رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جميلة أنتِ يا رفيقتي
1: 15- 17 جلست العروس عند قدمي ملكها الحبيب وتركت نفسها تفوح. تكلّمت عن عريسها منذ هي هنا. ولكنها لم تكلّمه بشكل مباشر ولم تقل له كلمة واحدة. تحدّثت عنه حتى الآن في صيغة الغائب: "يكون (هو) في مجلسه. حبيبي (هو) قلادة". فالعريس هو الذي يبدأ حوار الحبّ مع عروسه، لا هي. بل نحن نتكلّم عن حوار، بل نشيد بين صوتين يرتفعان الآن، ويكون جواب الواحد للآخر استعادة للنشيد عينه. بدأ العريس "وصفه " فأعلن أن العروس جميلة كما هي الآن. وهي لا تحتاج إلى شيء آخر. وجاء جواب العروس موازيًا مع اختلافات طفيفة. حينذاك دعا العريس حبيبته إلى هذا اللقاء في بيت هو في الواقع مدينة الربّ وهيكله. (آ 15) اقترح بعضهم إغفال هذه الآية لأنها تكرّر ما في 4: 1 أ. كما تقتدي بكلام الحبيبة في آ 16- 17. ولكن، لماذا ننسى أسلوب التكرار الذي يميّز نش؟ إن لفظة "ي ف ه" (جميلة) ترد عشر مرات في نش، بشكل مديح يتوجّه إلى العروس. في 1: 8؛ 5: 9 ؛ 6: 1، يدلّ على التفضيل: الجميلة في النساء، أي أجمل النساء. وهكذا نكون أمام تشديد على إبراز جمال الحبيبة (آ 5-6). فكأني بالعروس خسرت سوادها الذي يدلّ على العبوديّة، ساعة يوجّه إليها العريس مدائحه. ولكنها ما زالت سوداء. هي الآن في العبوديّة وإن لم تعد في مصر فهي الآن كما لو كانت في مصر وسوف تنتظر المستقبل لتحلّ الجواهر الكريمة محلّ القيود والسلاسل. إذن، نعود إلى آ 5- 6، 10 حيث نرى أن العروس جميلة رغم العبوديّة التي تعيش فيها. ففي المحنة التي تُعاقب خيانات زمن الملكيّة، ما زال الشعب يلفت انتباه الربّ. فالعهد ثابت مع المواعيد. وحبّ الله المجانيّ الذي اختار أوضع الأمم، ما زال يعلن أنه يفضّلها على الآخرين. هو موضوع معروف لدى الأنبياء (هو 2- 3)، وقد قالت فيه روم 11: 29: "عطايا الله ونداؤه هما بلا ندامة". "عيناك حمامتان ". زادت السريانيّة والشعبيّة كاف التشبيه: عيناك كحمامتين. نشير هنا إلى أن الشاعر يقابل في 4: 1ي شعر العروس وأسنانها وثديَيها بالحيوانات: "شعرك قطيع ماعز (بلونه الأسود). أسنانك قطيع مجزوز (بلونه الأبيض). ثدياك توأما ظبية صغيران يرعيان بين السوسن ". ما معنى هذا التشبيه؟ إنه يدلّ على وداعة الحمام وبساطته وبراءته. كما يدلّ على سرعة حركته. وقد يشير الكاتب إلى ريش الحمام اللمّاع. إذا عدنا إلى السياق، نفهم أن التشبيه يعبّر عن جمال العروس. رج 2: 14 ؛ 4: 1؛ 5: 2؛ 6: 9. (آ 16) وتهتف العروس هنا في صيغة الخاطب: "جميل أنت يا حبيبي ". قال لها: أنت جميلة. فردّت له المديح مديحًا وفي الألفاظ عينها. بل زادت "ن ع ي م "، ناعم، حلو، لذيذ. في 7: 7 سوف يقول العريس للعروس: "ما أجملكِ، ما أنعمكِ "! السرير الأخضر هو العشب أو أوراق الشجر التي يتمدّد عليها العروسان. هذا ما يدلّ على مستقبل فيه الرغد والفرح كما في معنى كلمة نعيم في العربيّة. هذا السرير الأخضر هو فلسطين يزيتونها وتينها وكرمها وحبوبها، بسبب بركات الله التي تتبع عهده الجديد معها (تث 8: 7- 10). بما أن يهوه وشعبه هما هنا معًا، فهما يرتاحان على سرير من الاخضرار. هنا يجب أن لا ننسى أن الازدهار الزراعيّ الذي يرافق التوبة والعودة إلى أرض الموعد، هو أحد مواضيع الكرازة النبويّة. مثلاً، هو 2: 17، 23- 24 ؛ 14: 6- 8 ؛ رج أش 4: 2؛ 29: 17؛ 30: 23- 24 ؛ إر 17: 5- 8؛ 31: 12- 14؛ حز 34: 26- 29... (آ 17) ويردّ العريس على العروس مشدّدًا على متانة البيت الذي يجمعهما. يتذكّر "جسور" البيت، التي تلتقي (ق ر ه في العبرّية)، العوارض، الروافد أو الركائز. ثم الدعائم هي من خشب الأرز والسرو. هل يدلّ هذا "البيت " على معبد البرّية الذي رافق العبرانيّين في ترحالهم والذي صوّر على مثال الهيكل؟ أما يجب بالأحرى أن نتوقّف عند الأرز والسرو؟ شجرتان تردان معًا في التوراة وتميّزان أرض لبنان (2 مل 19: 23= أش 37: 24 ؛ أش 14: 8؛ حز 27: 5...)، كما نجدهما في أبنية سليمان (1 مل 5: 22، 24 ؛ 6: 15، 34؛ 2 أخ 2: 7؛ 3: 5). ويُذكر الأرز بصورة خاصة في الحديث عن البيت الملكيّ، والرواقين، وبيت غابة لبنان، والهيكل (2 مل 5-7). وما يلفت النظر في إر 22: 6، 7، 13 وحز 17؛ 3، 22-23، هو الاستعارة التي تماثل بين لبنان وبين قصر الملك وتلّة صهيون. إذن حين يذكر الشاعر الأرز والسرو فهو يفكّر في جبل صهيون. وبعد أن تحدّث في آ 16 عن لقاء الله بشعبه في أرض فلسطين، ها هو يعلن أن هذا اللقاء يتمّ على تلّة صهيون، المركز الدينيّ والسياسيّ في الحياة الوطنيّة. وهكذا تدلّ لفظة "ب ت ي ن و" (بيوتنا، في صيغة الجمع) على الهيكل وقصور سليمان. وإذا عدنا إلى آ 4 ب، نقول إن البيت هو الهيكل كما اعتادت النصوص التوراتيّة أن تسمّيه (مثلاً، حز 43: 4: جاء مجد الرب إلى البيت، أي إلى الهيكل). * جميلة أنتِ يا صديقتي، جميلة أنتِ الموضوع هو هو، هنا وهناك. فكيف نعجب من ذلك؟ إن كانت هناك كنارتان ذات نغم واحد وصوت واحد، يكفي أن نلمس الأولى لكي تتحرّك الأخرى. فروح الله نفسه هو الذي يملأ هذين الصوتين، فكيف يتنافران؟ كنارتان، عود ان. نلاحظ أن نشيد الأناشيد لا يتضمّن آلة موسيقيّة واحدة. هذا مع أننا نجد في المزامير: الدفّ والكنّارة، العود والمزمار والقيثارة، البوق والصنوج (مز 150). فالموسيقى كلّها هي في الأصوات كما في بعض الليتورجيّات الشرقيّة. الموسيقى كلّها في صوتين يتقابلان، صوت الحبيب وصوت الحبيبة. إن كل موسيقى العالم دخلت في لحن بصوتين: صوت الكلمة ابن الله ينادي. وصوت الإنسان الذي يجيب على هذا النداء عبر الخليقة. تسمع العروس من يناديها جميلة، وجميلة أيضاً وصديقة. والعريس هو جميل، يسحر الألباب، حبيب. ما يجتذب العروس والعريس أولاً، هو