رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
باب السلطة القضائية فى مشروع الدستور الجديد هو من أكثر الأبواب إثارة للجدل، ليس لأنه يتخلى فى بعض مواده عن العمومية والتجرد، ولكن أيضاً لأنه يترصد بالقضاء وبالنائب العام، حيث راح المشرع يتفنن فى النكاية والتفصيل، متفوقاً بذلك على من كنا نسميهم بترزية القوانين فى العهد السابق!! لقد تضمن مشروع الدستور فى المادة «178» ما يشير إلى أن مدة النائب العام لا يجب أن تزيد على أربع سنوات، وكان يمكن عدم التوقف عند هذا النص لولا وجود نص آخر تضمنته المادة «227»، «أحكام انتقالية» والتى نصت على احتساب بدء هذه الولاية من تاريخ شغلها، أى انتهاء ولاية النائب العام وشغله للمنصب بمجرد الاستفتاء على الدستور والموافقة عليه مباشرة باعتبار أنه أمضى فى منصبه أكثر من 4 سنوات. هكذا جرى تفصيل المادة خصيصاً للنائب العام الحالى المستشار عبدالمجيد محمود، وهو ما يعنى أن قرار العزل والانتقام لم يكن منذ البداية ناتجاً عن معلومة خاطئة أو رغبة منه كما قيل، بل هو قرار صادر عن جماعة الإخوان، بهدف إبعاده عن منصبه، والإتيان بنائب عام «ملاكى» ينفذ التعليمات ويسجن المعارضين، ويقوم بأخونة النيابة العامة. دعكم من جميع الحجج التى يسوقها البعض، والشعارات التى تُرفع دون مضمون، عن التستر على قضايا الفساد وغيره، فيكفى هنا شهادة رجلين لهما مصداقيتهما فى القضاء والمجتمع، وهما المستشاران طارق البشرى وهشام البسطويسى، اللذان قالا «إن المستشار عبدالمجيد محمود هو أفضل نائب عام تولى هذا الموقع على مدى نصف القرن الماضى». إن الغريب فى الأمر أن الذين يدافعون عن المادة «227» المفصلة على النائب العام الحالى خصيصاً بهدف عزله فوراً هم أنفسهم الذين صمتوا أمام المادة «226» التى منحت رئيس الجمهورية الحالى نصاً يجيز له البقاء فى منصبه بقية الأربع سنوات القادمة من تاريخ انتخابه، وهو أمر لا يمثل ازدواجية فحسب، بل يمثل خروجاً عن المألوف والذى كان يوجب فتح باب الترشيح لانتخابات رئيس الجمهورية مجدداً فى أعقاب صدور الدستور الجديد. هكذا فهم الناس معنى الأغلبية وإصرار جماعة الإخوان عليها فى تشكيل الجمعية التأسيسية، وهكذا فهم الناس قرار الرئيس محمد مرسى بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، خوفاً من صدور حكم من القضاء الإدارى بحل الجمعية الحالية وتشكيل جمعية جديدة، فكان طبيعياً أن يمسك الرئيس بالسلطة التشريعية وأن يجرد المجلس العسكرى منها، حتى يصبح القرار فى يده وحده وليس فى يد آخرين!! إن السؤال الذى يطرح نفسه هنا: ماذا إذا أصرت الجمعية التأسيسية على هذه النصوص التى تمثل اعتداء سافراً على القضاء وتجرد النيابة العامة من سلطات التحقيق والقبض والتفتيش وتقصرها على الادعاء؟ هنا سنكون أمام أزمة حقيقية، لن تمر بسهولة، بل ستقود حتماً إلى صدام قضائى - مجتمعى مع السلطة التنفيذية!! قد يقول البعض إن السلطة تراهن على الانقسام داخل الوسط القضائى، غير أن وقائع الاجتماع الأخير للجمعية العمومية للقضاة تقول عكس ذلك، فحالة الاحتقان تعدت كل الحدود، والإصرار على التمسك باستقلال القضاء أصبح هو العنوان الرئيسى للشارع المصرى جنباً إلى جنب مع أبناء السلطة القضائية الذين يدافعون عن حائط الصد الأخير لمصلحة الشعب والعدالة. لقد ظن البعض أن الرئيس يمكن أن يتدخل لوضع حد لهذا «الهزل»، وأن يكون الأحرص على استقلالية السلطة القضائية، إلا أن الواقع يقول إنه طرف أصيل فيما يحدث، وأن ما يجرى هو امتداد لقراره السابق بعزل النائب العام، وإن الأمر لم يكن مجرداً عن رغبة حقيقية فى إخضاع القضاء للسلطة التنفيذية وحزبها السياسى. إن الذين يظنون أن هذا التدخل السافر سيكون لمصلحة المجتمع هم واهمون ويكررون ذات الأخطاء التى أدت إلى انفراد الرئيس بجميع السلطات وحده، وهو ما يمكنه من أخونة الدولة وقوانينها ودستورها وسلطاتها المختلفة لحساب قرار واحد ووحيد؛ البقاء على عرش السلطة واحتكار الإخوان لها على مدى عقود طويلة من الزمن. إذا ما سقطت سلطة القضاء فى قبضتهم، لا تحدثونا عن نزاهة الانتخابات ولا على التنكيل بالمعارضين، ولا عن استقلالية قضاء. سيدفع الجميع الثمن بلا استثناء، حتى هؤلاء الذين يخرجون ويتظاهرون لتنفيذ ذات المخطط، إنهم لن يسلموا أيضاً!! لقد شارك المصريون فى ثورة عظيمة أسقطت نظام الفساد والاستبداد، ولكنهم الآن وجدوا أنفسهم أمام دولة اختُطفت لحساب جماعة بعينها، جاءت لتعيد إنتاج دولة «مبارك» ولكن بشكل أكثر فجاجة وأشد غباء، ولذلك راح الناس من فرط يأسهم يقولون «يا حسرة على مصر، ويا حسرة على الثورة، ويا حسرة على الشهداء».
الوطن |
|