رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من عوائق الفضيلة: التساهل مع الخطية كثيرون يبدأون مع الله بداية طيبة، مشتعلة بالحب، ولكنهم لا يستمرون، وتبرد فيهم هذه المحبة الأولي، فما السبب؟ من ضمن الأسباب البارزة: التساهل مع الخطية ومع النفس... كيف سقط الإنسان الأول؟ سقط بالتساهل مع الخطية. تساهل لنفسه أن يجلس إلي الحية ويسمع منها كلامًا ضد الوصية، فقاده إلي الإغراء، ثم إلي الضعف فالسقوط. لم تكن حواء حازمة مع الفكر الخاطئ الذي قدمته الحية. إنما قبلته، وناقشته، ثم استسلمت له وانتصر عليها الفكر ثم تطورت إلي خطايا أخري كثيرة. وفقدت بساطتها، ونقاوتها....... كثيرون سقطوا نتيجة للتساهل وعدم التدقيق، كما في سفر القضاء. يحكي لنا هذا السفر، كيف أن بني إسرائيل وقعوا في عبادة الأصنام، وعبدوا آلهة الأمم. وعبدوا ملوك الأمم، واسلمهم الرب إلي أيدي أعدائهم فأذلوهم. فكيف حدث هذا؟ نبحث عن سبب هذا السقوط وهذا الذل، فنجد أنهم لما دخلوا الأرض، استبقوا بعض الكنعانيين فيها، مجرد إهمال، أو تساهل، أو رغبة في فائدة معينة. ثم اختلطوا بهم وزادت الصلة، وتزاوجوا منهم. وتطور الأمر إلي أمر عبدوا آلهتهم.. وكل هذه المشكلة سببها التساهل في الاختلاط بالأمم! لا تظنوا أن الشيطان عندما يوقع الناس، يبدأ بضربة قاضية! كلا، بل قد يبدأ بشيء بسيط، ثم يتدرج به... قال عنه أحد الآباء إنه "فقال حبال" وحباله طويلة إلي أبعد الحدود. قد يرسم خطة لعشرة سنوات، يسقط فيها إنسانًا بعد هذه المدة، بسياسة المدى، سياسة التدرج والنفس الطويل، بطريقة قد تبدو غير محسوسة...! فلنأخذ مثالًا آخر للسقوط التدرجي، هو شمشون الجبار. إنه رجل الله، الذي حب عليه روح الرب. كن يسكن في أورشليم، وتساهل في أن يذهب منها أحيانًا إلي غزة. وفي غزة وجد لذة لنفسه، فكثر تردده عليها، وأقام، وأتخذ له إمرأة. ثم تدرجت علاقاته الخاطئة، إلي أن تعرف أخيرًا علي دليلة، وتدرج معها حتى باح لها أخيرًا بسره، وبنذره وسقط السقوط الأكبر الخطير. ومتى صحا لنفسه، أخيرًا. بعد أن فقد بصره، وأذله أعداؤه، وطلب إلي الرب أن تموت نفسه معهم....! يعقوب أبو الآباء تساهل في غلطة تحولت عنده علي طبع. تساهل مع نفسه، في استخدام الحكمة البشرية، بدلًا من مشيئة الله، فاعتمد علي ذكائه ودهائه وجلب لنفسه الويل. استخدم ذكاءه وحيلته لما وجد أخاه جائعًا ويطلب منه طعامًا، فأتخذها فرصة لن يشتري بكوريته. ثم استخدم أيضًا الحيلة والعمل البشري لما خدع أباه واخذ البركة. واستخدم نفس الأسلوب في الإستيلاء علي غنم خاله لابان. واستخدم الفكر البشري في النجاة من أخيه عيسو، وصار هذا الأمر طبعًا تطبع به... وقد أدبه الرب بأن أذاقه من نفس الكأس، فسمح أن يخدعه خاله في تزويجه من ليئة، وأن يخدعه أبناؤه في قولهم له إن يوسف قد افترسه وحش