يسجل لنا يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي ما هو عجيب عن هذا المعترف الذي فقد بصره لكنه تمتع ببصيرة داخلية إذ اقتنى كنز الكتاب المقدس. أثار هذا القديس المصري إعجابه بقوة احتماله للعذابات مع قوة ذاكرته في حفظ الأسفار المقدسة. وكان نتيجة تمسكه بإيمانه أنه فقد بصره، وكُوِيت قدماه بالنار وطُرح في النار. أما عن قوة ذاكرته فيصفها يوسابيوس بالآتي: "لقد فاق يوحنا أبناء عصرنا في قوة الذاكرة. نقش أسفارًا كاملة من الكتاب المقدس، لا في ألواح حجرية كما يقول الرسول المبارك، ولا على رق حيوانات، ولا على ورق يبليه السوس والزمن، بل في ألواح قلبه اللحمية، في نفس نقية شفافة، وفي بصيرة القلب الطاهرة. حتى يمكنه بذلك أن يستعيد أية فقرة من الكتاب المقدس، سواء من الناموس أو الأنبياء أو الأسفار التاريخية، أو الأناجيل أو كتابات الرسل في أي وقت أراد، كما من كنز مليء بالكلمات. واعترف بأنني ذُهلت عندما رأيت الرجل لأول مرة، إذ كان واقفًا وسط جماعة كبيرة يردد بعض فقرات من الكتاب المقدس، وعندما سمعت صوته فقط خُيّل إليَّ أنه كان يقرأ من كتاب حسب العادة المتبعة في الاجتماعات. ولكن لما اقتربت منه وأدركت ما كان يفعل هكذا، وشاهدت جميع الباقين وقوفًا حوله بأعين سليمة، بينما كان هو لا يستخدم سوى عينيّ قلبه. فكان يتكلم طبيعيًا كنبيٍ ويفوق جدًا سليمي الأجساد.كان من المستحيل أن لا أمجد الله، وأُدهش كل الدهشة لأن بجسمه المشوّه أظهر سموّ القوة التي كانت بداخله وعظمتها".