منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 03 - 06 - 2023, 04:28 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,406

دانيال النبي | رؤيا السبعين أسبوعًا






رؤيا السبعين أسبوعًا:

مقدمة:

لهذه الرؤيا أهميتها الخاصة عند اليهود كما عند المسيحيِّين، وقد اتفق الفريقان على أن اليوم هنا يُشير إلى سنة، والأسبوع إلى سبع سنوات. وكما جاء في سفر اللآويِّين: "تعد لك سبعة سبوت سنين، سبع سنين سبع مرات..." (لا 25: 8).
أما عن غاية هذه الرؤيا فيقول القديس جيرومأن تعليم اليهود السابقين لعصره يختلف عن تعليم المعاصرين له. فالأولون في اتضاعٍ اعترفوا أن هذه العبارة لا يمكن فهمها إلاَّ بمجيء المسيا. لكن من الملاحظ أن أغلب الحاخامات يرون في هذه الرؤيا أن العقوبة الإلهية تحل باليهود حتى بعد عودتهم من السبي. وفي رأيهم أن السبعين أسبوعًا تبدأ بخراب الهيكل السابق وتنتهي بدمار الهيكل الثاني في أيام تيطس. وأما بالنسبة للكنيسة المسيحية فمع اختلاف آراء المفسرين واللآهوتيِّين، لكن الكل يتفق أن مركز الرؤيا كله هو شخص السيِّد المسيح، كما سنرى في شرحنا لنصوص الرؤيا.
أولًا: غاية الرؤيا:

"سبعون أُسبوعًا قُضِيت على شعبك،
وعلى مدينتك المقدَّسة،
لتكْميل المعْصية وتتْميم الخطايا ولكفاَّرة الإثم،
وليُؤتى بالبرّ الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القُدُّوسين" [24].
حُددت هذه المدة (سبعون أسبوعًا) لتحقيق غرض خاص له ست نتائج، ثلاثة منها سلبية، والثلاثة الأخرى إيجابية، وقد تحققت هذه كلها فعلًا بمجيء السيِّد المسيح:
أ. تكميل المعصية، أي إزالتها من أمام عيني الله، وذلك بالكرازة بإنجيل الخلاص والتمتع بعطية الروح القدس التي وهبها الله لكنيسته في استحقاقات الدم الثمين، إذ صارت معصيتنا كأنها غير موجودة أمام الله. كان السبي تأديبًا عن معاصي إسرائيل ويهوذا، لكنه لم يكن قصاصًا عادلًا عنها، وليس للسبي القدرة على محو الخطية وإزالتها، لذا كانت هناك حاجة إلى ذبيحة الصليب، حيث يُقدم السيِّد المسيح نفسه كفارة عن خطايا العالم كله (1 يو 2: 1).
ب. تتميم الخطايا، وتترجم "إنهاء". إذ قدم السيِّد المسيح نفسه ذبيحة خطية مرة واحدة عن العالم كله، هذا الذي لا يوجد عيب في نفسه أو في جسده، وضع للخطية نهاية.
ج. لكفارة الإثم، وتعني ضمنًا أن الضرورة تقتضي تقديم ذبيحة للمصالحة أو الكفارة.
هذه هي النتائج السلبية حيث تُنزع لعنة المعصية والخطايا والإثم، هذه التي حجبتنا عن الله، ودخلت بنا إلى العداوة فصرنا في حاجة إلى مصالحة. الآن يحدثنا عن النتائج الإيجابية الثلاث.
د. جلب البرّ الأبدي الذي يجلب سلامًا دائمًا، حيث يأتي به المسيا ويُقدمه هبة إلهية، يُقدم نفسه برًا فنتبرر به. يؤتى إلينا بالبرّ من خارج طبيعتنا، إذ هو عمل الله فينا بالمسيا البار.
