رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إلهه سمح بالنكبات قَدْ حَوَّطَ طَرِيقِي، فَلاَ أَعْبُرُ، وَعَلَى سُبُلِي جَعَلَ ظَلاَمًا [8]. بدأ يعلق على ما سمح به الله له من مرارة، لعلهم يترفقون به ويتركونه. يصور الله كمن يعترض طريقه، فلا يسمح له بالعبور للنجاة حتى ولو بالموت، وكمن جعل سبيله ظلامًا، فلا يعرف إلى أين يذهب. يعاتب الله ويسأله عن السرّ الذي وراء هذه الأحداث. لعل أيوب يتوقع وسط كل قسوة قلوبهم وتعسفهم بكلمات قاتلة أن يجد ولو القليل من الحنو، فأراد أن يثيرهم لكي يكفوا عما يفعلونه به ويرقون لحاله. * "قد حوَّط حولي، فلا أقدر بأية وسيلة أن أهرب". هذا من أجل وجود كتيبة جنود لبيلاطس وجمهور اليهود. "حوَّطوا" الرب متعقبين إياه كأمر بيلاطس (مت 27: 26-27). بصق البعض في وجهه (مت 27: 30)، وآخرون لكموه (يو 19: 3)، وآخرون ضربوه. على أي الأحوال لم يهرب من وسط الشعب الذي حوَّطه... "قد جعل ظلمة أمام وجهي". كانت هناك ظلمة من الساعة السادسة حتى التاسعة. قد أزال نور النهار، حتى لا ترى الخليقة وجه الخالق المكشوف. الأب هيسيخيوس الأورشليمي وقبل الصلب ألبسه الجنود ثوبًا من الأرجوان وتاجًا على رأسه. لماذا ألبسوه تاجًا ولو كان من الأشواك؟ لأن كل ملك يظهر مُلكه بواسطة جنوده. فيسوع كملكٍ تُوج رمزيًا خلال الجنود. لهذا يقول الكتاب في نشيد الأناشيد: "أخرجن يا بنات أورشليم، وأنظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه". وقد كان التاج سريًا، إذ هو غافر الخطايا ومزيل اللعنة. تلقى آدم هذا الحكم: "ملعونة الأرض بسببك. شوكًا وحسكًا تنبت لك". لهذا السبب كان يليق بيسوع أن يقبل الشوك حتى يزيل هذا الحكم. ولهذا السبب دُفن يسوع في الأرض حتى تقبل الأرض التي لعنت البركة عوض اللعنة . القديس كيرلس الأورشليمي ترك لباسه حين فرح، حتى يلبس الذين خرجوا من الفردوس عرايا! يُلبسهم ثيابه ويبقى هو في هزءٍ! لأنه عرف أنها تصلح لآدم المفضوح! عروا ثيابه، وألبسوه ثوبًا قرمزيًا لون الدم، حتى يتزين به العريس المقتول! * أعطوه أن يمسك القصبة كالديان، فاضطر من أجل هؤلاء أن يكتب كتاب طلاق ابنة العبرانيين، لأنها أبغضته! أعطته القصبة ليكتب طلاقها، لأنها نظرته يحب القداسة كثيرًا مثل أبيه. * حجبوا عينيه واستهزأوا به، ولكموه، وقالوا له: تنبأ لنا من الذي ضربك! لطموا بالقصبة الرأس المرتفع، فارتعبت الملائكة! بهذه الأمور الفاسدة الشريرة كافأوه بجنون...! صاروا في جنونٍ ليحجبوا وجه شمس البرّ لئلا يُشرق، فينظر العالم فسادهم. حجبت العروس الجاهلة العريس لئلا ينظر فجورها وفسادها. حجبوا الطبيب لئلا يضمد جراحاتهم ويشفيهم! أنظر في المسيح، كم أحتمل من الآثمة؟! ذاك الجاهل كيف تجاسر وتفل في وجهه! القديس يعقوب السروجي أَزَالَ عَنِّي كَرَامَتِي، وَنَزَعَ تَاجَ رَأْسِي [9]. كأن الله قد نزع عنه ثروته وكرامته القديمة، وكل فرصة لعمل الخير، وسلطانه وتاجه الملوكي، فصار بلا قوة. بلا شك نطق أيوب بهذه الكلمات في مرارة قلب، تحت تأثير قسوة التجربة، لا في كبرياءٍ وتشامخٍ على أحكام الله، وإنما في مرارة وحزن. لهذا وإن كانت الكلمات تبدو فيها جسارة، لكن الله تطلع إلى روحه الوديع. وكما يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [من يتوقف عن برِّه بسبب الحزن ليس ببارٍ، لكن الطوباوي أيوب، بسبب روحه الوديع لم يخطئ حتى بنطقه كلماتٍ قاسية. فإننا إن قلنا إنه أخطأ بهذا القول، نجعل الشيطان قد حقق هدفه عندما قال: "مَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ" (أي 2: 5).] * "أزال عني كرامتي" [9]. إذ صارت الحاجة إلى تحقيق كلمة إشعياء النبي: "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه. ولا