رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الربّ نوري وخلاصي
المزمور السابع والعشرون 1. يتألّف المزمور السابع والعشرون من "مزمورين". في الأول (آ 1- 6) يعبّر المرتّل عن ثقته بالرب. وفي الثاني (آ 7- 13) يرفع شكواه إلى الرب. أيكون القسم الأول مزمور الصباح، والقسم الثاني مزمور المساء؟ أيمكننا أن نقلب المزمور فنقرأ القسم الثاني مكان القسم الأول، فيبدأ المزمور بالشكوى وينتهي بإعلان ثقة المؤمن بربه؟ كيف نتصوّر جوّ هذا المزمور؟ بريء مضطهد لا يزال بعيدًا عن الهيكل وهو يبحث فيه عن ملجأ. هو يعبّر عن ثقته بأنه واجد هذا الملجأ في الهيكل (القسم الأول). وما إن يصل إلى الهيكل حتى يسأل الله أن يُبعد خطر الأعداء عنه. فيجيبه الكاهن من الداخل: ترجَّ الرب وتشجَّع. 2. الله يستقبل الانسان في بيته، فيعزّيه ويشدّد قلبه لأنه نور وخلاص لأحبائه. آ 1- 6: يتحوّل النظر في هذا القسم من مشهد العدوّ المحارب (آ 1- 3) إلى مشهد الله في هيكله (آ 4- 6). في آ 1 يعلن "القائد" أنه لا يخاف أحدًا (3: 7؛ 23: 4)، لأنه وجد في الربّ الخلاص (18: 3؛ 23: 5) والنور (4: 7؛ 18: 29) والقوّة (28: 8؛ 37: 39)، ولهذا فهو يدخل إلى الهيكل مرفوع الرأس (5: 6) ليقدّم ذبيحة يهتف فيها الشعب هتاف الحرب. تنشد آ 2- 3 ثقة القائد بالربّ، رغم وجود الاعداء الذين يهجمون لافتراسه. فإيمانه يمنعه من الخوف حتى ولو زحف عليه جيش عظيم. وتقودنا آ 4- 5 إلى الهيكل حيث وجد القائد سعادته: طلبها نعمة من الرب، فاستجاب الرب له، وها هو يتذوّق حضور الرب في هيكله. ابتعد الخطر عنه وقد خبّأه الله في خيمته ورفعه فلا يطاله خطر. آ 7- 13: في القسم الثاني نرى المؤمن، وهو عبد الله، يطلب وجه سيّده. هو يرجو ابتسامة رضى (مز 4- 7) من نور وجه الرب، لأن في هذا الرضى عونه وخلاصه. لن يحجب الله وجهه عنه، بل سيستقبله حتى وإن رذله الجميع، حتى وإن تركه أبوه وأمه. "وإن نست أمّ أبناءها، فالله لن ينسى شعبه" (أش 49: 15) ويمسك الربّ المرتّل بيده، فيقوده في الطريق وسط عالم مملوء بالأعداء. 3. إذا كان الله معنا فمن يقدر علينا (روم 8: 13)؟ هذه الكلمات تفسّر ثقة المرتّل بربّه. فلا الأشرار، ولا النمّامون (يأكلون لحمي)، ولا المحاربون العديدون، يستطيعون أن يفصلوه عن الله. الرب نوره وخلاصه، وأعداؤه سيعثرون ويسقطون. والمرتّل متأكّد من حماية الله له لأنه بحضرته، لأنه في الهيكل بيت الله. وهذا الحضور ليس وليد الإيمان، بل الإيمان هو وليد هذا الحضور. ولهذا فكل ما يرجوه المرتّل هو أن يبقى في بيت الرب طوال أيام حياته ليعاين مجد الرب وجماله. في القسم الثاني من المزمور (آ 7- 13) نتأمّل رجلاً تركه كلّ الناس حتى أبوه وأمه. ولكنّه ليس وحده، لأنه موجود في الهيكل حيث سيستقبله الرب رغم لعنة البشر. وينتظر في الهيكل نظرة رضى من الرب الذي لا يقدر أن يحجب وجهه طويلاً عمّن يطلبه. كل الناس ضدّه، ولكن ثقته بالرب مخلّصه تجعله واثقًا من رحمة الله ورضوانه. 