رديء.. إن يعقوب لم يترك تصريف أموره لله منذ البدء، وتساهل في استخدام الحيل البشرية، حتى تمكن منه هذا الطبع. وكثيرون وقعوا في نفس الخطية، تركوا الوصية جانبًا، ولجأوا إلي الحكمة البشرية والذكاء الخاص، لعلهم يصلون بهذا! كثير من السرقات الروحية، تأتي بالتدريج البطئ، الذي لا يحس. إن الهبوط المفاجئ الشديد، يتنبه له الإنسان، ولكنه قد ل يشعر بالنزول التدريجي البطئ، فتسرقه خطة الشيطان، لهذا ما اجمل قول الكتاب في سفر نشيد الأناشيد: "خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغيرة، والمفسدة للكروم"... أن الثعلب الكبير الماكر قد يلفت نظرك، وقد يقتحم اسوارك بصعوبة، أما الثعالب الصغيرة، فإنها قد تجد لها مدخلًا إليك، من أي ثقب بسيط داخل نفسك لست ملتفتًا إليه: كثيرون سقطوا، لأنهم وقعا فيها نسميه بالصحو المتأخر. اي أنهم لم يستيقظو لأنفسهم ويعرفوا حالتهم إلا متأخرين، بعد ان تمكنت الخطية منهم. وسنضرب لذلك أمثلة: لنأخذ مثال لوط، وكيف صحا متأخرًا جدًا، فسقط كثيرًا. بدأت خطة الشيطان بفصله عن أبينا إبراهيم، عن القدرة الصالحة، عن رجل الله، وعن المذبح والإرشاد الإلهي، وتساهل لوط في هذه النقطة، ووافق أن يسكن بعيدًا ثم وافق أن يختار لنفسه، وفي الإختيار سقط في محبة الأرض المعشبة، وهكذا أختار سادوم علي الرغم من فسادها.. وفي سكني سادوم، تدرج أيضًا فلم يدخل في أعماقها مرة واحدة. ولكنه ما لبث أن اختلط بأهلها، ثم تزاوج معهم. ووقع معهم في السبي، لم يستيقظ ضميره. وظل في المدينة كان الرجل البار يعذب نفسه يومًا يومًا في الاختلاط بهؤلاء الأشرار (2بط8:2). وأخيرًا متي صحا؟ عندما جاءه الملاكان ينذر أنه بهلاك المدينة وخرج منها. وقد فقد كل ما كان له حتى زوجته. كان لوط درسًا. فلنأخذ مثالًا لتدقيق القديسين، من قول الكتاب: "كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم، تعطون عنها حسابا في يوم الدين". لم يفهم القديسون عبارة (الكلمة البطالة) علي أنها الكلمة الشريرة مثل الكذب والشتيمة والتجديف والإدانة، وإنما فهموا الكلمة البطالة، علي أنها كل كلمة ليست للمنفعة، ليس للبنيان لا تبني نفس السامع، ولا تبني الملكوت. وهكذا صمتوا، لا يتكلمون إلا بحساب، حينما يرون ان كلامهم سيكون للبنيان. الروحي. لاشك أن الذي يدقق في كلامه، بحيث لا يلفظ إلا بكلام نافع روحيًا، ليس من السهل أن يلفظ بكلمة شريرة.. أن التدقيق هام جدًا، تري له مثالًا في وصية الرب: "إن اعثرتك عينك فاقلعها عنك. وإن أعثرتك يدك اليمني فاقطعها." إلي هذا الحد، طلب الرب منا أن ندقق. من أمثلة التساهل مع الخطية، التساهل مع الأفكار..... فبينما يقول بولس الرسول "مستأسرين كل فكر إلي طاعة المسيح"، نجد إنسانًا يتساهل مع الفكر، فيتحول إلي شعور. ويتساهل مع الشعور، فيتحول إلي شهوة، ويتساهل