منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 06 - 05 - 2016, 03:26 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,246

خلاصك... بذراعك أم بذراع الله؟ - 1 ، 2

هل الخلاص بالنعمة بالإيمان أم بالأعمال الصالحة؟
خلاصك... بذراعك أم بذراع الله؟ - 1 ، 2
هل الخلاص بالنعمة بالإيمان أم بالأعمال الصالحة؟
يحث الكتاب المقدس المؤمنين على القيام بأعمال الصلاح والبِرّ لأنها تتفق مع طبيعة الله الصالحة البارّة. إذ يقول:
"الرَّبَّ إِلهَنَا بَارٌّ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ "
(دانيآل 14:9)،
ولذلك فهو
"يُحِبُّ الْبِرَّ ."
(مزمور 5:33)
الدافع الصحيح للأعمال الصالحة ونتائجها
وفضلًا عن ذلك، تتفق أعمالنا الصالحة مع قصد الله لحياتنا وتمجّده. قال المسيح:
" فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ."
(متى 16:5)
وتفيد أداة النصب "لكي" في هذه الآية الدافع المفترض وراء العمل لكي يكون صالحًا ومقبولًا لدى الله، ألا وهو أنه يهدف إلى تمجيده وأن ترْك البِر وأعماله والجري وراء الخطايا يحط من قيمة الإنسان ويؤثر سلبًا في الأفراد والشعوب. يقول سليمان:
"اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ، وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ."
(أمثال 34:14)
وسيحتمل الإنسان نتائج توجُّهاته وسلوكه سواء أكان ذلك في طريق البِر أم الشر.
"بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ.."
(حزقيال 20:18)
*
أعمال صالحة لها رائحة تزكم الأنوف
فالأعمال الصالحة مطلوبة، وليس هنالك شخص تقي أو عاقل يرفضها. ولو أن عددًا أكبر من الناس قام بعدد أكبر من الأعمال الصالحة، لكان العالم أقل سوءًا بكثير مما هو عليه. لكن الكتاب المقدس يعلّم بكل وضوح أنه لا قيمة للأعمال الصالحة كمؤهِّل لحصول الإنسان على الخلاص. فهو يصف أعمال البر المتوهمة بأنها خرق بالية. ويقول:
"وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ (نجس كريه الرائحة) كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا،"
(إشعياء 6:64)
وهو يتحدث هنا عن الأعمال التي يحاول أن يثبت بها الإنسان ذاته واستحقاقه وقيمته مُستغنيًا بكبريائه عن كل فضل من الله. ولهذا يطلَق على هذه النظرة نظرة البر الذاتي. حاول أن تتخيّل رد فعل ملك عظيم وأنت تقدّم له بإصرار وفخر ثوبًا نجسًا كريه الرائحة في محاولة منك لأن ترشوه لكي يطلق سراحك من السجن!
*
عجز الإنسان عن افتداء نفسه
ولهذا يقول الله صراحةً إنّ :
"بِرَّ الْبَارِّ لاَ يُنَجِّيهِ."
(حزقيال 12:33)
كما قال السيد المسيح:
"مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟"
(متى 26:16)
وبمعنى آخر، فإن كل ما عند الإنسان أقل بكثير من قيمة الفدية المطلوبة. وقد أوضح المسيح هذا المبدأ حين روى قصةً عن عبد مدين لسيّده بمبلغ كبير.
" وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي الدَّيْنُ ."
(متى 25:18)
قد نُصدم لما فعله سيد العبد في هذه القصة، لكن الفكرة هنا هي أن الإنسان الفرد عاجز عن أن يسُد وحده ديون خطاياه. ولهذا كان لا بد من وضع زوجته وأبنائه في السجن تسديدًا لدَينه. ولا يعني هذا أن الله سيعاقب أبناءنا وزوجاتنا على خطايانا، لكن الله يلفت أنظارنا إلى حاجتنا إلى البحث عمّن يسد ديون خطايانا عنّا لعجزنا عن ذلك. ويكمن الحل في كلمة الله المتجسد نفسه، يسوع المسيح، الذي أرسله الله في رحمته لكي يدفع هذا الثمن عنّا. فالإنسان مغلول اليدين بالخطية. ولذلك لا يمكن أن يتوقع منه الله أن يفعل شيئًا صالحًا لنفسه أو لله. وكل ما يستطيع أن يفعله هو أن يطلب إلى الله أن يحرره ويخلصه من قيوده.
