رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا تواضروس مقال لقداسة البابا تواضروس الثاني في مجلة الكرازة أعظم قرار يقولون إن حياة الإنسان هي “قرار” بمعنى أنه يمضي في حياته ومن خلال سنين عمره في اتخاذ قرارات عديدة لا يمكن أن نحصرها ولكنها تمتد ما بين القرارات اليومية والدورية والصغيرة والكبيرة والمتكررة والنادرة والمؤثرة أو غير المؤثرة ولكن في مجملها تشكّل “حياة الإنسان”. ولذلك يقولون إن القرار هو علم وفن ومهارة وهندسة وصناعة ونية. وهذا يعتمد على عقلية الإنسان ورغبته وعلى زمن الإنسان وبيئته وأحوال الإنسان وتطلعاته. ولكن الخطورة تكمن في نتيجة القرار لأنه إن كان صائبًا ومفيدًا فإنه يسهم في تقدم الإنسان ونجاحه وإن كان عقيمًا وخائبًا فإنه يرجع بالخسارة على صاحبه ومن حوله. والقرارات أنواع بعضها دائمة التكرار أو قليلة التكرار أو نادرة التكرار مثل قرار الهجرة للخارج أو قرار الزواج أو قرار التكريس ودخول الدير.. كما أن القرارات تمر بثلاث مراحل أساسية وهي: مرحلة ما قبل القرار ويجب أن تكون خطوة ذكية ومحسوبة جيدًا وتأخذ حقها من التفكير والوقت. ثم المرحلة التالية وهي خطوة اتخاذ القرار أو صناعة القرار وهي خطوة حاسمة وتوصف دائمًا بأنها خطوة جريئة. وتكتمل هذه الخطوات بالخطوة الثالثة وهي دعم القرار والحرص على فاعليته ومتابعته من أجل النجاح. وفي المقابل هناك القرار الفاشل والذي يتم بدون مشورة وبدون حساب للوقت وعامل الزمن وبدون تقدير لعواقبه ونتائجه وآثاره على المدى البعيد والمدى القريب… وإذا بحثنا في أعظم قرار يأخذه الإنسان في حياته ويدوم معه ويمتد بأثره إلى حياته السماوية فإنه بلا شك “قرار التوبة” لأن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجون إلى التوبة (لو 15: 7). وقرار التوبة هو الذي يجعل لحياة الإنسان معنى وقيمة، فلولا التوبة ما كان القديس موسى الأسود القوي معروفًا في التاريخ وبالمثل القديسة مريم المصرية وبالمثل القديس أوغسطينوس وكثيرين غيرهم عندما تبدلت حياتهم تمامًا بهذا القرار وانتقلوا من الظلمة إلى النور. وإذا أردنا أن نفهم طبيعة قرار التوبة وآثاره وفعاليته فإنه يجب أن ندرس في (لوقا 15) حيث أصحاح التوبة والذي يذكر ثلاثة معاني واقعية تشرح أبعاد هذا القرار من خلال ثلاثة أمثلة: الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال. وسوف نركز إنسانيًا على المثل الثالث (الابن الضال): تبدأ القصة من بيت الأب حيث عامله ابنه الأصغر بجفاء وطلب نصيبه من المال بأنانية كاملة وسافر بعيدًا فرحًا بأصحابه وماله!! ومضى حيث بذَّر ماله وفقد عقله وقدرته وأشبع شهواته متناسيًا أن الحال لن يدوم!! حتى وصل إلى الجوع لأن العمر المنقضي في الملاهي لا يُشبع أحدًا، وابتدأ يحتاج ويبحث عن مصدر للإشباع، ووجد نفسه يهوى إلى مزرعة خنازير فاقدًا كرامته ومكانته وبنوته التي كان يتمتع بها ذات يوم في بيت أبيه!!! والأخطر أنه كان يشتهي طعام الخنازير ولم يجده.. وهكذا الخطية التي تذل الإنسان في حمأة الطين. ثم كان أعظم قرار أنه رجع إلى نفسه وقارن حاله الحاضر والمؤسف بالحال الذي كان عليه في بيت أبيه من وفرة وأمان.. وقام ليبدأ هذا القرار بتغيير الاتجاه، ورغم أنه فقد كل شيء إلا الرجاء الذي استند عليه وهو يقوم واثقًا في مراحم الله، وجاء إلى أبيه وهو في هذا الحال المؤلم غير ناظرًا إلى حاله وخطئه وندمه بقدر ما نظر وترجى مراحم الله ورأفته وحنانه لأن الله متلهف دائمًا لرجوعنا باحثًا عنا معطيًا فرصًا عديدة لعودة الخاطئ بدلاً من هلاكه… جاء معترفًا بخطئه وسقوطه واستمر في العودة بثقة حتى وإن صار أجيرًا في بيت أبيه فهذا أفضل من حاله الحالي. ولكن أباه لما رآه تحنن وركض نحوه ووقع على عنقه وقبله واحتضنه بالحب والفرح والسلام ماسحًا ذلك الماضي المخزي وبادئًا عهدًا جديدًا وعمرًا جديدًا بهذه التوبة الرائعة. لقد استرجع بالتوبة كرامة البنوة ولبس الحلة الأولى وتجدد عمل الروح فيه بوضع خاتم في يده ثم أيضًا لبس الحذاء الجديد ليبدأ حرية النعمة والحياة الجديدة ثم أكل من العجل المسمن رمزًا للإفخارستيا والاتحاد بالمسيح وصار قرار التوبة والعودة إلى حضن الآب هو أعظم قرار في حياة ذلك الإنسان. هذه هي التوبة التي تحوِّل الزناة إلى بتوليين وتمسح كل ظلام بنور المسيح، وهذا ما نردده في مزمور التوبة كل يوم: قلبًا نقيًا اخلق في يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي. وهذا هو قرار التوبة اليومي الذي يتخذه الإنسان باحثًا عن نقاوة القلب واستقامة السلوك في مسيرة حياته نحو الملكوت السماوي. يا صديقي قد تكون في حياتك قرارات كثيرة وعديدة ومتنوعة ولكن اعلم أن قرار التوبة هو أعظم قرار تتخذه بلا ندم على الإطلاق لأن به تتغير الحياة وتشعر بسعادة بالغة، كما شعر بها زكا العشار الذي كان يظن أن سعادته في أمواله وعمله ولكنه وجدها في تبعية المسيح مقدمًا توبة عملية وناجحة ليبدأ حياة مقدسة معه.. وأنت يا صديقي انتبه ولا تضيع الفرصة التي ربما لا تأتي ثانية… إنه أعظم قرار، ويقولون إن السرعة ضارة في كل شيء إلا شيء واحد هو قرار التوبة. |
|