رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
خلاص فائق يبدأ العمل الخلاصي بمغفرة الخطايا، فينعم المؤمن بشفاء النفس من جراحاتها، ولا يتعثر في الطريق، ولا يسقط في فخاخ العدو الخفية، إنما يتمتع بعمل الروح القدس الذي يجدد الأعماق على الدوام، ويسنده الرب في وسط ظلم الأشرار ومقاومتهم. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ، الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ [3]. تبدأ إحسانات الله بطول أناته كغافر للخطايا والذنوب. ومع المغفرة يشفي الجراحات التي تسببها الخطية في حياة الإنسان، خاصة في أعماقه. إنه دائمًا يود تجديد حياتنا الداخلية، ليسكب علينا عدم الفساد، عوض الفساد الذي حلّ بنا. إنه طبيب النفوس والأجساد! يعمل لأجل تمتعنا بالحياة الأبدية المجيدة نفسًا وجسدًا! * اسمعوا ما هي كل حسناته. "الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك". تطلعوا إلى إحساناته. ماذا يستحق الخاطئ سوى العقوبة؟ ماذا يستحق المُجَدِّف سوى نار جهنم؟ إنه يهبكم هذه الإحسانات حتى لا ترتجفوا بفزع، وتخافوه بدون حب... فإنك خاطئ. ارجع ثانية وتقبَّل إحساناته. إنه "يغفر جميع ذنوبك"... ومع هذا فبعد غفران الخطايا تهتز النفس ذاتها بأهواءٍ معينة، ولا تزال في مخاطر التجربة. إنها لا تزال تُسر ببعض المقترحات، إنها لا تُسر ببعضها، وأحيانًا تقبل البعض وتُسر بها: إنها تنجرف فيها. هذا هو ضعف، لكنه، "يشفي كل أمراضك". تُشفى كل ضعفاتك، فلا تخف! إنها ضعفات خطيرة، لكن الطبيب أعظم. لا يوجد ضعف يوضع أمام الطبيب القدير غير قابل للشفاء. فقط اسمحْ لنفسك أن تُشفَى. لا تقاوم يديه؛ إنه يعرف كيف يتعامل معك. لا تُسر فقط عندما يدللك، وإنما احتمله عندما يمسك السكين. احتملْ ألم العلاج، فإن له تأثيره على مستقبلك . القديس أغسطينوس * "الذي يشفي كل أمراضك" نفوسنا مُصابة بأمراضٍ كثيرة. توجد أمراض للنفس متعددة قدر ما توجد خطايا. إنه لأجل تعليمنا جاء عن المرأة التي في الإنجيل التي كانت مريضة لمدة ثمانية عشر سنة بسبب روح (شرير)، وانحنت ولم تكن قادرة على التطلع إلى فوق (لو 13: 11). لاحظوا معنى ما يقوله الإنجيل. عندما يُصاب أحد بمرضٍ بسبب روحٍ، ينحني وينظر إلى أسفل، متطلعًا إلى الأرض، عاجزًا عن التطلع إلى السماء . القديس جيروم * وجب علينا تذكر خمسة أشياء وعدم نسيانها: أولًا: مغفرة خطايانا [3]... كما حرر الرسول: "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار برّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله" (رو 3: 25)... ثانيًا: شفاء أمراضنا الجسدية والروحية [3]. ثالثًا: نجانا من الفساد [4]، وذلك بقيامته من الأموات. بقولنا إنه نجانا من البلاء والفساد، لا يعني أنه خلَّصنا من الموت الذي هو مفارقة النفس من الجسد... لكن ربنا له المجد منحنا سبيلًا أن نبرأ من الموت الذي هو مفارقة النفس من الحياة الأبدية، ومن الانحدار إلى الهلاك والجحيم... رابعًا: أننا