وإذ يعلق القديس أثناسيوس الرسولي على نبوة دانيال النبي في هذا الأصحاح يقول: [هذا هو السبب لكل نبواتهم، أعني إلى أن يأتي البار الحقيقي، ذاك الذي صار فدية عن خطايا الكل]. وكما يقول القدِّيس بولس الرسول: "المسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرّ وقداسة" (1 كو 1: 30). إذ نقل مونتجمري الذي تَبَنَّى آراء النقاد الحديثين بعض آراء علماء اليهود في تفسير هذه النبوة ذكر بأن الحاخام موسى هادرشان Haddershan يقول: "البرّ الأبدي هو الملك المسيا".
ه. الختم على الرؤيا والنبوة، حيث تتحقق نبوات العهد القديم والرؤى الواردة فيه بمجيء المسيا، والإعلان عن شخصه وعمله الفدائي ومجده الأبدي. لقد تمتع دانيال وغيره من الأنبياء برؤى ونبوات لحساب شعب الله، لكنه يأتي وقت لا تكون هناك حاجة إلى ذلك، حيث يحل كلمة الله نفسه في وسطنا، ويتحدث معنا فمًا لفمٍ.
وكما يقول البابا أثناسيوسأنه متى جاء السيِّد المسيح لم تعد هناك حاجة إلى النبوات والرؤى عند اليهود.
[لأنه متى توقفت النبوة والرؤيا عن إسرائيل إلاَّ عندما جاء المسيح، قدوس القدِّيسين؟
فإن هذه علامة وبرهان قوي على مجيء كلمة الله أن أورشليم لا تقف بعد، ولا يقوم بعد نبي، ولا تُعلن لهم رؤيا، هذا أمر طبيعي جدًا. لأنه ما قد عُني به قد جاء، فما الحاجة بعد إلى أية إشارة إليه؟ إذ جاء الحق، أية حاجة بعد إلى الظل...؟
هكذا إذ جاء قدوس القدِّيسين بالطبيعة يُختم على الرؤية والنبوة وتنتهي مملكة أورشليم.
كان الملوك يُمسحون من بينهم فقط حتى جاء قدوس القدِّيسين الذي مُسح. يتنبأ يعقوب عن مملكة اليهود أنها تتأسس إلى مجيئه، إذ قيل: "لا يزول حاكم (قضيب) من يهوذا، وأمير (مشترع) من بين رجليه حتى يأتي (شيلون)، والذي تتوقعه الأمم" (راجع تك 49: 10). وصرخ المخلص نفسه قائلًا: "الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا" (مت 11: 13؛ لو 16:16). لو أنه وُجد الآن بين اليهود ملك أو نبي أو رؤيا لكانوا حسنًا ينكرون أن المسيح قد جاء].
و. مسح قدوس القدِّيسين، إذ قدَّس ذاته لأجلنا، مقدمًا نفسه رئيس كهنة وذبيحة فريدة وشفيعًا عنا. وكما يقول السيِّد المسيح في صلاته الوداعية: "لأجلهم أُقدس أنا ذاتيّ ليكونوا هم مُقدّسين في الحق" (يو 17: 19). كأن لا غاية له سوى الدخول بكل نفس إلى الأمجاد الأبدية، والتمتع بالميراث السماوي. وفي ترجمة أخرى "مسح قدس الأقداس"، أي مسح المكان الكلي القداسة، أي أقدس موضع في الهيكل.
لاحظ القديس جيروم أن الله يقول لدانيال النبي: "شعبك، مدينتك المقدسة" ولم يقل: "شعبي، مدينتي المقدسة"، ذلك لأن الله قد طلَّق شعبه، ورفض مدينته بسبب معاصيهم. هكذا تحدث الله مع موسى النبي حينما كان الشعب مُصرًّا على الخطية. ولعلَّه هنا يُعلن الله لدانيال الذي يُحب شعبه اليهودي ومدينة أورشليم، أنه إذ سيأتي السيِّد المسيح ويحقق الخلاص، لا تقبله خاصته، ولا تؤمن به، فيصير شعبًا مرفوضًا، ومدينة تحت التأديب!
ثانيًا: مراحل السبعين أسبوعًا الثلاث:

"فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع،
واثنان وستون أُسبوعًا يعود ويُبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة.
وبعد اثنين وستين أُسبوعًا يُقطع المسيح، وليس له وشعب.
