الحق ضد الباطل
معنى آخر للحق، وهو أنه ضد الزيف أو ضد الباطل.
فالذهب الحقيقي غير الذهب الزائف. والزواج الحقيقي (أي الشرعي) عكس الزواج الباطل أي غير الشرعي. وهكذا يقال عن السيد المسيح إنه (النور الحقيقي) (يو 1: 9) وقيل عن يوحنا المعمدان (لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور) (يو 1: 8).
قال السيد المسيح عن نفسه (أنا هو نور العالم. من يتبعني لا يسلك في الظلمة) (يو 8: 12) وقال لنا (أنتم نور العالم) (مت 5: 14) ولكنه هو النور الحقيقي، لأنه نور في ذاته. أما نحن فلسنا كذلك، وإنما بنوره نعاين النور.
نور الشمس نور حقيقي. أما نور القمر فليس كذلك، بل هو مجرد انعكاس نور الشمس عليه، وبدون نورها يصبح مظلمًا.
هنا كلمة حق أو حقيقي بمعنى True أو Genuine تدخل في أمور عديدة:
قد يقول شخص إنه ابن في الاعتراف لكاهن معين، ولا يكون ابنًا بالحقيقة لأنه لا يطيعه ولا يستشيره. وقد يقول شخص إنه قد تاب، ولا يكون تائبا بالحقيقة لأنه في كل مرة يترك الخطية، يرجع إليها مرة أخرى. وقد يقول شخص إنه يصلى، وهو ليس مصليا بالحقيقة لأنه يكلم الرب بشفتيه، وقلبه مبتعد عنى بعيدًا.
وقد يقول شخص إنه صائم، وليس هو صائم بالحقيقة، إنما هو مجرد إنسان نباتي، يتناول الأطعمة النباتية ويحرص أن تكون شهية. وليس له ضبط نفس أثناء الصوم، ولا ينطبق عليه قواعده الروحية.
هكذا بالنسبة إلى الله، هو الإله الحقيقي وحده (يو 17: 3).
لأن كثيرين دعوا آلهة، كمجرد لقب، ولم يكونوا آلهة بالحقيقة. كما ورد في المزمور (الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضى) (مز 82: 1) (ألم أقل أنكم آلهة، وبنى العلى تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون) (مز 82: 6، 7).
قال الرب لموسى (جعلتك إلها لفرعون) خر 7: 1) ولكن بمعنى (سيد) وليس بمعنى خالق، أو كلى القدرة أو موجود في كل مكان. وقيل أيضًا أن آلهة الأمم شياطين (أو أصنام) (مز 96: 5) هنا الفرق بين الحق والزيف.
وبنفس الوضع تكلم بولس الرسول عن الأرامل:
فقال (ولا يثقل على الكنيسة، لكي تساعد هي اللواتي هن بالحقيقة أرامل) (1تى 5: 16).
وبنفس الوضع أيضًا يمكن التكلم عن المؤمن الحقيقي، وأبناء الله بالحقيقة.
كثيرون لهم اسم أبناء الله، ويصلون قائلين (أبانا الذي في السموات) ولكنهم ليسوا أبناء بالحقيقة، ولا ينطبق عليهم قول القديس يوحنا الرسول (المولود من الله لا يخطئ، والشرير لا يمسه. ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله) (1يو 3: 9) (1يو 5: 8 1) ولا ينطبق عليه قول الرسول عن الرب (إن علمتم أنه باتر هو فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه) (1يو 2: 29).
كذلك من يقول إنه مؤمن، ولا يبرهن على إنه بأعماله. يقول القديس يعقوب عنه (هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 20).
بل أن القديس بولس الرسول يقول عبارة خطيرة هي (جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم) (2كو 13: 5) بل ما أصعب تلك العبارة التي قالها الرب لملاك كنيسة ساردس: (إن لك اسمًا أنك حي، وأنت ميت) (رؤ 3: 1).
كلمة حي هنا ليست اسمًا حقيقيا يستحقه ذلك الراعي. لأنه ليس حيا بالحقيقة، إنما هو ميت روحيًا.
إنما يبدأ الحق بالقيم التي يراعيها الإنسان في حياته.
كل ما يتمشى مع القيم الروحية هو حق. وكل ما يتفق والعقائد اللاهوتية السليمة هو حق وغير ذلك زائف وزائل.