رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التأديب الإلهي ونمونا الروحي حجب وجه الله لكي نفهم موضوع حجب وجه الله لتأديبنا وتقويمنا، لا بد من ان نعود للتأديب الإلهي في تقويم شعبه المختار الذي لم يثبت في العهد وخالف الوصية التي تعهد أن يحفظها، لذلك علينا أن ننظر لخبرة المرنم في المزمور: استيقظ لماذا تتغافى يا رب، انتبه لا ترفض إلى الأبد. لماذا تحجب وجهك وتنسى مَذَلتنا وضيقنا. لأن أنفسنا منحنية إلى التراب، لصقت في الأرض بطوننا. قم عوناً لنا، وافدنا من أجل رحمتك؛ إِنْ رَاعَيْتُ (ظهر، تراءى، لاح) إِثْماً فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ. (مزمور 44: 23 – 26؛ 66: 18) فبحسب واقع إعلان الكتاب المقدس: الله نور [الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يُدنى منه، الذي لم يرهُ أحد من الناس ولا يقدر أن يراه – 1تيموثاوس 6: 16] لأن نور الله، نور قداسة لا توصف، مستحيل يوجد عنده شبه ظُلمه، أو حتى تستطيع أن تقترب منه ولو من بعيد: وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونُخبركم به: أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة (1يوحنا 1: 5)، ففي بداية خبرة حياتنا مع الله، فأنه يُشرق علينا بالنور: الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور؛ وأُسير (كقائد للنفس التي قبلته بالتوبة ولإيمان) العُمي في طريق لم يعرفوها، في مسالك لم يدروها أُمشيهم، أجعل الظلمة أمامهم نوراً والمعوجات مستقيمة، هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم (أشعياء 9: 2؛ 42: 16) الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر: [ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة؛ أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة] (يوحنا 1: 18؛ 8: 12؛12: 46) ولذلك فأن عمل الآب فينا كما يقول الرسول من جهة الخبرة [الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته؛ وأما أنتم: فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أُمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تُخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب؛ لأنكم كنتم قبلاً ظلمة وأما الآن فنور في الرب، اسلكوا كأولاد نور] (كولوسي 1: 13؛ 1بطرس 2: 9؛ أفسس 5: 8) فبحسب ترتيب الخبرة العملية في واقع حياتنا المسيحية،فنحن أولاً نسمع دعوة الله لنا: تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم، قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (متى 11: 28؛ مرقس 1: 15)، وحينما نستجيب لتلك الدعوة ندخل في الحرية: روح الرب علي لأنه مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأُنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأُرسل المنسحقين في الحرية؛ فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً؛ (ونختبر قوة الحرية بعمل الروح القدس فينا) وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية (لوقا 4: 18؛ يوحنا 8: 36؛ 2كورنثوس 3: 17) ثانياً بعد أن ندخل في حياة التبني ونتذوق خبرة الخروج من الظلمة للنور ومن حياة العبودية تحت سلطان الخطية للحرية ولا يكون علينا دينونة ونُنادي الله أباً لنا في المسيح بالروح، نبدأ في حياة النمو كأطفال ينبغي أن يسيروا في طريق