رئيس آتٍ يَخرب المدينة والقُدس وانتهاؤُه بغَمارةٍ وإلى النهاية حرب وخُرب قُضي بها.
ويُثبِّت عهدًا مع كثيرين في أُسبوع واحدٍ،
وفي وسط الأُسبوع يُبطل الذبيحة والتقدمة،
وعلى جناح الأرجاس مُخرَّب حتى يتم ويُصَبَّ المَقْضي على المُخرِب" [24-27].
لقد حدد الله وقتًا معينًا لمجيء كلمة الله المتجسد إلى العالم، وبحكمة فائقة حدد الساعة التي يولد فيها المسيا، واللحظة التي فيها يُقدم حياته كفارة عن خطايا العالم، فإن مجيء السيِّد وعمله الخلاصي هما في عينيْ الله مركز التاريخ، وعصب العناية الإلهية، وإكليل النعمة. لا يحدث شيء مصادفة، بل يتم كل شيء في دقة عجيبة. لقد أكد الكتاب المقدس مجيء المخلص في ملء الزمان في أواخر الدهور.
جاءت هذه النبوة أشبه بكوكب مضيء في وسط أحزان المسبيِّين الذين يعانون من ظلمة الحزن القاتل. لقد فهم كثيرون النبوة، حتى أنه عندما جاء كان هناك توقعًا عامًا بين اليهود عن مجيء المسيا. كان الرجال والنساء القديسون يدرسون النبوات باجتهاد، وكانوا يترقبون مجيء المخلص. كان سمعان الشيخ ينتظر تعزية إسرائيل، وحنة تترقب الخلاص في أورشليم مع غيرها ممن حملوا نفس فكرها. ليس فقط اليهود، بل والسامريُّون كانوا يتوقعون قرب مجيئه كما يظهر من حديث المرأة السامرية: "أنا أعلم أن مسيا الذي يُقال له المسيح يأتي" (يو 4: 25). حتى بين الأمم كان يترقب البعض مجيئه كما حدث مع المجوس الذين رأوا نجمه.
قدم العلامة ترتليانفي مقاله "An Answer to the Jews" فصل 8 عرضًا تفصيليًا كيف تحققت هذه النبوة بدقة بميلاد السيِّد المسيح وآلامه وخراب أورشليم.
* بخصوص هذه النقطة (مجيء السيِّد المسيح)، فان آراءهم تُفند بالأكثر لا بأيدينا نحن، بل بتلك التي للحكيم جدًا دانيال، الذي حدد كلًا من التاريخ الفعلي لمجيء المخلص وحلوله الإلهي بيننا، إذ قال: "سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك..." ربما بالنسبة للنبوات الأخرى يمكنهم أن يجدوا أعذارًا وأن يرجئوا ما هو مكتوب إلى المستقبل. لكنهم ماذا يستطيعون أن يقولوا عن هذه (النبوة)، أو كيف يمكنهم أن يواجهوها تمامًا؟ فإنها ليست فقط تُشير إلى المسيح، بل تُعلن أن ذاك الذي يُمسح ليس إنسانًا مجردًا بل قدوس القديسين، وأن أورشليم تثبت إلى حين مجيئه، وعندئذ تتوقف النبوة والرؤيا في إسرائيل .
القديس أثناسيوس الرسولي
يُعلق نيافة الأنبا ديسقورس على هذا الأصحاح قائلًا بأنه نظرًا لدقة ووضوح هذا الأصحاح في تحديد زمن صلب السيِّد المسيح بعد تجسده، فقد قام اليهود باستبدال تعبير "مسح قدوس القديسين" إلى "تدشين قدس الأقداس" وذلك في النسخة المتداولة عندهم باسم الماسوريتك Masoretic والتي يُرجعون تاريخها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، حتى تبدو النبوة أنها خاصة بمكان وليس بشخصٍ، بل وضمُّوا سفر دانيال إلى قسم الكيتوبيم الذي يحتوي على الأسفار التاريخية والمزامير وكتب الحكمة السماوية لكي لا يُحسب من الأسفار النبوية. هذا نادى به بعض الدارسين.
ويعلق القمص بيشوي كامل على هذه النبوة بقوله: [والحقيقة أن هذه الحسابات أعطت الفرصة لليهود لمعرفة ميعاد مجيء المسيح بالتقريب. لذلك يقول معلمنا لوقا الإنجيلي:"... مع المنتظرين تعزية إسرائيل،... فداء أورشليم" (لو 2: 25، 38). بل قال بعضهم: "إن ملكوت الله سيظهر في الحال" (لو 19: 11). لذلك أصبح اليهود بلا عذر في تحديد ميعاد مجيء السيِّد المسيح].
ثالثُا: ما هو معنى الأسبوع؟

جاءت كلمة "أسبوع" هنا في العبرية "شبوع Shabua"، المشتقة من "seba" لا بمعنى سبعة أيام، بل وحدة من سبعة. وقد جاء الجمع للكلمة "شبوعيم Shabu’im" وهي ليست الجمع المؤنث المعتاد لكلمة أسبوع، من ثم فهي تعني سبعات أو فترات من سبعة(234). وقد أجمع علماء ومفسرو اليهود والمسيحيِّين في تفسيرهم لهذه النبوة، مع اختلاف اتجاهاتهم، على أن عبارة "سبعون أسبوعًا" تعني سبعين وحدة من سبعات، وهي بهذا تعني سبعين أسبوعًا من السنين. رأى غالبية المفسرين أن هذه الفترة تبدأ فيما بين 457 و445 ق.م. وتنتهي فيما بين 26 و70 م.
رابعًا: المراسيم الخاصة بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل وأورشليم:

صدرت ثلاثة مراسيم أو أوامر ملكية خاصة بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل وأورشليم:
المرسوم الأول: أصدره كورش عام 538 ق.م. أو 537 ق.م، بعد استيلائه على بابل (إش 44: 8؛ 45: 1؛ عز 1: 1-2؛ 2 أي 36: 22-23). بدأت العودة الأولى تحت قيادة زربابل، وبدأ ترميم المذبح وإعادة تنظيم العبادة، لكن قاومهم الأعداء. وفي عهد داريوس الأول بُحث عن مرسوم كورش وأمر الملك بالاستمرار في العمل (من سنة 520 إلى 515 ق.م). يليق بنا أن نلاحظ أن كورش أصدر أمرًا ببناء الهيكل فقط، لكنه لم يصدر أمرًا بتجديد مدينة أورشليم وبنائها. يقول دانيال النبي أنه من صدور الأمر بتجديد أورشليم وبنائها، وهو غير صدور الأمر ببناء الهيكل. فيوجد بين الأمرين فرق عظيم، فكورش رأى أن لا مانع من جواز مساعدة اليهود على بناء الهيكل سياسة منه، لكنه رأى أن مساعدتهم على بناء المدينة وإعادة حصونها خطر عليه. فبناء الهيكل يُعتبر نهاية مدة السبي وهي 70 سنة. وقد ذُكر في سفر (عز 1: 2-3) أمر الملك: "هكذا قال كورش ملك فارس: جميع ممالك الأرض دفعها ليّ الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا. مَنْ منكم مِن كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل. هو الإله الذي في أورشليم". لم يذكر في هذا الأمر كلمة عن تجديد المدينة وبنائها.