كُللنا بمواهب عظيمة، وهي أن نصير أبناء الله بالتبني. هذا هو الإكليل الذي من أجله كتب الرسول: "قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وضُع لي إكليل البرّ الذي تهبه ليّ في ذلك اليوم الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تي 4: 7-8). هذا الإكليل مُضَفر من الرحمة والرأفة، لأنه من رحمة الله معطي الرحماء. خامسًا: ملأنا من الخيرات الروحية التي يشتهيها الصديقون [5]، واشتهاها آدم أيضًا، وهي أن نكون آلهة. لأنه بهذه الشهوة أغواه المحتال إلى أكْلِ الثمرة المُنهَى عنها. إذًا رغمًا عن الشيطان منحنا ربنا الإلوهية، وجعلنا شركاء صورته بنعمة المعمودية المقدسة التي بها تتجدد طبيعة البشر، لنزع الإنسان العتيق البالي، ولبس الإنسان الجديد، مثل النسر الذي ينزع ريشه العتيق، فينبت له ريش جديد. هكذا تحصل النفس مثل النسر أن تكون ملكة على شهوات الجسد وعالية للطيران حتى إلى علو السماوات. الأب أنسيمُس الأورشليمي * ربنا ومخلصنا هو الطبيب الحقيقي والكامل، يهب الشفاء للجسم، ويرُد الصحة للنفس . الأب خروماتيوس * دعنا إذًا نُسْرِع إلى تقبُّل المنّ السماوي، الذي يُعْطِى لكل فم الطَعْمِ الذي يرغب فيه. فلنستمع أيضًا إلى ما يقوله الرب لمن يقترب إليه: "وكما آمنت يكون لك" (مت 8: 13). لذلك، فإن تقبَّلت كلمة الله، التي تسمعها في الكنيسة، بإيمانٍ كاملٍ وورعٍ، فستكون لك هذه الكلمة: "كما تشاء: فعلى سبيل المثال، إن كنتَ حزينًا فسيعزيك قوله: "القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله الله" (مز 50: 17). وإذا فرحتَ آملًا في المستقبل، فسيزيد فرحك عندما تسمع: "افرحوا بالرب، وابتهجوا يا أيها الصديقين" (مز 32: 11). وإذا كنتَ غاضبًا، فستهدأ عندما تسمع: "كف عن الغضب، واترك السخط" (مز 37: 8). وإن كنتَ في ألمٍ، فَسَيُبْرِئُك سماع: "الرب يشفي كل أمراضك" (مز 103: 3). وإن كنتَ منسحقًا بالفقر، فستتعزى حينما تسمع: "الرب المقيم المسكين من التراب، الرافع البائس من المزبلة" (مز 103: 7). إذًا فالمنّ الذي يعطيه لك كلمة الله، سوف يكون في فمك بالطَعْمِ الذي تشاء. العلامة أوريجينوس * في صراع كهذا تكون النصرة عظيمة جدًا، لا إلى حين بل إلى الأبد، حيث ليس فقط ينتهي المرض، إنما لا يعود يظهر مرة أخري (هناك في الأبدية). فليُسمع البار نفسه وهو يقول: "باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته، الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك" (مز 103: 2-3). إنه غافر ذنوبنا، إذ يسامحنا عن خطايانا، وهو شافي أمراضنا، إذ يضبط الشهوة الشريرة. غافر ذنوبنا بعطية الغفران، وشافي أمراضنا بالعفة. الأولى يتمتع بها المعترفون في العماد، والثانية تُنفَّذ في نضال المجاهدين، حيث يَغلبون خلال نعمته. واحدة تحدث، إذ يصغي إلى قولنا "اغفر لنا ذنوبنا" (مت 6: 12). والأخرى عند سماعه قولنا "لا تدخلنا في تجربة"، إذ يقول الرسول يعقوب: "ولكن كل واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته" (يع 1: 14). ونحن نطلب ضد هذا الخطأ دواءً من الرب، هذا الذي يقدر أن يشفي كل مثل هذه الأمراض.. لذا يلزم علي كل من يسمع هذا أن يصرخ، قائلا:ً "أنا قلت يا رب ارحمني، اشف نفسي، لأني قد أخطأت إليك" (مز 41: 4). فإنه لا تكون هناك حاجة لشفاء النفس ما لم تكن قد فسدت بصنع الخطية.. فتضاد ذاتها، وتكون مريضة في جسدها . * في كل خطية يوجد بلا شك عمل شهوة ضد المسيح، ولكن عندما يقود ذاك الذي "يشفي كل أمراضنا" (مز 103: 3) كنيسته في الشفاء الموعود به، عندئذ سوف لا يكون في أيّ عضو من أعضائنا أيّ غضن أو دنس. إذن سوف لا يشتهي الجسد ضد الروح قط، وعندئذ لا يكون هناك أيّ داعٍ لكي يشتهي الروح ضد الجسد. سينتهي هذا النـزاع، سيكون هناك اتفاق بين العنصريْن علي أعلي مستوي، وسوف لا يكون هناك أحد جسديًا، حتى أن الجسد نفسه سيكون "روحيًا". فما يفعله من جهة جسده ذاك الذي يحيا حسب المسيح، إذ يشتهي ضد الشهوة الشريرة ذاتها، مقاومًا إياها لكي يُشفَى، لكنه لم يُشفَ بعد إذ هي فيه، إلا أنه مع هذا يُنعش طبيعة الجسد الصالحة ويلاطفها، حيث "لم يبغض أحد جسده قط" (1 يو 1: 8). هذا أيضًا بذاته يفعله السيد المسيح من جهة كنيسته وذلك إن قارنا الأمور الصغيرة بالأمور الكبيرة. لأن السيد المسيح يضغط عليها بالانتهار، لكي لا تتكبر خلال سموها، ويرفعها بالتعزيات حتى لا تسقط في الهاوية بالضعفات. وهذا ما يقوله الرسول: "لأننا لو حكمنا علي أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا نُدان مع العالم" (1 كو 11: 31-32) وهذا ما جاء في المزمور: "عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي" (مز 94: 19) . * بالتأكيد لا يتحقق تجديد الإنسان الداخلي في لحظةٍ واحدةٍ عند قبول الإيمان، إنه ليس مثل التجديد الذي يحدث في العماد الروحي الذي يحدث في لحظة قبولنا لمغفرة الخطايا، في اللحظة التي فيها يُنزع عنا كل ما هو ضدنا، ولا يبقى شيء بلا مغفرة (مز 103: 12). الشفاء من الحمى شيء، واستعادة الإنسان لصحته بعد معاناته من الضعف بسبب المرض شيء آخر. نزع الحربة من الجسم شيء، والشفاء من الجرح المميت بالعلاج الطويل والرعاية شيء آخر. إني أخبركم أن إزالة العلة هو مجرد الخطوة الأولى للعلاج، هذه الخطوة الأولى التي فيها تهتم بشفاء نفسك هي اللحظة التي فيها تُغفر خطاياك. بالإضافة إلى هذا توجد حاجة إلى الشفاء من المرض الروحي نفسه، هذا يتحقق تدريجيًا، يومًا فيومًا، إذ تُمحى تدريجيًا صورة الإنسان الساقط الذي في الداخل، وتتجدد حسب صورة الله. كل من هاتين العمليتين وُضعت في آية واحدة (مز 103: 3). يشير المرتل: أولًا: إلى ذاك الذي يغفر كل خطاياك، هذا يتحقق في العماد بمراحم الله. ثانيًا، نقرأ أنه هو نفسه يشفي أمراضكم، هنا يتحدث عن التقدُّم اليومي الذي فيه تنمو صورة الله بقوة فينا. القديس أغسطينوس الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ، الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ [4]. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "المنقذ من الفساد حياتك". حلّ الفساد بنا بسبب الخطية، وتمتعنا بعدم الفساد والمجد الأبدي خلال الرحمة الإلهية وعمل الله الخلاصي. * "الذي يفدي من الهلاك حياتك". لقد ُأشتريتم بثمن، فلا تجعلوا أنفسكم عبيدًا للناس (1 كو 7: 23). أي ثمنٍ أعظم من أن يسفك الخالق دمه من أجل الخليقة؟ "الذي يكللكِ بالرحمة والرأفة". إنه يتوجكم. إذ يخلصكم يكللكم. إنه يهبك تاجًا، ليس عن استحقاقك، وإنما من أجل حنو رأفته. يا رب إنك تتوجنا بدرع إرادتك الصالحة (راجع مز 5: 13). لاحظوا ماذا يقول؟ يا رب تتوجنا بدرع إرادتك الصالحة. لعلك تسأل: هل بالحقيقة يتوج أحد بدرعٍ؟ بالحقيقة من يتوج، إنما يتوج بالزهور أو الذهب أو بأكاليل أخرى. الآن كيف يُتوج أحد بدرعٍ؟ درع الرب هو تاج، لأنه يحوطنا بحمايته ويدافع عنا، هكذا يتوجنا. الرحمة والرأفة في هذا المزمور يعنيان ما يعنيه الدرع في مزمور آخر. والدرع إذ يحوط بنا ويحمينا هو رحمته ورأفته . القديس جيروم * "الذي يفدي من الفساد حياتك"... لتُفَكِّرْ في صحتك... إن كان ضعفك ذاته يؤكد أنك مريض فلتهتم بصحتك. المسيح هو صحتك، فلتفَكِّرْ في المسيح. تقبَّل كأس صحته المخلِّصة "الذي يشفي كل ضعفاتك"، فإن أردتَ ذلك تقتني هذه الصحة (السيد المسيح)... فإن حياتك تُفتدَى من الفساد... "الذي يكللك بالرحمة والرأفة". ربما بدأتَ تتشامخ بنوعٍ ما، لتسمع الكلمات: "الذي يكللك" . القديس أغسطينوس * إنها تقيم من البشر كهنة! نعم إنه كهنوت يجلب مكافأة عظيمة! الرجل الرحوم (الكاهن) لا يرتدي ثوبًا إلى الرجليْن، ولا يحمل أجراسًا، ولا يلبس تاجًا، لكنه يتقمَّط بثوب الحنو المملوء ترفقًا، الذي هو أقدس من الثوب المقدس! إنه ممسوح بزيتٍ لا يتكون من عناصر مادية بل هو نتاج الروح...! يحمل أكاليل المراحم، إذ قيل: "يتوجك بالمراحم والرأفات" (مز 103: 4). عوض الصدرية الحاملة اسم الله، يصير هو نفسه مثل الله. كيف يكون هذا؟ إنه يقول: "لكي تكونوا مثل أبيكم الذي في السماوات" . القديس يوحنا الذهبي الفم الَّذِي يُشْبِعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ [5]. الله هو وحده كلي الصلاح، أو الصلاح غير المتغيِّر، أما صلاح الإنسان فيتغيَّر من شخص إلى آخر، ومن زمانٍ إلى زمانٍ. فإن أردنا أن نشبع بالصلاح الحقيقي أو بالخير الحقيقي يليق بنا أن نقتني الله نفسه مصدر الصلاح. توجد قصص كثيرة عجيبة بخصوص تجديد النسر لشبابه. منها أنه ككثير من الطيور يتمتع كل عام بريش جديد يجدد طاقاته، لهذا يُقال أنه من أكثر الطيور الطائرة عمرًا، هذا ويتسم بنظره الحاذق، فيرى أصغر الأشياء وهو على بُعد شاهق. كما أنه لا يعاني من الضعف في شيخوخته كسائر الطيور. يُحسَب ملك الهواء (راجع خر 19: 4؛ تث 28: 49؛ أم 30: 19؛ إش 40: 31؛ إر 4: 13؛ حب 1: 8). * لأن البار الذي يحيا بالإيمان يرجو الحياة الأبدية دون أدنى شك، وكذلك الإيمان الذي يجعل الجياع والعطاش