رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الحب الإلهى والانبا بولا اليوم " 1 " أمشير وهو عشية عيد نياحة القديس العظيم الأنبا بولا أول السواح .. الأنبا بولا سيرته كلها عجيبة .. نستطيع أن نقول أن النفس التي لا تسلك بالروح والنفس التي لم تتذوق الحب الإلهي لا تستطيع أن تستوعب سيرة هذا القديس العظيم .. ولكي نقترب من سيرة الأنبا بولا لابد أن نخلع حذاءنا .. لابد أن نقترب لها بفكر سماوي .. لأنه من الصعب أن نقترب لسيرة شخص عاش ثمانون عام في صمت وخلوة مع الله بفكر أرضي كان الأنبا بولا صغير السن يعيش في بيت أبيه وكان أبيه ذو أموال كثيرة .. ثم انتقل أبيه وترك له هو وأخيه الأكبر ثروة ضخمة .. وطمع أخوه في نصيبه ولكن بمكر فأعطاه القليل وقال له أنت صغير وأنا سأحفظ لك نصيبك .. فقالوا له لتشكو أخيك للقاضي وفيما هو ذاهب إلى القاضي وجد جنازة إبن حاكم البلد وكانت جنازة عظيمة وقالوا له أنه ذو ثروة وجاه عظيمين وقد إنتقل دون أن يأخذ معه شئ .. فقال في نفسه إن كان إبن حاكم البلد لم يأخذ معه شئ فماذا سآخذ أنا ؟ سأذهب إلى البراري والقفار وأحيا مع الله حادثتي موت أثَّرتا في الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا .. حادِثة موت والد الأنبا أنطونيوس حيث كان رجل مهيب جداً .. عُمدة .. وكان الأنبا أنطونيوس يخافه وفي أحد الأيام خرج من منزله ولما عاد وجد والده قد مات وراقد في فِراشه وقد ترك كل شئ فقال له أنت قد تركت العالم بدون إرادتك أما أنا فسأتركه بإرادتي .. والأنبا بولا أثَّرت فيه حادِثة موت إبن حاكم البلد ترك الأنبا بولا كل شئ وذهب إلى البراري .. تُرى بماذا كان يقتات ؟ وكيف كان يعيش في برد الليل وحر النهار ؟ النفس التي تحيا لله يهتم الله بكل تفاصيلها لذلك لم يفكر الأنبا بولا في برد أو حر أو طعام .. عالهُ غراب .. أمر عجيب لأن الغراب معروف أنه كائن لا يُطعم صِغاره .. مجرد أن يفقس البيض تترك الأم صغارها وتهرب .. أما الصغار فهي تفتح فاها لتلتقط بعض الحشرات الطائرة .. فإن كانت الغربان لا تعول صِغارِها فكيف تعول الأنبا بولا ؟ يقول الله أنا القادر أن أجعل الغربان التي لا تعول أولادها تعولك .. كلما وضعت ثِقتك في الله أكثر كلما إهتم بك أكثر .. مجرد أن تضع ثِقتك في الله يقول لك أنا الراعي الصالح .. أنا أبوك أعزيك وأهتم بك ولكن ... البرية بها أخطار ولصوص ووحوش وزوابع .. كل هذه أخطار تواجه أهل البراري لأن الذي يسكن البراري هم لصوص عُتاه هاربين من أحكام فكيف تسكن أنت يا أنبا بولا في البرية ؟ يقول أنا أردت أن أبتعد عن الكل لأرتبط بالواحد .. أنا وجدت في الله كفايتي بينما وجدت في العالم حرمان .. نقول له إذاً لتظل في البرية سنة سنتان أو عدة سنوات ثم تبحث عن مجموعة رهبان تسكن معهم .. يقول لا لأن الذي يعيش في البرية كلما عاش بها كلما ارتبط بها قد نقول لقد حفظنا الإنجيل والأجبية .. وبعد ؟ عشت سنوات مع الله .. وبعد ؟ يقول لنا الأنبا بولا أن الحياة مع الله كل يوم جديدة مثل المن الذي أعطاه الله لبني إسرائيل من السماء وكان كل يوم جديد .. وكل من مَلْ من الحياة مع الله فهذا إنسان في جهاده شئ خاطئ لأن الحياة مع الله تُزيدك إرتباط بالله وغمر يُنادي غمر وحب ينادي حب وفيض ..... وكما رأى حزقيال النبي أن الماء وصل إلى الكعبين ثم ازداد ووصل إلى الركبتين ثم إلى الحقوين ثم صار الماء نهر لا يُعبر ( حز 47 : 3 – 5 ) .. عش مع الله بأمانة وستفرح أكثر لأنه فيض وكما تقول التسبحة [ هو يكون لهم طعام حياة حلو في حناجرهم أحلى من العسل ] كلما رفع قلبه لله كلما وجد تعزية وأفراح تُلهيه عن العالم لكنه لم يكن كاره للعالم .. لا .. الذين يحيون مع الله ليسوا كارهين للعالم بل رافضين للإستعباد له .. حتى أنه عندما تقابل مع الأنبا أنطونيوس كان بينهما حديث لم يعرفه أحد لكن قيل عنه " كانا يتكلمان في عظائم الأمور " .. لو جلسنا معاً فيما نتكلم ؟ نتكلم فيما يشغل عقولنا .. هل ننشغل بالطعام والملبس والتعليم و ...... ؟ سُؤِل أحد الآباء فيما تفكر ؟ فقال كنت أحاول أن أعرف ما الفرق بين الشيروبيم والسيرافيم والكراسي والقوات و ...... ؟ عظائم الأمور .. يفكر الإنسان بحسب ما يعيش سأل الأنبا بولا الأنبا أنطونيوس عن أحوال العالم وهل يعيش أهل العالم في أمان أم لا ؟ هل النيل يفيض وهل الناس تعيش في خير ؟ يُقال أنه كانت هناك سنوات جفاف والله أفاضَ لهم النيل بصلوات الأنبا بولا لم يكن الأنبا بولا يرى وجه إنسان .. كيف يحتمل شخص أن لا يرى وجه إنسان لهذه الفترة الطويلة إلا لو كان هناك فرح يُلهيه أفضل من الفرح البشري .. وكما يقول الآباء [ من امتلكك شبعت كل رغباته ] .. نعم لا ينظر إلى الفُتات عاش الأنبا بولا في البرية وانتصر وتخلص من سلطان الجسد ومن العدو ومن الزمن والهموم .. عاش لله فقط .. ما هذا الجمال وهذه العظمة ؟ كان يحيا دائماً في حالة رفع قلب ورفع يد .. هذه الحالة جعلته كما قال داود النبي [ أما أنا فصلاة ] ( مز 109 : 4 ) .. صار الأنبا بولا صلاة .. كان يتآنس بالوحوش ولا يخاف من حر النهار أو برد الشتاء والليل وفي كل يوم كان اختباره يتجدد في العشق الإلهي فيزداد حرارة حتى أنه كان لا يشتاق للنوم بل يشعر أنه في حالة انجذاب دائمة لله قد نسأل .. هل مثل هؤلاء لا يُصيبهم الإكتئاب ؟ نقول أن الإكتئاب لا يأتي من خارج الإنسان أو مما حولهُ بل من داخله .. والدراسات تقول أنه كلما إزدادت الرفاهية كلما إزداد الإكتئاب .. والدول المتقدمة جداً تُباع بها أدوية الإكتئاب على الرف بدون روشتة .. قد نقول لهذه الدول أنتم لكم من المال والجاه والرفاهية في الحياة ما ليس لغيركم فما الذي يُقلقكم إلى هذه الدرجة ؟ الإنسان لا يشبع من داخله .. قال أحد الآباء لله [ شقي أنا وفقير بدونك .. تعال واقترب إليَّ لأني لا أفرح في غِيابك لا يوم ولا ساعة ] .. قد نحتاج لأحد يسأل عنا دائماً .. نعم هذا احتياج نفسي .. لكن لو كنا في شبع بالله سوف لا نحتاج لسؤال الناس لأن الأنبا بولا كان دائماً مشغول بالله لذلك لم تمر عليه لحظة إلا وهو في حالة إتصال دائم بالله لو كنت في حالة فراغ ستحتاج لمن يسأل عنك .. لكن .. لو وجدت فرحك وتعزياتك في الله لن تحتاج لبشر .. الإنسان من طبعه أنه لا يشبع لذلك لا سلام ولا اطمئنان إلا في الله .. كان الأنبا بولا إذا رأى إنسان من بعيد يهرب منه ومن لقائهِ .. ونحن نعرف أنه لو ظل شخص لفترة وحيد عندما يرى إنسان يناديه ليؤنس وحدِته يُقبِل إليه لكن الأنبا بولا كان كل يوم يجد في الله ما يسُر قلبه ويُلهيه ظلَّ الأنبا بولا طول هذه الفترة وحده ولم يكتب لنا كلمة لكنه كان صامت وكأنه يقول " أنا صامت أمامك لكن صمتي يُحدثك " .. بالصمت يزداد الكنز والغِنى فماذا يحتاج بعد ؟ لذلك أسَّس الأنبا بولا طغمة السواح وخرَّج شباب كثير في هذا الطريق وسار فيه نساء وشيوخ ووصلوا لدرجة السياحة حتى أنه يُقال أنه في هذا الطريق يخِف ثِقَل الجسد وثِقَل الزمن والعالم وثِقَل الشيطان ويقترب الإنسان من الملائكة .. نعم هو إنسان وليس ملاك وأيضاً هو ملاك وليس إنسان ينتقل من مكان لمكان ويدخل الكنيسة دون أن يراه أحد .. وقد يجتمع آباء سواح في كنيسة للصلاة دونَ أن يراهم أحد و ...... هؤلاء هم أبناء الأنبا بولا قد نكون في مصر مُهملين في حق قديسينا لكن في بلاد الأرمن يهتمون جداً بالقديسين فنجدهم يحتفلون بالأنبا أنطونيوس عدة أيام وبالأنبا بولا و ...... ويقولون أن واحد منهما أسَّس طغمة الرهبان والآخر أسَّس طغمة السواح .. إذاً ليسا هم بقليلين .. قد يعترض البعض ويقول لهم لكن هناك شهداء .. يقولون نعم لكن الشهيد يتألم يوم أو بعض الأيام لكن هؤلاء يتألمون كل يوم لذلك أطلقوا عليهم إسم" الإستشهاد الأبيض " .. كل يوم يقدم ذبيحة لله ذبيحة مشاعر وذبيحة نسك وغلبة مشاعر وبالطبع العدو يتضايق لكن كلما حُورِب الأنبا بولا كلما إزداد ثبات تقابل الأنبا بولا مع الأنبا أنطونيوس وكانت بينهما مشاعر مثل مقابلة أبونا يسطس وأبونا عبد المسيح الحبشي و يتقابلان لأن النفوس عندما ترتفع تلتقي وتتآلف الأرواح هذه هي سيرة الأنبا بولا العطرة المملوءة بالحب الإلهي والأمانة لله .. قد تقول لي أنا لستُ مثل الأنبا بولا .. أقول لك على الأقل عش بمبادئه .. عش في العالم لكن لا تُستعبد للعالم وإن كان في العالم مِلكيات فعلى الأقل لا تجعلها تخسَّرك الأبدية .. وإن كنت كثير الكلام تعلَّم الصمت والكلام القليل .. وإن لم تكن مُصلي فتذوق الصلاة وتمتع بها لكي يقِل عنك ثِقَل العالم كنيستنا مملوءة بالقديسين ليس لنستمع إلى سيرتهم فقط كقصة لكن لنتمثل بهم وبإيمانهم ونسلك في طريقهم ونتشفع بهم ونتودد لهم ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين |
|