منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 21 - 09 - 2022, 05:37 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

الأحد الحادي والثلاثون من السنة:
توبة زَكَّا العشّار (لوقا 19: 1-10)





الأحد الحادي والثلاثون من السنة: توبة زَكَّا العشّار (لوقا 19: 1-10)





في إنجيل الأحد (لوقا 19: 1-10) ينفرد لوقا في رواية زكا العشار للتركيز على موضوع التوبة مُبيّنا أهميتها في الحياة المسيحية، فهي نقطة انطلاق بشارة المسيح " توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات". ولقد جاء يسوع ليبحث عن الهالك فيخلصه؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

اولا: وقائع النص الإنجيلي (لوقا 19: 1-10)

1ودَخَلَ أَريحا وأَخَذَ يَجتازُها.

تشير عبارة " أَريحا " ירִיחוֹومعناها "مدينة القمر (ירח) او "مكان الروائح العطرة " (ריח) الى مدينة اشتهرت ببساتين النخيل والبلسم كما يذكر المؤرِّخ يوسيفوس فلافيوس، وكانت تقع على الطريق الرئيسي بين يافا واورشليم وشرقي الأردن من ناحية، وعلى الطريق من الغور او نابلس الى اورشليم من ناحية أخرى؛ وتبعد نحو 27 كم شمال شرقي اورشليم في "تلول أبو علائق" الواقعة نحو 2 كم غربي أريحا الحديثة عند مدخل وادي القلط. وكانت أريحا آنذاك المحطة الأخيرة قبل أورشليم. وقد كشف علماء الآثار في "تلول أبو العلائق" عن قصر هيرودس الكبير حيث وجدت هناك منازل مترفة شبيهة بالمنزل الذي كان يملكه زكا (19: 1-9). وفي العصر الروماني كانت فرقة من الكهنة تسكن أريحا، ولا بد أنهم كثيرا ما كانوا يسافرون في الطريق الموصل من اورشليم الى اريحا كما ورد في مثل السامري الرحيم (لوقا 10: 30-31). وقد أعاد يسوع البصر الىبَرطيماوُس الأعمى في اريحا (مرقس 10: 46). والتقى المسيح في زكا، جابي الضرائب، في اريحا وقد تاب زكا ورجع الى الرب بعد زيارة يسوع له في بيته.

2فإِذا رَجُلٌ يُدْعى زَكَّا وهو رئيسٌ للعَشَّارينَ غَنِيٌّ

تشير عبارة " زَكَّا " في اليونانية Ζακχαῖοςالى الفظة العبرية זַכַּי وهو تصغير زكرياזְכַרְיָה، أي الله يتذكر؛ يرى البعض أنَّ كلمة زكا باللغة العبرية זַכַּיمشتقة من كلمة זָכַך ومعناها النقي أو الطاهر او المُزكّى ، أي طهر وصلح وتبرّر، وزكا يُمثل الأمم المتنصرين الذين تبرَّروا بدم السيد المسيح؛ أما عبارة " رئيسٌ للعَشَّارينَ" ἀρχιτελώνης ومعناها مأمور الضرائب فتشير الى ان زكا كان يتولى الإشراف علىجُبَاة الضرائب في منطقة اريحا، وقد اشترى امتياز جمع الضرائب فيها من الحكومة الرومانية وأوكل جمع الضرائب لعدد من الجُبَاة تحت إشرافه. لهذا كان غنياً كبيراً؛ أمَّا عبارة “العشارون" فتشير الى طائفة الجبأة الذين يجمعون من المواطن عشر دخله الأساسي وكانوا يستوفون أكثر من الجزية المقررة ويأخذونها لأنفسهم كما يؤكد يوحنا المعمدان في نصائحه لهم" لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم" (لوقا 13:3). ولذلك كرههم اليهود وأسموهم لصوصًا.