المرسوم الثاني: أصدره الملك ارتحشستا الأول Artaxerxes I (464-424ق.م.) عام 457 ق.م. وحمله عزرا الكاهن والكاتب (عز 8) بعد حوالي 80 عامًا من العودة الأولى. سمح المرسوم للراغبين من اليهود أن يعودوا إلى أورشليم (عز 7: 13)؛ وتنظيم القضاء وتطبيق شريعة موسى (عز 7: 7)، وترتيب الأمور المالية الخاصة بالهيكل (عز 7: 15، 20). كان اهتمام عزرا هو إعادة بناء الشعب نفسه أخلاقيًا وروحيًا (دا 7: 9). لقد أُعطيَ الحق في تجديد بناء الهيكل وإقامة الأسوار، إذ قال: "لأننا عبيد نحن وفي عبوديتنا لم يتركنا إلهنا، بل بسط علينا رحمة أمام ملوك فارس ليُعطينا حياة لنرفع بيت إلهنا ونُقيم خرائبه وليعطينا حائطًا في يهوذا وفي أورشليم" (عز 9: 9). للأسف لم يُقدم التاريخ لنا شيئًا عما حدث من إصلاحات خاصة بالبناء، لكن واضح أن عزرا قام بالإصلاح الأخلاقي والروحي ولم يستطع القيام ببناء الأسوار ولا تجديد المدينة. هذا ما يظهر مما قاله فيما بعد حناني لنحميا: "هناك في البلاد هم في شرٍ عظيمٍ وعارٍ، وسور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار" (نح 1: 3). واضح من تصرف نحميا في نفس الأصحاح أنه لم يكن متوقعًا أن يكون حال أورشليم هكذا، ربما لأنه كان يتوقع أن عزرا ومن معه قاموا بتجديدات في المدينة وبناء الأسوار .
المرسوم الثالث: أصدره ارتحشستا الأول في نيسان من السنة العشرين لملكه (مارس/ إبريل 445 ق.م.)، حمله نحميا، ساقي الملك (نح 1: 11)، وقام نحميا ببناء سور أورشليم وبناء المدينة إذ يقول للملك: "إذا سُرّ الملك، وإذا أحسن عبدك أمامك ترسلني إلى يهوذا، إلى مدينة قبور آبائي فأبنيها" (نح 2: 5).
خامسًا: حسابات المراحل الثلاث:

طالب دانيال النبي -بإيمان- أن يحقق الله مواعيده، وهي عودة الشعب بعد سبعين عامًا من السبي؛ فإذا بالله يُقدم له ما هو أعظم، يتحقق لا بعد 70 سنة بل بعد سبوتها (70 × 7=490 سنة)، فيتمتع هو وكل البشرية بسبتٍ جديد، وراحة فائقة وبرّ الله، وهيأها لها عبر الأجيال، واشتهاها الآباء والأنبياء وهي رجوع البشرية إلى الله خلال عمل الله الخلاصي. وذلك بتجسد الكلمة وتقديم ذاته كفارة عن خطايا العالم. لقد حدد موعد مجيء هذا المخلص وصلبه كما كشف عن أحداث مجيئه الأخير.
* تقف هذه العبارة هكذا، إذ تمسّ عجائب كثيرة...
واضح أن العبارة تتحدث عن مجيء المسيح الذي كان يجب أن يعلن عن نفسه بعد سبعين أسبوعًا. ففي وقت المخلص، أُزيلت المعاصي وانتهت الخطايا، ومُحيت خلال المغفرة الآثام مع المعاصي بالكفارة، وكُرز بالبرّ الأبدي الذي يختلف عن برّ الناموس، و(توقفت) الرؤى والنبوات إلى يوحنا، ومُسح الكلي القداسة. فإن هذه الأمور لم تتحقق قبل مجيء المخلص، بل كانوا يترجُّونها.
يعلمنا الملاك أن بداية الأعداد، أي السبعين أسبوعًا التي هي 490 عامًا، تبدأ بالأمر الصادر بالبدء في بناء أورشليم (كاستجابة لطلب المسبيِّين). هذا حدث في السنة العشرين من ملك ارتحشستا ملك فارس. فقد سأله نحميا واستلم الإجابة أنه يلزم بناء أورشليم... كان ذلك في السنة 115 من الإمبراطورية الفارسية والسنة الرابعة من الدورة 83 من الأولمبي، والسنة العشرين من ارتحششتا نفسه.
إلى هذا التاريخ، حيث السنة الثانية من الدورة 202 للأولمبي، والسنة 16 من ملك طيباريوس قيصر (حيث صُلب السيِّد المسيح)، تكون المحصلة 475 سنة، وهي تُقابل 490 سنة بالحساب اليهودي، حيث يحسبون السنة حسب دورة القمر. هذا أمر يسهل بيانه، إذ تتكون السنة عندهم من 354 يومًا بينما تتكون السنة الشمسية من 365 يومًا وربع، فإن السنة الأخيرة تزيد في ال12 شهرًا حسب دورة القمر 11 يومًا وربع...

