رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زمن الميلاد المجيد الأحد الثاني - أحد بشارة العذراء ::: مقدّمة ::: - أحد بشارة العذراء هو الأحد الثاني من زمن الميلاد وتدعونا الكنيسة فيه، من خلال نصّين من الرسالة إلى أهل غلاطية ومن إنجيل لوقا. - ففي الرسالة إلى أهل غلاطية يدعونا مار بولس إلى سؤال ذواتنا: هل نحن شعب "شريعة" أم شعب "وعد" الله الحيّ؟ - أمّا في إنجيل لوقا فتدعونا كلمة الله إلى قبول مشيئة الله لنا والعمل بموجبها، فتكون "نَعَمُنا" لله على مثال "نَعَم" مريم أمّ "النِعَم" . لنتأمّل، إخوتي، في هذا الأحد، في "نَعَمِ" مريم ولنسأل الله أن يفيض روحه علينا فتكون "نَعَمُنا" له كنَعَمِ مريم، صادقةً ومن "كلّ" القلب! ::: صلاة ::: أيّها الآب السماوي، يا من أرسلت، في ملء الزمن، ملاكك جبرائيل، ليبشّر ابنة الناصرة بتجسّد الابن الإلهي في حشاها البتوليّ، أرسل إلينا اليوم، روحك القدّوس، ليستكمل تجسيد الكلمة في حياتنا وقلوبنا وعقولنا، فينال الخلاص كلّ من نلتقي بهم أو نعيش معهم، فيتمجّد على الدّوام سرّ الثالوث الأقدس، إلى الأبد، آمين. ::: الرسالة ::: 15 أَيُّهَا الإِخْوَة، كَبَشَرٍ أَقُول: إِنَّ الوَصِيَّة، وإِنْ كَانَتْ مِنْ إِنْسَان، إِذَا أُقِرَّتْ، لا أَحَدَ يُبْطِلُهَا أَو يَزِيدُ عَلَيْهَا. 16 فالوُعُودُ قِيْلَتْ لإِبْراهِيمَ وَلِنَسْلِهِ. ومَا قِيْلَتْ: "ولأَنْسَالِهِ"، كأَنَّهُ لِكَثِيرِين، بَلْ "وَلِنَسْلِكَ"، كَأَنَّهُ لِوَاحِد، وهُوَ الـمَسِيح! 17 فأَقُولُ هـذَا: إِنَّ وَصِيَّةً سَبَقَ اللهُ فأَقَرَّهَا، لا تُلْغِيهَا شَرِيعَةٌ جَاءَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ مِئَةٍ وثَلاثِينَ سَنَة، فَتُبْطِلُ الوَعْد. 18 وإِذَا كَانَ الـمِيرَاثُ مِنَ الشَّرِيعَة، فَهُوَ لَمْ يَعُدْ مِنَ الوَعْد؛ والـحَالُ أَنَّ اللهَ بِوَعْدٍ أَنْعَمَ بِالـمِيرَاثِ على إِبرَاهِيم. 19 إِذًا فَلِمَاذَا الشَّرِيعَة؟ إِنَّهَا أُضِيفَتْ بَسَبَبِ الْمَعَاصِي، حَتَّى مَجيءِ النَّسْلِ الَّذي جُعِلَ الوَعْدُ لَهُ. وقَدْ أَعْلَنَهَا مَلائِكَةٌ على يَدِ وَسِيطٍ، هُوَ مُوسى. 20 غيرَ أَنَّ الوَاحِدَ لا وَسيطَ لَهُ، واللهُ واحِد! 21 إِذًا فَهَلْ تَكُونُ الشَّرِيعَةُ ضِدَّ وُعُودِ الله؟ حاشَا! فَلَو أُعْطِيَتْ شَرِيعَةٌ قَادِرَةٌ أَنْ تُحْيي، لَكَانَ التَّبْرِيرُ حَقًّا بِالشَّرِيعَة. 22 ولـكِنَّ الكِتَابَ حَبَسَ الكُلَّ تَحْتَ الـخَطِيئَة، لِكَيْمَا بالإِيْمَانِ بيَسُوعَ الـمَسِيحِ يُعْطَى الوَعْدُ للَّذِينَ يُؤْمِنُون. (غلاطية 3/15-22) ::: تأمّل من وحي الرسالة ::: بشّر بولس الرّسول أهل غلاطيا، وهم جميعهم من أصل وثنيّ. كانوا يسكنون في بلاد عديدة من منطقة غلاطيا الواسعة الأرجاء في آسيا الصّغرى، أي في تركيّا الحاليّة. أبدى بعض المسيحيين، الذين كانوا من أصل يهوديّ، تحفّظهم حيال معموديّة الوثنيّين، وأرادوا فرض الشّريعة اليهوديّة عليهم. فأرسلوا جماعة من أورشليم إلى بلاد غلاطيا، لإلزام الغلاطيّين تطبيق الشّريعة