مقال التمساح في الفن القبطي
في القرون الميلادية الأولى وأصوله الفرعونية واليونانية الرومانية
أ. بولين تودري
التمساح في العصر الفرعوني
كلمة تمساح في اللغة المصرية القديمة هي (مسحْ) msh، وقد تطورت إلى تمساح في اللغة العربية. (1)
وفي كتابات المصريين القدماء الدينية، نجد أن التماسيح تلعب دورًا متناقضًا:
- فنجد أن التمساح يُعبد باسم الإله "سوبك"، خاصة في كوم أمبو والفيوم، وإن كانت مومياوات التماسيح المحنطة التي ظهرت، تكشف عن عبادة التمساح في كل بقاع مصر. وأيضًا نجد أنه يمكن اصطياده ومطاردته.
- وكما نجد أن التمساح يمكن أن يُعبر عن الإله الصالح "أوزوريس"، فهو في نفس الوقت يُعبر عن أخيه الشرير "ست". وأيضًا يمكن أن يُمثل الإله "رع"، والإله "حب".
- وفي الوقت الذي يُظهر فيه المصريون القدماء رغبتهم في أن يتحولوا إلى تماسيح بعد الموت، نجد أن التمساح الذي يُمثل الشيطان، يلتهم أو يفني أرواح الأموات الذين لم يعيشوا حياة طاهرة أو فاضلة، ولذلك فهم محتاجون إلى تميمة أو تعويذة تحميهم من التماسيح في الحياة الأخرى (وهذه التميمة على شكل تماثيل صغيرة للتمساح). وفي قصة الملك خوفو والمجوس، نجد رجل ينتقم من رجل غشاش آخر، ارتبط بعلاقة آثمة مع زوجته، وذلك بعمل تميمة سحرية صغيرة من الشمع على شكل تمساح، والتي تتحول إلى الحجم الطبيعي للتمساح، حيث ينقض ويقتل هذا الرجل الغشاش. (2)
ويشير هيرودوت Herodotus إلى أن بعض المصريين القدماء يعتبرون التمساح مقدسًا، وآخرون يهاجمونه. أحيانًا يعاملونه بتكريم زائد ويقدمون له أسماك وأطعمة ثمينة، ويزينون رأسه بأقراط وقدميه بأساور وحلقان ذهبية مطعمة بحجارة ثمينة، ويروضون صغاره بلطف شديد، وبعد موته يطيبونه بأطياب ثمينة، هذا في مناطق طيبة والفيوم. وفي مناطق أخرى يتعاملون معه بشيء من الاشمئزاز الشديد، فلا يتركون فرصة يمكنهم فيها تدميره. (3)
ويُعتبر مركزًا عبادة التمساح باسم "الإله سوبك" في:
1- كوم أمبو، حيث يوجد معبد الإله سوب والإله حورس. (4)
2- الفيوم، في مدينة "shedyet" حيث كانت تسمى مدينة التمساح "crocodilpolis"، وبها أقدم بناء معروف باقي ينتمي إلى "الإله سوبك"، تم إنشاؤه في زمن الأسرة الثانية عشرة (1985-1795ق.م.) وتم ترميمه في عهد الملك رمسيس الثاني (1279-1213 ق.م.). وهذا البناء إزدهر جدًا في أواخر الدولة الوسطى حينما إتخذ عدد من حكام الأسرة الثالثة عشرة (1795-1650ق.م.) اسماءهم مرتبطة بالإله سوبك، مثل "سوبك حتب" (وهو اسم الميلاد لثمانية من ملوك الأسرة الثالثة عشرة)، و"وسوبك نفر" (وهو اسم آخر ملوك الأسرة الثانية عشرة). حيث أصبحت عبادة سوبك في الدولة الوسطى مشابهة في عظمتها لعبادة الإله آمون. وأيضًا عُبد التسماح على شكل "سوبك رع" كأحد مظاهر إله الشمس. (5)
وأغلب ما تبقى من آثار في هذا المكان (ويحتوي على معبد آخر، وبحيرة مقدسة، وبعض الحمامات) ترجع إلى العصر اليوناني الروماني (332ق.م.-395م)، حينما أصبحت مدينة "shedyet" عاصمة إقليم ارسينوي، حيث أصبح اقتران سوبك بالإله رع، يُعبر عن الإله "هيليوس" عند اليونان. وفي بدايات القرن العشرين الميلادي، غطى هذا الموقع مساحة حوالي 300 فدان، ولكن هذه المساحة تقلصت الآن بسبب الامتداد العمراني للمدينة من ناحية الجنوب والغرب. (6)
وقد إتخذ التمساح كشعار لستة من أقاليم مصر العليا. (7) ويصور "الإله سوبك" إما في شكل تمساح كامل واقف في الهيكل، أو في جسم إنسان وله رأس تمساح، كما في الصورة رقم [1] وهي عبارة عن: نقش على الحجر من معبد كوم أمبو تبين الآلهة تقود الملك إلى حضرة "الإله سوبك". (8)
وقد صور المصريون القدماء التمساح في المقابر الفرعونية في مناظر نيلية تجمع بين الحيوانات البرمائية الأخرى والنباتات، ويصور وهو يضع بيضه، ويفترس الصيادين، أو يصور راقدا في انتظار التهام صغائر "سيد قشطة" أو "فرس النهر". (9)
وقد وصف الرحالة القدماء مثل (Aelianus, Pliny, Plutarch) التمساح بصورة متفق عليها، بأنه يجلس على الرمل كسلان بلا عمل فاتح فكيه في الصباح، وبعد الظهر يتحول ناحية الغرب، وفي المساء يرجع إلى الماء، وهو عادة صامت. (10)
ويذكر هيرودوت أنه من بين طرق اصطياد التمساح، أن يضعوا قطعة لحم خنزير في سنارة (شص) ويلقونها على الماء، ثم يأتون بخنزير حي على الشاطئ ويضربونه حتى يصرخ. فيأتي على صوت صراخه نحو الشاطئ ليقتنصه، وإذ يجد قطعة اللحم يبتلعها، فيسحبونه بالسنارة نحو الشاطئ، وأول ما يفعلونه به هو أن يملأوا عينيه بالطين حتى يمكنهم السيطرة عليه.
ويرى Therenot أن البعض كانوا يحفرون بعض الحفر على الشاطئ ويغطونها بعصى، وإذ يسقط التمساح في إحداهما لا يقدر أن يخرج منها. ويتركونه لعدة أيام بلا طعام، وبعد ذلك يربطون فكه بحبال يعقدونها حوله ثم يقومون بسحبه. (11)
وقد كانت توجد آلة تمثل حربة على شكل سمكة لها لسانان، كثيرا ما توجد منقوشة على الآثار المصرية، هذه الحربة كانت عبارة عن عصا رفيعة طولها ما بين عشرة واثنتى عشرة ذراع، وبها ريش مزدوج في النهاية مثل السهم الحديث، ولها طرفان حادان طولهما حوالي قدمين يطوقهما سمكة. يدفع صياد السمك بها في نهر النيل وهو في قارب صغير مسطح بين قصب البردى ونبات اللوتس، عندما يرى فريسته التي بها زعانف، ويسحب الآلة بيده اليمنى ويحركها على شكل قوس بيده اليسرى. (12)
ويعتبر أبو قردان والنمس خطرا على التماسيح لأنهما مشهوران بأكل بيضه. (13)
أما "خليل التمساح"، فهو الطائر الصغير الذي يدر أن يقترب من التمساح، ويجد طعامه في فم التمساح وخلال أسنانه.