الأب يوليوس أفريكانوس
[ما بين السنة الرابعة للدورة الأوليمبية 83 والسنة الثانية من الدورة 202 حيث تُقام الدورة كل 4 سنوات تكون المحصلة 475 سنة شمسية، وهي توازي 490 سنة قمرية].
وقد أورد القديس جيروم رأي الأب يوليوس أفريكانوس Julius Africanus فيتفسيره لهذه الرؤيا.

وقد قُسمت المدة هكذا:

أولًا: 7 أسابيع، أي 7×7=49 عامًا، وهي الفترة ما بين صدور الأمر بإصلاح الهيكل وبناء السور بواسطة منشور أرتحشستا الأول في 14 نيسان (مارس - إبريل) سنة 445 ق.م، وتعيين نحميا واليًا على أورشليم، وانتهت الفترة بسنة 397 أو 396 ق.م. حيث مات نحميا في أيام ملاخي النبي. فالسبعة أسابيع (أي 49 سنة) هي مدة تجديد أورشليم وبنائها، لأنها كانت أطلالًا بالية. ولا شك أن نحميا صرف هذه المدة في بناء أورشليم، وكان آخر عمله في ولايته على أورشليم هو تنظيم أحوال الأمة الإسرائيلية وإصلاح شؤونها. لقد تعين نحميا واليًا على اليهودية ولم يكمل تجديد أورشليم إلاَّ في مدة ولايته للمرة الثانية. ففي المرّة الأولى استمر 12 سنة واليًا على اليهودية، وذلك لأن أرتحشستا أصدر إليه أمرًا ببناء أورشليم، وعيّنه واليًا عليها. وفي السنة الثانية والثلاثين رجع إليه نحميا، ثم استأذن من الملك ليرجع إلى أورشليم (نح 13: 6-7) فصرّح له. ولا يخفى أن نحميا عمّر طويلًا، فإذا كان عمره لما شرع في تجديد أورشليم 30 سنة، وصرف 49 سنة في بنائها، كان عمره 79 سنة، وقد قال المؤرخ يوسيفوس أنه كان هرِمًا.
يُقدم البعض حسابًا لبناء الهيكل خلال 49 عامًا كالآتي: لقد سمح كورش للشعب أن يبني الهيكل، فوضعوا الأساسات في ثلاث سنوات عندما ذهب كورش إلى الحرب في سكيثيا Scythis، لكن اضطر اليهود إلى التوقف عن البناء في أيام خليفته كمبيز Cambyses الذي كان معاديًا لهم. وإذ سُمح لهم بالبناء تمموا ذلك في 46 عامًا في هذه الفترة (3 + 46 = 49 سنة) تم إصلاح أورشليم وكذا حال الشعب اليهودي دينيًا ومدنيًا بواسطة عزرا ونحميا.
ثانيًا: 62 أسبوعًا (62 × 7 = 434 عامًا). هذه الفترة التي تبلغ أربعة قرون تمثل أظلم فترات الشعب روحيًا، إذ لم يوجد فيها أنبياء إلى ظهور القدِّيس يوحنا المعمدان. فحُسبوا بحق جالسين في الظلمة حتى يشرق عليهم شمس البرّ بصليبه.
* بعد عودة الشعب من بابل تحت قيادة يشوع بن يهوصاداق وعزرا الكاتب وزرُبابل بن شلتيئيل من سبط داود (وتجديد أورشليم وبنائها) يوجد 434 عامًا حتى مجيء السيِّد المسيح حيث يظهر كاهن الكهنة للعالم، ويقوم بوضوح ذاك الذي ينتزع الخطية من العالم كما يقول يوحنا عنه: "هوذا حمل الله الذي يحمل خطية العالم". ولكن من هو هذا الذي يمحي معاصينا؟ يُعلمنا بولس الرسول، قائلًا: "هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا" (أف 2: 14)؛ وعندئذ "يمسح صك خطايانا الذي علينا" (كو 2: 14).
