بين الرقة والحساسية
لنيافة الأنبا مكاريوس
كثيرا ما نخلط بين الرقة والحساسية، فالرقة فضيلة وسلوك حضاري مهذب بينما الحساسية عيب في الشخصية يحتاج إلى مواجهة وعلاج.
من هو الشخص الحساس؟:
الحساس هو الشخص الذي يحزن بسهولة ويبكي لأقل اهانة أو اساءة، ويتخذ مواقفا من الآخرين بنفس السهولة، يحمّل الأمور أكثر مما تحتمل، ويظن السوء غالباً، يشفق على ذاته كثيرا ويدللها، يظن أنه لا يخطيء وبالتالي فهو لا يتوقع أن احد ما يغضب منه أو يعاتبه، فيخسر الناس بسهولة لظنه أنهم لا يحبونه، بل يكرهونه ويتعمدون الإساءة إليه، وهو بطبيعته لا يواجه بل ينسحب إلى داخله. ولا شك أن هناك علاقة ما بين الانطواء والحساسية. وبالتالي فهناك علاقة ما بين الحساسية والكبرياء، فالمتضع يعرف أنه ليس كاملاً وبالتالي فمن المتوقع أن يخطي ويلام من الناس أو ُيعاقب، وأنه مازال يتعلم ولذلك يقول الآباء: "من جهلنا نخطيء ومن أخطائنا نتعلّم إذ ليس إنسان كامل".
أمّا الرقيق:
أما الرقة فهي مراعاة مشاعر الآخرين واستخدام لين الكلام ولهجة التشجيع، وتنسحب الرقة على مختلف جوانب حياته: سواء من جهة مظهره أو مكتبه وذوقه. وبينما يتسم الرقيق بالبساطة يعاني الحساس من انقسام في الداخل. الرقيق شخص ينصب اهتمامه على الناس وليس على نفسه، يغفر للناس في حين لا يضطر الآخرين إلى احتماله، يسعى فيما يخفف عنهم. نعم إن الرقيق يحزن وينجرح عندما يهان أو ُيجار عليه، ولكنه يحتمل بوعي أو يواجه بأدب وموضوعية ولكنه لا ينسحب إلى داخله مشفقاً على ذاته ُمسفّهاً الآخرين الذين لا يقدّرونه ويحترمونه
وبينما كان سليمان الملك رقيقاً في حديثه مع الله وكذلك مع ملكة سبأ حين زارته ثم مع جميع الملوك الذين حوله فنعمت بلاده بالسلام في أيامه، كان رحبعام ابنه عنيفاً مع الشعب وشيوخه فخسر كثيرا وانقسمت المملكة في أيامه، وكانت أبيجايل رقيقة مع داود في حديثها فوجدت نعمة في عينيه وانقذت بيتها من الدمار، بعكس نابال الذي أغلظ في القول لرجال داود فأثار حنق داود وغضبه (1صم 25).
العلاج:
الحساس يحتاج إلى ملاطفة ومراعاة لمشاعره الهشة، ولكنه يجب لفت نظره إلى ذلك، لا سيما وأن الذين يعرفون عنه ذلك قد يحجمون عن معاتبته أو مصارحته خشية أن: "يكتئب" أو "يثور"، والحساس ربما يكون قد تعرض للانتقادات الكثيرة في طفولته والاحراج كذلك، سواء عن قصد أو غير قصد، وعلى الأبوين تعليم أولادهم المصارحة والمواجهة والتعود على الحوار والاستيضاح، وتقبل اعتراضاته ومناقشتها بروح متسامحة (هلمّ نتحاجج ... إش 1) فالحساس يذكرنا بالأم التي تخشى على طفلها من كل شيء وكل أحد فتعزله (أو تعتقله) وتمتلكه. إن تلقينه احترام الآخرين: هذه رقة وتأدب، أمّا الطبطبة الدائمة ! والدفاع المستمر وغير المتعقل عنه، يجعله غير مستعد لتقبل انتقاد الآخرين أو حتى ملاحظاتهم، وهكذا يصبح الشخص الحساس مثل الجلد الحساس والجهاز التنفسي الحساس والمعدة الحساسة ُيخشى عليه من أي تغيير في الطقس أو الطعام.
أمّا من جهة الشخص نفسه فعليه أن يواجه نفسه ويبدأ بالمصارحة والنقاش والمواجهة وعدم الهروب، وإلاّ فسوف تأتي ردود أفعاله في المجتمع عنيفة مما يفقده الكثير مما يجب أن يتمتع به الشخص السوي من نجاحات