انطلق من ذاتك
ان كنت ما تزال تهتم بفكرة الناس عنك، وتتخذ كافة الأسباب ليحسن رأيهم فيك فمن الصعب أن تصل إلي سمو انطلاق الروح..
في بعض الأحيان لا يمدحك الناس،أو يكون مديحهم لك أقل من مديحهم لغيرك. فبدلا من أن تسر وتبتهج، لأن شيطان المجد الباطل نائم عنك ولو إلي حين، أراك تسعي إلي أتعاب نفسك فتجلس إلي الناس تتسول مديحهم بطريقة لا تتفق مع كرامتك كابن لله، وهكذا تحدثهم عن نفسك..
فهل تسمح لي يا أخي الحبيب أن أناقش معك الأمر بنفس ما اعتدناه قبلا من صراحة:
1) لماذا تحدث الغير عن نفسك؟ أتريدهم أن يعجبوا بك؟ إليك إذن هذا السؤال الصريح:
هل أنت في أعماق ذاتك معجب بنفسك؟ لا شك أنك في حقيقتك متضايق من نقائص كثيرة محيطة بك، لماذا تريد أذن أن يمجدوا شخصية أنت نفسك غير مقتنع بتمجيدها؟!
2) لو اعتمدنا فرضا مبدأ الحديث عن النفس، فهل أنت تعطي صورة صادقة حقيقية عن نفسك؟ أم أنت تذكر للناس النواحي البيضاء فقط، وتترك النقط البشعة الحقيرة التي تنفرهم منك؟ ألا تعرف يا صديقي أن أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق؟ ألست تري إذن أن في حديثك عن نفسك شيئًا من الخداع والكذب وتقديم وجه واحد من صورة لها عيوبها – تلك العيوب التي تعرفها أنت جيدًا والتي يعرفها معك أبوك الروحي؟
3) أنك تعرف بلا شك أن حديثك عن {فضائلك} يضيع عليك أجرك. ولست أشك أنك قرأت العظة علي الجبل وسمعت فيها {لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك} {فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية}.. أنني مشفق عليك يا أخي الحبيب، تجاهد طويلا في سبيل فضيلة معينة، وفي لحظة طيش، من لحظات البر الذاتي اللعين، يأتي الشيطان ويسلب كل جهادك منك، فإذا تعبك كله قد ضاع باطلًا.
كلما أراك تتحدث عن نفسك، يخيل إلي أنك شخص زرعت زرعا، فلما أنماه الله وأتي ثمره، بدلا من أن تحصده وتفرح به أشعلت فيه النار، أو تركت الشيطان يحصده نيابة عنك! يا صديقي العزيز، كلما أحسست رغبة في التحدث عن نفسك، دع ذلك القول الإلهي يرِن في أذنيك {الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم} {مت2:6}.
4) هناك ضرر آخر من حديثك عن نفسك ربما توضحه لك الحادثة الآتية: كنت في أحدي المناسبات أتكلم في حماسة وإعجاب عن شخص مبارك أحبه وأقدره، فقاطعني أحد أساتذتي الروحيين قائلا: "أرجوك، لا تكمل هذا الكلام. أنك بهذا الحديث تجمع الشياطين حوله لتحاربه. أتركه يعمل في هدوء. أنه ما يزال مبتدئا وفي حاجة إلي صلوات كثيرة". فسكتّ وقد شعرت فعلا أنني أخطأت في حق هذا الإنسان. الشياطين لا تطيق أن تسمع عن أعمال طيبة لإنسان. أن أتخذك الله وسيلة لعمل مَجيد، فليكن ذلك سرا بينك وبين الله. لا تتحدث عن هذا العمل لئلا تتعرض لحسد الشياطين وقتالهم. ولا يضيع أجرك فحسب، وأنما قد تتعرض لحرب قاسية لا تعرف نتائجها.
5) أرأيت إذن بعضا من الضرر الذي يحيق بمن يتحدث عن نفسه؟ أتستطيع أن تدلني – في مقابل ذلك – عن فائدة واحدة تجنبها من مديحك لذاتك؟ لست أقصد تلك النزوة الحسية الخاطئة التي يشعر بها كل من يلمح نظرات الأعجاب موجهة إليه. فهذه في حد ذاتها خطيئة تحتاج إلي علاج!!
هناك فائدة حقيقية أعرضها عليك: أن ألح عليك الحديث عن نفسك إلحاحًا لم تستطع له مقاومة، فحدث الناس عن ضعفك وعجزك، حدثهم عن نفسك الساقطة التي لولا معونة الله لأشبهت أهل سدوم، واطلب إليهم بإلحاح أن يصلوا من أجلك حتى يفتقدك الله برحمته.
6) كلمة صريحة أخري. ترددت طويلا قبل أن أهمس بها في أذنك، وهي أنه حتى الناس أنفسهم يشمئزون أحيانا ممن يتحدث كثيرًا عن نفسه. أنهم يسمونه أحيانا {المنتفخ} أو {المغرور}. وهكذا لا يكسب مثل هذا المادح لذاته سماءًا ولا أرضًا.
7) أخيرًا فإن تلك الأعمال التي تحاربك بالبر الذاتي ليست كلها من صنعك: هناك الظروف المحيطة، والدور الذي قام به الآخرون، والإمكانيات التي منحت لك من فوق. إنها تكون مبالغة بلا شك أن تنسب كل هذا إلى نفسك فقط ناسيا عمل الله فيك.
أتراني ضايقتك بصراحتي يا أخي الحبيب؟ سامح ضعفي مصليًا من أجلي.