*
ركائز مبدأ الخلاص عن طريق الأعمال الصالحة
يروّج لهذا المبدأ أشخاص كثيرون وجماعات دينية كثيرة. لكن هذا المبدأ مبني على عدة تصوّرات ومفاهيم خاطئة منها:
-1-
يفترض هذا المبدأ أن الإنسان صالح وحُرٌّ في القيام بالأعمال الصالحة وقادر على ذلك، بينما هو في واقع الأمر مجبول بالخطية، مستعبد لها. فطبيعة الخطية تولد معه وتجعله يميل إلى الشر. وهذا ما عناه داود حين قال:
"هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي."
(مزمور 5:51)
وهو لا يوجّه هنا أيّة تهمة إلى أمّه الكريمة. ليس الإنسان صالحًا حتى يستطيع أن يفعل الصلاح. يقول الرسول بولس بوحي الله:
"أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ . لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ . الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ."
(رومية 10:3-11)
فالإنسان فاسد تمامًا. ولا يعني هذا أن الإنسان وصل إلى أقصى درجة ممكنة من الشر، أو أنه يرتكب خطية كلما سنحت له الفرصة لذلك، أو أنه يرتكب كل أنواع الخطايا الممكنة.
(ملاحظة: لا ينتظر قاضٍ أن يقوم مجرم بقتل نصف سكان مدينة حتى يحكم عليه بالإعدام. إذ تكفي جريمة قتل واحدة عادةً لإصدار مثل هذا الحكم.)
لكنه يعني أن الإنسان في حالته الطبيعية غير قادر على إرضاء الله أو تلبية مقاييس القبول لديه.
" إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، ."
(رومية 23:3)
ربما ننظر إلى شخص على أنه "محترم" أو "صالح"، لكنه ليس محترمًا أو صالحًا بما يكفي لأنْ يقْبله الله. فقد فشل كل البشر، على سبيل المثال، فشلًا ذريعًا في حفظ أهم وصية من وصايا الله:
"تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ."
(متى 37:22)
ولم يعرف التاريخ شخصًا استطاع أن يفعل هذا كل دقيقة من حياته. ويمكن أن نشبّه الموقف بأشخاص لا بد لهم من أن يقفزوا من قمة جبل إلى قمة جبل آخر مقابله تفصل بينهما مسافة ثلاثين مترًا. ربما يستطيع بعضهم أن يقفز مسافة مترين، وآخرون خمسة، وآخرون عشرة اعتمادًا على قدراتهم ومواهبهم. لكن أحدًا منهم لن يستطيع أن يقفز مسافة ثلاثين مترًا، ولن يفيده أنه كان أفضل أداءً من الآخرين. إذ سيسقط مثلهم في الوادي في نهاية الأمر. وهذا هو مصير كل البشر، ولا حلَّ إلاّ ببناء جسر بين الجبلين. وهذا هو ما فعله السيد المسيح الذي جعل من صليبه مثل هذا الجسر. لذلك يقول:
"أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى (الله) الآبِ إِلاَّ بِي."
(يوحنا 6:14)
*
والأنبياء أيضًا؟
وقد يسأل أحدهم:
هل هذا ينطبق على الأنبياء أيضًا؟
ألم يكونوا صالحين؟
فكيف يقول الوحي:
" الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. "؟
والجواب :
هو أن الأنبياء بشر مخلوقون من طينتنا نفسها. صحيح أن الله وصف بعضهم بأنه "صالح"، لكن هذا الحكم عليهم يأتي نسبيًا بالمقارنة مع غيرهم من البشر. وهو يأتي أيضًا في سياق استعدادهم في السير في طريق البر التي رسمها لهم. قد ينظر شخص من الطابق العاشر إلى الناس في الشارع فيراهم صغارًا، غير أن الطيّار الذي يحلّق على ارتفاع شاهق يراهم ويرى البناية التي كان ينظر منها الشخص مثل النُّقط الصغيرة جدًا على صفحة دفتر. ربما ننظر إلى الأنبياء نظرة إعجاب وتقدير مستحَقة. فهم كبار بالنسبة لنا، لكنهم صغار جدًا في مقياس الله الكامل القداسة والطهارة.
*
انتبه! الخطية داخلك!
ما دام الإنسان مسكونًا بالخطية، فإنها تُوَجِّهه وتسوده، وهو يعبّر عن عبوديته لها بطاعته وخضوعه. وهذا هو ما قصد إليه السيد المسيح بقوله:
" إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ."