الموسويّة، وخاصة، فرض الختانة، والإمتناع عن أكل لحم الخنزير. علم بولس الرّسول بالأمر، فوجّه رسالته إلى كنيسة غلاطيا، يؤنّبها لسرعة ارتدادها عن البشارة التي تلقّتها بنعمة المسيح، والمرتكزة على تحقّق وعد الله، إلى بشارة أخرى، قائمة على شريعة منتهية الصّلاحيّة، تلقي البلبلة في وسط المؤمنين. من أجل إظهار تفوّق وعد الله على الشّريعة، يستعين بولس الرّسول بمثل قانونيّ، يميّز فيه ما بين الوصيّة، أي إرادة الموصي، وبين منفّذ الوصيّة: فكما أنّ منفّذ الوصيّة لا يستطيع إبطالها، كذلك، لا يمكن للشّريعة، التي اقتصر دورها على إعداد شعب العهد، أن تبطل وعد الله. بمعنى آخر، إذا كان القانون الوضعي (أي الذي وضعه الإنسان) لا يسمح بتبديل الوصيّة التي تعتبر ثابتة بحكم القانون، فكم بالحريّ، وعد الله الثابت، الذّي لا يتغيّر؟ كيف للشّريعة الموحاة أن تغيّر إرادة الله؟ فهل الله متناقض مع نفسه؟ حاشا! لقد أُعطِيَ وعد الله لابراهيم. أمّا الشّريعة، فقد تلقّاها موسى بعد /430/ سنة من الوعد، بسبب المعاصي، من أجل إعادة تصويب مسار النّسل، نحو الميراث المعدّ له، منذ أساسات العالم. لعبت الشّريعة دور المربّي، وكانت حارسًا للشّعب القاصر. لكن دورها انتهى مع مجيء المسيح، الذي به قام نظام جديد، يرتكز على الإيمان والنّعمة، كما مع إبراهيم، لا على الخطيئة. نحن اليوم، شعب الوعد والميراث، وقد عرفنا المسيح، لم نعد شعب شريعة، نتوقّف عندها لترسم أمامنا الموت كعقوبة للخطيئة، بل عرفنا أنّنا أبناء القيامة والحياة. نفحص ضميرنا، ونتوب عن كل ما ارتكبناه من سوء حيال أنفسنا، كما وحيال الآخرين والله؛ لا خوفًا من عقوبة منصوص عنها في إحدى المواد القانونيّة والتّشريعيّة، إنّما بإيمان كلّي وثقة مطلقة: بأنّ الآب-المحبّة، الذي تجسّد ابنه لأجلنا، وأعطانا روحه القدّوس، هو صادق، ووعده لنا أكيد. ::: الإنجيل ::: 26 وفي الشَّهْرِ السَّادِس، أُرْسِلَ الـمَلاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ في الـجَلِيلِ اسْمُهَا النَّاصِرَة، 27 إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاودَ اسْمُهُ يُوسُف، واسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم. 28 ولَمَّا دَخَلَ الـمَلاكُ إِلَيْهَا قَال: "أَلسَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، أَلرَّبُّ مَعَكِ!". 29 فَاضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هـذَا السَّلام! 30 فقَالَ لَهَا الـمَلاك: "لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله. 31 وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ ابْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع. 32 وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وابْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلـهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه، 33 فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!". 