مع الشهوة فتحاول أن تجد منفذًا إلي الخارج تعبر به عن ذاتها بأشياء علمية،وإن تساهل مع هذه الأشياء العملية، تتردج به خطوة خطوة، حتى تقتلع كل روحياته من جذورها. قد تتساهل مع الفكر، تقبله، تناقشه، ثم يتمكن منك، فتحاول أن تتخلص منه ولا تستطيع، لأنه ثبت أقدامه داخلك بتساهلك. ولا شك أنك كنت تقوي عليه في بادئ الأمر. هناك أشخاص في منتهي الحزم، لا يتساهلون مع أنفسهم. لهم رقابة شديدة علي أنفسهم، رقابة علي كل فكر، علي كل شعور، علي كل حس علي كل تصرف، عي كل لفظ. وأحيانًا يبدأ الإنسان بهذا الحزم، في أول علاقته مع الله ولكنه بعد حين يتساهل. يسمح لأشياء تدخل إلي نفسه، وهذه الأشياء تكبر، ويبحث عن روحياته فلا يجدها. الإنسان الروحي لا يتساهل، حتى مع الأشياء التي تبدو بسيطة. إن الذي يحترس من الأشياء الصغيرة، لا يقع في الكبائر. قالت القديسة سارة في النسك "إن فمًا تمنع عنه الماء، لا يطلب خمرًا. وبطنًا تمنع عنها الخبز، لا تطلب لحمًا". يحتاج الإنسان أن يكون مدققًا جدًا في كل تصرف، لا يوسع ضميره، ويقول: هذا الأمر بسيط، ولا تأثير له.. الشيطان يخاف أولاد الله الحقيقيين، لأنهم صورة الله ومثاله، ولأنهم هيكل للروح القدس، ولأن الله يعمل فيهم ونعمته معهم. لهذا كان الشيطان يهرب خائفًا أمام القديسين لما نفي القديس الأنبا مقاريوس إلي جزيرة فيلا، فحالما رآه شيطان كان علي إبنه كاهن الأصنام، صرخ الشيطان قائلًا "ويلاه منك يا مقارة، تركنا لك البرية، فجئت إلي هذه الجزيرة لتطردنا منها أيضًا". وقصص خوف الشيطان من القديسين كثيرة جدًا. ولكنه يجس نبض المؤمن العادي ويختبره: من أي نوع هو: فإن وجده مترائيًا أمامه، ويقيل أفكاره، ويفتح له أبوابه، ويخون الرب بسببه، حينئذ تسقط هيبة هذا الإنسان، ويلعب به الشيطان! وإذ يسلم الإنسان نفسه للشيطان، إنما يبعد عنه الملائكة التي تحرسه، ويرفض العمل الإلهي فيه. كلما يتساهل الإنسان مع الخطية، علي هذا القدر تضعف إرادته، وتفتر محبته، ويقل احتراسه، ويفقد صلابته... إنك تكون في ملء قوتك في بداية الحرب الروحية، وكلما تتساهل تضعف، وتجد أن مقاومتك قد قلت، وتجد أن تأثير الخطية قد زاد عليك. وعندما تحاول الهروب، تجد عقبات في داخلك وتقع في صراع، ويبدأ الجو يرتبك معك. سبب ضعفك عندما تتساهل مع الخطية، هو وقوعك في الخيانة، وبخيانتك لله ومحبته، وبخيانتك لعهودك الروحية، تتنازل عن النعمة المعطاة لك، وترفض السلاح الروحي، بل تطفئ الروح، وتحزن روح الله القدوس الذي فيك. وتنهار فتسقط. وعندما تتساهل مع الخطية، تضعف مثاليتك وتهبط مستوياتك الروحية وتنسي الحزم الذي قال به يوسف "كيف أخطئ وأفعل هذا الشر العظيم امام الله". وبتساهلك مع الخطية، تفقد هيبتك الروحية امام الشياطين. لذلك أبعد عن الخطوة الأولي. كن حازمًا، واسلك بتدقيق. |
|