(يوحنا 34:8)
فالإنسان ذو طبيعة خاطئة، سواء أعبَّر عنها بسلوك معين أم لم يعبّر عنها حتى نقطة معينة، لأن الخطية الساكنة موجودة ولا بد أن تعلن عن نفسها بطريقة ما، منظورة أو غير منظورة، مهما طال الزمن. والإناء لا ينضح إلاّ بما فيه. وقلب المرء هو مصنع الخطايا. ويشرح السيد المسيح هذه الحقيقة بقوله:
"لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ."
(متى 19:15-20)
ويفاجأ كثيرون في مواقف وأوضاع معينة بمقدار الشرّ الذي هم قادرون على فِعله.
-2-
يفترض هذا المبدأ وجود قيمة عالية للعمل الصالح بحيث يستطيع أن يحقق هدفًا مزدوجًا:
دفْع ثمن الخطايا التي نرتكبها في حق الله لتعويضه عنها، ودفْع ثمن الحياة الأبدية.
من أين جاءت فكرة ميزان الأعمال؟
لا يمكن مساواة الخطايا بالأعمال الصالحة. ولا يعلّم الكتاب المقدس أن لدى الله ميزانًا يضع في إحدى كفتيه الأعمال الصالحة وفي الأخرى الخطايا. ويمكن إرجاع فكرة وجود ميزان تقاس به أعمال الإنسان لتقرير مصيره الأبدي إلى المانوية والأساطير المصرية. فقد كان أوزيريس، إله الموت، يزن قلوب البشر بعد موتهم ليرى إن كانوا "سليمي القلوب" وأين سيكون مصيرهم بعد ذلك. لكن الله يعرف كل شيء وليس محتاجًا إلى ميزان لكي يعطيه معرفة جديدة عنه.
*
تقاس الإساءة بقدْر الشخص المُساء إليه
ولعل مرجع فكرة المساواة بين الأعمال الصالحة والخطايا في قيمتها هو إلى عدم إدراك القائلين بها لماهيّة الخطية وعِظمها. فخطايانا عظيمة لأنها موجهة ضد الله العظيم. وهي إهانة لله الذي لا يمكن استقصاء قدْره، ولهذا فإن عقابها يكون عظيمًا بلا حد. فقيمة الإساءة تقاس بقيمة الشخص المُساء إليه، ونحن نسيء إلى الله العظيم بخطايانا. فكيف يمكن لأعمالنا الصالحة ذات القيمة المحدودة أن تمحو الإساءات التي لا حصر لها التي وجّهناها إلى الله بخطايانا؟
يمكننا أن نمثّل لهذه الفكرة برجل يعمل لدى ملك عظيم مدة طويلة من الزمن وهو يخدمه بأمانة. لكنه ذات مرّة، مرّة واحدة فقط، أساء إلى شرف الملك أو كرامته
(وهذا هو تمامًا ما نفعله حين نخطئ ونكسر وصايا الله)،
فماذا سيكون موقف الملك؟
هل سيعفو عنه آخذًا في اعتباره خدمات هذا الرجل كلها له و"أعماله الصالحة"؟
قطعًا لا!
فهو سيعتبر أن كل هذه الخدمات كانت أمرًا مفروغًا منه، وأنها كلها مجتمعةً لا تعادل الإساءة الواحدة التي ارتكبها الرجل. وأي تعويض يمكن أن يقبله هذا الملك العظيم مقابل شرفه وكرامته المُستباحَين؟
وأنا لا أحب أن أتصوّر نفسي مكان هذا الرجل وهو يلقى عقابه العادل على يد الملك!
*
ثمن الخطية
يقول الكتاب المقدس:
"لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، ."
