رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مرسي ومبارك والمانجا ! ظل الرئيس محمد مرسي محظوظاً إلى أن دخل القصر الجمهوري، فصار حاله من حالي، وقد سئل عسكري بمخفر شرطة يوماً عن راتبه فقال أنا و'البيه' المأمور راتبنا خمسة آلاف جنيه. راتبه هو خمسمائة جنيه، والباقي هو راتب المأمور! سوء الحظ يرافقني حتي في المنام، واذا كنت في يقظتي تخصصت في الانحياز 'للقضايا الخسرانة'، فهذه خياراتي وانا نائم أيضاً، وعبد الباري عطوان في مذكراته 'وطن من كلمات' يقول انه عندما جاء إلى مصر للدراسة شجع فريق نادي الترسانة، وهو فريق لم يفز في مباراة قط ولو لاعب فريق 'نجع عزوز' الدولي، وانا عندما قررت أن أشجع فريقاً في صباي شجعت الزمالك انحيازاً مني للأقليات، ثم توقفت عندما أيقنت انه من أراد ان يموت بالحسرة فليشجع الزمالك، وليستمع إلى فريد الأطرش، وليشاهد التلفزيون المصري. لقد رأيت فيما يرى النائم يا قراء، أنني اجلس بجوار الرجل القوي بجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، في القصر الجمهوري، بينما يقف الرئيس محمد مرسي ينظم دولابه أو مكتبته، وقد انتهت مدة ولايته الأولى، واذا بالشاطر يعلن انه سيترشح للدورة الجديدة، فترك الرئيس ما في يديه وخرج وترك القصر الجمهوري دون ان يتكلم، وبدلاً من أن اجلس أنا مع خيرت الشاطر في القصر، اذا بي أهرول خلف الرئيس بحثاً عنه، وقد ابتلعه الزحام، والي الآن لم أتمكن من مهمتي! هذه خياراتي حتي في المنام، وإذا كان هناك من اعتقدوا ان الدكتور محمد مرسي كان محظوظاً بنجاحه في الانتخابات الرئاسية، فاني اعتقد ان الحظ قد فارقه منذ ان أصبح رئيساً، يبدو أنها عين وأصابته، فالرجل يتخذ من المواقف ويعلن من الآراء ما ينتصر به لمصر الثورة، وفي كل مرة نجد ان هناك من انشغل عن ذلك بأمور أخرى، وفي الوقت الذي نشرت احدى الصحف الأمريكية مقابلة معه، أكد فيها ان مصر لا يمكن ان تكون تابعاً لواشنطن كما كانت في عهد النظام السابق، كان القوم مشغولين بقيام نجله برد إساءة متحاور معه على 'الفيس' بمثلها، وتمطع مذيع بقناة خالد الذكر نجيب ساويرس، وهاجم نجل الرئيس المتطاول، وفي اليوم التالي كان هناك من يحتفون بفيديو المذيع، ويصفونه بالشجاعة، وكأنه فعل ما كنت افعله، في مرحلة الطيش، وهاجم جمال مبارك. لم يرد نجل الرئيس محمد مرسي الإساءة بمثلها استناداً على ملك أبيه، وليس في الهجوم عليه، بل وسبه بالتالي، ما يمكن صاحب الهجوم والسب من صفة الشجاعة، لكن هناك من عز عليهم الآن أنهم لم يكونوا ضمن الواقفين في وجه مبارك الأب ومبارك الابن، فيقومون بتعويض ذلك بالتطاول على مرسي الأب ومرسي الابن، وعقب نجاح الثورة في 'خلع المخلوع'، شاهدنا أصنافاً من البشر جاءوا إلى ميدان التحرير، وكان خطابهم فيه مزايدة على الجميع، وكنا نعرفهم بسلوكهم بأنهم لم يشاركوا في الثورة، ولا زلت أذكر عندما تمت الدعوة إلى أول مليونية، وامتلأ ميدان التحرير بالبشر، كيف كنت أتحرك بحرية وسط هذا الطوفان، وكنت لا تجد ورقة فيه، الوضع تغير بعد ذلك فتجد من يدفعك بدون اعتذار، وتحول الميدان إلى مقلب قمامة، عندها أيقنت أن الثوار غادروا الميدان. لولا أن الهجوم على نجل الرئيس يعجب 'صاحب المحل' نجيب ساويرس لاعتبرنا أن في الأمر شجاعة من المذيع، الذي قيل ان نجل الرئيس اهانه هو شخصياً، وكل الروابط التي توضع وتحمل اهانات الفتي كانت لا تعمل. المواطن الرئيس ما علينا، فقد تجاوزت مصر المرحلة التي كان فيها الرئيس ملهماً، وابنه مفكراً بالضرورة باعتبار ان ابن الوز عوام، ونحن الآن في زمن المواطن الرئيس، الذي يدخل ابنه على 'الفيس بوك' حواراً مع الناس وقد يحتد عليهم بالعبارة، وكلنا