34 فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: "كَيْفَ يَكُونُ هـذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً؟". 35 فأَجَابَ الـمَلاكُ وقالَ لَهَا: "أَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذـلِكَ فالقُدُّوسُ الـمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله! 36 وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بابْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهـذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا، 37 لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!". 38 فقَالَتْ مَرْيَم: "هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!". وانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها الـمَلاك. (لو 1\ 26-38) ::: تأمّل من وحي الإنجيل ::: بعد أن روى لوقا الإنجيليّ بشارة زكريّا وحبل أليصابات، على ضوء وعد الله لابراهيم وسارة، ينتقل مباشرة، ليخبرنا عن بشارة العذراء مريم بميلاد يسوع. إستهلّ الإنجيلي الخبر بذكر الشّهر "السّادس" لحبل أليصابات بابنها يوحنّا. طبعًا، لم تكن غايته تأريخ الأحداث، بقدر ما كان يريد إظهار تفوّق ميلاد يسوع على مولد يوحنّا: مستثمرًا رمزيّة العدد "6"، الذي يشير في الكتاب المقدّس إلى "النّقص" أو "عدم الكمال". بمعنى آخر، إنّ يوحنّا السّابق، المولود في نهايات العهد القديم، لا يمكن أن يكتمل معه الزّمن، الذي لم يكتمل بعد. هو مدعوّ لأن يعدّ الطّريق للربّ الذي به سيكتمل كلّ شيء. وكما تفوّق ميلاد يسوع على مولد يوحنّا، كذلك تفوّق موقف العذراء مريم حيال بشارتها، على موقف زكريّا، ذاك الخبير في الكتاب المقدّس. فهي لم تخف، بل حاولت أن تكتشف دعوتها، الفريدة والغريبة، من خلال الوحي الذي لم تكن تتوقّعه. لم يكن سؤالها للملاك يحمل أدنى شكّ حيال قدرة الله، بل كان نابعًا من إيمانها الثابت، وانتظارها تحقيق الوعد. فبادرها الملاك بالطّمأنينة؛ هي المملوءة نعمة، وقد نالت حظوة عند الله: - ألقيت عليها تحيّة "السّلام عليك": وهي التي قيلت لأورشليم، إبنة صهيون (زكريّا 9: 9). - سيحلّ الروح القدس عليها: كما كان يرفّ على وجه الغمر ويعطي الحياة (تكوين 1: 1). - ستظلّلها قدرة العليّ: كما كان الغمام يظلّل خيمة الوعد، مسكن الرّب (خروج 40: 34 – 35). - سيولد منها قدّوس: والـ "قدّوس"، هو اسم خاصّ بالله وحده. لذلك، فإنّ المولود منها يدعى ابن الله. فهمت مريم إرادة الله المستمرّة منذ بدء التّكوين، فقبلت بها دون تردّد، رغم السّيف الذي سيصيبها، وصعوبة ما ينتظرها من مصاعب وأحداث مؤلمة. وما كانت لتقبل رسالتها، لولا ثباتها في الإيمان، ويقينها أنّ الرّبّ ثابت في وعده لها. هي لم تنسَ يومًا أنّها خادمة الرّبّ، والرّب صالح ومحبّ. وكلّ ما يخلقه، هو حسن. وها هي اليوم تضمّنا إلى صدرها، بعد أن جعلها ابنها أمًّا لنا. تظلّلنا بنعمها، وتعلّمنا أن نصغي إلى وحي الله، فنفهم إرادته في كلّ الأحداث التي نعيشها: من فرح وحزن، من صحّة ومرض، من نجاح وفشل، من سلام واضطهاد ... إلخ، فنعمل بحسب مشيئته؛ وكلّنا إيمان ثابت، أنّ الله صادق في وعده لنا، وهو وحده القادر على كلّ شيء، يحوّل كلّ ما يؤذي الإنسان، إلى ما يعود عليه بالخير. تعالوا معًا يا أخوتي: مع أمّنا مريم، ومع الكنيسة الواحدة، وخاصّة مع أخوتنا المضطّهَدين في العراق الذين يستشهدون لأجل إيمانهم، ومع جميع المرضى والمنازعين والمتألّمين، نجيب على محبّة الله لنا، بإيمان وثقة، قائلين دون تردّد: "ها نحن خدّام الرّبّ، فليكن لنا بحسب قوله"، لأنّ قول الله حسن، لا شرّ فيه. ::: تأمّل روحي ::: ها أنذا عندما حانت الساعة، وفي ملء الزّمن، تجسّد الله في أحشاء البتول مريم الطّاهر. تجسّد بعد أن تعاظمت آلامه من جرّاء نِفاق الشّعوب وتقادمهم الكاذبة من الذّبائح والغلال على مذابحه، بُغية إرضائه والتكفير عن معاصيهم. تجسّد لأنّه لم يرَ في نفوسهم مكانًا للخير ولا للتّوبة، بل على العكس كانت الصلوات وما يرافقها، ظاهريّة فارغة متعلّقة باللّسان لا بالقلب ولا بالفكر ولا بالإرادة. وهنا انسلخ من قلب الآب، ابنه الوحيد، يسوع المسيح، وقال "ها أنذا" وتجسّد، وكأنّه يحاكي أباه: "ما أردتَ ذبيحةً ولا قربانًا، لكنّك هيّأت لي جسدًا، لا بالمحرقات سُررت ولا بالذّبائح كفّارةً للخطايا. فقلتُ: ها أنا أجيء يا الله لأعمل بمشيئتك"(عب10:5-7)... بكلّ طواعيّةٍ لإرادة الآب أتى الإبن بيننا، مقرّبًا ذاته كتقدمةٍ فاقت كلّ التقادم وكلّ ما يمكن للعقل تصوّره! تقدمةً كتبت معاهدة مصالحة أبديّة بين الله والبشر، بدم الإبن الّذي جعل منّا إخوةً له وأبناءً للآب. وتمّت الآية في ال"ها أنذا" الثّانية، لمريم الأمّ البتول، عاكسةً قبول الإبن بالتجسّد، فتكامَلتا في فعلٍ واحد، فعل المحبّةٍ الكاملة، وثمرته الخلاص الأبديّ لكلّ من آمن بسر الله ومحبّته.... هي مريم، تلك الفتاة اليانعة، ذات القلب البريء والعواطف الصّادقة، أدركت أنّ القرابين الحقيقية لله كي تشكره، ليست في المادّيات بل في القلب وفعل الإرادة الخيِّر. هو الإستعداد الدّائم لعمل مشيئة الآب. وهكذا تمّ اختيار الرّب لها، فجاهرت بإيمانها، معلنةً مشاركتها في مشروع الخلاص، كانت بذلك أولى أتباع يسوع. اليوم،الكثير منّا، وخاصّة الشبيبة، يقول "ها أنذا"، ولكن لمن ولماذا؟... هذا الإستسلام لأيّ شيءٍ يُعرض علينا، من أيديولوجيّات وتيّارات، ومنتجات ومشاريع، وألبسة وأشربة... نتلقّفها أسرع من النّسيم، على أنّنا نواكب التطّور والإنفتاحِ على الكلّ وعلى كلّ شيء. لم نعد قادرين على التّخلّي عن متطلّبات "الأنا" بالسّهل، لأنّها سهلة المنال، وتؤمنّ الّلذة السّريعة للنفس ِفتنتشي، مؤقّتًا، ولا ننتبه أنّنا يوم نقف أمام حقيقة ما فعلنا وما عكسته أفعالنا من سلبياتٍ على الحياة، سوف ننهار كالبناء الّذي شُيّد على الرمل. هذه ال"الأنذا"، فقدت معناها الحقيقي مع فقدان الصبيّة لقيمة جسدها: فبدل أن تُسْكِنه روح الإحترام والحشمة والطّهارةِ على أنّه هيكل الله المقّدس، باتت تعرضه، بقصدٍ أو عن قلّة إدراك، لكلّ من اشتهى ولكلّ من يبحث عن اصطياد الجمال ليروي غريزته؛ باتت حاضرة إلى تلبية مطالب "العالم" بدل أن تكون حاضرة لتظهير