جمالهما. فأوّل لفظة تتفجّر من شفاهما في هذا الحوار الأولى هي: "جميلة أنتِ "... "جميل أنتَ " أنشد العريس: "جميلة أنت يا رفيقتي، جميلة أنت. عيناك حمامتان ". وبطريقة حرفيّة: "ها إنك أنتِ! كم أنتِ جميلة يا صديقتي ". نحن أمام صرخة التعجّب. فهذا الهتاف على شفتَي الحبيب هو استعادة لصرخة الحب والاعجاب التي اطلقها الإنسان الأول أمام المرأة الأولى التي وُلدت منه. "ها هذه المرّة عظم من عظمي ولحم من لحمي. تسمّى امرأة". هذا ما قاله آدم الأوّل. وقال الحبيب، آدم الثاني: "ها هي أنت. كم أنتِ جميلة". ويكرّر "كم أنتِ جميلة". فيدلّ على الفرح الذي أمسك به حين رأى عروسه. لسنا هنا أمام تكرار باحث، بل أمام تثبيت لكلمة الحبّ. نذكّر هنا أن التكرارات في نش هي إحدى جمالاته. فالموضوع الجميل يجب أن يُسمع مرّة ثانية من أجل لذّة الأذن، وتكرارُه يسحرنا. هذا ما نقول عن الموسيقى. وهذا ما نقوله عن الحبّ الذي يستعيد ذات الألحان. خمس عشرة مرّة سيُقال ويكرّر للعروس بأنها جميلة. وتسع مرّات ستكون كلمة العريس صدى لكلمة تلفّظ بها الكاتب الملهم في اليوم السادس من الخلق، وساعة خرج الإنسان جميلاً من يد الله: "ورأى الله أن هذا كان جميلاً جدًا" (تك 1 :31). التوراة هي الكتاب الذي فيه ترد صفة "جميل " (ي ف هـ) فتدلّ على المظهر البشريّ. والله نفسه هو المعجب الأول بجمال الكائن البشريّ. يأخذ منا الحياء حين نردّد كلمة المرنّم: "من هو الإنسان حتى تفكّر فيه " (مز 8: 5)؟ غير أن الربّ يجيبنا بكلمات نسبها إليه غريغوريوس النيصي: "أنتِ اقتربتِ مني... إذن صرتِ جميلة، تبدّلت مما كنتِ عليه، تحوّلت إلى صورتي كما في مرآة... صرتِ جميلة ساعة اقتربت من نوري، فاجتذبت نفسك بهذا الاقتراب للمشاركة في جمالي ". حين خلق الله الإنسان، نظر إلى نفسه، فأخذ منه الحبّ كل مأخذ لجمال خليقته. خُلبَ الحبيب بجمالي من يحبّ فسمّاها "صديقتي، رفيقتي ". حين تُوجّه العروس كلامها بشكل مباشر إلى العريس، فهي تناديه دومًا "حبيبي ". ليس له إلاّ اسم واحد، لأنه الوحيد. ليس له إلاّ اسم واحد، لأنه الحبّ. أما العريس فيعطي تلك التي يحبّها 32 اسمًا مختلفًا. وما يلفت النظر هو أننا لا نجد بين هذه الأسماء اسم "الحبيبة". فكلمة "حبيب " (دود في العبرّية) يُحفظ بشكل حصريّ للعريس. ومن قصيدة إلى قصيدة يتخذ اسم "الصديقة" رنّة تزداد فرادة وعمقًا. حين ينشد العريس جمال العروس، يتوقّف أولاً عند عينيها: هما شعاع نور، حياة النفس وصفاؤها، مرآة الفهم، إشعاع الفهم، إشعاع الكائن كلّه. قال يسوع: "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك سليمة، كان جسدك كلّه منيرًا" (كان كلّه في النور) (لو 11: 34). فالنور والحركة والحياة في نظر الحبيبة، هذا ما يسحر الحبيب فيقول: "عيناك حمامتان ". في عينيك البساطة والبراءة والنقاوة والنعمة، في