منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 08 - 06 - 2023, 04:31 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,622

حبقوق النبي |الكبرياء والفراغ الداخلي


الكبرياء والفراغ الداخلي:

"هوذا منتفخة غير مستقيمة نفسه فيه، والبار بالإيمان يحيا، وحقًا إن الخمر غادرة. الرجل المتكبر لا يهدأ" [4-5].
إن كان الله قد سمح بتأديب شعبه بواسطة الكلدانيّين الوثنيين، فقد تعجّرف الكلدانيّون وظنّوا أنهم بقدرتهم واقتدارهم غلبوا انتصروا. لذلك يُحقّق الله غايته بهم أي تأديبه أولاده ليعود فيُعاقبهم على كبرياء قلبهم. وكما قيل بإشعياء النبي عن أشور أنه قضيب غضب الله وعصاهم في يدهم هي سخطه (إش 10: 5)، يُحقّق بهم غايته... فيكون متى أكمل السيّد عمله بجبل صهيون وبأورشليم أني أُعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه، لأنه قال: بقدرة يديّ صنعت وبحكمتيّ لأني فهيم، ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائرهم وحَططت الملوك كبطل، فأصابت يديّ ثروة الشعوب، كعش وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض، ولم يكن مُرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف. هل يفتخر الفأس على القاطع بها، أو يتكبّر المنشار على مردّده؟! كأن القضيب يُحرّك رافعه، كأن العصا تُرفع من ليس هو عودًا" (إش 10: 12-15).
هذا هو عمل إبليس في حياة الإنسان... الكبرياء، فيظن الإنسان أنه بقدرته وحكمته يُحقّق غايته، ولا يدرك أن كل طاقة وإمكانيّة هي من الله حتى وإن شوّه الإنسان طبيعتها وحرّفها عن غايتها.
بالكبرياء سقط إبليس من رتبته الملائكيّة وانحدر إلى أعماق الهاوية (إش 14: 12، عو 4)، لذا فهو لا يكف عن ضرب البشريّة بذات الداء ليحدرها معه من الحياة الإيمانيّة، ويفقدها التمتّع بالملكوت الإلهي ويهبط بها إلى ما هو دون المستوى الحيواني.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [من يرتفع بفكره مُتشامخًا فوق البشر يوجد منحطًا دون الخليقة غير العاقلة].
إن كان الشرّير بالكبرياء الشيطاني يهلك، فإن "البار بالإيمان يحيا".
يرى الدارسون أن هذه العبارة "البار بالإيمان يحيا" هي قلب نبوّة حبقوق وعصبها، وكما قيل "هذه الكلمات الشهيرة تُلخّص الرؤيا كله". اقتبسها الرسول بولس ليؤكّد أنه لا يمكن التبرير بأعمال الناموس إنّما بالإيمان بالمسيح يسوع، مختفين في برّه.
يقول القديس أغسطينوس: [فيّه نقوم، وفيه ننطلق إلى الآب لنصير كاملين بطريقة غير منظورة ومتبرّرين ]. فالبرّ ليس مجموعة يستلزم الإيمان السليم غير المنحرف،
وكما يقول القديس أغسطينوس: [حيث لا يوجد إيمان سليم لا يكون برّ، لأن البار بالإيمان يحيا].
نعود للكبرياء الذي يزرعه عدوّ الخير فينا ليحرمنا من الحياة الإيمانيّة الحقّة وينزعنا عن البرّ الذي في المسيح يسوع، لنجد أن هذا الكبرياء الفارغ يُعطي للنفس نوعًا من الجوع أو العطش الداخلي، خلاله يطلب الإنسان أن يشبع لا من برّ الله، وإنّما من كل ما هو أرضي خلال الظلم والاغتصاب... وقدر ما ينال يزداد فراغه الداخلي، ليبقى بلا شبع كل أيّام حياته.
بهذا الروح كان الكلدانيّون يُهاجمون الأمم ويصطادون البشريّة ويذلّوهم بلا شبع حقيقي: "الذي وسّع نفسه كالهاوية، وهو كالموت فلا يشبع بل يجمع إلى نفسه كل الأمم ويضم إلى نفسه كل الشرور، فهلا ينطق هؤلاء كلهم بهجو عليه ولغز شماتة به ويقولون للمكثّر ما ليس له: إلى متى؟! وللمثقّل نفسه رهونًا: ألاَّ يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مُزعزوك فتكون غنيمة لهم؟! لأنك سلبت أممًا كثيرة، فبقيّة الشعوب كلها تسلبك لدماء الناس وظلم الأرض والمدينة وجميع الساكنين فيها" [5-9].
إن أخذنا بالتفسير الحرفي نقول أن الكلدانيّين قد وسعوا نفوسهم كالقبر، يبتلعون الشعوب كالموتى ولا يشبعون. في تحرّك مستمرّ لاغتصاب الأمم والشعوب بالظلم بلا توقّف. لكن هذا العمل له نهاية، فتنقلب الموازين وتتحرّر الأمم المسبيّة، لتقف موقف الشماتة بالكلدانيّين وتسخر بهم قائلة:
"ويل للمكثّر ما ليس له، إلى متى؟"... يصبّون الويلات على الكلدانيّين الذين حسبوا أنهم نالوا الكثير، ولكنه في الحقيقة ليس ملكًا لهم، إنهم يردون ما حسبوه غنيمة!
"المثقل نفسه رهونًا (طينًا كثيفًا)"... ما جمعوه ليس بثروة وإنّما بطين كثيف، ليس ذهبًا وفضة لكنهم جمعوا ترابًا يثقّل نفوسهم بمحبّة العالم الأرضي.
"ألاَّ يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مُزعزوك؟"، في لحظة لا يتوقّعها الكلدانيّون، بينما هم مطمئنّون للغاية يقوم من كانوا كمن في حالة نوم ليصير الكلدانيّون غنيمة لهم بعد أن سبقوا فاغتنموهم. كما سلبوا الأمم، الأمم تسلبهم، وكما سفكوا الدماء تُسفك دماءهم، وكما عبثوا بالأرض والمدن يُعبث بهم.
لا يقف الأمر عند شبع الكلدانيّين وإنّما يفقدون ما ظنوه مكسبًا لهم، ويخسرون مالهم وكرامتهم... فيُقال لهم: "كما فعلت يُفعل بك، عملك يُرتد على رأسك" (عو 15).
إن كان الإنسان يظن أن الخطيّة بشهواتها وملذّاتها تشبع النفس، ففي الحقيقة تدخل بها إلى حالة فراغ داخلي وجوع وعطش... فيركض الإنسان إليها ليشرب منها كما من مياه البحر المالحة التي تزيده عطشًا، بل وتفقده حتى حياته.
ثانيًا: الربح القبيح:

"ويل للمُكسب بيته كسبًا شريرًا، ليجعل عشه في العلوّ، لينجو من كف الشر. تآمرت الخزي لبيتك، إبادة شعوب كثيرة وأنت مخطئ لنفسك، لأن الحجر يصرخ من الحائط، فيُجيبه الجائز من الخشب" [9-11].
هذا هو الويل الثاني، الأول سبب خطيّة الكبرياء غير المشبعة للنفس بل مهلكة لها، أما الثاني فبسبب حب الربح القبيح. يظن الشرّير أنه يملأ بيته خيرات ولم يدرك أنه يجمع كسبًا شريرًا يجلب لعنة على كل بيته. يقول الحكيم: المولع بالكسب (الطامع) يكدر بيته" (أم 15: 8). إنه يجمع الربح القبيح حاسبًا أنه يطير به إلى حيث لا يقدر أحد أن يقترب منه ليبني عشه في العلو، وإذا به يبني بيته بالخزي، فيخطئ إلى حق نفسه. الحجارة التي اقتناها بمال الظلم لبناء البيت تصرخ شاهدة على شرّه، والعوارض الخشبيّة التي بها يتماسك البناء لا تصمت، البيت الذي يبنيه من مال الظلم يتحوّل إلى آلة محزنة تنشد مرثاة على صاحبها.
لقد ظن آخاب الملك وزوجته إيزابل أنهما قتلا نابوت اليزرعيلي وورثا كرمه وليس من يسألهما ولا من يُراقب تصرّفاتهما، فإذا بهما يقتنيان هلاكهما، إذ كان كلام الرب لآخاب خلال إيليا النبي: "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1 مل 21: 19).
ثالثًا: العنف:

"ويل للباني مدينة بالدماء، وللمؤسّس قرية بالإثم.
أليس من قبل رب الجنود أن الشعوب يتعبون للنار، والأمم للباطل يعيون؟!
لأن الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطى المياه البحر" [12-14].
هذا هو الويل الثالث الذي ينصب على الإنسان الذي في محبّته للكسب الشرّير أو الربح القبيح يتحوّل إلى وحش مفترس، فيبني مدينته بسفك الدماء ويؤسس قريته بقانون الإثم.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن الإنسان صار أشر من الحيوانات المفترسة، فإنها لا تأكل بعضها البعض مادامت من نفس النوع، أما الإنسان فيفترس الأخ أخاه في البشريّة، ويظن أنه غير قادر على بناء مدينة يستريح فيها إلا على حساب دم أخيه!].
على أي الأحوال تمتلئ الأرض من معرفة مجد الرب عندما يرى العالم أن الظالمين سافكي الدماء تعبوا لا ليقيموا مدنًا أو يؤسسوا قرى وإنّما ليصيروا وقودًا للنار، باطلًا يتعبون حتى يصيبهم المرض من الإرهاق، وبلا نفع!
إن كانت أجسادنا بسفكها للدماء أو إثمها صارت أرضًا، فإنها إذ تتقبل تقدّيس الروح تمتلئ من معرفة مجد الرب، فتحمل روح مخلصها الوديع، وإن كانت حياتنا قد صارت بحرًا مالحًا فإن مياه الروح القدس العذبة تحوّل طبيعتها.
أخيرًا إن كان الظلم يصل إلى أقصى بشاعة حينما يصير الإنسان سافكًا للدم، فإن القديس جيروم يرى أن الهراطقة هم أشر سافكي الدم، لا يقتلون الجسد بل النفوس بالانحراف عن الإيمان الحيّ، أي عن الحق، إذ يقول: [الهرطوقي الكاذب يقتل نفوس كثيرة بخداعه إيّاها... إنه مخادع ومتعطش للدماء].
رابعًا السكر:

"ويل لمن يسقي صاحبه سافحًا حموك ومسكرًا أيضًا للنظر إلى عوراتهم،
قد شبعت خزيًا عوضًا عن المجد،
فاشرب أنت أيضًا وأكشف غُرْلتك،
تدور إليك كأس يمين الرب،
وقياء الخزي على مجدك" [15-16].
الويل الرابع لخطيّة السكر، فإن من يسكر إذ يجد نفسه قد فقد كرامته الحقيقيّة واتّزانه الداخلي يُقدّم لصاحبه، سافحًا الزجاجة له لكي يُغريه بمنظرها، حتى كما فقد هو نقاوته يُريد النظر إلى عورة أخيه أي أسراره الداخليّة لإفساده في أعماقه.
من هو هذا الذي يُقدّم السكر إلاَّ عدوّ الخير الذي يجتذب الإنسان بإغراءاته كمن هو صاحبه ليفقده مسيحه الحقيقي ويجعله كمن هو في فضيحة. هذا التصرّف لا يزيد العدوّ مجدًا بل خزيًا، فإن ظن أنه بذلك يُقيم مملكته ويوسع نطاقها إنّما يملأ كأس غضب الله عليه ليشرب مما قدّمه لنا من مرارة مضاعفًا "في الكأس التي مزجت فيها يمزج لها ضعفًا" (رؤ 18: 3، 6).
"قياء الخزي على مجدك" [16]، هكذا يتطلّع الذين حوله إليه فلا يجدون فيه مجدًا حقيقيًا ولا غنى صادقًا، فيتقيّأون على مجده الباطل! هكذا مَن يعطي الآخرين من مسكر الخطيّة إنّما يُهيئ لنفسه من يتقيأ عليه ويخزيه!
ما نقوله عن مسكر الخطيّة الذي يجتذبنا إليه إبليس، نقوله أيضًا عن حياة الترف والتدليل، الحياة التي تحمل في داخلها موتًا للنفس وخزيًا عوض المجد الظاهر.
وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [الإنسان الذي يعيش في الملذّات ميت وهو حيّ إذ لا يعيش إلا لبطنه... من يقضي زمانه في الولائم والسكر ألاَّ يكون ميتًا ويُدفن في الظلمة؟‍!].
خامسًا الوثنيّة:

"ماذا نفع التمثال المنحوت حتى نحته صانعه أو المسبوك ومعلم الكذب، حتى إن الصانع صنعته يتكل عليها فيصنع أوثانًا بكمًا.
ويل للقائل للعود أستيقظ، وللحجر الأصم انتبه.
أهو يعلم، ها هو مطلي بالذهب والفضة، ولا روح البتّة في داخله،
أما الرب ففي هيكل قدسه،
فاسكتي قدامه يا كل الأرض" [18-20].
هذا هو الويل الأخير الذي وُجه ضدّ الكلدانيّين الذين افتخروا بآلهتهم التي هي من صنع أيديهم. حقًا إنها تكشف عن حذاقة في الصناعة ومهارة في العمل، أنفقوا الكثير لإقامتها إذ هي مطليّة بالذهب والفضة لكنّها في الداخل حجارة بلا روح ولا حياة‍‍‍!
ماذا تنفعهم هذه الأصنام يوم عقوبتهم؟! لقد طلبوا من العدوّ أي من البعل الخشبي أن يستيقظ ليُخلّصهم، ومن الإلهة الحجرية عشتاروت زوجة الإله بعل أن تنتبه لما حلّ بهم وترق لحالهم، لكنهما لا يقدران على الخلاص. إنهما إلهان جميلان في المنظر لكنهما عاجزان تمامًا، أما الله الحقيقي ففي هيكل قدسه لا تقدر الأرض أن تقف أمامه.
عجيب هو الإنسان الذي يترك إلهه القائم في قلبه كما في هيكل سماوي، ويسعى إلى أفكاره الذاتيّة وكأنها الآلهة الوثنيّة الجميلة في منظرها وبراقة لكن بلا حياة، وعاجزة عن تقديم الخلاص.
مسكين هو الإنسان الذي يرفض واهب الخلاص الذي يجعل من قلبه سماء ويتعبّد للأفكار والفلسفات البشريّة المخادعة فتجعل منه أرضًا... إنه لا يقدر أن يُقاوم الرب إذ يسمع الصوت: "اسكتي قدّامه يا كل الأرض" [20].
ليتنا لا نكون أرضًا تسكت وتبكم أمام الله، وإنّما نكون سماءً روحيّة تحمل كلمة الله وأصوات سماويّة مفرحة وتسبحة ملائكيّة لا تتوقّف.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
حبقوق النبي | وقف النبي على المرصد يترقب كلمة الله
حبقوق النبي | قد دخل إلى الألم الداخلي
حبقوق النبي | حبقوق يرق لشعبه
شخصية حبقوق النبي في سفر حبقوق في الكتاب المقدس
سفر حبقوق 1: 1 الوحي الذي راه حبقوق النبي


الساعة الآن 10:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024