3قد جاءَ يُحاوِلُ أَن يَرى مَن هُوَ يسوع، فلَم يَستَطِعْ لِكَثَرةِ الزِّحَام، لِأَنَّه كانَ قَصيرَ القامة،

تشير عبارة "جاءَ يُحاوِلُ أَن يَرى مَن هُوَ يسوع" الى رغبة زكا في رؤية يسوع. وقد كلفه هذا الشوق الداخلي كثيراً، إذ لم يكن سهلًا على رجل ذي مكانة كرئيس للعشارين أن يتسلق جميزة كصبيٍ، ويراه الجمهور عليها.

4فتقدَّمَ مُسرِعاً وصَعِدَ جُمَّيزَةً لِيرَاه، لأَنَّه أَوشكَ أَن يَمُرَّ بِها.

تشير عبارة "تقدَّمَ " الى فضول زكا، ولكن يسوع اعتبر هذا الفضول بداية الإيمان؛ اما عبارة "مُسرِعاً" فتشير الى تجاوب زكا الفوري فهو أسرع ونزل، فالتأجيل قد يضيع فرصة الخلاص لان كانت رحلة يسوع الأخيرة الى اورشليم؛ أما عبارة "جُمَّيزَةً " في اللغة اليونانية συκομορέαν في العبرية שִׁקְמָה فتشير الى شجرة كبيرة جداً، لكن اغصانها السفلى قليلة الارتفاع سهلة التسلق عليها. وتنمو في غور الأردن (مزمور 78: 47). وكان عاموس النبي "واخِزُ جُمَّي" (عاموس 7: 14)؛ وشجرة الجميز ثمارها رخيصة وخشبها قليل الجودة (اشعيا 9: 10)، وتشير للأمور الزمنية التافهة، ومن هنا لا يمكن أن نعاين المسيح ما لم نسمو فوق الأمور الزمنية أي المال والطمع والظلم.

5فلَمَّا وصَلَ يسوعُ إلى ذلكَ المَكان، رَفَعَ طَرْفَه وقالَ له: ((يا زَكَّا انزِلْ على عَجَل، فيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ)).

تشير عبارة"زكا" الى استخدام يسوع اسمه ليشير لمعنى خاص، وهو النقي والمُزكّى، إذ سامحه المسيح عن خطاياه؛ اما عبارة " أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ " فتشير الى تلبية يسوع لرغبة زكا بطريقة غير عادية بان جعل نفسه ضيفا على زكا، واقام في بيته ولم تكن زيارته عابرة. فقد أحبه يسوع بلا قيد أو شرط بالرغم من انه مخادع وخارج عن جماعة اليهود.

6فنزَلَ على عَجَل وأَضافَه مَسروراً.

تشير عبارة "أَضافَه " إلى استضافة زكا للسيد المسيح، وهي ترمز إلى انفتاح قلب زكا وبيته الداخلي لسكنى الرب فيه. فرغبة الرب لا تكمن في أن نعاينه ونتبعه أينما وُجد فحسب، وإنما أن نفتح قلوبنا له ليدخل فيها ويعلن خلاصه. كما أراد يسوع أن يدخل بيت زكا وكافة بيوت العشارين والخطأة، كذلك يريد أيضا أن يفتح بصيرتنا لكي نفتح بيوتنا الداخلية مع زكا فيملك فينا، ونملك نحن به ومعه وننعم. اما عبارة" مَسروراً" فتشير في اللغة اليونانية χαίρω الى الفرح العظيم، وهو موقف بعيد عن موقف الفريسيين وتذمّرهم.

7فلمَّا رَأوا ذلك قالوا كُلُّهم متذَمِّرين: ((دَخَلَ مَنزِلَ رَجُلٍ خاطِئٍ لِيَبيتَ عِندَه! ))

تشير عبارة "متذَمِّرين" الى الملامة التي واجّهها اليود ليسوع لدخوله الى بيت خاطئ، وذلك مراعاة لكرامته "كرابي" ومعلم علماً ان جامع الضرائب يعتبر عند اليهود شخصية مكروهة وخائنة لتعاونه بابتزاز أموال مواطنيه اليهود لمصلحة الدولة الرومانية المحتلة؛ أما عبارة "دَخَلَ مَنزِلَ رَجُلٍ خاطِئٍ" فتشير الى الأفكار المتداولة عند اليهود، وهي ان معاشرة الخاطئين تؤدي الى النجاسة (لوقا 5: 30). "ويعلق احد الآباء القديسين "كان يليق باليهود أن يفرحوا بدل ان يتذمروا، لأن زكا قد خلص بطريقة عجيبة، إذ حُسب هو أيضًا أحد أبناء إبراهيم الذي وعده الله بالخلاص في المسيح".