عينيك تحرّك الحمام بظّله الخفيف الساحر. في هو 11: 11، شبّه اسرائيل المنفيّ بالحمامة: "يسرعون كالحمامة من ارض أشور". ولكن هذا لم يكن دومًا لمجد اسرائيل. فالبساطة قد تتّخذ معنى غير مرغوب فيه كما في هو 7: 11: "صار بيت افرائيم (أي مملكة اسرائيل، هي في الشمال) كحمامة طائشة لا لبّ لهم ". ولا ننسَ يونان (يونه= الحمامة) الذي هو صورة عن إسرائيل المتمرّدة ثم الأمينة لرسالتها النبويّة. أما في نش فالحمامة تدلّ دومًا على النقاوة والأمانة. أخيرًا، الحمامة هي رمز السلام. فبين جميع حيوانات الأرض التي ظلّت حيّة في سفينة نوح بعد الدمار الشامل، اختيرت الحمامة لتلعب دورًا خاصاً: أن تكون أول من يبلغ إلى شاطئ العالم الجديد، وأن تضمّ إليها الآخرين. فهي الرسولة الأولى في الخليقة الجديدة، في عالم تصالح مع الله فسيطر عليه السلام. وهذا ما يدلّ عليه غصن الزيتون في فمها. * جميل أنتَ يا حبيبي وترتبط الحمامة بالروح القدس. ففي الخلق الأول، رفرف الروح على مياه البدايات ليُخرج منها الحياة. وفي عماد يسوع، كان الروح بشكل حمامة إيذانًا بعالم جديد. فإذا كانت العروس جميلة، فلأنها "تمتلك " الروح القدس الذي ينير بحبّه عينَي عقلها وقلبها. لهذا تستطيع أن تهتف بدورها، بعد أن صار لها عينان جديدتان، عينان تستطيعان أن تنظرا إلى جمال المسيح: "جميل أنتَ يا حبيبي ". فجمال الحبيب الذي استشفّته العروس حتى الآن في رائحة العطور، ينبعث من الليل، فتكتشفه العروس بإعجاب بفضل عينين جديدتين. "ما أجملك يا حبيبي "! إذا كان لا يستطيع أحد أن يقول إن يسوع ربّ إلاّ في الروح القدس (1 كور 12: 3)، فمن يستطيع أن يقول لله "جميل أنت يا حبيبي " إلاّ في الروح القدس. إلاّ إذا كانت عيناه مثل عينَي عروس نش، إذا كانت عيناه حمامتين. هناك أربع سمات تميّز جمال العروس: - هي لم تعمل نفسها بنفسها. هي خليقة الحبيب. "ها أنتِ هنا، أنتِ جميلة". هي كلمة الخلق، هي كلمة تفعل كما في الأسرار، هي كلمة تخلق الجمال. قالت أوغسطينس: "ما هو هذا الحبّ الذي يجعل النفس المحبّة جميلة؟ الله الذي هو الجمال الدائم، الذي لا يخسر يومًا جماله، الذي لا يتبدّل أبدًا، أحبّنا أولاً هو الجميل دائمًا. وماذا كنّا حين أحبنا؛ قبيحين، مشوّهين. غير أنه لم يحبّنا ليتركنا في قباحتنا، بل ليبدّلنا، ليجعلنا جميلين بعد أن كنا مشوّهين. وكيف نصبح جميلين بعد أن كنا مشوّهين. كيف نصبح جميلين؟ حين نحبّ من هو الجمال الأزليّ. بقدر ما ينمو فيك الحبّ، ينمو فيك الجمال ". - جمال الحبيبة مصنوع من جمال الحبيب. فبعد أن تتحرّر النفس من أهوائها الجسديّة، فتحيا بالروح وتنقاد الروح، تنال الشهادة بأن في عينيها صورة الحمامة. لقد صار وجه الحبيبة مثل وجه الحبيب. قال لها: "جميلة أنتِ ". قالت له: "جميل أنتَ ". لقد قال الله في أش 60: 19: "إلهك بنفسه يكون جمالك ". - والحبيبة لا تكتشف حبّها إلاّ في عيني من تحبّ. فهي لا تعرف أنها جميلة إلاّ به. تعرف ذلك في العبارة التي بدأ فقالها لها: "جميلة أنتِ يا رفيقتي ". - في النهاية، تستطيع بدورها أن تقول له: "جميل أنتَ ". لم تقل هذه العبارة من قبل. وأول مرّة قيلت لفظة "جميل "، فقد قيلت بفم الحبيب، وهذا، لأن الحبيب أعطاها عينين، أعطاها عينيه، عينَي الحمامة، عينَي الروح القدس. فكما أنها لم تستطع أن تنشر عبيرها إلاّ لأنها تسلّمته منه، فهي لا تستطيع الآن أن تُعجب به، إلاّ لأنه منحها عينيه الخاصتين. "جميل أنتَ يا حبيبي، وفيك سحر". هي لا تكرّر ما قاله لها الحبيب. بل هي تضمّ إلى جمال الحبيب عذوبة عميقة يحرّكها هو دومًا فيها. فيك سحر. أنت حلو. أنت لذيذ. يجمع السحر مع الجمال كما في المزمور الملكيّ: "أنتَ جميل. أنتَ أجمل أبناء البشر والنعمة فاضت على شفتيك " (مز 45: 3). ونقرأ في مز 34: 9: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ ". ثم إن الحبيبة التي تعوّدت على الخفر والحياء، تستعمل في كلامها ألفاظ الحنان. قالت: "حبيبي ". وفي هذه المرّة لم تلجأ إلى صيغة الغائب (حبيبي هو)، بل إلى صيغة الخاطب. "جميل أنتَ يا حبيبي ". امتلأ برنردس دهشة وسعادة فهتف: "هذا هو الحبيب. اختفى السيّد والملك. تخلّى عن مقامه فزال كلّ خوف، فالحبّ يزيل الأبّهة. وكما كان موسى فيما مضى يكلّم الرب كالصديق مع صديقه، وكان الربّ يجيبه، هكذا هو الأمر هنا. تبدأ محادثة رقيقة بين الكلمة والنفس، كما بين الجار وجاره. هو يدعوها صديقته ويقول لها إنها جميلة ويكرّر كلامه. وهي تجيبه كذلك: أنتَ هنا. ما أجملك! ما أعجبك "! أخذ الإعجاب والسعادة من الحبيبة كل مأخذ، فلم تعد تعرف حدًّا لرغباتها، ودلّت الحبيب على الأرض كلّها، تلك الأرض التي تمتدّ على مدّ النظر، فدعت حبيبها ليتمدّد معها كما على سرير أعراسهما، وقالت: "سريرنا أخضر". قالت بجسارة: سريرنا، فراشنا، كل شيء صار مشتركًا بينما. وقبل كل شيء، هذه الأرض في ربيعها، فلسطين الجميلة هذه، بل كل أرض الله التي سترى تمام أعراسهما. كان الله قد قال في الخلق: "لتخضرّ الأرض اخضرارًا، لتخرج كل عشب أخضر" (تك 1: 11). أجل، قد أعطيت لهما كلّ أرض الله، كما في اليوم الأوّل، لكي يتحابّا. فحبّ العريس لا ينغلق على الكون ليعيش في حياة حميمة تعزله عن العالم. فالاتحاد الوثيق بين الحبيب والحبيبة، يوحّدهما مع الكون والبشريّة كلّها. وهكذا يجمع الشعر في نش الوجهة الشخصيّة والحميمة إلى الوجهة الكونيّة الشاملة. حين ذكرت العروس اتحادهما على الأرض، صارت الأرض لا تعرف إلاّ فصلاً واحدًا هو فصل الربيع. أجابها العريس فوسّع النظرة وكبّرها إلى ما لا حدّ له. فتجاه السرير الأخضر، قدّم صورة البيت بمواده المعطّرة والخالدة، بمتانته التي تصل إلى الأبديّة. قدّم الهيكل النهائيّ الذي يعلو الزمن