منظر فنشتهيه، أقل مما لبني البشر" (راجع إش 53: 2-3). "ونزع التاج عن رأسي"، لكي يُعدوا له تاجًا جديدًا مصنوعًا من الشوك (مت 27: 29). الأب هيسيخيوس الأورشليمي البابا غريغوريوس (الكبير) حمل لعنة الأرض بالإكليل الذي وضعوه على رأسه، وحمل ثقل العالم كله كالجبار! الخطايا والذنوب والأوجاع والآلام والضربات ضُفرت بالإكليل، ووُضعت على رأسه ليحملها! وانحلت بالأشواك لعنة آدم! صار لعنة، حتى يتبارك به الوارثون الراجعون. بإكليله خلع زرع الحية الملعون! بإكليل شوكه ولعنة الأرض التي قتلت الأجيال... أزال لعنة آدم وعرقه! بإكليل الشوك هدم تاج الشيطان الذي أراد أن يكون إلهًا على الخليقة! بإكليل شوكه ضفر إكليلًا لابنة الأمم، العروس التي خطبها من بين الأصنام وكتبها باسمه! * ضرب المخلص العظيم بالمقارع، وبالحكم الصادر من الحاكم خرج ليصلب! أتى إلى خاصته، وخاصته لم تقبله، بل أخرجوه بالهزء من عندهم! خرج ليموت مع الأثمة بغير زلةٍ، حينئذ ندم يهوذا - السراج الذي انطفأ من بين أصحابه - وخزي من الفعل الشرير الذي صنعه. الذي أسلمه رد الفضة للذين أمسكوه حيث ازدرى بنفسه، واعترف أنه أسلمه بالشر... وأيضًا الصالبون هربوا كالغير قريبين وقالوا: ما علينا، أنت تعرف. الدم الزكي طرح الرعب على مهرقيه، وبدأوا يرتعبون ويرتعشون منه قبل أن يهرقوه! القديس يعقوب السروجي هَدَمَنِي مِنْ كُلِّ جِهَة،ٍ فَذَهَبْتُ، وَقَلَعَ مِثْلَ شَجَرَةٍ رَجَائِي [10]. لم يتركه في طريق مغلق فحسب، ولا كعبدٍ ذليلٍ، وإنما هدم كل كيانه من كل جانب. وكأنه شجرة قد اُقتلعت. صار منهدمًا من كل جانب، وقد سمع إبليس هذه الشكوى، هذا الذي قال عنه إن الله سيّج حوله وحول بيته وكل ما له من كل ناحية (أي 1: 10). * "هدمني من كل جهة، فذهبت" [10]. وذلك عندما تشتت التلاميذ الذين كانوا قبلًا بجانبه (مر 14: 50). أما عن نفسه فقد سلم نفسه للذين قبضوا عليه، لقد ذهب! وقطع مثل شجرةٍ رجائي"، لم يقل إنه اقتلعها من جذورها، إنما قطعها، فإن الشجرة عندما تعاني في منطقة ما فوق الجذور يصدر عن الجذر أشجار أخرى بعد قطعها. ما أن صُلب المسيح، حتى قُطع الرجاء الذي كان لدى الكثيرين فيه بالرغم من أنه سبق فتحدث مع تلاميذه عن قيامته (مت 16: 21). إذ اضطربوا لآلامه، يئسوا من جهة المخلص. هذا ما حدث بدقةٍ عندما قال كليوباس: "ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل" (لو 24: 21). هذا وبخه المخلص بحزمٍ إذ بلغ إلى هذه الدرجة من اليأس، عندما قال المسيح: "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لو 24: 25). وإذ أظهر أنه لم تكن توجد حاجة لفقد الرجاء فيه، أضاف: "أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟" (لو 24: 26). الأب هيسيخيوس الأورشليمي الآن إذ تحيط الضيقات بالكنيسة، ويسقط بعض الضعفاء، يظن البعض أنها تفشل في رسالتها. لكن الله الذي يسمح لها بالمتاعب حتى تبدو كشجرةٍ مقطوعةٍ، هو سند لها، يعمل بروحه القدوس فيها، فتكسب بالضعف الكثيرين، تبقى في العالم أشبه بالخميرة التي تبدو أنها قد ماتت وسط العجين، لكنها تخمر العجين كله! لذا لاق بنا ألا نفقد الرجاء، إنما دومًا نفرح بالذين ينضمون إليها للتمتع بالخلاص الأبدي، خلال كلمة الله الحية. * تنهدم الكنيسة من كل جانب حيث تنحل في الأعضاء الضعيفة، حينما يهلك أولئك الذين يظهرون أنهم أقوياء. ويُنزع التاج عن الرأس بمعنى أن المكافآت الأبدية تُهمل لدى الذين يحتلون مركز الرأس. لذلك بحق يضيف بخصوص سقوط الضعفاء: "وقلع مثل شجرة رجائي". البابا غريغوريوس (الكبير) القديس كيرلس الكبير وَأَضْرَمَ عَلَيَّ غَضَبَهُ، وَحَسِبَنِي كَأَعْدَائِهِ [11]. صار غضب الله