4. وجد يسوع في هذا المزمور نصوصًا تطابق حياته. أما قال لتلاميذه: "لا تخافوا" (مت 10: 31؛ يو 14: 27)؟ وسار وسط عالم مملوء بالأعداء، فصلّى إلى من كان يستطيع أن ينجّيه من الموت (عب 5: 7) فجاءه ملاك يعزّيه ويشدّده (لو 21: 43). ويستطيع المسيحي باسمه وباسم الكنيسة، أن يتوجّه بصلاته إلى يسوع الذي هو النور الحقيقيّ (يو 1: 9) وقائد خلاصنا (عب 2: 10)، ويُعلن رغبته في أن يكون مع المسيح (فل 1: 23) في مسكن الله (رؤ 21: 3) حيث يسبّحه جميع عباده والذين يخافونه من صغار وكبار (رؤ 19: 5). 5. إذا كان الله معنا إذا كان الله معي فمن يقدر عليّ؟ هذا هو سرّ المرتّل وأساس يقينه. وهكذا يكون هذا المزمور تفسيرًا لما قاله القديس بولس في الرسالة إلى أهل رومة (8: 1 ي). فلا الاشرار، ولا شهود الزور، ولا المحاربون المدجّجون بالسلاح، يستطيعون أن يفصلوه عن حماية الله. فالله نوره وخلاصه. أما أعداؤه فسيعثرون ويسقطون. ولكن كيف يتيقّن المرتّل من حماية الله هذه؟ هو لا يتيقّن لأن الله حاضر فيه، بل لأنه في حضرة الله. هو لا يتيقّن بسبب اختبار داخلي، بل لأنه في الهيكل، ولأن الربّ حاضر في الهيكل. وهذا الحضور لا يتعلّق بالايمان أو بعواطف المرتّل، بل إن الايمان وعواطف المرتّل ترتبط بهذا الحضور. لهذا ما يطلبه قبل كل شيء، بل الشيء الوحيد الذي يرجوه، هو أن يقيم ببيت الرب أيام حياته. هذا هو الأمر الوحيد الأكيد. هناك يرى بهاء الله وجماله، فتزول كل الظلمات ويهرب الاشرار. وكيف يرى المرتّل بهاء الله؟ حين يشارك في الاحتفالات الليتورجية، يسمع صوت الكهنة، يشارك الشعب في النشيد والهتاف فتكمل سعادته في مقرّ حضور الرب. 6. أجل، أراد الربّ إلهنا أن يكلّمنا ويعزّينا، نحن الذين يرانا نأكل خبزنا بعرق جبيننا بسبب قضائه العادل. تنازل وكلّمنا بلغتنا ليدلّ على أنه ليس خالقنا وحسب، بل هو يسكن في وسطنا أيضًا. إن كلمات هذا المزمور الذي سمعناه وأنشدنا بعضًا من آياته، لا نستطيع أن نجعلها كلماتنا دون أن نتساءل كيف يكون ذلك صحيحًا. فهي من الروح القدس قبل أن تكون منا. فإن أعلنّا أنها ليست منّا كنّا كاذبين. فلا تأوّه إلاّ حيث نجد أناسًا يتألّمون. فكيف يكون هذا الصوت الذي يدوّي هنا وهو مليء بالعذاب والدموع، كيف يكون صوت ذاك الذي لا يستطيع أن يعرف الشقاء؟ فالله هو الرحوم ونحن الأشقياء. تنازل الرحوم وكلّم الأشياء، بل تنازل واستعمل صوتَ الأشقياء. إذن، لا شك في أن هذا الصوت هو صوتنا، ولا شكّ في أنه ليس بصوتنا. إنه صوت روح الله وليس بصوته. إنه صوت روح الله، لأنه إن لم يكن هو الذي أوحى بهذه الكلمات لما كنّا نقولها. ومع ذلك، ليس صوته، لأنه لا يعرف الشقاء ولا المجهود المؤلم. والحال أن هذه الأقوال هي صرخات الأشقياء والمتعبين. وفي النهاية هي كلماتنا لأنها تعبّر عن شقائنا. وليست بكلماتنا لأنها عطيّة من روح الله. "أنشد وأعزف للرب". نكون في أمان، نعزف في أمان حين نتأمّل حلاوة الربّ، حين نكون في ظلّ هيكله، في اللافساد وبعد أن يُبتلع الموت في الظفر. ولكن ما هو الوضع الآن؟ صوّرنا الأفراح التي تحصل لنا حين نجد استجابة للطلبة الوحيدة التي تفوّه بها هذا المزمور وهي: "أن أقيم ببيت الربّ جميع أيام حياتي فأرى وجه الربّ". ولكن ماذا نقول الآن؟ "إستمع إلى صوتي، يا رب". الآن نتأوّه. الآن نصلّي. فلا تأوّه إلاّ لدى المعوزين. تمرّ الصلاة فيحلّ صراخ التهليل. وتمرّ الدموع فيحلّ الفرح. إذن، طالما نحن في أيام المحنة فلا نتوقّف عن الدعاء إلى الربّ، والتوجّه إليه بالطلبة الوحيدة. ولا تتوقّف صلاتنا إلى أن نحصل عليها، لأنه يسهر علينا ويريد أن تتمّ فينا. "إستمع يا ربّ إلى صوتي الذي يصعد إليك بشكل صراخ. إرحمني واستجب لي". لا يطلب المرتّل إلاّ شيئًا واحدًا وسيظلّ مصلّيًا، باكيًا، متنهدًا، ولا يطلب إلاّ شيئًا واحدًا. أسكتَ كلَّ رغباته، فلم يبق له إلاّ هذا الشيء الوحيد يطلبه. "أعنّي، ولا تتخلّ عني". فأنا أسير في الطريق. لا أطلب منك إلاّ شيئًا واحدًا: أن أقيم ببيتك كل أيام حياتي، أن أتذوّق حلاوتك، أن أقيم في ظلّ هيكلك. وها أنا في الطريق لأدرك كل هذا. قد تقول لي يا رب: اجتهد، امشِ، أعطيتك الحرّية وكل شيء يرتبط بإرادتك. ثابر في الطريق، أطلب السلام ولاحقه. لا تحد عن الطريق، لا تتوانَ، لا تنظر إلى الوراء. لا تكفّ عن السير لأن "ذاك الذي يصبر إلى المنتهى يخلص" (مت 24: 13). ما إن نلتَ الحرّية حتى شرعت تعتّد بقواك وتعتبر أنها هي التي تسيّرك. كلا، لا تستند إلى ذاتك. فإن تخلّى عنك الرب تضعف حالاً في الطريق، تسقط، تضلّ، تتأخّر. فقل له: أجل، لقد أعطيتني الحرّية، ولكن مجهودي لا يصل بدونك إلى نتيجة. "أعنّي، ولا تتخلّ عني، ولا ترذلني أيها الله مخلّصي". أنت عوني يا من خلقتني. لن تغيب عني يا من خلقتني. (أوغسطينس). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
المزمور الحادي والعشرون: الاتكال على الربّ |
الاتكال على الربّ المزمور الحادي والعشرون |
الربّ راعيّ المزمور الثالث والعشرون |
إلى الربّ أصرخ المزمور الثامن والعشرون |
الربّ ملك الكون المزمور التاسع والعشرون |