إلى البرّ يتقدمون به بتجديد الداخل يومًا فيومًا (2 كو 4: 16). ويرجو أن يشبع به في الحياة الأبدية، حيث يتحقق ما قيل عن الله في المزمور: "الذي يُشبع بالخير عمرك" (مز 103: 5) . القديس أغسطينوس * لقد دُعوا نسورًا، إذ يتجدد مثل النسر شبابهم، ويَحمِلون أجنحة ليأتوا إلى آلام المسيح . القديس چيروم * لنصعدْ من هنا، أي من أمور هذا الجيل ومن أمور العالم. إذ يقول الرب: "قوموا ننطلق من ههنا"، معلمًا كل واحدٍ أن ينطلق من الأرض ويرفع نفسه الراقدة على الأرض، يرفعها إلى الأمور العلوية، ويدعوه نسره، هذا الذي يُقال عنه: "يجدد مثل النسر شبابك" . القديس أمبروسيوس * لهذا فإن لداودَ الحقَ أن يصرخ، كإنسانٍ قد تجدَّد، "سآتي إلى مذبح الله، إلى الله الذي يعطي فرحًا لشبابي" (مز 4: 43). كما قال قبلًا إنه شاخ وسط أعدائه، كما نقرأ في المزمور السادس (قابل مز 8: 6) وهو يقول هنا إنه قد استعاد الشباب بعد طول شيخوخة وسقوط الإنسان. لأننا قد تجددنا بالتجديد الذي نلناه في المعمودية، وتجددنا خلال سكب الروح القدس، وسنتجدد أيضًا بالقيامة، كما يقول في نصٍ آخر: "فيتجدد مثل النسر شبابك" (مز 103: 5). فاعلموا طريقة تجديدنا: "تنضح عليَّ بزوفاك فأطهر، تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 9: 51) وفي إشعياء: "إن كانت خطاياكم حمراء كالقرمز، تبيض كالثلج" (إش 18: 1). ومن يتغيَّر من الظلمة، ظلمة الخطية، إلى نور الفضيلة وإلى النعمة، إنما قد تجدَّد فعلًا، لهذا فإن ذاك الذي تلطخ قبلًا بالدنس الأحمق، يشرق الآن بسطوع أكثر بياضًا من الثلج . القديس أمبروسيوس * من المعلوم يا إخوتي أن كل منَّا يطلب راحته وسروره، إلاَّ أنه لا يطلب ذلك كما يجب ولا حيثما يوجد. فالأمر يتوقف على تمييز السرور الحقيقي من السرور الكاذب، وبالعكس فإننا غالبًا ما نُخدَع بخيالات السرور الباطل والخير الكاذب. فالبخيل والمتجبِّر والشرِه والشهواني، كل منهم يطلب السرور، إلاَّ أن هذا يضع سروره في جمع غِنَى وافر، وذاك في شرف الرُتَب والكرامات. وهذا في المآكل والمشارب اللذيذة، وذاك في إشباع شهواته النجسة. ليس منهم من يطلب سروره كما يجب ولا حيثما يوجد، من ثم لا يجده أحد منهم رغم أن الكل يشتهونه. فكل ما هو في العالم لا يقدر أن يشبع النفس، ويخول لها سرورًا حقيقيًا، فلماذا إذًا تتعب أيها الإنسان الغبي، وتطوف باطلًا في أماكن كثيرة متوقعًا أن تجد خيرات تملأ بها نفسك وترضي بها جسدك؟! أحبب خيرًا واحدًا يحوي جميع الخيرات، ففيه وحده تجد الكفاية. استرح إلى الخير الواحد العظيم العام، ففيه الكفاية عن كل شيء. وأما أنتِ يا نفسي، فباركي الرب الذي يشبع بالخيرات عمرك (مز 103: 2، 5). القديس أغسطينوس * سأل أخ عن هذه الآية: "يتجدّد مثل النسر شبابك" (مز 103: 5). فقال له القديس مقاريوس: "مثل الذهب إذا حُمِّي في النار يتجدّد. هكذا أيضًا النفس إذا كان لها من الفضيلة ما يُنقِّيها من أدناسها ومن كل دناياها، فستتجدّد وتطير إلى الأعالي". فسأله