وتقلّباته، فيكون موضع اتحادهما وحبهما. قال: ركائز بيتنا أرز تحدّثت العروس عن "سريرنا" ببساطة مدهشة لا يفسّرها ولا يعذرها إلاّ حبُّها الكبير. وأجاب هو باللهجة عينها. لقد وافق بكل قلبه أن يجعل من هذه الأرض سريره. وهو سيرتاح عليه. وسيتّحد اتحادًا تامًا مع بشريّتنا فيتّخذ جسدًا من مريم البتول. لقد سمّت العروس "السرير" وحدة الطبيعة البشريّة مع الطبيعة الإلهيّة. إن فراش هذا العريس هو حشا العذراء. ففي هذا الحشا البتوليّ، اتّحد العروس والعريس، الكلمة العريس والجسد العروس. وحين يحتفل الملك السماويّ في سرّ التجسّد بأعراس ابنه فيعطيه الكنيسة رفيقة، كان حشا مريم السرير الزواجيّ لهذا العريس الملكيّ. غير أن الحبيب سيزيد أن هذه الوحدة تتوخَّى أن تقود تلك التي يحبّها إلى بيته. فهو يسمّيه بحنان: "بيتنا". تحدّث عن ركائز، عواميد بيتنا. من الواضح أن صاحب نش تطلعّ إلى الهيكل حين يتحدّث عن "بيتنا". كما تطلعّ إلى أرض فلسطين حين تحدّث عن "سريرنا" الأخضر فالجسور من خشب الأرز والروافد التي من خشب السرو، قد طبها سليمان من حيرام ملك صور من أجل بناء أجل وبيته الذي يشبه الغابة (1 مل 5: 22- 24؛ 7: 2- 8). غير أننا نجد في الأفق، وفي خطّ الهيكل، البيت الذي يكون فيه الله مع الإنسان ليرتاحا معًا في ساعة الظهيرة، ليعيشا فيه إلى الأبد في وحدة الحبّ. هو بيت الآب الذي صار بيسوع المسيح "بيتنا". هذا ما استشفَّته العروس بفرح منذ مطلع القصيدة: "أدخلني الملك في خدره ". تحدّثت العروس عن السرير الأخضر والعريس عن بيت الأرز والسرو. قال داود: "ها أنا أسكن في بيت من أرز" (1 أخ 17: 1 ). وقدّمت الحبيبة أرضها ليستريح عليها الحبيب في بشريّته. والحبيب قدّم لتلك التي يحبّها بيته الأبديّ، "بيت الآب حيث المنازل عديدة" (يو 14: 2). سليمان هو الذي بنى بيت الله، الهيكل، وسليمان الجديد، ابن داود الحقيقيّ، يقدّم للبشريّة عروسه البيت "الذي هيّأه لها منذ أساس العالم " (مت 25: 34). وفي النهاية، هذا البيت هو العريس نفسه وفيه تجتمع البشريّة. وهكذا نستشفّ في عريس نش، كما سينكشف في يوم من الأيام، حضور الثالوث الأقدس، فنطبّق على الأقانيم الثلاثة ما نقرأه هنا. الأزليّة هي في الآب (ركائز بيتنا من أرز). والجمال هو في الصورة. فالابن هو صورة الله غير المنظور (جميل أنتَ يا حبيبي). والسعادة هي في العطاء، والروح هو عطيّة الآب للابن والابن للآب (جميل أنتَ يا حبيبي وحلو). خاتمة هكذا بدأ الحوار بين العريس والعروس، وهو سيمتدّ فيما بعد. بدت العروس بشكل راعية تبحث عن راعيها الذي صار حبيبها. وبدا العريس ملكًا يُقيم في قصر من الأرز والسرو، فيجعل نفسه على مستوى الحبيبة. بل هو الله بالذات يطلب شعبه. والكلمة يتّحد بالبشريّة كلّها ويدخلها إلى بيته الذي هو في النهاية الموضع الذي يعدّ لنا فيه منازل كثيرة. |
|