يقدم لنا العلامة أوريجانوس
مفهومًا للتقديس من جانب آخر، إذ يرى أن التقديس يعني تكريس الإنسان بكليته لحساب مملكة الله، حتى الأمور الزمنية إنما تتقدس بتقديمها للرب، معطيًا لذلك أمثلة أن البكور التي تقدس للرب إنما تُسلم له، والملابس الكهنوتية الأواني المقدسة وأدوات الهيكل أو الخيمة تتقدس بمعنى أنها لا تستخدم إلاَّ في خدمة الرب... وهكذا الإنسان المقدس إنما يكون بكل طاقاته وإمكانياته وكل نسمات حياته لحساب مملكة النور. إنه يقول: [إن فهمنا بأي معنى يكون الحيوان (الذبيحة) والأشياء والملابس مقدسة يمكننا بمنطق جيد أن نفهم الإنسان كقديس. بالحقيقة يلزمنا أن نكرس أنفسنا للرب ولا ننشغل بأي عمل علماني حتى نرضي من جندنا (2 تي 2: 4). لنبتعد عن الذين يعيشوا جسديًا ويتمسكون بالزمنيات ولننفصل عنهم، إذ قيل: "اهتموا بما فوق لا بما على الأرض" (كو 3: 1-2)، بهذا نستحق أن نحسب قديسين... يجب أن نتجنب "كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ التَّعْلِيمِ (الرسولي) الَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا" (2 تس 3: 6)، وكما قيل: "اعتزلوا اعتزلوا أخرجوا من هناك لا تمسوا نجسًا، أخرجوا من وسطها، تطهروا يا حاملي آنية الرب" (إش 52: 11، رؤ 18: 4). ابتعدوا عن الأرضيات، أتركوا شهوات العالم "لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم" (1 يو 2: 16). لتترك هذا كله ولتكرس نفسك للرب... هذا ولا يقصد بالاعتزال ترك المكان إنما ترك الأعمال، فلا نترك الموضع إنما نغير طريقة الحياة. فإن كلمة قدوس άγιος باليونانية hagios تعني الارتفاع فوق الأرضيات. فمن يكرس نفسه للرب يظهر فوق الأرض والعالم، ويمكنه أن يقول وهو بعد سالكًا على الأرض: "لنا مدينة في السماء"].