(رومية 23:6)
والموت يعني هنا الانفصال الأبدي من الله ورحمته واختبار عذاب بلا نهاية له في جهنم. وإذ كان عقاب الخطية الواحدة - إذا صح لنا أن ننظر إلى الخطايا كفعل مفرد - هو العذاب الأبدي في جهنم، فأي أمل أو رجاء يوجد لمن ارتكب آلاف الخطايا؟
ومن الجدير بالذكر هنا أن آدم لم يُطرد من الفردوس لقلة الأعمال الصالحة التي عملها حتى نتمكن من تصوّر إمكانية رجوعه ورجوعنا معه إليها عن طريق عمل المزيد منها. لقد ارتكب آدم خطية "واحدة" من حيث العدد عندما عصى الله، ولكنها كانت كافية لطرده من حضرة الله. ولو كان الأمر متعلقًا بالأعمال الصالحة، لأبقاه الله في الفردوس وطلب منه أن يعوّض عن خطيته بعدد ما من الأعمال الصالحة. ولا بد أن آدم عاش سنوات طويلة وهو يعمل أعمالًا صالحةً في الفردوس قبل أن يخطئ. أفلم تشفع له؟
فلو كان الله يعمل بنظام الأعمال الصالحة المزعوم، لكان ظُلمًا منه أن يطرد آدم من الفردوس! لكنه طرده بالفعل.
* * * * *
خلاصك... بذراعك أم بذراع الله؟ - 2
الخطية تفصلنا بالضرورة عن الله
وحقيقة الأمر هي أن آدم لم يقدم على تصرف خارجي يمكن محو آثاره بتصرف آخر. فقد تغيّرت طبيعته الداخلية بعد ارتكابه خطية العصيان. فالروح الذي نفخه الله فيه يوم خلقه قد انطفأ بسبب الخطية، فانتقل إليه الموت الروحي فأصبح منفصلًا عن الله. وكان هذا ما حذّره منه الله حين طلب إليه ألّا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر قائلًا:
" لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ"
(تكوين 17:2)
فأصبح آدم في حالة لا تحتملها قداسة الله، فكان لا بدّ من طرده.
*
فلا الحياة تطيق الموت ولا الموت بقادرٍ على احتمال وجوده في حضرة الحياة. ولا يمكن أن يمثل إنسان في حضرة الله إلّا عندما تعود إليه الحياة الروحية من جديد بعد أن يسكنه الروح القدس ويعطيه طبيعة جديدة في لحظة الإيمان بالمسيح. وهذا هو ما حاول الرب يسوع المسيح أن يفهّمه لنيقوديموس عندما حدّثه عن شروط الدخول إلى ملكوت الله وضرورة
"الولادة الثانية"، أو "الولادة من فوق"، أو "الولادة من الروح".
وهذا هو ما يؤهِّل الإنسان لا أي شيء أو عامل آخر للمثول في حضرة الله.
*
علاج الإنسان لخطيته مرفوض
ومن الجدير بالذكر أن الله لم يرضَ عن الطريقة التي عالج بها آدم وحواء خطيتهما. يقول الكتاب:
"فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ."
(تكوين 7:3)
" وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا. "
(تكوين 21:3)
لم يكن ما صنعاه بنفسيهما كافيًا، فتدخّل الله وصنع أقمصة من جلد. ويشير هذا بكل قوة إلى ضرورة وجود حمَل مذبوح ليغطّي خطايانا ويمحوها. وعلى هذا الأساس أمر الله بتأسيس نظام تقديم الذبائح الحيوانية في العهد القديم. لقد كان هذا "الحمَل المذبوح المجهول"، أو الذبيحة التي لم تُسَمَّ، صورة رمزية مسبقة للمسيح الذي سيموت على الصليب من أجل خطايا البشر. فحين رآه يوحنا المعمدان، أشار إليه قائلًا:
"هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!."
(يوحنا 29:1)
فالحمَل هو مِن عند الله لأن الحلّ هو من عنده.
*
ألا تحلّ التوبة المشكلة؟
لاحِظ أيضًا أن الله لم يطرح هنا مسألة التوبة على آدم كحَلّ للرجوع إلى الفردوس الذي طرده منه، مع أننا نفترض أنه ندم وتاب. لكن لماذا؟
لأن قبول التوبة من دون تعويض كافٍ عن الجريمة هو تهاونٌ في العدل، وهذا أمر لا يليق بالله الذي يُحسَب لعدله كل حساب. ولكي تُقبَل التوبة ويُمنح الغفران، لا بد من أن يتحقق العدل. تقول كلمة الله موضحةً هذا الأمر:
" إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ (الله) أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ."
