بالنعمة الإلهية من السماء كمدعويين إلى القداسة من خلال الإيمان. في يوم عيد العنصرة، عندما كان التلاميذ مجتمعين في منزل واحد، لتقديم الصلوات المعتادة إلى الله، "صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أع 2). لقد اعطوا أن ينطقوا بنبوءة وفهم وترديد للشهادات الخاصة بالسيد المسيح من الأنبياء القديسين، والتي لعلها مقصود بها أن تُحضر المستمعين إلى الطاعة، والإيمان الواضح، بأن الوقت المقبول قد حضر، والنبوءات السابقة بخصوص المسيح في الناموس والأنبياء قد تم تحقيقها الآن. لذلك تنبأوا، وتحدثوا بكل لسان، وهو الأمر الذي سبق وأنبأ عنه الله من خلال الكُتاب القديسين، إذ يقول الكتاب: "إني بذوي ألسنة أُخرى وبشفاة أُخرى سأُكلم هذا الشعب، ولا هكذا يسمعون لي، يقول الرب" (إش 28، 1 كو 14). بولس المُلهم أيضاً فهم هذا الأمر، إذ قال أن موهبة التكلم بألسنة قد أُعطيت كعلامة لليهود. وحقيقة أنه مع نزول الروح القدس من السماء امتلأ عدد كبير بروح النبوة، يوضحه بولس قائلاً: "أمَّا الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة، وليحكم الآخرون. ولكن إن أُعلن لآخر جالس فليسكت الأول، لأنكم تقدرون جميعكم أن تتنبأوا واحداً واحداً" (1 كو 14). في الأزمنة السابقة، عندما كانت إسرائيل تخالف الله بعنادها الشديد، قال الله: "هوذا أيام تأتي .. أُرسل جوعاً في الأرض، لا جوعاً للخُبز، ولا عطشاً للماء، بل لاستماع كلمات الرب .. يتطوحون من المشرق إلى المغرب ليطلوا كلمة الرب فلا يجدونها" (عا 8). وحزقيال المبارك قال:"وألصقُ لسانك بحنكك فتبكمُ، ولا تكون لهم رجلاً مُوبخاً، لأنهم بيت مُتمرِّد" (حز3). وكما يقول المرتل: "الرب هو الله وقد ظهر (أنار) لنا" (مز 118)، قد أشرق علينا ربنا يسوع المسيح، غافراً لتعدياتنا، مخلصاً إيانا من الملامة، وغالقاً فم الخطية. قد تم منح فيض الروح القدس لنا الآن، والله يُفرِّح الطبيعة البشرية، مُتوجاً إياها من فوق بالمجد الأصلي، مُعيداً إياها بكل حُب ومودة إلى الحالة التي كانت تتمتع بها في الأصل، عندما لم تكن الخطيئة قد حرمتنا منها بعد. في الواقع، عندما لم يكن آدم قد تجاوز بعد الوصية الإلهية، لا نجده محروماً من روح النبوءة. بل كان لا يزال ثابتاً ومستقراً ومُزيناً بكل الخيرات الطبيعية. على سبيل المثال، عندما شكّل الله المرأة وأحضرها له، على الرغم من أنه لم يخبره أحد من هي، أو من أين جاءت، أو كيف جاءت إلى الوجود، أعلن على الفور: "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي، إنها سوف تدعى زوجتي"، أو وفقاً للعبرية "امرأة" لأنها من امرءٍ أخذت" (تك 2). النعمة التي أعطيت للإنسان (الأول) صارت غير مُثمرة، ولكنها قد تم تجديدها في المسيح، آدم الثاني. ما الطريقة التي تم بها هذا التجديد؟ في الحقيقة، الابن كإله - إذ هو بالطبيعة أيضاً من الله، ومولود حقاً من الله الآب - يخصه الروح وفيه، ومنه - أي من الله الآب بالطبع. ومن الناحية الأخرى، يُقال أن الروح مُنح إليه بقدر ما صار الابن إنساناً، وأصبح مثلنا. نزل الروح وحلَّ عليه في شكل حمامة عندما أصبح مثلنا، وتعمَّد كواحد منا بحسب التدبير الإلهي. ومن ثم، الروح الذي يخصه يُقال عنه أنه يُعطى له من فوق بسبب إنسانيته، وهذا هو ما يعنيه سر الإخلاء. ليكن هذا هو معنى الآية التي تقول: "أنه من أجلكم افتقر وهو غنيُّ، لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 8). في الواقع، الروح كان قد أعطي لآدم في البداية، كما قلت، ولكنه لم يمكث مع الطبيعة البشرية، التي انحرفت في إتجاه الخطيئة، واتخذت الطريق التعدي، وسقطت في كل شكل من أشكال النجاسة. هكذا، الابن