|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قاضي الظلم - الفريسي والعشار - العبد الذي لا يغفر
(لو18: 1 - 14 + مت18: 23 - 35) مثل قاضي الظلم:- هناك قرابة بين مثل صديق نصف الليل (لو11: 5) ومثل قاضى الظلم هنا، فكلاهما يتكلم عن الإلحاح في الصلاة والطلب. ولكن هناك فارق مهم بينهما. فمثل صديق نصف الليل يحدثنا عن إنسان يُلِّح في طلبه لأن له إحتياج. أما مثل قاضى الظلم فيشير لإستعدادنا الدائم وإستعداد الكنيسة كلها وسط ضيقات هذا العالم بالصلاة، حتى المجئ الثاني للمسيح. مثل قاضى الظلم يحدثنا عن الصلاة واللجاجة وعدم إستجابة الله الفورية والإستجابة في النهاية. ولاحظ المناسبة التي قيل فيها المثل، فالمثل جاء بعد أن أجاب الرب على سؤال الفريسيين "متى يأتي ملكوت الله" (لو17: 20) ثم تعليمه لتلاميذه بأن يصلوا كل حين بلا ملل (لو18: 1). وختم الرب المثل بكلامه عن نهاية الزمان ومجيئه الثاني وقال "متى جاء ابن الإنسان، ألعله يجد الإيمان على الأرض" (لو18: 8). ترتيب الأحداث:- ما بين مثل الغنى ولعازر، ومثل قاضي الظلم وقت طويل. فبعد مثل الغنى ولعازر ذهب الرب إلى بيت عنيا ليقيم لعازر، وبعدها عقدت الرئاسات الدينية مجمعا ضد المسيح. وبعدها ذهب الرب إلى مدينة إفرايم (يو11: 54) وقضى مدة يعظ ويعلم من حدود الجليل إلى أورشليم، وبدء الإستعداد لرحلته الأخيرة إلى أورشليم (لو17: 11). وخلال هذه المدة كانت أحداث إصحاح 17 وحديثه عن مجيئه الثاني، وعن أيام النهاية، وهذا ما جعل الفريسيين يسألونه "متى يأتي ملكوت الله". وهناك مفهوم خاطئ في تفسير المثل حين يُفَسَّر على أن الرب يعلم تلاميذه اللجاجة في الصلاة كما في مثل صديق نصف الليل، وكأن الله يستجيب للأرملة فقط بسبب لجاجتها. أو كأن الله لا يسمع لنا إن لم نلح في الطلب وهذا خطأ. والصحيح أن الله يستجيب للمرأة بسبب أن قضيتها عادلة (المرأة هنا تمثل الكنيسة). لجاجة الكنيسة ليست السبب في الإستجابة، ولكن ثقتها في عدالة طلبها يجعلها تستمر في الصلاة، حتى بالرغم من أن كل الظروف المحيطة تدعو لليأس، بل أن الله يتأخر في الإستجابة. ويجب أن نثق أنه إن كان قاضى الظلم إستجاب فكم بالحرى الله الذي يحفظنا في قلبه نحن خاصته، وهو القاضى العادل الذي من المؤكد أنه يستجيب حتى لو تأخرت الإستجابة. والقاضى العادل لن يغير قراره مخلوق أيا كان. إذًا الصلاة والإستمرار فيها بلا فتور هي لنا وليست لتغيير قرار الله. الصلاة هي إعداد لنا لملكوت الله. لذلك بدأ الرب كلامه مع تلاميذه في (18: 1) أنه ينبغى أن يُصَلَّي كل حين، وهنا نرى الفرق بين مثلى قاضي الظلم حيث يطلب الرب منا أن نصلى كل حين، وصديق نصف الليل الذي يطلب الرب فيه أن نصلى بلجاجة عندما يكون لنا حاجة. الله يريد من الكنيسة أن لا تكف عن الصلاة حتى لو تأخر في إستجابته، ومهما تأخر مجيئه الثاني ليأخذنا إلى المجد. والرب يتأخر في مجيئه ليكمل عدد الكنيسة. الرب يريدنا أن نتشبه بهذه المرأة التي كانت تأتى بإستمرار