(1يوحنا 9:1)
فالعدل هو أساس الغفران. ويعني هذا أن الله يمنحنا فرصة الاعتراف بخطايانا والتوبة عنها على أساس أن العدل والتعويض قد تمّ عندما مات المسيح دافعًا عنا ثمن خطايانا. وهنا نظرة جديدة إلى التوبة. فهي هبة تُعطى لنا على أساس ما فعله المسيح. يقول الرسول بطرس بوحي الله:
"هذَا (يسوع المسيح) رَفَّعَهُ اللهُ بِيَمِينِهِ رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا. "
(أعمال 31:5)
وتقول كلمة الله أيضًا:
" وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائِلِينَ:
«إِذًا أَعْطَى اللهُ الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!»."

(أعمال 18:11)
وهكذا فإن التوبة ليست مجرد قرار بشري في أيّ سياق لأن الله لا يقبلها إلاّ بالإيمان بيسوع المسيح وكفارته.
*
التوبة لا تلغي العدل البشري
وحتى على المستوى البشري فإن التوبة تعجز عن إلغاء العدل. فإذا وقف أحدهم موقف المجرم الخائن لوطنه أو القاتل، فإن القاضي لا يعفو عنه إذا أعلن عن ندمه وتوبته
(رغم أن ندمه قد يكون حقيقيًا وتوبته صادقة).
فلا بد من دفع العقوبة بسبب القانون المُنتَهك والضرر الحاصل. وحتى في الأمور الشخصية، إذا سامحني شخص على إساءة ارتكبتُها في حقّه، فإنه يكون قد احتمل الضرر شخصيًا بسبب محبته لي أو شهامته، فكانت هذه هي التكلفة التي تحمّلها طوعًا لكي يسامحني. فلا يوجد غفران ليس فيه احتمال لخسارة. والخسارة التي احتملها يسوع طوعًا بسبب محبته لي ولك هي موته على الصليب.
*
هل معك ما يكفي لشراء الحياة الأبدية؟
أمّا بالنسبة لدفع ثمن الحياة الأبدية مع الله، فالإنسان مفلس روحيًا. والمفلس غير قادر على شراء شيء، ولا سيما إذا كان ما يريد شراءه هو الحياة الأبدية. وما الحياة الأبدية إلّا الله ومعرفته. خاطب الرب يسوع المسيح الله الآب قائلًا:
" وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ (تمييزًا له عن الآلهة الكاذبة) وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ."
(يوحنا 3:17)
ويشير الوحي الإلهي إلى المسيح قائلًا:
"هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ."
(1يوحنا 20:5)
*
من الغباء أن نصرّ على شراء ما هو مجّاني
لكن الحياة الأبدية التي لا نملك شراءها بأي ثمن هي مقدمة لنا مجانًا بالإيمان.
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ."
(يوحنا 16:3)
إذًا فالخطايا التي نرتكبها ضد الله القدوس أعظم من أن يكفِّر عنها أي عدد من الأعمال الصالحة، كما أن الحياة الأبدية أثمن بكثير من أن ندفع فيها أي ثمن. وإن أي ادعاء عكس ذلك يظهر جهلًا فاضحًا بقداسة الله وطبيعة الخطية وقيمة الحياة الأبدية.
-1-
يفترض هذا المبدأ أيضًا أننا بأعمالنا نسدد احتياجات الله وإلّا لما كان هنالك داعٍ لأن تكون لها أجرة ومكافأة. فهل يزداد الله فعلًا غنىً بما نفعله؟
لكن، كما أن خطايانا لا تقلل من قدر الله وألوهيته، فإن أعمالنا الصالحة لا تضيف إليه شيئًا. قال أيوب:
"إِنْ أَخْطَأْتَ (أيها الإنسان) فَمَاذَا فَعَلْتَ بِهِ؟ (الله) وَإِنْ كَثَّرْتَ مَعَاصِيَكَ فَمَاذَا عَمِلْتَ لَهُ؟ إِنْ كُنْتَ بَارًّا فَمَاذَا أَعْطَيْتَهُ؟ أَوْ مَاذَا يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِكَ؟"
(أيوب 6:35-7)
وقال الله لمن يعتقدون بأنهم يتفضلون عليه بصيامهم:
" لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ .. فَهَلْ صُمْتُمْ صَوْمًا لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَلَمَّا شَرِبْتُمْ، أَفَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ الآكِلِينَ وَأَنْتُمُ الشَّارِبِينَ؟"
(زكريا 5:7-6).
وإن كنا نظن بأننا فعلًا نضيف إلى الله شيئًا بأعمالنا، فإن هذا الظن يصبح خطية تحتاج إلى غفران.