الوحيد، مع أنه غني صار فقيراً، وتلقى كإنسان الروح الذي يخصه (كإله) كما لو أنه ممنوح له، "وأستقر عليه" - كما قال يوحنا الإنجيلي - حتى يمكن أن يسكن فينا نحن أيضاً الآن ويستقر علينا، كما مكث واستقر بالفعل على باكورة جنسنا الثاني، أي المسيح. في الواقع، هذا هو السبب في أن يُطلق عليه لقب آدم الثاني، إذ أننا من خلاله قد أعطينا إعادة تشكيل على نحو أفضل بما لا يُقاس، والتمتع بمكاسب عظيمة بالولادة الجديدة في الروح، فلم تعد الولادة الأولى التي بحسب الجسد، التي تؤدي إلى الفساد والخطيئة، كما يقول الكتاب: "لأن اهتمام الجسد هو الموت". بدلاً من ذلك، هناك الولادة الثانية التي من فوق، التي من الله بالروح، "مولودين ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يو 1). من الضروري إذن، أن أولئك المعدودين من بين أولاد الله أن يغتنوا ويتقوّا بنعمة الروح القدس. السيد المسيح جلب وحقق هذه العطية لنا، كما أكدَّ بطرس المُلهم قائلاً: "وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه" (أع 2). في الحقيقة، بينما هو كإنسان يتلقى من الآب ما هو فيه بالطبيعة، "يسكبه بغنى علينا" (تي 3: 6)، لأنه بالطبيعة إله، حتى لو صار جسداً. لقد سكبه على كل جسد. هذا لا يتضمن فقط أولئك الذين من الختان، بل جميع المدعوين بالإيمان بدون تمييز، سواء أن كانوا من الوثنيين في أخطائهم، سواء أن كانوا صغاراً أم كباراً، عبيداً أم أحراراً، برابرة أو سكيثيين، فنعمة الخلاص في المسيح مُتاحة للناس في جميع أنحاء العالم تحت السماء، لأن المسيح هو "انتظار الشعوب" (تك 49: 10). يقول، "يتنبأ بنوكم وبناتكم"، مما يعني إنفتاح النعمة ومساواة تدفقها على الجميع، لن ترفض الإناث من الله إذا فعلن بغيرة وحماس ما يرضيه، واخترن السلوك المبارك، كما أن لهن نصيب في المكافأة والتقديس، إذا اثبتن أنهن جديرات بالثناء من خلال إيمانهن وصلاح أعمالهن. كيف ذلك؟ لقد صرن مُستحقات من الله النعمة والحنان، وتلقين من الله "عربون الروح" (2 كو1)، وحُسبن من بين أطفاله. وعندما يقول: "يَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى"، إنما يعني بالشيخوخة التفوق والأولوية الناتجة من الفضيلة والنضج الروحي، مع الإنجازات الرائعة والمتميزة، والتفكير الناضج المثير للإعجاب. لقد كان بولس المُلهم هكذا. رأى في حُلم رجلاً من أهل مقدونيا يتوسل إليه قائلاً: "أعبر إلى مقدونيا وأعنا"، كما نقرأ في سفر الأعمال. حنانيا أيضاً كشيخ قوي في الإيمان، رأى شخص بولس المبارك في رؤيا، عندما ذهب إلى دمشق وظهر له المسيح في الطريق، وفقد بصره بصاعقة برق، وتم شفاءه من قبل المسيح. يُسجل الكتاب هذه الحادثة قائلاً: "وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا، فقال له الرب في رؤيا: "يا حنانيا" فقال "هأنذا يارب". فقال له الرب "قُم واذهب إلى الزُقاق الذي يُقال له المُستقيم، واطلب في بيت يهوذا رجُلاً طرسوسياً اسمه شاول" (أع 9). أتسمع كيف تحدث مع حنانيا في رؤيا؟ كان قوياً في الإيمان، شاباً في انتظار الرب، ذهنه متجهاً نحو الصلاح، راسخاً في بسالة، إنساناً روحياً، كما هو واضح. ويبدو أيضاً أنه في حلم قدَّم المقدوني مناشدته لبولس، كان شيخاً في موقفه، ناضجاً في ذهنه، مملوءً من الحكمة العلوية. يوحنا الحكيم يعلن لأولئك المقدسين في المسيح بالإيمان: "كتبت إليكم أيها الآباء، لأنكم قد عرفتم الذي من البدء. كتبت إليكم أيها الأحداث، لأنكم أقوياء وقد غلبتم الشرير" ( 1 يو 2). لذا فهو يعد أولئك الذين يخدمون لرب بإنسكاب الروح القدس. مرة أخرى، من هم هؤلاء الناس؟ بلا شك، هم أولئك الذين اخضعوا عنق أذهانهم لوصايا الإنجيل، متخلين عن عبادة الرمز، وتاركين خداعات الوثنية. وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ. (يؤ 2) كرد فعل على سلوك اليهود الأثيم، أعني ما اقترفوه ضد المسيح، حتى الطبيعة انزعجت، والخليقة حزنت لرؤية ربها وهو يُهان. الهيكل المقدس تأسى - إن جاز التعبير - على قدم المساواة مع النادبين، وعانى التمزق، كما قال الكتاب: "ستر الهيكل إنشق من أعلى إلى أسفل". الشمس خفضت سطوعها وقمعت شعاعها، ولم تتنازل لتتألق بعد على سكان الأرض. هذا تسبب، في الواقع، بالظلام من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة. الصخور تشققت، وربما حدث شيء غير معتاد أيضاً لمدار القمر، مما تسبب في أن يظهر بمنظر الدم. بينما كان هناك صمت من جانب الإنجيليين عن مثل هذا الحدث، إلا أنه جدير بالتصديق لأنه تم على أساس النبوة، إذ أنه لم تقتصر العلامات على الشمس بحسب إرادة الخالق، بل الخليقة كلها اتخذت منظر قبيح غير مألوف، وذلك واضح من كلمات الله في إشعيا: "أُلبسُ السماوات ظلاماً، وأجعل المِسحَ غطاءها" (50). عندما يقول "السماوات"، يعني كل شيء بالتمام في السماء قد تغلّف بالظلام مثل المسوح بالحزن والحداد، كما لو كانت تظهر باكية بصوت عالٍ. في حين أن هذه الأمور هي علامات في السماء، الدم والنار وسحب الدخان على الأرض تشير في رأيي إلى المصائب التي حلَّت باليهود، والحرب الأكثر ضراوة التي شُنت عليهم بأيدي الرومان، فتدفق الدم في أرضهم كلها. كان مقدراً للهيكل الشهير بأن يحترق بالنار إلى جانب المدن والمنازل التي تُركت في حالة خراب. حتي قبل يوم الرب العظيم المخوف، عند إقامة المحكمة الإلهية أمام الجميع، ومجازاة السيد المسيح كل واحد بحسب أعماله، أشار الوحي لما لحق باليهود بقوله "قبل أن يجيء يوم الرب، العظيم المخوف". علاوة على ذلك، تجدر الملاحظة أنه حتى ربنا ذاته، عندما سُئل من قبل الرسل الحكماء بشأن نهاية العصر وأحداث سقوط أورشليم. أعطى إشارات متضاربة، ربما لكي يتركهم في جهل عن ما سيحدث في ذلك اليوم. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو. لأَنَّهُ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ تَكُونُ نَجَاةٌ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ. وَبَيْنَ الْبَاقِينَ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ. يقول أنه سيكون هناك دون أي شك، علامات وآيات في السماء وعلى الأرض فيما يتعلق بأعمال اليهود الآثمة. وبهذه الطريقة، سوف يُتاح لهم مفاعيل رحمة الله، أي الخلاص بالإيمان، التبرير في المسيح، عربون الروح، التقديس، رجاء ملكوت السموات، غفران الله حتى بالنسبة للجرائم المرتكبة ضد المسيح. بطرس المُلهم، على سبيل المثال، وجه اللوم بشدة للشعب اليهودي وصرخ بجرأة أنهم قتلوا المخلص وفادي الكل مُعلقين إياه على الصليب. "أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل"، ثم أكمل قائلاً: "أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم، كما رؤساؤكم أيضاً .. فتوبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم" (أع 2). فحتى لو كانت هناك علامات وآيات، كل من يتخذ رب السماء والأرض كسيده سوف يخلص. |
31 - 01 - 2015, 12:59 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إنسكاب الروح _ كيرلس السكندري
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما معنى التجسد؟ _ كيرلس السكندري |
كتاب ألوهية الروح القدس - للقديس كيرلس السكندري |
إخلاء الروح القدس _ البابا ديونيسيوس السكندري |
القديس كيرلس السكندرى |
الافخارستيا ـ القديس كيرلس السكندري |