وإِنَّما أُكلِّمُهم بِالأَمثال لأَنَّهم يَنظُرونَ ولا يُبصِرون،
ولأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون.
تشير عبارة "وإِنَّما" في الأصل اليوناني διὰ τοῦτο (معناها من اجل هذا) إلى المبدأ الذي ذُكر في الآية السَّابقة. أمَّا عبارة " لأَنَّهم يَنظُرونَ ولا يُبصِرون" فتشير إلى إلقاء مسؤولية الْعَمَى على البشر لا على الله، لأنَّه عندما كان النَّاس يرفضون تقبّل تعليم يسوع، كانت الحقيقة مَخفيَّة عنهم. لذلك فان عدم تمييز سر الملكوت في يسوع يُزيد الْعَمَى عن رؤية هذا الملكوت؛ وهذه هي حالة الشعب اليهودي والفِرِّيسيِّين والكتبة الذين رأوا السيد المسيح ولم يعرفوه ولم يسمعوه ولم يميَّزوا صوته الإلهي، بينما تلاميذ المسيح انفتحت بصيرتهم الرُّوحية فعرفوه وأحبُّوه. فالدخول إلى الملكوت أو الانفصال عنه يتقرّران بقبول شخص يسوع وتعليمه بالأمثال أو برفضها، وليس هناك من موقف حيادي. فمن لم يكتشف سر الملكوت في يسوع، زاد عَمَى على عَمَى، لان الدُّخول إلى الملكوت أو عدم دخوله يتقرّران في قلب السَّامعين: من رفض شخص يسوع وتعليمه رفض الملكوت، ومن تقبل يسوع تقبل الملكوت. وهنا نحن أصبحنا بين خيارين: إمَّا إن نختار الخلاص وإما أن نختار الهلاك. فمن لا يتقبل الملكوت لا تعني الأمور الرُّوحية له شيئا، كما جاء في تعليم بولس الرسول "الإِنسانُ البَشَرِيُّ لا يَقبَلُ ما هو مِن رُوحِ الله فإِنَّه حَماقةٌ عِندَه، ولا يَستَطيعُ أَن يَعرِفَه، لأَنَّه لا حُكْمَ في ذلِكَ إلاَّ بِالرُّوح (1 قورنتس 2: 14). أمَّا عبارة " لأَنَّهم يَسمَعونَ ولا يَسمَعون ولا هم يَفهَمون" فتشير إلى السَّامعين الذين اتَّخذوا ظاهر كلام المَثل ولم يسألوا عن باطنه، فكان له بمنزلة قصة. وكان تأثير كلام المثل في الأُذن دون تأثيره في العقل أو في القلب ولا فائدة في السيرة. ويوضِّح صاحب الرسالة إلى العِبرانيين السبب بقوله: "لأَنَّكم كَسالى عنِ الإِصْغاء" (العبرانيين 5: 11).