"هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض نعم آمين"
(رؤ 1: 7 )
إن المسيح يسكت الآن مستتراً في الله منتظراً حتى يحين وقت مجيئه للظهور. ذلك لأنه وهو ابن الله الأزلي صاحب كل شيء "بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" بدا على الصليب أمام عيون الناس الأشرار وكأنه ضعيف لا يستطيع أن يخلـِّص نفسه. مع أن موته على الصليب كان طريق ظفره بكل الأعداء. ومن ثم لابد من ظهوره ليتضح للجميع حقيقة أمره.
فالذي رآه الناس مرة كأنه واحد منهم، وتطاولوا عليه وأوثقوه وساقوه، ثم صلبوه، ومات ودُفن وتوارى عن الأنظار، وبعد ذلك توالت الأجيال وقال فيه كل جيل كلمته، ولا زالت الأجيال تتحدث عنه وتقول فيه ما تشاء. أما هو ففي لحظة وصل إلى المجد، وفى لحظة أيضاً سيراه العالم كله "آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير" (مت 24: 30 ) . "مع ملائكة قوته" (مت 24: 30 ) .
لقد قام المسيح بتنفيذ مشورات الله على الوجه الأكمل، والدليل على ذلك ما قاله الله له "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مز 110: 1 ) . فوا إن كنا نشتاق لمجيء الرب للاختطاف، لأن فيه خلاصنا من متاعب هذا العالم الروحية والجسدية، إلا أننا يجب بالأولى أن نكون أكثر شوقاً لظهور سيدنا لأن فيه استعلان مجده للعالم الذي أهانه، فيسترد لنفسه اعتباره. أم يهمنا راحتنا أكثر مما يهمنا مجد سيدنا؟ صحيح إنه في الاختطاف لا نعود نذكر الشدة، ولكن هناك ما هو أهم وأجمل وألزم وهو كرامة سيدنا. فقد توهمه الناس وهو على الصليب أضعف من أن يخلص نفسه، فقالوا متهكمين "خلـّص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به" (مز 110: 1 ) . قد يسمح الرب لنا أحياناً أن تمس كرامتنا كلمات جارحة، ولكن إذا ما قارنا ما لحق بالرب من إهانات، وهو رب المجد والكرامة، مع ما يلحق بنا، لهان علينا ما لحق بنا ولتأججت قلوبنا شوقاً لسرعة ظهور الرب ليُكرَم من حيث أُُهين.
وإن كان بولس يقول "ضربونا جهراً غير مقضي علينا ونحن رجلان رومانيان وألقونا في السجن. أفالآن يطردوننا سراً؟ كلا" (أع 16: 37 ) . فكم بالحري ابن الله الذي قتلوه جهراً، فلابد أن يمجده الآب جهراً أيضاً. ولابد أن تراه كل عين ممجداً. نعم "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (أع 16: 37 ) .