أين تربض وقت الظهيرة؟
في وقت الظهيرة, حيث يريد كل إنسان أن يستظل, وأنا تحت ظللك أشتهيت أن أجلس, وأخشى من شيطان الظهيرة (مز 91: 6), وأتعب من هذا اللهيب, لأنالشمس قد لوحتني وقت الظهيرة.
أحياناً يستغيث الإنسان بهذه العبارة, أين ترعى؟ يقولها في أوقات الفتور والجفاف, وفترات تخلي النعمة الإلهية..
يشعر الإنسان إن نفسه ليست كما كانت قبلاً، لم تعد لهل الحرارة الأولى, ولا الصلة ولا الدالة الأولى, ولا الحب القديم, فتقول نفسه للرب: " لماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك" (نش1: 7)
أين أيام شبابي الروحي, حينما كنت أقول" شمالة تحت رأسي ويمينة تعانقني".. أين الأيام التي كنت أصلي فيها بعمق وكلماتة حلوة في حلقي (نش2: 3), كالعسل والشهد في فمي. أيام كنت أرفع يدي, فتشبع نفسي كما من لحم ودسم (مز63: 4).. أشعر كما لو كنت ضللت الطريق, فاخبرني يا من تحبه نفسي: أين ترعى؟ أين تربض؟..
أريد يا رب أن أرجع إليك, فأخبرني أين ترعى؟
أنا بعيد عنك, ولكني أحبك, بعدت عنك سلوكاً, ولم أبعد عنك قلباً "أنت تعلم يا رب كل شئ, أنت تعلم إني أحبك".. من الجائز أنني تركت نشاطي, وتركت ممارستي, وعباداتي، وخدمتي, ولكني لم أترك محبتك.. ربما تكون صورتي قد تشوهت, ولكن لا تزال تشتاق إلي شبهك ومثالك, أنا أحبك على الرغم من خطيئتي, ليتك تردني إليك, وتخبرني أين ترعى..
ربما تقول هذه العبارة "نفوس في السبي، قد جلست على أنهار بابل، ولكنها تبكي كلما تذكرت صهيون" (مز 137: 1).
لم تعد تستطيع أن تسبح تسبحة الرب في أرض غريبة، قيثارتها على الصفصاف (مز 137: 2, 4). وهي تصرخ من عمق القلب, ومن عمق الرغبة, إستغاثة غريق إلي قارب النجاة, تقول اخبرني يا من تحبه نفسي, أين ترعى؟ أين تربض عند الظهيرة..
أريد أن أدخل إلي هيكلك, إلي مذابحك, لكي تنضح عليَ بزوفاك فأطهر، وتغسلني فابيض أكثر من الثلج..
أين ترعى أيها الراعي الصالح؟ ضللت مثل الخروف الضال, فأطلب عبدك (مز 119: 176).
أسرع وأعني, لأنه على ظهري جلدني الخطاة وأطالوا إثمهم (مز 129: 3).. أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد, والتهبوا كنار في شوك (مز 118: 12).. في الطريق التي أسلك أخفوا لي فخاً (مز140: 5)..
ولكنني مشتاق إليك, أريد أن أصل إليك, ولا أعرف..
ما أعجب الله ال1ي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع إليه, الذي كل من يقبل إليه، لا يخرجه خارجاً, إنه يقول لهذه النفس الباحثة عنه, على الرغم من إنالشمس قد لوحتها: إن لم تعرفي أيتها الجميلة بيت النساء, فأخرجي على أثار الغنم, وإرعي جداءك عند مساكن الرعاة..
عجباً يا رب أن تسميها " جميلة " وهي خاطئة! أنا أسميها جميلة, ليس من أجل خطيئتها, وإنما من اجل توبتها.. من أجل سعيها وطلبها, من أجل عبارة أين ترعى؟
أخرجي على أثار الغنم:
غنيمات كثيرة, سرن في طريقي من قبل, ووصلن إليَ, أثار هذه الغنيمات لا تزال ثابتة على الطريق, فتتبعيها (ومن سار على الدرب, وصل).
وما أثار الغنم, سوى سير القديسين.. وقت ترك لنا القديسين نموذجاً في كل مجال لكي نحتذي به. متشبهين بأعمالهم.
وقد يجد إنساناً نفسه بلا مرشد في الطريق, والذين بلا مرشد يسقطون كأوراق الشجر.. هذا الإنسان لا ييأس، هناك أثار الغنم إن تعذر وجود الرعاة..
لم يطلب إلينا الرب أن نقبع في مكاننا, وندرس سير القديسين, إنما أن نخرج ونسير متبعين أثارهم.
لا تجلسي في مكانك متأملة وتقولي ما أجمل الغنيمات القديسات, وما أحلى طرقها, كلها بر وكمال, وتعب وجهاد.. ! كلا, بل أخرجي على أثار الغنم, وأرعى جداءك عند مساكن الرعاة.. جداءك هي خطاياكِ, إذهبي إلي مساكن الرعاة, تجدي هناك حلاً وحلاً.
أخرجي على أثار الغنم, لا تبتدعي طريقاً جديداً, ولا تنقلي التخم القديمة, وإنما إتبعي ما رسمه الآباء من طرق..
" إن بشرناكم نحن وملاك من السماء, بغير ما بشرناكم به, فليكن أناثيما" (غل1: 8).
" إن كان احد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم, فلا تقبلوه في البيت, ولا تقولوا له سلاماً, لأن من يسلم عليه, يشترك في أعماله الشريرة (2يو1: 11).
إذن ماذا نفعل. ؟ " كونوا متمثلين بيَ, كما أنا أيضاً بالمسيح" (1كو11: 1). نعم أيتها الجميلة " أخرجي على أثار الغنم".
وإن لم تسيري على أثار الغنم, لا تكوني جميلة بين النساء.
" إن لم تعرفي أيتها الجميلة.. فأخرجي على أثار الغنم". ترينا هذه العبارة, أنة حتى النفس الجميلة, هناك أشياء لا تعرفها, هناك جداء قد اختلطت بغنمها, تحتاج أن تذهب بها إلي مساكن الرعاة. لا تعتمدي على نفسك, فهؤلاء الرعاة قد أقامهم الرب, لأجلك
كتاب تأملات في سفر نشيد الأناشيد
للبابا شنودة الثالث
|