وربما كل يوم مرات ومرات. إذًا الصلاة ليست ليستجيب الله بل لنكون نحن كاملين ومستعدين. [وإذا حدث ولم تستمع الكنيسة لهذه النصيحة من رب المجد وتستمر في الصلاة فالنتيجة التي رآها رب المجد مقدمًا بجد محزنة "ألعله يجد الإيمان على الأرض" فالمقاومين وأعداء الكنيسة كثيرين وأشداء ولا يكفوا عن الهجوم على الكنيسة. وإن إمتنعنا عن الصلاة بروح اليأس نضعف وتفتر محبتنا والنتيجة المحزنة أن ينتهى الإيمان من الأرض بعد كل ما عمله المسيح. أما الصلاة فهي دعامتنا وسط هذه الحروب وبها نثبت، بل تكون هذه الحروب وثباتنا فيها سببا لإنتشار الإيمان كما حدث في الكنيسة الأولى.] وهناك سؤال يبدو أنه منطقى - لماذا يضرب الرب مثلا لقاضى ظالم ليشير لإستجابته لنا؟ أو كيف يكون مثل قاضى الظلم صالح لتوضيح حقيقة عدل الله؟ في الحقيقة يجب أن نفهم أن هذا أسلوب عبرانى في الكلام - ولاحظ أسلوب المثل "فإنى لأجل أن هذه المرأة تزعجنى، أنصفها - "أفلا ينصف الله مختاريه". وهذا أسلوب عبرانى شائع تجده على كل صفحة من كتابات الربيين اليهود، ويسمونه الخفيف والثقيل، أو من الأصغر إلى الأكبر. مثال "إذا كان الخاطئ أخذ كذا أفلا يحصل البار على أكثر". وإستخدم هذا في الناموس 10 مرات (مثلا تك42: 8 | خر6: 9 ، 12 + عد12: 14..). فيكون معنى المثل إن كان القاضى الظالم قد أنصف الأرملة، أفلا ينصف المسيح القاضي العادل كنيسته التي أحبها. وهنا يشبه الكنيسة بأرملة، إذ هكذا تبدو لمن يضطهدونها ويظلمونها في هذ العالم. [وعلى الكنيسة أن تلجأ لله بالصلاة المستمرة وفي إلتصاقها بالله تجد القوة فتتشدد وتثبت.] القاضى الظالم:- هناك نوعين من القضاة عند اليهود. القضاة الرسميين اليهود، وقضاة محليين للتحكيم في المنازعات يعينهم هيرودس أو الرومان لحل المنازعات البسيطة. وهؤلاء كانوا لمنع الجرائم. وهؤلاء هاجمهم التلمود ووصفهم بالجهل والطمع وأنهم يحرفون حكمهم بسبب وليمة لحم. وبينما كان القضاة الرسميين لهم أيام ومواعيد للحكم في القضايا ولا يتقاضون مرتبات بل يعملون كمتبرعين، كان عمل هؤلاء القضاة المحليين مستمر طول الوقت ولا يعملون عملا آخر وبالتالي كانوا يتقاضون أجورا عالية من خزانة الهيكل. ولذلك كرههم اليهود وتلاعبوا بالألفاظ فأطلقوا عليهم "قضاة السرقة" بدلًا من "قضاة المنع أو قضاة العقوبة" والتلاعب في حرف واحد. ومثل الرب يسوع عن قاضى الظلم كان يقصد به واحد من هؤلاء. هذه الأرملة تزعجنى = هذا نفهمه من أن المرأة تذهب إليه وتقرع بابه لينصفها ليلا ونهارا، وهذا يفسره أنه ليس من القضاة الرسميين الذين لهم مواعيد محددة، بل هو من القضاة المحليين، وهؤلاء يمكن أن تذهب لهم أي وقت طوال اليوم. بينما نجد في المثل السابق قاضٍ ظالم غير بار، نجد هنا نوع آخر من المرفوضين من الله هو هذا الفريسي الذي يشعر بالبر الذاتى في كبرياء، يشعر أنه في عزلة عن الناس الأشرار مثل هؤلاء العشارين، بل هو يحتقرهم (فريسي تعني معزول مفروز عن الناس). الفريسي والعشار