8فوَقَفَ زَكَّا فقال لِلرَّبّ: ((يا ربّ، ها إِنِّي أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَموْالي، وإِذا كُنتُ ظَلَمتُ أَحداً شَيئاً، أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف)).

تشير عبارة "فوَقَفَ زَكَّا فقال " الى خطورة التصريح الذي كان مُزمعا ان يدلي به نتيجة اتصاله الشخصي بيسوع المسيح؛ اما عبارة "أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَموْالي" فتشير الى تبدُّل زكا على مستوى المحبة حيث يقاسم أمواله مع الفقراء وهي عملية نفَّذها لساعته ؛ اما عبارة " أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" فتشير الى تبدُّل زكا على مستوى العدالة أذ سيَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" الامر الذي يتجاوز ما تقتضي الشريعة اليهودية التي تنص" إِن وُجِدَتِ السَّرِقَةُ في يَدِه حَيَّةً مِن ثَورٍ أَو حِمارٍ أَو شاة، فلْيُعَوِّضْ بَدَلَ الواحِدِ اَثنَين"(خروج 22: 3) ويعادل عقوبة الشرع الروماني للسرقة الظاهرة، كان هذا جزاء من اقصى العقوبات التي كان يفرضها القانون عندما يُجبر أحد الناس على تقديم تعويض عن سرقة كما جاء في حكم داود النبي "يَرُدُّ عِوَضَ النَّعجَةِ أربَعًا جَزاءَ" ( 2 صموئيل 12: 6). اما زكا فيفرض العقوبة على نفسه كعشار أبتزّ الأموال، لكن يسوع جاء يبحث عن الهالكين فوجده رجلا تائباً (لوقا 5: 32) بالرغم من غناه. فليس الثروة في حدّ ذاتها مصدر المشكلة بل قلب الإنسان، الذي يتعلّق بالخيرات التي يمتلكها، ويغلق قلبه دون عطايا أثمن بكثير. ويُعلق القديس أمبروسيوس"أن الغنى في ذاته ليس خطيئة بل الخطيئة هي إساءة استخدامه؛ فالأموال التي تمثل حجر العثرة بالنسبة للأشرار هي وسيلة لممارسة الفضيلة بالنسبة للصالحين"ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم" إبراهيم كان يملك حقًا غنى للفقراء، وكل الذين ملكوا الغنى بطريقة مقدسة أنفقوه بكونه عطية الله لهم"؛ علينا أن نستخدم المال كضرورة لا أن نُقام حراسًا عليه، "العبد يحرس، أما السيد فينفق".

9فقالَ يسوعُ فيه: ((اليَومَ حصَلَ الخَلاصُ لِهذا البَيت، فهوَ أَيضاً ابنُ إِبراهيم.