النمو الروحي السليم الذي يبدأ بالدعوة للثبات في الحرية: فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية؛ فأنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخوة، غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً؛ كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشرّ، بل كعبيد الله؛ من اطلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعاً ناسياً، بل عاملاً بالكلمة، فهذا يكون مغبُوطاً في عمله (غلاطية 5: 1؛ 13؛ 1بطرس 2: 16؛ يعقوب 1: 25) لكن حينما نبدأ نرجع ونرتد للوراء (لحياتنا القديمة تحت أي مُسمى أو سبب) غير ثابتين في الحرية التي حررنا بها الابن الوحيد، فأننا نبتعد عن الله وننعزل عنه تلقائياً، وتبدأ الظلمة تُغطي حس النفس الداخلي، وهذا معناه أنها صارت غائبة عن النور تحيا في أرض النسيان [هل تُعرف في الظلمة عجائبك وبرك في أرض النسيان – مزمور 88: 12]، أي أنها تحيا في منطقة ظلام بعيدة ومتغربة عن النور الحقيقي [ان قلنا ان لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق – 1يوحنا 1: 6]، وبكون النفس صارت ظُلمة، هذا معناه على مستوى الخبرة أنها توقفت عن التأمل في الله وبدأت تتهرب من محضره، وهذا هو جحيم النفس الحقيقي لأنها فقدت الحس الروحي ولم تعد تستشعر الحضور الإلهي، وبهذه الطريقة تحيا طبيعياً في حالة من التخبط وعدم الرؤية السليمة، ومستحيل تقترب من الحضرة الإلهية لأن الخوف يُسيطر عليها كما في حالة آدم حينما سقط [فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت (تكوين 3: 10)]، لأن دخول النفس في الظلمة يُعجزها ويجعلها غير قادرة على التعامل مع الله القدوس الحي لأنها لن تحتمل حضوره المجيد خاصة عندما ترعى إثماً في قلبها، ولا تستطيع – إطلاقاً – أن تنظر وجه النور وتعاينه لأن بدون القداسة لا يُعاين أحد الرب، لذلك كل من يحيا في ظلمة الخطية المُدمرة لجوهره العقلي والتي تسبيه عن بساطة طبيعته الجديدة [إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً – 2كورنثوس 5: 17]، لا يستطيع أن يرى مجد بهاء نور وجه الله الحي الذي لا يُرى إلا في القداسة وحدها وحالة طهارة القلب ونقاوته، لأن في حالة سُكنى الخطية وإقامتها في القلب تجعل الإنسان يهرب من النور: لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلَّا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ (يوحنا 3: 20)، والنتيجة الطبيعية هو حجب وجه الله عن تلك النفس: وليس من يدعو باسمك أو ينتبه ليتمسك بك، لأنك حجبت وجهك عنا وأذبتنا بسبب آثامنا. (أشعياء 64: 7) وعلينا الآن أن نطرح سؤال مهم للغاية يخص حياتنا بالدرجة الأولى وهو كيف يوجد الشرّ الذي يُصيب النفس بالعطب إذ كنا نقول (حسب الفكر الكنسي والآباء القديسين المختبرين الحياة الروحية) أن ليس له بدء من جهة انه لم يُخلق؟ الإجابة تأتي من صميم واقع خبرتنا من جهة الجسد نفسه، فإذا تساءل أحد: كيف تأتي الأمراض؟ من أين يأتي الشلل الجسدي؟ نقول أن المرض (ليس مُلازم للأجساد وغير متواجد معها منذ نشأتها لأننا منذ البدء لم نسمع أن هناك مرض مخلوق) فليس هو خليقة الله، لكن الكائنات لها أعضاء تؤدي وظيفتها ولكن عندما يصيبها المرض تنحرف عن أداء مهمتها بحسب طبيعتها، إذ أن هذه الأعضاء تكون قد فقدت عافيتها سواء لقلة التغذية أو لأي سبب آخر. أذن الله خلق الجسد وليس المرض. لقد خلق الله النفس ولم يخلق الخطية أو أي شبه شرّ. إنما النفس يُمكن أن تقبل الشرّ لأنها ابتعدت عن حالتها الطبيعية (لأن حسب الخلق الأول فأن حالتها الطبيعية حالة نقاوة وبراءة لأنها مخلوقة على الصورة الإلهية وصارت مثال الله). وإذا تساءل أحد وقال ما هو الخير الذي كان للنفس؟ نقول: كان مكانها بجوار الله (جوها الخاص الحضور الإلهي) وكان الخير متمثلاً في الاتحاد بها بواسطة المحبة. ثم سقطت من مكانتها العُليا الشريفة وتغرَّبت عن الجو الإلهي، فعانت من أوجاع كثيرة متنوعة. ولكن لماذا تقبل النفس فعل الشر؟ نقول: إن نفس الانسان لها حرية تتناسب مع الكائنات العاقلة، أن نفس الإنسان متحررة من أي قيد وقد منحها الله أن تحيا بحرية إذ خلقت بحسب صورة الله. لقد نالت بالتأكيد الصلاح وتعرف جيدا أن تستمتع بهذا الصلاح، ولديها المقدرة لأن تحفظ حياتها الطبيعية طالما انها تظل تستمتع بالروحيات لأن مسرتها في الله مصدر وجودها وسيدها. لكن أيضا لديها المقدرة أن ترفض الصلاح وتبتعد عن الحياة الإلهية. وهذا يحدث للنفس عندما تنحاز للجسد بسبب حب اللذات والشهوات حيث أنها تشبع من مباهج العالم فتنفصل عن حب التمتع بالأمور السمائية. [ممكن الرجوع لكلام القديس باسيليوس الكبير _ الله ليس مسبباً للشرور _ ترجمه عن اليونانية د. جورج عوض ابراهيم _ ص 32 , 33] لذلك حينما نُخطئفأن هناك شعور غريب يتملك ويتسلط علينا ويسبي نفوسنا ويقودها لمنطقة اسمها [الظلمة]، وهذا الشعور هو الخوف من الاقتراب من الله الحي، وطبعاً أنا هنا لا أتكلم عن الإنسان البعيد عن الله ولم يتب ويؤمن وبدأ الدخول في المسيرة الروحية، لكن هنا كلامي عن الإنسان الذي تاب وعاش مع الله وذاق الموهبة السماوية وشركة الروح القدس وفرح بغفران خطاياه، ولكنه تعثر وسقط بسبب عدم اليقظة والانتباه ثم صار – بعد ذلك – يعبث مع شهوات الجسد المضطربة بأي شكل أو صورة، أو انحرف عن مساره بسبب ارتباطه بأصدقاء السوء الغير مؤمنين الذين ليس لهم شركة مع الله الحي ويعيشون وفق أهواء الجسد، فتأثر بهم – طبيعياً – ونسى حياته الحقيقية وشركته مع الله، فتغرَّب عن حياة التقوى دون أن يشعر. عموماً في أي حالة من حالات الظلمة والخروج من حياة النور، يحدث تأديب قاسي وهو حجب وجه الله عن تلك النفس (وعلى الأخص حينما تُصلي أو تُمارس الواجبات الروحية) وذلك لكي تنتبه من غفوتها وتعود – مسرعة جداً – لله الحي، لأن ذكريات حياتها مع الله تلاحقها بعدة طرق مختلفة، وذلك يا إما في أحلام الليل، أو شعور يأتي من حين لآخر بذكريات خبرات روحية تلذذت بها قبلاً وتشعرها بوجهٍ خاص في وقت الضيق أو شدة محنة أو أزمة تمر بها، أو معوقات ضاغطة على نفسيتها فيحاوطها الحزن المدمر من كل اتجاه: + على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون، على الصفصاف فيوسطها علقنا أعوادنا، لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاًقائلين: "رنموا لنا من ترنيمات صهيون"، كيف نرنم ترنيمة الرب في أرضٍ غريبة!