صورة جمال الخالق فيها، بتصرّفاتها وتعاطيها مع الآخر... هذه ال"ها أنذا"، فقدت معناها الحقيقي مع كلّ شابٍ استبدل إرادة أبيه بإرادة العالم المغري المحيط به من كلّ صوب، واستبدل شجاعة رفض "الغلط" بميوعة "النّعم" البشريّة الماديّة للّذة وتلبية نداء الشّهوات، ومنها الوصول بأيّ ثمن، وبأيّ وسيلةٍ كانت إلى المركز أو السّلطة أو "القدرة" على أنواعها، حتّى ولو كان ذلك على حساب الآخر أو على حساب صحّة الجسد وسلامته. في ضجيج هذا العالم وتراكم " النَعَم" للأخطاء، لا بدّ لنا من وقفةٍ مع الذّاتِ أمام الخالق. هذا الضجيج العالق في أعماق الذّات قبل خارجها، بحاجةٍ إلى إسكاتٍ كي نستمتع بحضور الله فينا ونقدر على الإصغاء لصوتهِ يحادثنا، يطلب منّا حمل ابنه في" أحشاء" حياتنا اليوميّة، في الفرح والحزن، في النجاح وفي الضيق، في السّهرات والعمل، في النزهة والذبيحة... لنلجأ مع الأمّ البتول في بداية هذا الزمن، إلى صمتِ المتأمّل بعد الجواب بالإيجاب، كما فعلت مريم، ولندخل في علاقة حبٍ وانتظار ٍلولادة النعمة بين أيدينا، كعلاقة الحامل مع جنينها. بذلك نسحق رغبة الأفعى الّتي لا تملّ من إغرائنا وجذبنا إلى "مهلِكِها". ::: نوايا وصلاة شكر للقدّاس ::: نوايا للقدّاس 1- نصلّي من أجل المسؤولين في كنيستنا، مار بنديكتس السادس عشر بابا روما، ومار نصرالله بطرس بطريركنا الأنطاكي، ومار جورج بو جودة مطراننا، مع سائر الأساقفة والكهنة والمكرّسين على اسمك القدوس، كي يسهروا على نشر وتطبيق وصيّة الله في حياة أبناء رعيّتهم، متحرّرين من كلّ ما يشلّهم من جرّاء التقيّد بالشريعة، نسألك يا رب. 2- أمام وعدك بالخلاص الذي بدأ مع مريم، بانتظار أن يشمل كلّ شخصٍ منّا عبر النَعم التي نقولها بحياتنا، نسألك "كيف" يتمّ ذلك ونحن ضعفاء وقليلي الإيمان؟ سامح سؤالنا الذي يدلّ على شكّنا باستحقاقنا، وليس بقدرتك، وأعطنا نعمة التواضع لِنَقبلَ هذه القدرة، نسألك يا رب. 3- يا مَن تُشرقُ شمسك على الأشرار والأبرار، يا مَن تفيضُ نِعَمَك على البشريّة كلّها، أعطنا أن نمتلئ مِن نِعَمِك التي تُغدِقُها علينا، فنُضحي على مثال مريم، ممتلئين من نِعمة المسامحة والمحبّة والحنان، نسألك يا رب. 4- بشفاعة مريم وجميع القدّيسين، وبِزمن الخصوبة هذا، أحلّ روحك القدّوس على كلّ امرأة ترغب بالإنجاب، ولتظَلّلَها قوّتك، فتتحوّل أحشاءها لِتُصبحَ أكثر خصوبة، وتُثمرَ الثمار الصالحة، نسألك يا رب. وعدت إبراهيم ونسله بالخلاص، ونحن من ذرّيّة ابراهيم، حقّق فينا وعدك، وأدخِل منازلك السماويّة كلّ مَن فارق هذه الحياة، غافرًا لنا وله الخطايا والزلات. صلاة شكر للقدّاس شكرًا لك يا رب، لأنّك تتدخّل دومًا بِحياتنا، وتغيّر مشاريعنا لِتنسَجِمَ مع مشروعك الخلاصي لنا، شكرًا لك، لأنّك انتقيتَ مريم، لِتُضحي على مثال ابنك، مثالا نحتذي به، عذراء من بلدة صغيرة مغمورة، شكرًا لك، لأنّك تمنحنا جسد ابنك، فإذا تناولناه، نكتمل بالنِعَم التي تُسبِغُها علينا، شكرًا لك على مشروعك الخلاصي الذي يشملنا، وعلى تجسّدك من ابنة من بيئتنا، |
|