نحتد، ومن ناحيتي فكثيراً ما أقوم بحذف من لا يروق لي من البشر، بعد درس على 'الانبوكس' في مكارم الأخلاق، ولكم حذرت القوم بأنني ابن سبعة، وكانت والدتي تقول إن ابن سبعة هذا صدره ضيق حرجاً كأنما يصعد في السماء، ولا يوجد ما يمنع من ان يكون ابن الرئيس قد جاء إلى الدنيا مثلي بعد ان حملته أمه سبعة أشهر فقط، وليس مطلوباً منا ان نطالبه بأن يكون مسيحاً يعطي خده الأيمن لمن صفعه على خده الأيسر، المهم ألا يجهل علينا بسلطان أبيه.. وأين هو سلطان أبيه، الذي يتضاءل بجانب سلطان قيادات في جماعة الإخوان المسلمين من نوعية الدكتور محمد البلتاجي، الذي يعد نفوذه عابراً لمؤسسات الدولة، أو عصام العريان الذي يزيد ارتفاعه شبرين ويزيد وزنه اثنين كيلو غرام عند مرور طيف انتصار او حتي وهم انتصار ببابه، وكل من يعرفونه والتقوا به هذه الأيام أعرض عنهم ولم يصافحهم، وعندما صافحوه هم بدا كما لو كان قد فقد الذاكرة، ومؤكد انه سيخسر ارتفاعه وما زاده من وزن وستعود إليه ذاكرته من جديد، عند أول هزيمة.. سبحانه وتعالى فرجه قريب. لم أر الدكتور العريان منذ هذه اللحظة التاريخية، إلا مرة واحدة كنا في حضرة وزير الإعلام، ودخل على اللقاء متأخراً واثق الخطوة يمشي ملكاً، وتحدث عندما طلب الكلمة بطبيعة الحال، وأعطى للوزير الوصايا العشر ثم انصرف، وقال انه لن يهنئه بمنصبه الجديد، وسيؤخر التهنئة إلى حين ينجح الوزير في ان ينهي المهمة الموكولة اليه بأن يعيد هيكلة الإذاعة والتلفزيون استعداداً للرحيل ليكون بالفعل آخر وزير إعلام في مصر، ويبدو ان الإخوان استشعروا الحرج من استمرار حقيبة الإعلام في حكمهم، وهي المرتبطة بالأنظمة الشمولية، فقالوا ان زميلنا صلاح عبد المقصود هو آخر وزير للإعلام في مصر. بدا لي الحوار الدائر حينها أمامي اقرب إلى أفلام الكارتون، وكأنه لقطة من المسلسل التلفزيوني البديع إلى حين وفاة مخرجته: 'بكار'، بيد أني اعرف العريان جيداً ومنذ ان كان اصغر نائب في برلمان سنة 1987 وقال للنائب المخضرم الشيخ صلاح أبو إسماعيل والد الشيخ حازم، انه يستطيع بإشارة من إصبعه ان يصرف من حوله الأنصار. الخُلاصة، فلأن الرئيس محمد مرسي لم يعد محظوظاً فيشاء ان تكون أول إطلالة له عبر التلفزيون المصري، مع مراسل قناة النيل للأخبار في الرئاسة وواضح ان محبيه كثر، فانشغلوا به، وشغلوا الناس بذلك عما قاله الرئيس في هذا الحوار، وضاع تهليل الصحف القومية ومحاولتها التأكيد على حدوث فتح بهذه المقابلة، التي مثلت نقطة فارقة في تاريخ التلفزيون المصري. لست اخوانياً لست متابعاً للتاريخ الوظيفي للفتى، الذي بدأت عملية تخليقه كمذيع كبير بهذا الحوار، وبتصريحه بأنه ليس إخوانياً، مع ان أحداً لم يتهمه بذلك، وكيف يكون اخوانياً وقد كان مندوب التلفزيون في عهد المخلوع؟، وفي زمن لم يكن الحصول على تصريح العمل في مؤسسة الرئاسة يتم إلا بموافقة جهات أمنية، نعرف بعضها ولا نعرف البعض الآخر. لقد ظهر جلياً ان المحاور أراد ان يصنع لنفسه موضوعا، فيقول: لست اخوانياً، فيقال له احلف.. فيحلف، فيقال له لن نصدقك، وكيف وافق الرئيس ان يجري حواراً معك وأنت لست اخوانياً؟. لكنه كان يغني ويرد على نفسه بموضوع 'لست اخوانيا' هذا، فالذين هاجموه قالوا انه 'فلول'، وهناك من قال انه تم تعيينه واستبعاد من تفوقوا عليه في اختيارات التعيين بالمحطة، فانطلق الفتى يدافع عن نفسه، يوشك ان يقول انه إخواني: فقد غطى مؤتمراتهم، وحضر افتتاح مقر حزب 'الحرية والعدالة'، وصافح المرشد، لكنه نسي الأهم من المرشد وهو محمد البلتاجي، خليفة أحمد عز في المجال السياسي، في حين أن الشاطر هو خليفته في 'سكة التكويش الاقتصادي'، أما العريان فهو