تشير عبارة "قالَ يسوعُ فيه" الى كلام يسوع عن زكا موجّه الى الحاضرين كما يدل سياق الكلام. والبعض يترجم "قال له" فيشير ان الكلام موجّه الى زكا وليس الى الحاضرين؛ اما عبارة " اليَومَ " فتشير الى آنية الخلاص بمعنى اليوم هو يوم الخلاص. فإنجيل لوقا يشدد على " ألآنية " أي في الزمان "اليوم" وفي المكان "هنا" (لوقا 4: 21) كما قال يسوع الى اللص اليمين "سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس" (لوقا 23: 43)؛ اما عبارة " لِهذا البَيت" فتشير الى نيل زكا الغفران والخلاص لسخائه وهو يشبه كرم ومحبة المرأة الخاطئة التي نالت أيضا الغفران من الرب يسوع (لوقا 7: 47)؛ وحينما يتقدس أحد أفراد الأسرة يصير سبب بركة لكل البيت؛ واما عبارة " ابنُ إِبراهيم" فتشير الى انتمائه الى شعب الله المختار المؤمن ولا يشير فقط الى بنوَّته الجسدية (لوقا 3: 8).لذا يستحقّ عطف الرب الإله وعنايته ومحبّته. وعليه بالرغم من مهنته كعشار التي تجعله في عداد الخاطئين (لوقا 19: 7) و5: 30)، فان زكا بكرمه أصبح أبنا باراً لابي المؤمنين؛ زكا واحد من أبناء شعب الله المختارين الذين لم يتبعوا طرق الله، ولكنه بالإيمان نال المغفرة والتغيير وليس بالميراث والنسب والحسب.

10 لِأَنَّ ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه)).

تشير عبارة"الهالِكِ" الى جميع الناس حتى البعيدين عن الله كما جاء في تعليم بولس الرسول "كما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح" (1قورنتس 15: 22). فالحب هو نتيجة الغفران وعلامته. تشدد هذا الآية على دور يسوع في الخلاص. جاء يسوع يبحث عن الخروف الضال، فوجده وعاد به الى الحضيرة والدرهم الضائع الذي عُثر عليه والابن الضال الذي مات وعاد إلى الحياة. فيُعلق القديس أمبروسيوس بقوله "نحن الخراف، فلنسأل الربّ أن يعطينا مراع خصيبة. نحن الدرهم، فلنسأل الربّ أن نحافظ على قيمتنا. نحن الأبناء، فلنركض إلى حضن الآب".

ثانياً: تطبيق النص الإنجيلي (لوقا 19: 1-10)

انطلاقا من الملاحظات الوجيزة حول وقائع النص الإنجيلي (لوقا 19: 1-10)، نستنتجان النص الإنجيلي يتمحور حول التوبة، وهو موضوع عزيز على قلب يسوع كما صرّح هو نفسه "إِن لم تَتوبوا تَهِلكوا بِأَجمَعِكُم " (لوقا 13: 5). ومن هنا نتساءل ما هو موقف زكا العشار من يسوع؟ وما رد فعل يسوع منه؟

1) ما هو موقف زكا العشار من يسوع؟

في آخر زيارة ليسوع الى اريحا، وهو في طريقه الى القدس ليموت على الصليب، إصطفَّت الجموع في الطريق الرئيسي لملاقاته وكان من بينهم زكا، الذي حاول ان يبحث "ويَرى مَن هُوَ يسوع" (لوقا 19: 3)،لكنه لم يستطع ذلك لسببين: الأول لأن يسوع المسيح كان محاطًا بجموع غفيرة، والثاني قصر قامته، لذلك قام زكا بتسلق شجرة جميز وأخذ يراقب الموكب؛ عندما أصبح المسيح تحت الشجرة، نادى يسوع زكا معلنًا له أنه سيتناول العشاء في منزله الليلة، مما أثار استغراب وحفيظة مرافقي المسيح، بسبب نظرتهم التقليدية إلى مهنته. وأثناء العشاء أعلن زكا توبته كما أعلن أنه إذا ما كان قد ظلم أحدًا من الشعب في جبي الضرائب فسوف يردُّه إليه أربعة أضعاف، فقال له المسيح عندها: "اليوم تمّ الخلاص لهذا البيت". ومن هنا يمكن ان نبحث عنتوبة زكا على الصعيد الانساني وعلى الصعيد الروحي.