الأخ أيضًا: "ما هو الطيران إلى الأعالي يا أبي؟" فقال له: "مثل النسر إذا طار في أعالي الجو. فهو ينجو من فخاخ الصيّاد. ولكنه إذا هبط إلى الأرض، يسقط في فخاخ الصيّاد. هكذا النفس هي أيضًا إذا كانت غير مباليةٍ، وإذا هبطت من أعالي الفضيلة، فهي تسقط في فخاخ صيّاد الأرواح." فردوس الآباء اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلَ وَالْقَضَاءَ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ [6]. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "الرب صانع الرحمة والقضاء لسائر المظلومين". إذ يعيش المؤمنون الحقيقيون في كل العصور في متاعب، ويتعرضون للظلم والضيق، يؤكد الكاتب المقدس أن الله يجري الرحمة والقضاء في نفس الوقت. كثيرون يتخيلون وجود تناقض بين الرحمة والقضاء، أو بين الرحمة والعدل، لكن الله كلي الرحمة في عدله، وكلي العدالة في رحمته. بمحبته للبشرية طويل الأناة ومتحنن لعل الكل يرجع إليه، فيتمتعوا بالأكاليل والبركات خلال الحكم والعدل. يرى القديس أغسطينوس أنه إذ قُدمتْ امرأة زانية للسيد المسيح لكي تُرجَم حسب الناموس(يو 8)، وقفت أمام واضع الناموس. وهو بدوره انحنى ليكتب على الأرض (التراب)، عندئذ اكتشف الممسكون بها ضمائرهم الزانية، فخجلوا وانسحبوا. هكذا يليق بنا أن نتعامل مع الخطاة، ونسندهم لا بكونهم خطاة بل بكونهم بشرًا يحتاجون إلى من يسندهم ضد الخطية. نقبل الخطاة لا باسم الخطاة لئلا نهلك، وإنما باسم مخلص الخطاة، فيتمتعون بالرحمة ويتبررون عند القضاء بذاك الذي غفر لهم وبررهم. لنُقدِّمْ للخطاة الرحمة الإلهية فننعم نحن أيضًا بها. عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ [7]. سلَّم الله الشريعة لموسى، وكشف له خطته الإلهية، لا ليدين ويحكم، إنما لكي يدرك الكل حاجتهم إلى المخلص، الطبيب الإلهي المملوء حبًا! * "عرَّف موسى طرقه"... فقد أُعطي الناموس بهذا الغرض: أن يقتنع المريض بضعفه، ويطلب الطبيب... لكي يتقبل النعمة . القديس أغسطينوس * طُرُق الله هي أفعال الرحمة والقضاء لجميع المظلومين، لأنه صنع لشعبه رحمة وقضاءً عندما نجاهم من الفراعنة، وأباد أعداءهم. وقد عرفها لموسى وبواسطته لبني إسرائيل أيضًا. أما مشيئاته (أفعاله) فهي وصاياه: لا تقتل، وتزنِ، لا تسرق، وما تلى ذلك. أيضًا طُرُقه ومشيئاته هي أعمال تجسده التي صنعها ابن الله لأجل خلاصنا. لأن اجتيازهم البحر كان رسمًا لاصطباغنا بماء المعمودية، والمياه التي انفجرت من الصخرة ورَوَتْ العطاش كانت رسمًا للدم الكريم الذي انفجر من جسد ربنا وأحيانا. والمن كان رسمًا لغذائنا الروحي. هذه كلها صارت سبيلًا لخلاصنا. وقد عرفَّها بالرمز لموسى وبني إسرائيل، أعني للأنبياء الناظرين الله. الأب أنسيمُس الأورشليمي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 107 | خلاص من المرض |
مزمور 107 | خلاص من العبودية |
مزمور 107 | خلاص من تيه البرية |
مزمور 52 - خلاص الله |
مزمور 44 - قرن خلاص دائم |