توجد 434 سنة ما بين عودة الشعب من بابل (وتجديد أورشليم وبنائها) ووقت ميلاد السيِّد المسيح. هذا يمكن إدراكه بسهولة.
القديس هيبوليتس الروماني
في هذه الفترة تم حدثان هامان:
الحدث الأول هو ظهور أنطيوخس إبيفانُس (167-164 ق.م) الذي يُعتبر "ضد المسيح" في العهد القديم، هذا الذي أوقف تقديم ذبيحة المحرقة الدائمة لمدة ثلاث سنوات ونصف، وأقام كهنة اليونانيِّين الذين أدخلوا عبادة الآلهة اليونانية ودنّس الهيكل بدم خنزير وقتل الآلاف من اليهود، ولكن المكابيِّين تصدّوا له حتى تمَّ تحرير الهيكل وعودة المحرقة.
أما الحدث الثاني وهو في أيام الإمبراطورية الرومانية حيث ملك هيرودس الكبير، وقد أراد أن يكسب رضا اليهود، فبدأ ببناء الهيكل الجديد حوالي سنة 20 ق.م. واستغرق بناؤه 46 عامًا؛ وكان قد وسَّع أرض الهيكل إلى ضعف المساحة تقريبًا.
إذ جاء في [27] أن إبطال الذبيحة الحيوانية في وسط الأسبوع، أي في وسط الأسبوع الأخير من الـ69 أسبوعًا فيعني هذا أن الصلب يتم في الأسبوع 68.5، أي بعد (68.5 × 7) 479.5 عامًا من صدور المنشور بالعمل بتجديد الهيكل بواسطة نحميا (عام 445 ق.م)، بهذا يكون الصلب بعد 33 سنة ونصف من الميلاد وهذا تحقق، إذ صُلب السيِّد المسيح وهو في هذا السن. أما نهاية الأسبوع الأخير فيكون بعد الصلب بحوالي 35 عامًا (3.5 يومًا)، أي حولي سنة 70 م. حيث نُقض الهيكل تمامًا على يد تيطس الروماني.
يرى بعض الدارسين أن صلب السيِّد المسيح قد جاء بعد 483 عامًا (7 + 62 = 69 × 7 = 483) من صدور منشور أرتحشستا السابق ذكره. لأن الصلب تم في إبريل سنة 30م، فإن كان المنشور صدر سنة 445 ق.م. فالفارق هو 445 ق.م. + 30 = 475 سنة وليس 483 أي يوجد فارق 8 سنوات. والسبب في هذه الثماني سنوات هو أن السنة في الكتاب المقدس تحسب 360 يومًا وليس كالسنة الفلكية أو اليوليانية 365 يومًا وربع. فالخمسة أيام وربع في السنة يسبب فارقًا قدره 8 سنوات. بهذا تحقق مجيء المسيا الرئيس بعد 69 أسبوعًا (69 × 7 = 483 عامًا) تمامًا، وذلك بحساب السنة كما جاء في الكتاب المقدس .
يرى Gleason L. Archerأن الـ69 سنة رمزية (483 سنة) تُحسب من المرسوم الثاني، أو المرسوم الأول بالنسبة للملك ارتحشستا الأول عام 457 ق.م. الذي حمله عزرا الكاتب للبناء، وإن كان لم يتحقق البناء إلاَّ بواسطة نحميا. فإن طرحنا 483 من 457 ق.م يتبقى 26، وحيث لا توجد سنة تعادل الصفر يُضاف رقم 1 إلى 26 فيكون الموعد هو 27م. وإذ عُرف أن السيِّد المسيح صُلب عام 30 م، فإنه يكون قد بدأ خدمته وعماده عام 27 م. بهذا تحققت النبوة بدقة.
يرى آخرون أن السنة العشرين من أرتحشستا هي سنة 454 ق.م. حسب تحقيقات العلاّمة هنجستنبرج و"أشر". فإذا طرحنا هذه المدة من حاصل ضرب 69 أسبوعًا في 7(483 سنة ميلادية)، وهي المدة التي قال عنها النبي دانيال في آية 25، كان الباقي حوالي 29 سنة ميلادية، وهي بداية خدمة السيِّد المسيح، أو دعوته إلى طريق الخلاص، فإنها الغاية المقصودة بالذات، لأن النقطة المهمة في تواريخ الملوك والسلاطين هي أوائل حكمهم وعملهم، وليس مولدهم، لهذا راعي النبي دانيال هذه النقطة المقصودة بالذات.