أ‌) علامات التوبة على الصعيد الانساني

كان زكا رئيسا للعشارين في اريحا وكان رجلا غنياً وكان قصير القامة. ومثل هذه العاهة تجعل الإنسان يتقوقع حول نفسه، مفضلًا الابتعاد عن المجتمع. بالرغم من ذلك "جاءَ يُحاوِلُ أَن يَرى مَن هُوَ يسوع " لوقا 19: 3)، وأخذ قراراً سريعاً ليرى يسوع بالرغم من العقبات، وهي قصر قامته التي كانت تمنعه ان يرى يسوع وسط جمهورٍ مزدحم ٍ ونظرات الناس الحاقدة عليه وكراهيتهم له ومركزه كرئيس.ولم يكن له طريق آخر ليراه سوى أن يصعد فوق الأرض متسلقًا شجرة جُميز هذه التي كان المسيح مزمعًا أن يمر بها. وتسلقه على الشجرة لرؤية يسوع تبيّن انه كان يتحرّق قلبه شوقا ليرى يسوع من هو،ومن خلال شجرة التقى زكا بالسيد رغم المعوقات الخاصة به كقصر قامته، أو الخاصة بالظروف كتجمهر الناس حول السيد فيحجبونه عنه. فشوقه ليرى يسوع تغلب على كل ضعف فيه وارتفع فوق الظروف ليلتقي به. فسمع يسوع يناديه فنصت لصوته وتجاوب مع كلماته. فلم يصدق قلبه ان يسوع يريد ان يكون ضيفا له. وهو يعلم أنه ليس أهلًا في استقبال يسوع في منزله. فأقام ليسوع ومن معه مأدبة عظيمة. ويعلق القديس كيرلس الكبير "أراد زكا أن يرى يسوع لذا تسلق شجرة جميز، هكذا نمت في داخله بذرة الخلاص".



وكما ان قائد المئة استضاف السيد المسيح وقد حسب نفسه غير أهل أن يدخل السيد بيته (متى 8: 8) كذلك استضاف زكا السيد المسيح بفرحٍ فنالا الرحمة التي طلباها. انتقد الجمع عمل يسوع، لكن النتيجة كانت انقلابا كاملا في حياة العشار وفي خلاص بيته. فبعد ان تقابل مع يسوع أدرك ان حياته تحتاج الى ان تستقيم. وقد أظهر زكا التغيير الخارجي بأعمال خارجية، إذ اعطى نصف امواله للفقراء، وردَّ ما اغتصبه من الآخرين، بعرض فائدة سخية. ومنا هنا نستنتج أنه لا يكفي ان نتبع يسوع بعقولنا وقلوبنا فقط، بل لا بد ايضا من تغيير السلوك وإبداء ذلك بأعمالنا الصالحة.



ب‌) علامات التوبة على الصعيد الروحي

سمع زكا صوت الضمير الداخلي ولم يكتم هذا الصوت بل طلب الحياة. ولما رأى المسيح رأى نفسه الخاطئة ولم يخاطب يسوع بلسانه، وإنما خاطبه بقلبه بلغة الحب والايمان والتوبة. وما التوبة كما تشير إليها المدلول اليوناني μετάνοια إلاّ "تغيير العقلية، وهذا يتطلب التحوّل الجذري واكتساب طريقة جديدة لرؤية الله والآخر وأنفسنا. "التوبة هي عطية من الله" كما يقول القديس إسحاق السرياني.

لقد أسرع زكا ونزل ووقف امام يسوع بفرح عظيم مؤمناً به، ولقد تغيرّت حياته تماما عندما تقابل مع المسيح وسمع كلامه وقدّم قلبه لله. وكلمة الله حيّة في قلب من يؤمن به ومن يحب. ويُعلق القديس ايرونيموسن قدمنا للمسيح نفوسنا كما نقدم له غنانا، يتقبل التقدمة بفرح". وقد أظهر زكّا التغيّر الداخلي بفعل خارجي فلم ينتظر حكم الناموس بل حكم على نفسه بنفسه فورا، فأعترف بخطاياه امام الجميع قائلا "يا ربّ، ها إِنِّي أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَموْالي " (لوقا 19: 8)، وكان اعترافه بالعمل لا بالكلام، واخذ زكا يكفر عن ماضيه ويتصدّق على الفقراء بنصف أمواله ثم ذهب الى ابعد من ذلك قائلا " وإِذا كُنتُ ظَلَمتُ أَحداً شَيئاً، أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" (لوقا 19: 8)؛ فردَّ الى الناس ما ظلمهم به في جباية الأموال ضعف ما كانت تقضي به الشريعة اليهودية على السارق (خروج 22:1)، فما أخذه زكا بالابتزاز أعطاه مجانا. وأصبح يرى الآخرين بنظرة مختلفة، ليس كفرصة ليستغلّهم، إنما ليكونوا سبباً لممارسة الرحمة والمحبة لأنهم بنتيجة معرفته للمسيح وتوبته أصبحوا إخوة له.لقد دلّ زكّا على مرأى من كل الحاضرين على ما فعلت به نظرة حب المسيح الخارقة.