-2-
يعطي هذا المبدأ أيضًا صورة مشوّهة عن الله الذي أظهره لنا المسيح أبًا سماويًا محبًا وكأن الله أولًا إله يتجاهل قداسته ومطالبها ومستعد لأن يتخلى عنها مقابل بعض الأعمال الصالحة. وثانيًا، يتجاهل هذا المبدأ عدل الله القدوس الذي أعطى حُكمًا لا رجعة عنه:
"اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ ... تَمُوتُ."
(حزقيال 4:18)،
كما يسمح هذا المبدأ أيضًا بالإكثار من الخطايا ما دام هنالك المزيد من الأعمال الصالحة التي يمكن أن توازنها. وهذا يلغي كل دورٍ لله في الخلاص. وينحصر دوره في تسجيل أعمالنا الصالحة وإعداد المكافآت. فلا توجد هنالك محبة أو فضل أو نعمة أو رحمة، لأن الإنسان لن يعود يحتاج إليها ما دام يحصل على ما يريده بقدرته وجهوده الشخصية. وهذا يفتح المجال واسعًا أمام الإنسان للافتخار، ليس على أخيه الإنسان فقط، وإنما على الله أيضًا. فهو ينظر إلى أعمال أخيه التي لا تجاري أعماله فيحس بثقة زائدة في نفسه، مع نظرة استعلاء إلى أخيه أو احتقار له. وينظر إلى نفسه على أنه متفضّل على الله بأعماله الصالحة التي أوصلته إلى النعيم، وهذا يجعل الله مديونًا له!
فينزع كل مجد من الله ويعطيه لنفسه. يقول الله:
".. وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، .."
(إشعياء 8:42)
وما دام هذا الشخص يحس بأن الله مديون له، فإنه لا يجد مانعًا من ارتكاب عدد من الخطايا المحبَّبة، لأن لديه رصيدًا كافيًا يغطّي ذلك!
وهكذا يمكن أن يتحول هذا المبدأ بسهولة أحيانًا إلى رخصة لارتكاب الخطية.
*
مبدأ جذاب يخفي خلفه سُمًّا
وخلاصة ما سبق هو أن مبدأ الخلاص بما يسمّى "الأعمال الصالحة" يبدو جذّابًا في الظاهر لأنه يطرح مسألة جميلة الوَقْع على الأذن. فمن يمكن أن يعترض على الأعمال "الصالحة"؟
فهي صالحة!
لكن هذا المبدأ في حقيقته أشبه بطبقة رقيقة من السكَّر تخفي تحتها سمًّا قاتلًا. فهو مبدأ شرير يهدف إلى إلغاء دور الله ومجده وقيمة نعمته وفضله وإغراق الإنسان في دوامة لا قرار لها لا تفضي به إلى مكان. وهو يجرّده من الامتياز الذي حصل عليه كابن لله بإيمانه بالمسيح ويضعه في مركز أدنى بكثير أقرب إلى وضع العبد المضطر إلى اكتساب كل شيء بتعبه وكدّه. وهو يقول لله:
إن ما فعله بتقديم ابنه يسوع المسيح على الصليب أمر لا قيمة له، فالأعمال الصالحة تفوقه قيمة حسب هذا الزعم. ولا فضل أو مجد لله في خلاص الإنسان.
*
مبدأ الأعمال الصالحة يعكس صورة مشوهة لله
إذا كانت صورة الإنسان عن الله مشوّهة، فلا بدّ أن تنعكس هذه الصورة على تفكيره وفي كيفية الوصول إليه، ولا بد أن تكون هذه الكيفية خطأ بالضرورة. فإذا نُظِر إلى الله كسيد جبار متسلط على عبيده، فإنه سيقوم بالأعمال المطلوبة إليه بلا محبة ولا أية عواطف. وسيكون الخوف، والإحساس بالواجب، أو في أحسن الأحوال - الطمع بالمكافآت دافعًا لكل فعل، لأنه لا توجد أية علاقة شخصية حميمة بينهما. قال المسيح:
" لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا،... لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ"
(يوحنا 15:15)
* * *
يارب أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أنا مبتهج بالأعمال الصالحة، لأن ظل جناحيك عليَّ
كما أن الأبرار الذين كملوا بالأعمال الصالحة
التبرير بالإيمان والتبرير بالأعمال
هل الخلاص بالإيمان أم بالأعمال؟
هل تبرر بالإيمان أم بالأعمال؟!!


الساعة الآن 10:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024