هكذا يرى الكثيرون أن هذه الفترة الثانية تنتهي بعماد السيِّد المسيح وبدء كرازته بإنجيله، لتأتي الفترة الثالثة حيث يُقدم السيِّد المسيح ذبيحته في وسط الأسبوع أي بعد ثلاث سنوات ونصف من خدمته، فتبطل الذبائح الحيوانية.
ثالثًا: الأسبوع السبعون، أو الأسبوع الأخير.

"ويثبت عهدًا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يُبَطّلُ الذبيحة والتقدمة..." [27].
يوجد رأي أو تأمل في تفسير هذه الآية بأن هذا الأسبوع يُشير إلى أسبوع الآلام بأيامه السبعة حيث دخل السيِّد المسيح إلى الهيكل يوم الأحد (العاشر من نيسان) كحمل وأخرج الخراف التي كانت ترمز إليه، وظل يبيت في بيت عنيا كأنه تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر (الخميس) حيث عمل الفصح الأخير مع تلاميذه وأبطله، وكان العشاء حيث قدم لتلاميذه ذبيحة العهد الجديد بجسده ودمه المتحولان من الخبز والخمر كطقس ملكي صادق كنبوة داود النبي في المزمور. فتُشير الخمسة الأيام الأولى إلى خمسة آلاف عام (تقريبًا) التي كانت تقدم فيها الذبائح الدموية التي كانت ترمز إليه، ثم اليومان الباقيان من الأسبوع إلى ألفي عام، وبذلك يتحقق قول بطرس الرسول حينما يتكلم عن مجيء السيِّد المسيح الثاني للدينونة قائلًا "ولكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يُحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.. إلخ" (2 بط 3: 8-10).
يرى البعض أن الـ69 أسبوعًا قد انتهت بتقديم السيِّد المسيح نفسه ذبيحة حب فريدة، والآن تنتقل بنا رؤيا دانيال إلى نهاية العالم، وهي مدة السبع سنوات الأخيرة التي خلالها يأتي ضد المسيح ليملك ثلاثة سنوات ونصف حيث الضيقة العظيمة التي قال عنها السيِّد المسيح: "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي في المكان المقدس. ليفهم القارئ. فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيت شيئًا... لأنه يكون حينئذٍ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون. ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقّصر تلك الأيام (مت 24: 15-21). وقد تحدث بعد ذلك عن مجيئه الأخير.
تحدث عنها أيضًا دانيال في موضع آخر: "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" (دا 12: 1). وفي إرميا: "آه لأن ذلك اليوم عظيم وليس مثله، وهو وقت ضيق على يعقوب ولكنه سيخلص منه" (إر 30: 7)؛ وجاء في صفنيا: "لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم في يوم غضب الرب بل بنار غيّرته تؤكل الأرض كلها" (صف 1: 18).
وجاء في سفر الرؤيا: "هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف" (رؤ 7: 14). جاء وصف فترة الضيق هذه في (رؤ 6: 15؛ 11: 1-14؛ 12: 6-17).
* ببسط يديه يعني آلامه، وبالإشارة إلى زمان وزمانين ونصف زمان يُشير إلى الثلاث سنوات ونصف لضد المسيح... وهي الـ1290 يومًا التي تنبأ عنها دانيال لإنهاء الألم وتحقيق التشتيت عندما يأتي ضد المسيح.
القديس هيبوليتس الروماني
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
رأى أن الفترات متتابعة وأن السبعين أسبوعًا تمت
لست أظن أن تقسيم السبعين أسبوعًا جاء جزافًا
دانيال النبي | مراحل السبعين أسبوعًا الثلاث
دانيال النبي | آراء أُخرى بخصوص السبعين أسبوعًا
دانيال النبي | رؤيا الكبش


الساعة الآن 11:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024