ما فعله زكا هنا هو نفس ما قاله بولس الرسول "أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي. مِن أَجْلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ" (فيلبي3: 8). فما جمعه من أموال صار كنفاية يريد الاستغناء عنها، إذ تمتع بمعرفة الرب يسوع. فحينما وجد زكا اللؤلؤة كثيرة الثمن (المسيح) باع بقية اللآلئ (أمواله) التي قضى عمره يجمعها (متى 13: 46:13). وباع أمواله من اجل اللؤلؤة ويظهر هنا معناها، أن كل ما ظن زكا ان له قيمة من قبل، فَقَدَ قيمته الآن بعد أن عرف المسيح، وأمن به وأحبه. عندئذٍ يمكن ان نتساءل: أي شيء يستحيل على المؤمن، وأي شيء يصعب على المُحب؟

2) ما هو رد فعل يسوع من موقف زكا العشار

يقول القديس كيرلس الكبير "كان زكا رئيسًا للعشارين، قد استسلم للطمع تمامًا، غايته الوحيدة تضخيم مكاسبه، إذ كان هذا هو عمل العشارين، وقد دعي بولس الطمع عبادة أوثان (قولسي 3: 5)، لكن زكا لم يستمر في عداد العشارين، إنما تأهل للرحمة على يد المسيح الذي يدعو البعيدين للقرب منه، ويهب نورًا للذين في الظلمة. إذ فالتقى يسوع في زكا داخل المدينة وكان زكا صاعدًا على جميزة. وبادر يسوع ودعا نفسه إلى منزل زكا، لأنه جاء خصيصا "لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه"(لوقا 19: 8). ويعلق القديس ايرونيموس "أن شجرة الجميز هنا تشير إلى أعمال التوبة الصالحة حيث يطأ التائب الخطايا السابقة بقدميه، ومن خلالها ينظر إلى الرب كما من برج الفضيلة".

ولم يمرَّ المسيح من هذا الطريق صدفة، ولم ينظر للشجرة صدفة، إنما هو كان يعرف أن في هذا المكان خروف ضال يريد أن يردَّه فذهب إليه. "أن الله يتدخّل في أبسط أمور تاريخنا" كما قالت القديسة تريزا الطفل يسوع. فزكا بحث عن المسيح والمسيح بحث عن زكا. تجاوب يسوع مع مبادرة زكا بالرغم من الخطورة لأنه لا يجوز ليهودي ان يصادق عشار (لوقا 5: 2، 5: 30) الا ان يسوع لم يتردد ان يكون حجرة عثرة (لوقا 17: 1-3) بسبب مواقفه غير التقليدية تجاه الرأي العام لأهل زمانه هو الذي قال: طوبى لمن لا أكون له حجر عثرة (لوقا 7: 23). وقد لبّى يسوع هذه الرغبة بطريقة غير عادية بان جعل نفسه ضيقا على زكا.