خليفته في الملاعب وفي التمدد طولاً وعرضا، وهما قصيران يتصرفان على انهما في قامة الرئيس السنغالي الراحل عبده ضيوف، وزميل لي أعطى عز ذات مرة صحيفته فقال انه لا يمسك صحفاً في يده. لقد انشطر احمد عز، وحلت روحه في الثلاثي سالف الذكر. الرئيس محمد مرسي رجل بسيط، وهذه هي المشكلة، ويؤتى المرء من مأمنه، ولبساطته فقد اختار مراسل قناة النيل للأخبار في الرئاسة ليطل معه على الجماهير عبر التلفزيون المصري، في أول مقابلة وليس في أول ظهور، فقد كان خطابه الأول من خلاله في يوم إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، ووصفت الخطاب حينها بالبائس، وقد سعى الرئيس فيه لتأكيد بساطته فلم ينس توجيه التحية لسائقي 'التوك توك'، وهي وسيلة نقل تعمل بالمخالفة للقانون، لكن خطابه في ميدان التحرير بعد ذلك كان رائعاً، وصفناه بسببه بأنه قدر الثورة وان لم يكن خيارها. المسألة لا ينبغي ان تكون متروكة في يد الرئيس الذي قد تسبب له بساطته الفطرية مشكلات على النحو الذي حدث عندما وافق لمراسل النيل للأخبار على اول حوار بناء على طلبه، فقد شغل الشاغل الناس في من هذا الذي يجري أول حوار مع الرئيس، لمؤسسة إعلامية زاخرة بالكفاءات والكوادر؟!، ليؤثر في مصداقية الحوار ما قيل في وصف من أجراه بأنه من 'الفلول'، وأنا لا اعرفه لكي أقرر ما إذا كان من 'الفلول' أم أنه متذبذب بين هؤلاء وهؤلاء، لكني اعرف ان القائمة على هذه المحطة كانت كادراً معتبراً في تنظيم 'إحنا آسفين يا ريس'، والريس هو حسني مبارك. نكتة مبارك حسني كان رجلاً متفرغاً لمشاهدة التلفزيون، وهو لا يقرأ ولا يكتب، وعندما قالت احدى الصحف انه يكتب مذكراته اعتبر كثيرون ذلك نكتة فضحكوا، فلأنه اعتاد منذ عمله العسكري على الاستيقاظ مبكرا، ولم يهتم مثلا بقراءة كتاب أو رواية أو صحيفة فكان يشاهد التلفزيون، يتنقل بين قنواته، ليستقر به المطاف في النهاية على شاشة 'روتانا سينما مش ح تقدر تغمض عينيك'. ولهذا فقد كان يعرف معظم المذيعين والمذيعات بالاسم ويحدد من يحاوره، ولذا فان من كانت تستدعيه الرئاسة ليحاور الرئيس كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، وكل المذيعات اللاتي ذهبن إلى هناك قلن بعد الثورة ان سوزان مبارك كانت تغار من شياكتهن، وكأنه كان ينظم عرض أزياء في القصر الجمهوري. وفي كثير من الأيام فان مشاهدة مبارك للتلفزيون تكون ممتدة، فتبدأ من أول 'صباح الخير يا مصر' إلى مشاهدة برامج 'التوك شو' مساء، ويا حظها من يتصل الرئيس ببرنامجها، عندها يطير برج من عقلها من الفرحة، وذات مرة اتصل بمنى الحسيني هاتفياً على الهواء مباشرة، وعاشت الفتاة اللحظة، وأعربت عبر وسائل الإعلام عن سعادتها وكيف أنها توجت مشوارها الفني بهذا الاتصال، وكأنها حصلت على جائزة نوبل في علوم الذرة، حتي قلنا: ليتها تسكت، ولم تسكت إلا بقيام الثورة. المخلوع عندما لا يختار من المذيعين والمذيعات من يحاوره، فان قيادات ماسبيرو هي من تختار له، والرئيس محمد مرسي ترك الأمر للطلب، وعند أول طلب من مراسل وافق، ليعطي فرصة لمن يقفون له على 'الواحدة' فلا شك ان هناك من يتصيدون له، حسداً من عند أنفسهم، فلم يجدوا في هذه المقابلة سوى حديثه عن رخص سعر فاكهة المانجو، وربما قال هذا على قاعدة توجيه الشكر لسائقي 'التوك توك'، وبساطته لا تحتاج إلى إثبات يقدمه بين الحين والآخر لكن لا بأس، فالرئيس لم يعد محظوظاً مثلي تماماً، فبدلاً من ان ينصب الاهتمام على ما قاله في أول مقابلة للتلفزيون المصري، انشغلنا بهوية المحاور، واختياره لهذه المهمة خطأ، ما كان له ان يحدث لولا سوء الحظ الذي يحيط بالرئيس.. يبدو انها عين، والعين فلقت الحجر. صحافي من مصر |
|