، أننسيتك يا أورشليم تنسى يميني، ليلتصق لساني بحنكي أن لم أذكرك، أن لم أُفضل أورشليمعلى أعظم فرحي؛ ثم ذكر الأيام القديمة موسى وشعبه، أين الذي أصعدهم من البحر مع راعي غنمه! أينالذي جعل في وسطهم روح قدسه! (مزمور 137: 1 – 6؛ إشعياء 63: 11)وحينما ندخل في خبرة التأديب القاسي لتعديل مسيرتنا وتقويمنا، فأننا نجد أن أصغر مشكلة في حياتنا صارت جبلاً عظيماً لشعورنا أن الله غائباً عنا ووجه محتجب، لذلك نرتاع جداً ونخاف بشدة من كل شيء: يا رب برضاك ثبت لجبلي عزاً، حجبت وجهك فصرت مرتاعاً (مزمور 30: 7)، لذلك نتوجع فنصرخ مع المزمور قائلين: أسرع أجبني يا رب، فنيت روحي، لا تحجب وجهك عني فأُشبه الهابطين في الجُب. (مزمور 143:7) + يا رب إله خلاصي، بالنهار والليل صرخت أمامك. فلتأتِ قدامك صلاتي، أمل أُذنك إلى صُراخي. لأنه قد شبعت من المصائب نفسي، وحياتي إلى الهاوية دنت. حسبت مثل المنحدرين إلى الجُب، صرت كرجل لا قوة له. بين الأموات فراشي مثل القتلى المضطجعين في القبر الذين لا تذكرهم بعد وهم من يدك انقطعوا. وضعتني في الجب الأسفل، في ظلمات، في أعماق. عليَّ استقر غضبك، وبكل تياراتك ذللتني. ابعدت عني معارفي، جعلتني رجساً لهم (عاراً عندهم)، أغلق عليَّ فماً أخرج (قَدْ حُبِسْتُ فَلاَ نَجَاةَ لِي). عيني ذابت من الذل، دعوتك يا رب كل يوم، بسطت إليك يدي. أفلعلك للأموات تصنع عجائب أم الأخيلة تقوم تمجدك. هل يُحدَّث في القبر برحمتك أو بحقك في الهلاك. هل تُعرف في الظلمة عجائبك وبرك في أرض النسيان. أما أنا فأليك يا رب صرخت وفي الغداة صلاتي تتقدمك. لماذا يا رب ترفض نفسي! لماذا تحجب وجهك عني! أنا مسكين ومُسلِّم الروح منذ صباي، احتملت أهوالك، تحيرت. عليَّ عبر سخطك، أهوالك أهلكتني. أحاطت بي كالمياه اليوم كله، اكتنفتني معاً. أبعدت عني مُحباً وصاحباً، معارفي في الظلمة. (مزمور 88)فالله فعلياً يحجب وجهة – من جهة الخبرة – وذلك حينما لا نحيا وفق الإنسان الجديد غير مُنتبهين لحياتنا فنبدأ نهمل خلاص نفوسنا، ونتكاسل عن الصلاة وقراءة الكلمة وحضور الاجتماعات الحية وقراءة كل ما يُنمينا في طريق البرّ، فلا تصدقوا الوعظ المخالف لخبرة الحياة الروحية حسب كلمة الله، لأن كثيرين يقولون أن الله لا يحجب وجهه أبداً مهما ما فعلت وأخطأت، لكن الخبرة الواقعية تقول أنه يحجب وجهة فعلياً كأب ويُسلم الإنسان لإرادة ذاته لكي يشعر بخسارته لكي يستفيق ويعود كطفل مجهدٍ لأبيه، حتى ترتاح نفسه وتهدأ فيكون لها بر وسلام من الله. + وتعلم الأمم أن بيت إسرائيل قد أجلوا بإثمهم لأنهم خانوني، فحجبت وجهي عنهم، وسلمتهم ليد مضايقيهم فسقطوا كلهم بالسيف، كنجاستهم وكمعاصيهم فعلت معهم وحجبت وجهي عنهم. (حزقيال 39: 23، 24)وحينما ندخل في هذا التأديب القاسي ونشعر بحجب وجه الله عنا فاقدين سلامه الذي يفوق كل عقل وتحيط بنا الظلمة من كل جانب، نشعر بالأسف على حالنا المُرّ هذا، فنبدأ نستغيث ونصرخ إليه من أعماق قلبنا من الداخل، بصدق وإيمان عن حاجة شديدة إليه، ومن ثمَّ يبدأ صوت الروح القدس في قلبنا معلناً سبب حجب وجه الله عنا ومعطينا الحل الجذري لمرضنا الروحي الخطير: + لكن عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى، فاذكر منأين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى، وإلا فأني آتيك عن قريب وأُزحزح منارتك من مكانها أن لم تتب؛ كن ساهراً وشدد مابقي، الذي هو عتيد أن يموت، لأني لم أجد أعمالك كاملة أمام الله. فاذكر كيف أخذت وسمعت، واحفظ وتب، فأني أن لم تسهر أُقدم عليك كلص ولا تعلم أيةساعة أُقدم عليك. من له أُذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. (رؤيا 2: 4؛ 3: 2، 3، 6) |
|