ولم ينتظر يسوع من زكا كلمة واحدة تخرج من فمه، إنما استضاف الرب نفسه في بيته. ويسوع أدرى الناس بلغة القلوب فخاطبه بلغة الصفح والغفران. فنور المسيح أضاء بيت زكا وقلبه ولم يحتاج المسيح أن يوجّه له كلمة عتاب أو توبيخ. وعلّق القديس أمبروسيوس "الرب يدعو نفسه عنده دون أن يسمع كلمة دعوة إذ عرف ما في قلبه" إذ قال له "يا زَكَّا انزِلْ على عَجَل، فيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ، اليَومَ حصَلَ الخَلاصُ لِهذا البَيت، فهوَ أَيضاً ابنُ إِبراهيم. (لوقا 19: 5، 9).كأن هذا العمل يمثل سرّ التجسد الذي به دخل الرب بيتنا، ليقدس طبيعتنا.إنه يرى في الخاطين "مرضى" يجب شفاؤهم. وهو يشبّه نفسه ب “الطبيب" (لوقا 5: 31). الرب كان ينتظر زكا كي يمنحه مجدًا عظيمًا بحلوله في بيته. ويعلق يوحنا الذهبي الفم "تجلي الرب في النفس وسماعها صوته يملأها رجاءً" وهنا يتحقق وعد الرب "إِن عَطِشَ أَحَدٌ فليُقبِلْ إِلَيَّ ومَن آمنَ بي فَلْيَشَربْ كما ورَدَ في الكِتاب: ستَجْري مِن جَوفِه أَنهارٌ مِنَ الماءِ الحَيّ" ((يوحنا 7: 37). لقد أشار لوقا كثيرا الى آنية الخلاص الذي يتم "الآن" و"هنا" (لوقا 2: 11، 3: 22، 5: 26، 13: 32).

وهكذا أصبح زكا حقاً "ابنا لإبراهيم"، ليس لانتسابه إليه بحسب الجسد، وإنما بحسب إيمانه الحيّ العامل. فبالإيمان ترك إبراهيم أرضه وعشيرته وأهل بيته منطلقًا وراء الدعوة الإلهية، وها هو ابنه زكا يحمل ذات الإيمان، فقد ترك كل ممتلكاته التي سبق فتعلق بها وقدم نصف ممتلكاته للفقراء، وقدم الباقي لرد أضعافًا مضاعفة لمن سبق فظلمهم. فدُعي زكا ابنًا لإبراهيم زكا ابنا للموعد، وتحققت له بركات إبراهيم إذ غفر له المسيح خطاياه، وهو العشار الذي كان يُعتبر "كالوثني" (متى 18: 17). ويمكننا أيضًا أن نقول بأن زكا حين كان رئيسًا للعشارين كان ابنًا لإبراهيم حسب الجسد، أما الآن إذ تعرف على السيد صار ابنًا له حسب الإيمان، بل صار ابنًا لله في المسيح يسوع.

ولم ينل زكا الخلاص وحده بل اهل بيته آمنوا أيضا كما صرّح يسوع " اليَومَ حصَلَ الخَلاصُ لِهذا البَيت" (لوقا 19: 9).حينما يتقدس عضو في الأسرة يستطيع بالسيد المسيح الساكن فيه أن يكون سرّ بركة وخلاص لبقية الأعضاء. وقد جاء سفر الأعمال يكشف بقوة كيف كان ايمان البعض بالمسيح يدفع أهل بيتهم إلى الايمان به والتمتع بخلاصه في حياتهم، كما حدث مع قرنيليوس قائد المئة في اعمال الرسل (اعمال الرسل 10 :22) وكما حدث أيضا مع سجان فيلبي الذي "ابتَهَجَ هو وأَهلُ بَيتِه، لأَنَّه آمَنَ بِالله" (اعمال الرسل 16: 31).

كشف ربنا يسوع المسيح عن رسالة الخلاص، فاتحًا باب الرجاء للكل بقوله:" لِأَنَّ ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه." (لوقا 19: 10).ويعلق القديس أوغسطينوسعن عمل السيد المسيح الخلاصي" لقد وجد المفقودين أيضًا. إنهم اختفوا هنا وهناك بين الأشواك، وتشتتوا بسبب الذئاب. فجاء إليهم ليجدهم، وقد تمزق بأشواك آلامه. جاء فعلًا ووجدهم، مخلصًا إياهم. لقد خُلصوا بذاك الذي ذُبح لأجلهم". فقد فتح يسوع أبواب الرجاء لكل نفس بشرية لتلتقي مع مخلص الخطأة، ويعلق القديس أمبروسيوس"قُدم لنا هنا رئيس العشارين، فمن منا ييأس بعد من نفسه وقد نال نعمة بعد حياة غاشة!". وباختصار، دلَّ اهتداء هذا العشار على إرادة يسوع الذي جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه" (لوقا 19: 10).جاء المسيح لينتصر على الخطيئة ويعيد الخاطئ الى براءته من خلال صُنارة الرحمة.

