رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
الصليب واللص اليمين للقديس يوحنا ذهبي الفم(2) + بعد أن تكلَّم القديس يوحنا ذهبي الفم عن احتفالنا بالصليب الذي تمَّ عليه خلاصنا، وعن سبب تقديم ذبيحة الصليب خارج المدينة المقدسة، وأنَّ الصليب فَتَحَ لنا الفردوس بعد أن كان مُغلقاً، وأنَّ اللص اليمين المصلوب المحكوم عليه بالإعدام وعده الرب بالفردوس، وأنه علينا ألاَّ نخجل من اتِّخاذ اللص اليمين مُعلِّماً لنا؛ واصل القديس يوحنا ذهبي الفم كلامه قائلاً: - ... ثم أَسكَتَ اللصُّ اليمين اللصَّ الآخر بقوله: «أَوَلا أنت تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحُكْم بعينه؟» (لو 23: 40). وماذا يعني بقوله: «إذ أنت تحت هذا الحُكْم بعينه»؟ يقصد نفس العقاب، ”أَوَ لستَ أنت أيضاً على الصليب؟ فعِوَضاً من أن توبِّخ الرب، أَلا تدين نفسك أنت؟“. تماماً كما أنَّ الساقط في خطيئة ويدين إنساناً آخر، فالأَوْلَى به أن يدين نفسه وليس الآخر؛ هكذا أيضاً فإنَّ ذاك الذي يكون في محنة ويوبِّخ الآخر في محنته، فهو يوبِّخ نفسه وليس غيره. لقد رجع اللص اليمين إلى وصية الرب: «لا تدينوا لكي لا تُدانوا» (مت 7: 1). ماذا تفعل أيها اللص؟ فبينما أنت تحاول أن تدافع عن الرب، جعلته زميلاً في اللصوصية؟ يردُّ فيقول: ”كلاَّ، إنني سوف أُصحِّح هذا المفهوم بما يأتي: فحتى لا تظنُّوا أنه بقولي: إننا تحت العقوبة ذاتها مثل المسيح، جعلتُ المسيح مُشاركاً لنا في خطايانا؛ فقد أضفتُ مُصحِّحاً قولي: «أما نحن فبعدلٍ، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا» (لو 23: 41)“. أَتَرَوْنَ اعترافه الكامل؟ أترون كيف أنه على الصليب اعترف بخطاياه؟ لأنه مكتوبٌ: «اعترف أولاً بتعدِّياتك لكيما تتبرَّر» (إش 43: 26 - سبعينية). لم يُجبره أحد، لم يُقيِّده أو يُكرِهه أحد؛ ولكنه فضح نفسه قائلاً: «لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأمَّا هـذا فلم يفعل شيئاً ليس في محلِّه» (لـو 23: 41)، ثم قـال: «اذْكُرني يـا ربُّ متى جئتَ في ملكوتك» (لو 23: 42). إنه لم يستطع أن يقول ذلك إلاَّ بعد أن أَلقى عنه ثقل خطاياه. أترون كم أنَّ الاعتراف بالخطيئة ثمين؟ لقد اعترف (اللص اليمين) وفَتَحَ الفردوس. وبعد اعترافه صار واثقاً أنه بمجرد أن نَبَذَ حياة اللصوصية، طلب الملكوت. أترون كم من الخير يجلبه الصليب لنا؟ هل يُذكِّركم ذلك بالملكوت؟ أخبروني، ما هو الذي ترون أنه يُذكِّركم؟ إننا نرى المسامير والصليب. ولكن يُقال إنَّ الصليب ذاته رمزٌ للملوكية. ولهذا السبب أُسمِّي المسيح ملكاً منذ أن رأيته مصلوباً، لأنه من اللائق أن يموت الملك من أجل رعيته. لقد قال هو (أي الرب) نفسه: «الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف» (يو 10: 11). وهكذا، فإنَّ الملك الصالح أيضاً يضع حياته من أجل شعبه. وطالما أنه وضع حياته فإنني أُسمِّيه ملكاً: «اذكرني يا رب متى جئتَ في ملكوتك». الصليب رمزٌ للملكوت: أترون كيف أن الصليب هو أيضاً رمز للملكوت؟ أتريدون أن تفهموا الصليب من ناحية أخرى أيضاً؟ إنَّ المسيح لم يترك الصليب على الأرض، بل أخذه وأصعده إلى السماء. مِمَّ يتضح ذلك؟ من حقيقة أنه سوف يأتي به في مجيئه الثاني المجيد، لكي تُدركوا كم أنَّ الصليب شيء مقدس حيث سمَّاه هو أيضاً ”مجداً“. ولكن هَلُمَّ نرى كيف أنه سوف يجيء بالصليب، لأنه من الضروري أن نُظهِر الدليل؛ فقد قال المسيح: «فإنْ قالوا لكم: ها هو في البريَّة فلا تخرجوا! ها هو في المخادع فلا تُصدِّقوا!» (مت 24: 26). لقد قال ذلك بخصوص مجيئه الثاني المملوء مجداً، وذلك بسبب المُسَحَاء الكَذَبَة، بسبب الأنبياء الكَذَبَة، بسبب الضدِّ للمسيح؛ وذلك حتى لا يُضلَّل أحد ويُخدَع, فحيث إنَّ الضدَّ للمسيح يأتي قبل المسيح، حتى أنه عندما يبحث أحدٌ عن الراعي لا يقع فريسة للذئب؛ لهذا السبب ها أنا أُخبركم بعلامة مجيء الراعي. وحيث إن مجيئه الأول كان مخفياً، حتى لا تظنُّوا أن مجيئه الثاني سيكون أيضاً هكذا، فقد أعطى هذه العلامة. من المناسب أن يكون مجيئه الأول مخفياً، لأنه جاء ليطلب مَن كان مفقوداً؛ أما مجيئه الثاني فلن يكون مثل الأول. ولكن أخبروني: كيف سيكون؟ «لأنه كما أنَّ البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان» (مت 24: 27). إنه سوف يظهر لكل أحد في وقت واحد، ولن يحتاج أحدٌ أن يسأل: إن كان المسيح هنا أم هناك؟ تماماً كما أن ضوء البرق عندما يظهر لا نحتاج أن نمعن النظر لنرى إن كان ذلك قد حدث أم لا؛ هكذا عندما يحين مجيء المسيح لن نحتاج أن نفحص إن كان قد جاء أم لا. ولكن السؤال هو: إن كان سيأتي (الرب) ومعه الصليب؟ فدعونا ألاَّ ننسى ما وعدنا به الرب قائلاً: إنه عندما يأتي «وللوقت... تُظْلِمُ الشمس، والقمر لا يُعطي ضوءه»، وحينئذ سيوجَد فيض من الضوء حتى أن أكثر النجوم سطوعاً سوف تختفي عن الأنظار: «والنجوم تسقط من السماء... وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء» (مت 24: 30،29). أَتَرَونَ كم هو عظيمٌ عَلَم (أو علامة) الصليب؟ الشمس سوف تُظْلِم، والقمر لن يكون مرئياً؛ أما الصليب فسوف يظهر ويشعُّ حتى تُدركوا أنه أكثر سطوعاً من الشمس والقمر. وكما أنَّ الملك عندما يدخل مدينة يتقدَّمه الجنود حاملين أعلامه على أكتافهم مُعلنين مُسبقاً عن مجيئه؛ هكذا أيضاً عندما ينزل الرب من السماء تتقدَّمه جيوش الملائكة ورؤساء الملائكة حاملين علامة الصليب على أكتافهم حاملين لنا أنباء مجيئه الملكي. كما أنه قال بخصوص الملائكـة: «وقوات السموات تتزعزع» (مت 24: 29) ؛ وحينئذ يحلُّ بهم رُعبٌ وخوفٌ عظيمَيْن. ولكن لماذا؟ لأن الدينونة سوف تكون مخيفة لأن جنسنا البشري كله سوف يُؤتَى به أمام القاضي المخوف ويُحاكَم. ولكن لماذا سوف تخاف الملائكة وترتعد؟ إنهم لن يُحاكَموا. ذلك كما أنه عندما يجلس الحاكم في القضاء، فإنه ليس القضاة وحدهم هم المسئولون قانونياً أن يُقدِّموا حساباً عن خدمتهم، ولكن أيضاً القضاة الآخرون غير المتورِّطين يخافون ويرتعدون من القاضي؛ هكذا أيضاً عندما يُحاكَم جنسنا حينئذ فإنَّ الملائكة الذين هم غير متورِّطين سيكونون خائفين بسبب شدَّة مخافة القاضي! ولكن لماذا سوف يظهر الصليب حينئذ؟ لماذا سيأتي الرب ومعه الصليب؟ إنَّ رمز وقاحة الذين صلبوه، هذا سوف يظهر، حتى يُدركوا أنه بعنادهم كان ينقصهم الفهم. ولكي تعلموا إن كان هو سيأتي بالصليب، لهذا السبب استمعوا للنبوَّة القائلة: «وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض» (مت 24: 30؛ رؤ 1: 7). إذ يُبصرون الذي اتهموه ويتعرَّفون على خطيئتهم. ولماذا تتعجَّبون لمجيئه آتياً بالصليب طالما أنه سوف يُظهِر جروحه؟ لأن النبي يقول: «فينظرون إليَّ الذي طعنوه» (زك 12: 10). وكما فعل مع توما، بعد قيامته، عندما أراد أن يُقوِّم عدم تصديق تلميذه، فقد أَظهَر له أماكن المسامير وجروحه قائلاً: «هات إصبعك... وهات يدك وَضَعْها في جنبي» (يو 20: 27) ، «فإنَّ الروح ليس له لحمٌ وعظام» (لو 24: 39) ؛ فبنفس الطريقة سوف يُظهِر جروحه وصليبه في ذلك الوقت لكي يُثبت أنه هو الذي صُلِبَ! أَظهَر الرب حبَّه بكلماته على الصليب: إلاَّ أنه ليس بواسطة الصليب وحده، بل أيضاً بواسطة كلمات الرب على الصليب، أَظهَر حبَّه للبشرية الذي لا يُنطق به. لقد سُمِّر (الرب) على الصليب واستهزأوا به وبصقوا عليه، ومع ذلك قال: «يا أبتاه، اغفِر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لو 23: 34). فقد صلَّى من أجل الذين صلبوه رغم قولهم له: ”إن كنتَ ابن الله فانزل عن الصليب... فنؤمن بك“ (مت 27: 42،40). ولكن لأنه بالذات هو ابن الله لم ينزل عن الصليب حيث إنه جاء لكي يُصلَب من أجلنا. ولكن قولهم: ”انزل عن الصليب... فنؤمن بك“ لم يكن سوى كلام وحجَّة لعدم إيمانهم. لأن كونه يقوم من القبر الذي خُتِمَ بحجر لهو أَمر أعظم بكثير من نزوله عن الصليب. وإنه لأَمر أعظم بكثير أن يُقيم من القبر لعازر بعد أربعة أيام وهو مُقيَّدٌ بأكفانه من نزوله عن الصليب. كما أنهم قالوا: «خلِّص نفسك، إن كنتَ ابن الله» (مت 27: 40). ولكنه عمل كل شيء لكي يُخلِّص أولئك الذين كانوا يُعيِّرونه: «يا أبتاه، اغفر لهم». وما الذي حدث؟ هل غفر لهم هذه الخطيئة؟ لو كانوا راغبين في التوبة لكان قد غفر لهم. ولو لم يغفر لهم هذه الخطيئة لَما صار بولس رسولاً. لو كان لم يغفر لهم لَما جاء إلى الإيمان في الحال آلاف (بواسطة عظة بطرس الرسول)، ثم عشرات الألوف. فبخصوص آلاف اليهود الذين آمنوا، اسمع قول الرسل لبولس الرسول: «أنت ترى، أيها الأخ، كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا» (أع 21: 20). إذن، فلنتشبَّه بمعلِّمنا ونُصَلِّ من أجل أعدائنا، فبينما كان مصلوباً تكلَّم مع أبيه من أجل صالبيه. ورُبَّ أحد يقول: ”كيف يمكنني أن أتشبَّه بالسيِّد؟“. يمكنك ذلك لو أردتَ. ولو لم يكن ممكناً أن نتشبَّه به، فلماذا قال: «تعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب» (مت 11: 29)؟ ولَمَا قال بولس الرسول: «كونوا متمثِّلين بي كما أنا أيضاً بالمسيح» (1كو 11: 1). وإن لم تريدوا أن تتشبَّهوا بسيدكم، فتشبَّهوا بزميلكم خادم الرب إسطفانوس الذي تشبَّه بالسيد. لأنه كما أن المسيح في وسط صالبيه تغاضَى عن آلامه وعن منفعته الشخصية وتوسَّل لأبيه من أجل صالبيه؛ هكذا أيضاً العبد (إسطفانوس) في وسط الذين كانوا يرجمونه لم يأبه بآلامه وقال: «يا رب، لا تُقِم لهم هذه الخطية» (أع 7: 60). أَتَرَون كيف نطق ابن الله وكيف نطق العبد؟ وهو لم يُصلِّ بشغف بينما كان يُرجَم حتى الموت فحسب؛ بل إنه «جثا على رُكبتيه وصرخ بصوت عظيم: يا ربُّ لا تُقِم لهم هذه الخطية»، وبشفقة عظيمة أيضاً. وهناك خادم آخر أيضاً تألَّم أكثر من ذلك هو الرسول بولس الذي قال: «من اليهود خمس مرات قَبِلتُ أربعين جلدة إلاَّ واحدة. ثلاث مرات ضُربت بالعِصِيِّ. مرة رُجمتُ... ليلاً ونهاراً قضيتُ في العمق» (2كو 11: 25،24). ومع ذلك فقد قال: «فإني كنتُ أَوَدُّ لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد» (رو 9: 3). أتريدون أن تروا شخصاً آخر من العهد القديم مِمَّن يُتعجَّب لهم؟ إنه بلغ إلى الفضيلة الرسولية مع أنه لم يتلقَّ وصية محبة الأعداء، بل وصية ”عين بعين وسِنّ بسنٍّ“ وأن يُقابل الشر بالشر (خر 21: 25،24). استمع لما قاله موسى النبي الذي اضطهده اليهود: «والآن إنْ غفرتَ خطيتهم، وإلاَّ فامحُني من كتابك الذي كتبتَ» (خر 32: 32). أترون أنَّ كل واحد (منهم) جعل خلاص الآخرين قبل خلاصه! إنك لم تُخطئ، فلماذا تريد أن تُشاركهم في العقاب؟ يقول: ”لأنني لا أشعر بالسعادة قط عندما يتألَّم الآخرون“! أترون مرةً أخرى نفس أنواع التصرُّفات الفاضلة؟ كما أن صموئيل النبي، أساء اليهود معاملته وجرَّدوه من وظيفته وأهانوه لدرجة أنَّ الله أراد أن يُعزِّيه فقال له: «إنهم لم يرفضوك انت، بل إيَّاي رفضوا» (1صم 8: 7). أما عن ذاك الذي رفضوه وأساءوا معاملته فقد قال: «أما أنا فحاشا لي أن أُخطئ إلى الرب فأَكُفَّ عن الصلاة من أجلكم» (1صم 12: 23). هكذا اعتَبَر (صموئيل) أنَّ عدم الصلاة من أجل أعدائه خطيئة! أخبروني، إذن، أي نوع من المغفرة نريد أن نحصل عليه؟ الرب وخُدَّامه في العهدَيْن جميعهم يدفعوننا إلى أن نُصلِّي من أجل أعدائنا، في حين أننا نفعل العكس، ونصلِّي ضدهم! وبقدر كثرة عدد الأمثلة التي أمامنا، بقدر ما تكون العقوبة إنْ لم نقتدِ بتلك الأمثلة. صلاتنا من أجل أعدائنا إنما هي أمرٌ أعظم من الصلاة من أجل أحبَّائنا. كما أنه ليس من النافع لنا أن نُصلِّي من أجل أحبَّائنا مثلما نُصلِّي من أجل أعدائنا، فإنَّ الرب يقول: «لأنه إن أحببتم الذين يُحبُّونكم، فأيُّ أَجْر لكم؟ أليس العشَّارون أيضاً يفعلون ذلك؟» (مت 5: 46). فإذا صلَّينا من أجل أحبَّائنا فلا نكون بعد قد صرنا أفضل من الوثنيين والعشَّارين؛ أمَّا إذا أحببنا أعداءنا فنصير مثل الله بقدر كفاية الإنسان. فدعونا، إذن، نصير مثل الآب، لأن الرب قال: «لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات» (مت 5: 45) ، وذلك لكي نكون مستحقِّين ملكوت السموات بنعمـة الرب ومحبـة البشر التي لمخلِّصنا يسوع المسيح، الذي له المجد إلى الأبد، آمين. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الصليب واللص اليمين للقديس يوحنا ذهبي الفم(1) |
مجد الصليب و فخره للقديس يوحنا ذهبى الفم |
صور للقديس يوحنا ذهبى الفم |
هل حقا قام - للقديس يوحنا ذهبي الفم |
الصليب - للقديس يوحنا ذهبي الفم |