قد بذلت حب عجيب عنا ألوف مراتٍ على جبل الجلجلة، بوقوفها تحت صليبه مدة ثلاث ساعات نزاعه، حاضرةً موته. ففي كل رفة عينٍ من تلك الثلاث الساعات، كانت تقرب حياته ذبيحةً من أجلنا بأوجاعٍ فائقة الوصف وبحبٍ شديد نحونا، وقد كان عزمها بهذا المقدار ثابتاً على بذل حياة ابنها عنا، حتى أنه حسبما يقول القديسان أنسلموس وانطونينوس: أنه لو أتفق حينئذٍ الا يعود يوجد من الجلادين أحدٌ، ليكمل ضد ابنها حكومة الموت، لكانت هي نفسها أماتته مصلوباً لتتمم بذلك ارادة الآب الأزلي، الذي كان يشاء موته لأجل خلاصنا، على أنه أن كان أب الآباء أبراهيم عينه قد اتصف بشجاعة مثل هذه، منطلقاً بأبنه الحبيب أسحق الى الجبل لكي يذبحه بيديه ذاتيهما قرباناً لله، فيلزمنا أن نصدق من دون ريبٍ، بأن مريم البتول الأعظم قداسةً من ابراهيم، والأوفر طاعةً منه لأوامر الله، لكانت بالحقيقة تممت بيديها هذه الذبيحة بأكثر شجاعةٍ وبأشد عزمٍ، لو لم يوجد من الجلادين من يميته، فلنعد الآن اذا الى موضوعنا، وهو أنه كم يلزمنا أن نعيش حافظين معرفة الجميل نحو أمنا هذه الحنونة