على أيوب كنارٍ قد أُضرمت، فالتهبت وأحرقته. وكأنه يصرخ مع المرتل: "ارفع عني ضربك، من مهاجمة يدك، أنا قد فنيت" (مز 39: 10). هذا ما رُمز إليه حين ضرب موسى الصخرة بالعصا. "ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب، فتضرب الصخرة، فيخرج منها ماء ليشرب الشعب، ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل" (خر 17: 6). قيل: "ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين فخرج ماء غزير، فشربت الجماعة ومواشيها" (عد 20: 11). لذا يقول المرتل: "شق الصخرة، فانفجرت المياه، جرت في اليابسة نهرًا" (مز 105: 41). ا"لمحول الصخرة إلى غدران مياه الصوان إلى ينابيع مياه" (مز 114: 8). هذا ما رآه إشعياء النبي في السيد المسيح على الصليب، فقال: "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شُفينا" (إش 53: 4-5). * "وأضرم عليّ غضبه"، بإدانة آدم. جاء (آدم) الجديد (1 كو 15: 45) ليفي الدين (كو 2: 14) عن آدم القديم. لهذا أضاف أيوب: "وحسبني كعدوٍ". واضح أنه قد طلب مني الدين الذي على العاصي. الأب هيسيخيوس الأورشليمي القديس كيرلس الأورشليمي القديس أمبروسيوس القديس أفرام السرياني * ليس من الصعب التوفيق بين التسلسل التاريخي والتأمل الروحي. إن الإنسان الذي ترك المصريين موتى وراءه في الماء، وتنقى بالخشبة، وتلذذ بينابيع التلاميذ، وارتاح في ظل أشجار النخيل هو بالفعل قادر على استقبال الله. فالصخرة، كما يقول الرسول، هي يسوع المسيح. وهذه الصخرة صلبة ومقاومة لغير المؤمنين، ولكن إذا استخدم الإنسان عصا الإيمان فإن الصخرة تتحول إلى ماء للظمآن، وتتدفق على من يقبلون السيد المسيح، لأنه يقول" (أنا وأبي) إليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 23). القديس غريغوريوس النيسي القديس أغسطينوس مَعًا جَاءَتْ غُزَاتُهُ، وَأَعَدُّوا عَلَيَّ طَرِيقَهُمْ، وَحَلُّوا حَوْلَ خَيْمَتِي [12]. كان هجوم الغزاة عليه بسماح الله، فدعاهم "غزاة الله" أو "غزاته". عبروا إليه دون عائق، وحلوا حول خيمته دون مقاومة. حاصروه كجيشٍ يحرم المدينة من المئونة حتى تهلك جوعًا وعطشًا! * غالبًا ما يحدث أن الأرواح الشريرة تبث أمورًا كثيرة في قلوب المتألمين، ومع الضربات التي تحل عليهم من الخارج، يبثون أفكارًا شريرة في قلوبهم، مستدعين غضب الله. لذلك بحق يضاف: "يأتي اللصوص معًا، ويجعلون أنفسهم طريقًا خلالي" (أي 19: 12). لصوصه هم الأرواح الشريرة الذين ينشغلون في صيد موت الناس. هؤلاء يجعلون أنفسهم طريقًا في قلوب الحزانى عندما يعانون من الخارج بسبب المخاطر، لا يكفون عن أن يسكبوا الأفكار الشريرة أيضًا. عن هؤلاء قيل: "حلّوا حول خيمتي" (أي 19: 12)... وذلك عندما يحوطون العقل من كل جانب بالتجارب... الأب هيسيخيوس الأورشليمي * إنه لأمر غريب، لماذا يتحدث عن اللصوص (الغزاة) مضيفًا أنهم له، موضحًا أن هؤلاء الغزاة منسوبون إليه. في هذه المنطقة يجب أن نميز بين سلطان الأرواح الشريرة وإرادتهم، فإن هذا يبين لماذا يدعوهم "لصوص الله". فإن الأرواح الشريرة تلهث راكضة على الدوام لكي تسيء إلينا، ولكن ليس لهم سلطان على إساءتنا ما لم ينالوا سماحًا من الإرادة العلوية. فمن ذواتهم يشتاقون إلى أذيتنا ظلمًا، لكن بالله القدير لا يستطيعون أن يؤذوا أحدًا إلا خلال العدل. البابا غريغوريوس (الكبير) لقد أظهر لإبليس كيف أنه غبي في محاولاته. لقد أظهر للإنسان عظم العناية التي يظهرها الله له، فإنه بالموت وهب الإنسان الحياة الأبدية. لقد سحب إبليس الإنسان من الفردوس، وقاده الله إلى السماء. فإن النفع أكثر بكثير من الخسارة. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس هيلاري أسقف بواتييه |
|