يُعتبر الأصحاحان الأولان مقدمة لسفر القضاة تكشف عن غاية السفر ولاهوتياته. فإن كان السفر يكشف عن فترة ارتداد عاشتها الغالبية العظمى من الجماعة في وسط أرض الموعد، ففي الأصحاح الأول أبرز الروح القدس إمكانية الإنسان في أرض الموعد أن يغلب أدوني بازق (إبليس) ويقتلع الكنعانيين (أعماله الشريرة)، وكأن ما وصل إليه الإنسان من ارتداد حدث بلا عذر، إنما بسبب تهاونه مع الخطية بالرغم من الإمكانيات الجديدة المقدمة له لينعم بمواعيد الله الصادقة.
وجاء الأصحاح الثاني يعرض لنا المفهوم اللاهوتي للسفر كله، ألاَّ وهو أن "الارتداد" (أو الانحراف عن الله) وكسر وصيته هما السبب في الضيق أو المرارة التي حلت بالإنسان. فإن كان السفر يعلن عما حل بالشعب من سلسلة من المتاعب والمضايقات التي حلت بهم بواسطة الأمم، إنما هي صورة مبسطة للمذلة التي هوى إليها الإنسان بإرادته خلال بعده عن الله الحيّ. في هذا الأصحاح نرى ملاك الرب وقد صعد من الجلجال حيث ذكرى "دحرجة عار مصر (العبودية) عنهم"، إذ "جلجال" تعني (دحرجة) (يش 5: 9)، منطقًا إلى "بوكيم" التي تعني "البكاء"... وكأنه أراد أن يدخل بهم إلى الدموع حتى في أرض الموعد ماداموا قد سقطوا في الشر. وباختصار نجد أن هذا السفر هو سلسلة لا تنقطع من الانحراف، فالمذلة، فالصراخ، فالتوبة ثم الخلاص! هذا هو الخط الرئيسي للسفر كله معلنًا في هذا الأصحاح.