الذين دخلوا من باب واحد إلى الهيكل يمثلون النقيضين من المجتمع اليهودي من الناحية الدينية. الفريسيين الشاعرين بنقاوتهم فهم لا يأكلون إلا مما دفعوا عشوره، ولا يأكلون مع هؤلاء الرعاع الخطاة إذ أنهم لم يهتموا بدفع عشورهم. ويشكرون الله أنه جعلهم لا يأكلون مع هؤلاء الذين لا يدفعون عشورهم بل عزلوا أنفسهم عنهم. والنقيض الآخر هم الذين يشعرون بخطاياهم ويقفون أيضًا بمعزل إذ أنهم يشعرون بأنهم غير مستحقين للوقوف مع باقى المصلين الأبرار. وبينما يصلي الفريسي صلاة شكر لأنه ليس من الخطاة مثل العشار لا يطلب العشار سوى رحمة الله إذ أنه غير مستحق لطلب أي شيء آخر. لاحظ أن الفريسي لا يشكر الله على ما أعطاه له، لكن يشكر الله على أنه ليس خاطئا مثل العشار الذي يصلي بجانبه. وأن هذا العشار يخطئ في كذا وكذا. ويشكر الله على أنه عزله عن أمثال هؤلاء الخطاة. وهذه ليست صلاة شكر بل هي كبرياء وإنتفاخ باطل وإحتقار لباقى الناس. والمثل الذي قاله الرب هنا عن الفريسيين ليس بعيدا عما كان يحدث فعلًا. فمن أمثلة صلوات الفريسيين المسجلة:- *من الصلوات الصباحية "أشكرك يا رب ملك العالم لأنك لم تجعلنى أممى (وثنى) ولا عبد ولا إمرأة". *أشكرك يا رب يا إلهي أنك جعلتنى أجلس مع هؤلاء الجالسين في الأكاديمية (أي المتعلمين الناموس، فغير المتعلمين هم رعاع لا يمكن أن يكونوا أتقياء) ولست مثل هؤلاء الجالسين في زوايا الشوارع يجمعون الأموال ويتاجرون. فأنا أستيقظ مبكرا وهم يستيقظون مبكرا، ولكن أنا أستيقظ وأذهب لدراسة كلمة الله، أما هم فيذهبون إلى أشياء باطلة. أنا أعمل وهم يعملون، لكن أنا أعمل لأجل المكافأة أما هم فلا مكافأة لهم. أنا أجرى وهم يجرون، لكن أنا أجرى لأحصل على الحياة الأبدية لكن هم يجرون إلى حفرة الهلاك. *أشكرك أيها الرب إلهي لأنك لم تخلقنى في المدن الكبيرة مثل روما التي يعيش سكانها على السرقة والنجاسة والباطل والحلف بالكذب. أما العشار فوقف ناظرًا للأرض شاعرًا بعدم الإستحقاق أن يقف مع شعب الله، لا يطلب سوى الرحمة -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- شاعرا أنه وحده الخاطئ أما بقية الناس حوله هم أبرار [هكذا شعر بولس الرسول فقال "الخطاة الذين أولهم أنا" أما قبل المسيحية يقول بولس الرسول "من جهة الناموس فريسي... من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم"]. وأخذ العشار ما طلبه أي مراحم الله. أما الفريسي لم يحصل عليها فهو لم يطلبها إذ يشعر أنه غير محتاج إليها لأنه بار. [لاحظ صلوات كنيستنا القبطية والتركيز على صلاة يا رب إرحم - كيريى لايسون]. هذا المثل ورد في إنجيل القديس متى، وقاله الرب يسوع قبل رحلة الرب يسوع الأخيرة إلى أورشليم وقاله خلال فترة وجوده في بيرية. والعلاقة بين مثل الفريسي والعشار ومثل العبد الذي لا يغفر واضحة، إذ قالهما الرب في نفس الوقت، وهى طلب رحمة الله - والغفران للآخر. وهكذا قال الرب لبطرس أن يغفر لأخيه 7 مرات 70 مرة أي بلا حدود. |
|