وخلال القرن الثانيأعلناكليمندس الإسكندري أحد أبرز معلمي اللاهوت في المدرسة الإسكندرية، أن زكا انضم إلى تلاميذ المسيح الاثني عشر كواحد منهم بدل يهوذا الإسخريوطي، بعد أن اتخذ اسمًا جديدًا هو متيا، (اعمال الرسل 1: 25-26)، بيد أنه لا يوجد أي دليل يُثبت ما ذهب إليه اكليمندس، في حين أن الدستور الرسولي قد أعلن في وقت لاحق أن زكا قد اعتنق المسيحية وتبع المسيح ثم أصبح واحدًا من الرسل السبعين الذين أرسلهم المسيح وقد صار رفيقا للرسول بطرس، وأنه رُسم أسقف مدينةقيصرية البحرية.



الخلاصة

شكّ الناس في إمكانية رجوع العشارين إلى الله بالتوبة. يحكم الناس على ما يُرى، وأما الله فيحكم على ما لا يستطيع الإنسان أن يراه. والواقع إن رجوع زكا العشار كان مستحيلا لولا قدرة الله وحدها ولقاؤه مع السيد المسيح، كما جاء في تعليم بولس الرسول "جاءَ وبَشَّرَكم بِالسَّلام أَنتُمُ الَّذينَ كُنتُم أَباعِد، وبَشَّرَ بِالسَّلامِ الَّذينَ كانوا أَقارِب"(أفسس 2: 17).

دخل الرب أريحا. وهناك كان لقاؤه مع زكا. زكا هذا في نظر الناس رجل خاطئ لأنه رئيس للعشارين. أما قلبه فكان قد تحرك بالتوبة، سمع كثيرًا عن السيد المسيح، فطلب أن يراه. وعندما رآه أكمل توبته بأن قبله في بيته وصحح من سلوكه مع الناس.بهذا العمل يؤكد لنا زكا بأن التوبة الحقيقة وطلب الغفران هو أمر لا يمكن الانتظار والتأجيل بل يتطلب عملا فوريا وآنياً. وعليه فإن قصة زكا العشار فتحت باب الرجاء والأمل ليس فقط لزكا وإنما لكل خاطئ. فحين يعود الخاطئ بالتوبة مشتاقًا للمسيح، يدخل المسيح إلى قلبه، ويقبله ويغفر خطاياه. فينال الخاطئ الخلاص.



الدعاء:

يا ربنا يسوع المسيح الذي جئت تبحث عن وجودنا وضياعنا كما بحثت عن زكّا العشار، اجعلنا نتسلق سلم التوبة، وأمنحنا قلبا يُسرع في قبول دعوتك لتسكن فيه بفرح لكي تساعدنا على تغيير حياتنا وتخطي كل العقبات. فنُظهر رحمتك للجميع دون استثناء وتمييز على مثالك فننال الخلاص بشفاعة امنا مريم العذراء. آمين





قصة

سُئل يوماً أحد معلّمي الناموس: "ما هو أنسب يوم يتوب فيه الإنسان؟"

فقال "هو اليوم السابق ليوم مماته".

فقيل له: "ولكن يوم الممات غير معلوم".

فقال: "إذاً فليتُبْ الآن".



أ‌. د. لويس حزبون
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
لوقا 19: 1-10 - قصة زكا العشّار زكا
الأحد الحادي عشر من زمن السنة ﴿تُوبُوا، قَدِ اقتَرَبَ مَلكوتُ السَّموات﴾
المزمور الحادي والثلاثون
زَكَّا العشّار
المزمور الحادي والثلاثون


الساعة الآن 09:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024